الأزمة السورية … هل هي دليل انتفاء القانون الدولي أم اثبات لوجوده ؟

د. سامر محي عبد الحمزة – كلية القانون / [email protected]
نشأت قواعد القانون الدولي لتحكم العلاقات بين الدول المستقلة، وتطورت هذه القواعد عبر القرون لتستقر مع ميثاق الأمم المتحدة التي شكل محور النظام الدولي القائم على أساس احترام سيادة الدول وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية وحل المنازعات بالطرق السلمية.

وعلى الرغم من أن الفترة التي تلت نشوء منظمة الأمم المتحدة لم تخلو من الحروب والنزاعات الدولية، إلا أن الأزمة السورية (٢٠١١- الآن ) شكلت وتشكل تحدياً جدياً للقانون الدولي، فاحترام سيادة الدول وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية تم انتهاكها بشكل صارخ إذ أصبحت سوريا مكانا لتصارع أكثر من ٦٠دولة بشكل مباشر وغير مباشر.

والأزمة السورية بدأت كأثر من أثار ما عرف بالربيع العربي أو تعبيراً من الفئات الفتية في المجتمع العربي عن ضيق ذرعها من ظاهرة (إدمان السلطة )من قبل الحكام العرب في تونس وليبيا ومصر واليمن. إلا أن المظاهر السلمية للاحتجاجات المطالبة بالإصلاح حل محلها قوة مسلحة تضم في طياتها عشرات التنظيمات التي لا يجمعها جامع سوى هدف إسقاط الحكومة، في حين يفرقها رؤيتها لشكل الدولة الذي تتحكم به مصادر تمويلها في تركيا والسعودية وقطر وعدد من الدول العربية والأوروبية.

هذا الصراع جعل البعض يرجح أن الأزمة السورية أصبحت مقبرة للقانون الدولي وبداية حلول شريعة الغاب في العلاقات الدولية.
فهل هذا الافتراض صحيح؟

من الأفضل توضيح مسالة مهمة تتعلق بدور الإعلام في تغطية هذه الأزمة، فالإعلام أصبح أداة سياسية لتلميع وتحسين صورة ممولي تلك القنوات الإعلامية، ف(الجزيرة) القطرية و (العربية) السعودية هي انعكاس لرؤية تلك الدولتين للازمة السورية، وهي رؤيا منحازة في هذه الأزمة ولا يمكن التعويل عليها طالما كانت الدولتان تعترفان بضخ مليارات الدولارات لغرض (إسقاط النظام السوري)، لذلك يجب بيان بعض الملاحظات المتعلقة بالجانب الدولي للنزاع، وهي:

١- إن الجمهورية العربية السورية هي دولة مستقلة ذات سيادة ولها حق (أصيل) في الدفاع الشرعي عن أراضيها ضد أي عدوان مسلح خارجي وفقا للمادة (٥١) من ميثاق الأمم المتحدة بدون حاجة إلى اخذ موافقة من جهة خارجية.

٢- من حق الحكومة السورية للدفاع عن نفسها ان تطلب مساعدة عسكرية من أي دولة، لذلك فطلب سوريا المساعدة العسكرية من روسيا وإيران هو حق سيادي لسوريا دون غيرها.

٣- إن قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ومعهم بعض دول الخليج بتمويل المعارضة المسلحة هو تدخل في الشؤون الداخلية مخالف للفقرة ٧ من المادة الثانية من الميثاق، وتتحمل جميع تلك الدول المسؤولية الدولية عن الإصرار التي تلحق بسوريا نتيجة هذا الدعم تطبيقا لقواعد المسؤولية الدولية،وقد أكدت محكمة العدل الدولية ذلك بشكل قاطع في القضية المعروفة باسم الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها عام 1984، إذ عدت تقديم مساعدات عسكرية لمعارضة مسلحة تدخلا في شؤون تلك الدولة تحرمه قواعد القانون الدولي. إلا أن تلك الدول تتذرع بان ذلك الدعم هو لحماية المدنيين من القوات الحكومية، وهو يجيز نظرياً هذا الدعم إذا ثبت قيام واقعة قصف المدنيين.

٤- فيما يتعلق بالتحالف الدولي الذي ينفذ ضربات جوية وأعمال برية محدودة ضد تنظيم داعش في الرقة، فهذا التحالف يجد سنداً قانونياً يتمثل بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة -ومنها القرار ٢٢٤٩ في عام ٢٠١٥ – التي تجيز للدولة أن تدافع عن أمنها إذا جوبهت بتهديد من منظمات إرهابية خارج حدودها مع مراعاة عدد من الشروط منها:
أ- أن تشكل تلك المجاميع المسلحة خطراً يهدد الأمن والسلم الدولي.
ب-التناسب بين الخطر وبين العمل المسلح.
ج-أن يقتصر على أهداف بعينها.
د-أن تكون الدولة التي يتواجد بها تلك التنظيمات الإرهابية غير راغبة او غير قادرة على ردع تلك التنظيمات.
ه- إخطار مجلس الأمن بتلك العمليات.

وإذا عدنا إلى القانون الدولي نجد أن اغلب قواعده تم مراعاتها في هذا النزاع من قبل الحكومة والسورية او من قبل التحالف الدولي(ما عدا بعض الاستثناءات)، ولا تشير الوقائع إلى غياب لقواعد القانون الدولي.

لكن نعيد إلى الأذهان دور وسائل الإعلام في توظيف بعض الأحداث لخلق ردود أفعال تغير من قناعات المتلقي،

والمثال الأوضح هو سياسة بريطانيا تجاه الأزمة السورية، فالإعلام البريطاني المسيس مثل التلغراف والاندبندت جعل من الحكومة السورية الوحش الكاسر ومن المعارضة مدنيين عزل تفتك بهم الحكومة ، إلى ان ظهر فيديو لأحد عناصر المعارضة المدعومة من بريطانيا وهو ينتزع قلب جندي سوري مقتول ويقوم بأكله متوعدا القوات الحكومية بالمصير نفسه، ساهم هذا الواقع في تغيير موقف مجلس العموم البريطاني ضد الاستمرار بتمويل تلك المعارضة او توجيه ضربات عسكرية ضد القوات الحكومية السورية طالما تبين لها أن المعارضة -بخلاف ما أشاعته الوكالات الإعلامية المسيسة- هي تنظيمات هجينة تحمل من التوحش والانفلات ما لا تستطيع كل الأقلام والقنوات والفضائيات إخفاءه او تلميعه.

فالقانون الدولي له وجود حتى في أحرج اللحظات التي مرت في هذه الأزمة، إلا أن نصوصه يجري تفسيرها أحياناً لخدمة غرض سياسي معين، وهذا يضعف من تطبيق قواعد هذا القانون الذي ارتضت الدول القبول به، إلا انه يؤكد أن الدول وحتى في أوج قوتها لا تنكره أو تتحداه، بل تفترض أن سلوكها جاء مطابقاً لمقاصده.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت