الهيئة السعودية للملكية الفكرية .. حماية حقوق أم أداء واجبات
د. عبدالرحمن بن خالد العبدالكريم
أستاذ القانون المساعد بجامعة المجمعة

لا يختلف اثنان من المهتمين بحقوق الملكية الفكرية اليوم على وجوب تغيير العديد من ممارسات حقوق الملكية الفكرية وطرق انفاذها في المملكة، فهي ضرورة باتت واضحة و ملحّة تجلت أهميتها من خلال حرص القيادة الرشيدة التي أَوْلت هذا الأمر بالغ الأهمية في رؤية المملكة 2030 عبر تأسيس الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ذلك أن قيادتنا الرشيدة تدرك تماماً بأن الملكية الفكرية وحمايتها هي صناعة العصر التي نهضت بالعديد من الدول المتقدمة.

حينما نتحدث عن دور الهيئة السعودية للملكية الفكرية وواجباتها فإن من أهم تلك الواجبات هو إنشاء سوق صحية وخصبة وبيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي بحيث يشعر أصحاب تلك الحقوق بالراحة والأمان في بيع منتجاتهم وخدماتهم في المملكة، وذلك لا يمكن تصور حدوثه إلا عن طريق توفير المنافسة المشروعة والحماية القانونية المُحْكَمة بما يحقق معه اقتصاد مزدهر ومتنوع. فجذب الاستثمار عموماً في أي دولة يبدأ أولاً من تغيير نمط الممارسات والأنظمة المعمول بها.

فعلى سبيل المثال قام مجلس الأفلام الكوريKorea Film Council بالتغيير من ممارساته حينما قدم برنامجاً للحوافز المالية لمنتجي الأفلام الأجانب لجذبهم لتصوير أفلامهم في كوريا، وهذا حدث بالفعل بعد أن تم توفير أعلى معايير الحماية لحقوقهم الفكرية على اعتبار أن المنتج يخضع للحماية النظامية لحقوق المؤلف والتي تندرج تحت المصنفات المشتركة، فالحكومة الكورية تقوم بجذب المستثمرين الأجانب لتصوير افلامهم عن طريق تقديم حوافز مالية تتمثل في التخفيض النقدي لبعض السلع والخدمات التي سوف يتكبدها المنتجون في كوريا.

ويولي الكوريون هذا الجانب اهتماما بالغاً وملموساً لجذب هذا النوع من الاستثمار الأجنبي المباشر، بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية أخرى لقطاع صناعة الترفيه. فالتغيير من الممارسات تجاه الحقوق الفكرية في المملكة ليس ضرورة حقوقية فحسب، بل ضرورة اقتصادية أيضاً. وهذا ما أشار إليه البروفيسور جيفري سكوت أستاذ حقوق الملكية الفكرية في جامعة ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الامريكية في أحد أبحاثه بأن “العديد من الدول وجدت أن تعديل أنظمتها وممارستها ليس فقط مربحاً وإنما ضرورة من أجل أن تصبح أكثر توافقاً وانسجاماً مع حاجات سوق العمل ورجال الأعمال.”

كما تتطلع المملكة العربية السعودية بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عبر مشروع “نيوم” لإحداث نهضة صناعية و تقنية في مجالات متعددة اعتمدتها القيادة ليتمحور حولها أحد أهم المشاريع الصناعية و التقنية في المنطقة. ومن الواضح بأن المملكة تسعى من خلال برنامج نيوم إلى خلق بيئة جاذبة للمستثمرين والمخترعين للمشاركة في هذا المشروع العملاق. وهنا يتمثل دور الهيئة السعودية للملكية الفكرية في المساهمة في تطوير الأنظمة وتوفير الحماية اللازمة للمستثمرين والمخترعين على غرار المعمول به في الدول المتقدمة وذلك للإسهام في خلق البيئة الجاذبة للاستثمارات و الصناعات التقنية.

وهنا يجب القول انه إذا ما أرادت المملكة أن تنمو باقتصادها وتعتمد بشكل أكبر على مصادر اقتصادية أخرى متنوعة فمن الأهمية بمكان أن ترسم الهيئة إطاراً قانونياً واضحاً يدرك من خلاله الجميع عواقب سرقة الحقوق الفكرية كالإدراك تماماً بعواقب سرقة الحقوق المادية الأخرى والمقررة في الشريعة الإسلامية. وهذا لا يتم إلا عن طريق التوعية والتي تعتبر أحد أهم واجبات الهيئة التي يجب ألا تغفل عنها.

وفِي السياق ذاته، يجب أن تقوم بدورها الهام في مراجعة أنظمة الملكية الفكرية ومواكبة كل تشريع دولي أو مقارن ينظم مسائل جديدة في هذا المجال. فالحقوق الفكرية ذات طابع سريع التجدد والتطور مقارنة بالمجالات الأخرى، ذلك لأنها مرتبطة بكل ما ينتجه العقل البشري. وَمِمَّا لا شك فيه، أن فتح باب التعاون في العمل بين الهيئة والقطاع العام والخاص سوف يخلق صناعة جديدة ومنفردة في المملكة مما سيجذب معه أصحاب الحقوق الفكرية ويدفعهم إلى الإبداع عند الشعور بأن حقوقهم لن تنتهك.

فالتعاون مع الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة كالجامعات والجمارك والشركات وغيرهم كل حسب الاختصاص قطعاً سيوفر حماية فاعلة للحقوق الفكرية الذي من شأنه أن يوفر بيئة صحية وجاذبة لأصحاب تلك الحقوق سواءً كانت الوطنية أو الأجنبية للاستثمار في المملكة والبحث عن الحماية لحقوقها عبر بوابة المملكة.

فعلى سبيل المثال، نرى اهتمام الولايات المتحدة الامريكية البالغ في هذا الجانب من الحقوق قد جذب معه العقول والأفكار والصناعة والاستثمار. خلاصة القول، يقع على عاتق الهيئة السعودية للملكية الفكرية مهام وواجبات، من شأنها عند تحقيقها أن تنمو باقتصاد المملكة وأن تخلق من المملكة نموذجاً رائداً في هذا المجال مما يحقق معه رؤية المملكة 2030.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت