قراءة قانونية في أحكام عقد البيع

عقد البيع مثله في ذلك مثل سائر العقود يلزم لانعقاده وجود إرادتين صحيحتين متوافقتين, وهاتان الإرادتان المتقابلتان يعرفان بالإيجاب والقبول.

حيث نصت المادة 89 من القانون المدني على أن:

“يتم العقد بمجرد أن يتبادل (طرفان) التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد”
وعليه فيجب أن يتوافر التراضي بين إرادتي البائع والمشتري حتى ينعقد عقد البيع.
ويعني ذلك أن يتم التعبير عن الإرادة من المتعاقدين, وأن تتوافر في كل منهما إرادة التصرف, وأن تكون تلك الإرادة خالية من العيوب.
ولم يرد بشأن عقد البيع شكل معين اشترطه المشرع كي يترتب على توافره انعقاد عقد البيع بصفة عامة، وبالتالي فيطبق في شأن عقد البيع بالنسبة إلى كيفية التعبير عن الإرادة القواعد العامة للعقد بصفة عامة، فلما كان الرضا، وهو اقتران ارادتين متطابقتين، أي وجود إيجاب معين وقبول مطابق له، واقترن الأخير بالأول أي وصوله إلى علم الموجب. فمن الجائز التعبير عن كل من الإيجاب والقبول أي عن إرادة البيع وإرادة الشراء بأية طريقة سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفاً، بل من الجائز التعبير عنهما باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وكذلك يجوز أن يكون التعبير ضمنياً إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً (المادة 90 من القانون المدني).
فعقد البيع عقد رضائي، لأنه يتم بمُجرد اتفاق الطرفين، ولا يحتاج انعقاده إلى إجراء شكلي، أي أنه يتم بمُجرد تبادل ارادتين متطابقتين أياً كانت طريقة هذا التبادل، كتابة كانت أو مشافهة أو إشارة. ويستثنى من ذلك بيع السفن التجارية إذ اعتبره المشرع عقداً شكلياً

ونص في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990 على أن:

“تقع التصرفات التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو انقضاء حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية على السفينة بمحرر رسمي وإلا كانت باطلة”.
وهو ذات الحكم الذي كان ينص عليه قانون التجارة البحرية القديم الصادر من الباب العالي في عام 1883 والذي كانت تنص المادة الثالثة منه على أن: “بيع السفينة كلها أو بعضها اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً”.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه:

“لم يعن قانون التجارة البحري الصادر عام 1883 بتعريف السفينة إلا أنه يمكن تحديد معناها بالرجوع إلى أحكام ذلك القانون التي يبين منها أن نطاقه يتحدد بأعمال الملاحة البحرية وأن السفينة هي الأداة الرئيسية لهذه الملاحة. وعلى ذلك إذا أطلقت عبارة السفينة في بعض نصوصه بغير قيد كما هو الحال بالمادة الثالثة منه التي تنص على أن “بيع السفينة كلها أو بعضها بيعاً اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً” [والمُقابلة لنص الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990] فإن مفاد ذلك هو إخضاع كل منشأة عائمة تقوم بالملاحة البحرية لحكم هذا النص بغض النظر عن حمولتها أو حجمها أو طريقة بنائها أو أبعادها وأيا كانت أداتها المسيرة شراعية أو بخارية وسواء أعدت السفينة بحسب صنعها لتحمل مخاطر الملاحة في أعالي البحار أو لمجرد الملاحة الساحلية أو الحدية وبغير التفات إلى الغر ض من تشغيلها بأن كانت سفينة تجارية أو سفينة للصيد أو النزهة”. (نقض مدني في الطعن رقم 58 لسنة 25 قضائية – جلسة 7/5/1959 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – صـ 395 – فقرة 1).
ومثل بيع الطائرات.

وكذلك التصرف في حق المؤلف والحقوق المجاورة. ويقصد بالحقوق المجاورة لحق المؤلف: “الحقوق الخاصة بالأشخاص الذين تدور أعمالهم في فلك استغلال المصنف الأدبي أو الفني والمترتبة لهم بناء على الدور الذي نفذوه فيه، مثل فنانو الأداء، ومنتجو التسجيلات الصوتية، وهيئات الإذاعة., على النحو الذي نظمه القانون رقم 82 لسنة 2002 المنظم لحقوق الملكية الفكرية، حيث تنص المادة 149 من قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أن للمؤلف أن ينقل إلى الغير كل أو بعض حقوقه المالية المبينة في هذا القانون. ويُشترط لانعقاد التصرف أن يكون مكتوباً وأن يُحدَد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق على حده يكون محلاً للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه …”.
ومثل التنازل عن العلامات التجارية وعن براءات الاختراع, حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أنه: “… لا تنتقل ملكية البراءة ولا يكون رهنها أو تقرير حق انتفاع عليها حجة على الغير إلا من تاريخ التأشير بذلك في سجل البراءات”. فالتنازل عن البراءة سواء كان كلياً أو جزئياً يخضع في أحكامه لعقد البيع بصفة عامة.

