ظاهرة التحرش

 

منال داود العكيدي
تعد ظاهرة التحرش الجنسي من الظواهر المذمومة ليس فقط لدى المجتمع العراقي ولكن بالنسبة لكل المجتمعات حتى غير المسلمة والغريب في الامر ان ظاهرة التحرش ليست بالامر غير المألوف بل هي ظاهرة تحدث كل يوم وعلى مرأى ومسمع من الجميع والتي من الممكن ان تتمظهر بمظاهر عديدة مثل الكلمات التي تتضمن ايحاءات جنسية او الكلمات التي تؤذي مشاعر شخص وتشعره بعدم الارتياح أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك لجسد او خصوصية و ما الى ذلك من أساليب مستهجنة ..

ان النتائج التي اظهرتها الاحصائيات تشير الى ان العراق من الدول العربية الاكثر تفشيا لظاهرة التحرش الجنسي بالنسبة للنساء بحيث اصبحت هذه الظاهرة جزءا من يومياتهن لا تستثنى الشابة ولا المراة الكبيرة و باي مكان وجدت فيه سواء في العمل او في الشارع او في الباص او في الاسواق حيث نجد ان هناك الكثير من الشباب بل وحتى الكبار في السن ممن يقومون بمثل هذه الاعمال المنافية للاخلاق والتي لا تجرؤ المراة – وخصوصا اذا كانت صغيرة بالسن – من مواجهة ذويها و التصريح لهم بانها تعرضت الى اعتداء او تحرش جنسي مما يجعل هذه الظاهرة – ظاهريا – غير موجودة بسبب الخوف من الاهل تارة او الحياء او الخوف من نشوب خلاف بين عائلتها وعائلة المتحرش خصوصا ونحن مجتمع عشائري ادى تغييب القانون فيه الى سيادة الاخذ بالثأر والانتقام وسيلان انهار من الدماء لسنوات عديدة بين عشيرتين وهذا الامر سيجعلها أي الفتاة موضع ذم لانها كانت سببا في اثارة الفتن و تاجيج المحن بين العشيرتين المعنيتين.

وتشير تلك الاحصائيات ايضا الى ان نسبة كبيرة من المتحرشين هم من ذوي المناصب الرفيعة في السلم الوظيفي والذين يستغلون مناصبهم من اجل الوصول الى غاياتهم الدنيئة و الاجهاز على ضحاياهم!!

وقد اكدت دراسة في علم النفس ان اسباب انتشار ظاهرة التحرش في المجتمعات الشرقية عموما والمجتمعات العربية خصوصا يعود الى ان تلك المجتمعات تعد مجتمعات ذكورية تربت على غرس مشاعر الغطرسة والتعجرف في نفوس الذكور منذ الصغر وكذلك حب السيطرة والظهور على حساب الفتيات وانه يجب عليهن تقديم فروض الطاعة والولاء ولين الجانب كما ان الكبت وعدم اختلاط الذكور بالاناث جاءت بمردودات عكسية منها اشاعة حب الفضول لديهم مما يدفعهم الى الاقدام على التحرش لفقدانهم اساليب التعامل مع الجنس الاخر.

وهناك اسباب اخرى تدفع الشباب الى التحرش منها الشعور بالغبن والاضطهاد وضبابية المستقبل وعدم القدرة على تحديد الاهداف والبطالة وسوء الاوضاع الاقتصادية التي ادت الى العوز كل تلك الاسباب كانت لها مساهمة متفاوتة في التصرف بعدائية واستهتار وتعصب ضد الجنس الاخر من خلال التحرش خصوصا اذا كانت المراة ناجحة في عملها او في دراستها فان ذلك يولد شعورا بالنقص لدى المتحرش ويغذي دوافعه في المضي بتصرفاته المهينة للطرف الاخر.

ومما ساعد في تغذية هذه الظاهرة واستفحالها هو عدم لوم المتحرش على الفعل الشنيع الذي يرتكبه بل ان النظرة المستهجنة تتحول الى الضحية وقذفها بشتى النعوت والتهم التي تحط من شانها وتصورها انها هي الجانية كونها خرجت من البيت او لبست ملابس معينة ادت الى اثارة الشاب وجعلته يتحرش بها وبذلك تتحول الفتاة من دور الضحية الى دور الجاني وترفع عنها الحماية متناسين ان كل الفتيات تتعرض للتحرش وفي كل الامكنة وبغض النظر عن عمر الفتاة سواء كانت صغيرة ام كبيرة في السن وسواء كانت محجبة ام سافرة!!

وبدلا من القاء اللوم على المتحرش وتوفير الحماية القانونية للضحية بردع التحرش تبقى الفتاة في دائرة الاتهام فمازالت القوانين غير رادعة في الحد من هذه الظاهرة والضرب على يد المتحرشين على غرار ما يحدث في بلدان العالم الاخرى على الرغم من كون مجتمعاتهم متحررة وغير مسلمة الا ان تلك الظاهرة تعتبر لديهم جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبات مختلفة تصل احيانا الى التشهير بالمتحرش امام الناس او تنفيذ العقوبة فيه في اماكن عامة لكي تكون العقوبة رادعة لغيره من الشباب الذين قد يحاولون الاقدام على مثل هذه الافعال في المستقبل.

لقدجاء ديننا الاسلامي بمبادئ سامية تحث على تحريم ظاهرة التحرش كونها صفة مذمومة تستوجب العقاب الرباني بالاضافة الى ان فيها اعتداء على الحرمات وما تنطوي عليه من اذى نفسي وجسدي للضحية لذلك كان حريا بقوانيننا الوضعية التي تستلهم اغلب نصوصها من مبادئ الشريعة الاسلامية ان تحذو حذوها وتضع قوانين رادعة و انظمة مستقلة من اجل ردع هذه الظاهرة والحد من اثارها النفسية والجسدية ان نظرة متفحصة لقوانيننا تسترعي وقفة جادة من اجل اعادة النظر فيها و تفعيلها من اجل حماية المراة التي كفلها الشرع و اغفلتها القوانين..