وبالتالي فإن التنازل يتم بمجرد موافقة إرادة كل من المتنازل والمتنازل إليه دون حاجة إلى إجراء شكلي أو رسمي لذلك. إلا أنه لكي يحتج على الغير بمثل هذه التصرفات لا بد من إتباع إجراءات معينة وهي التأشير بالتنازل في سجل البراءات. وعليه، فالكتابة هنا ليست للانعقاد بل للاحتجاج في مواجهة الغير(بحسب أن التأشير في سجل البراءات يفترض بداهة كتابة العقد). أما فيما بين المتعاقدين (المتنازل والمتنازل إليه) فلا يستطيع أحدهما التمسك بعدم إتمام إجراءات التسجيل في مواجهة الآخر.

وكذلك الحال بالنسبة للعلامات التجارية فتنص المادة 87 من ذات القانون على أنه يجوز نقل ملكية العلامة التجارية أو تقرير أي حق عيني عليها أو الحجز عليها استقلالاً عن المحل التجاري أو مشروع الاستغلال، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون والتي تنص الفقرة 6 من المادة 102 من تلك اللائحة التنفيذية (لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002) الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء برقم 1366 لسنة 2002 على أنه: “يقدم طلب التأشير في السجل بانتقال ملكية العلامة أو ترتيب أي حق عليها وذلك بناء على طلب ممن انتقل إليه الحق أو من يوكله في ذلك بموجب توكيل خاص رسمي. ويحرر الطلب على النموذج المعد مشتملاً على البيانات الآتية: … 6- المستند الدال على انتقال الملكية موثقاً أو مصدقاً عليه”. مما يفترض بداهة في حالة بيع العلامة التجارية أن يكون عقد بيعها أو التنازل عنها مكتوباً حتى يمكن توثيقه أو التصديق عليه ومن ثم التأشير به في سجل العلامات التجارية، ولكن أثر ذلك فقط للاحتجاج به على الغير أما فيما بين المتعاقدين فلا يجوز لأحدهما التمسك قِبل الآخر بعدم إتمام إجراءات تسجيل انتقال ملكية العلامة التجارية (بتطبيق ذات القواعد بشأن براءة الاختراع). فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.
وفي غير هذه الحالات المستثناة، فإذا لم يدون عقد البيع في محرر، وكان مما يُشترط تسجيله، جاز إثباته من طريق الإقرار أو اليمين أو غيرهما وفقاً لقواعد الإثبات، وقام الحكم المثبت له مقام المحرر الذي يصدر من الطرفين من حيث التسجيل. فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.

أما إذا تم تحرير عقد البيع كتابة ولكن لم يثبت التراضي عليه، فلا عبرة بالكتابة إذ مناط التعاقد هو التراضي وليس الكتابة، فمن المقرر في قضاء النقض أن: “التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابةً ولو حصل التوقيع عليها بل أنه لابد من قيام الدليل على تلاقى إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه وهذا ما يقتضي تسليم السند المُثبت له لصاحب الحق فيه بحيث لو تبين إنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا دليلاً على الالتزام، كذلك إذا تبين أنه قد حرر مكتوب بالتعاقد ولكنه سلم “لأمين” فإنه يتعين البحث في ظروف وشروط تسليم ذلك المكتوب للأمين”. (نقض مدني في الطعن رقم 220 لسنة 18 قضائية – جلسة 21/12/1950 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 185 – فقرة 1).

وعلى ذلك يمكن القول بأن عقد البيع ينعقد بمجرد تبادل الإرادتين المتوافقتين (أي الإيجاب والقبول) بين البائع والمشتري متى ما كانت الإرادتين متطابقتين بشأن الالتزامات المتبادلة وأهمها نقل ملكية وتسليم المبيع للمشتري ودفع الثمن للبائع.
وتسري على تبادل الإيجاب والقبول الأحكام العامة التي نص عليها المُشرع في المواد 90 وما بعدها من القانون المدني.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .