وقفة حول الاندماج والاستحواذ
د . عبد المحسن بن محمد المحرج
محامي ومستشار قانوني
mohsen_mh@

تتمايز العلوم فيما بينها من خلال قراءات مختلفة، قراءة من زاوية الأصالة والمستند التاريخي ، وقراءة تركز على حجم النفع العائد والمستهدفين منه، وأخرى من خلال الوفرة المصطلحية لهذا العلم، وهناك زوايا كثيرة تقيمّ من خلالها المعارف والعلوم.

الاندماج والاستحواذ مصطلحان طُرقا في علوم عدة، تجدها في عالم المال والاقتصاد تارة، وتارة بين أروقة القانون، ومرة بين دفاتر المحاسبة والأرقام، وهذا المقال فيه إشارة عجلى إلى هذين المصطلحين ، لعل القارئ الكريم يستزيد عنهما، فالباحث العلمي قد يجد فيه مدخلاً لبحث يثري فيه المكتبة العلمية، ورجل الأعمال يراعيه عند توسّع تجارته وكثرة شراكاته.

إن التسارع في الأعمال التجارية والحرص على مواكبة المستجدات واستهداف كثير من الكيانات إلى خفض تكلفة التمويل والحد من الهدر في الإنفاق ، كل ما سبق قرّب الكيانات إلى احتمالية تعرضها إلى الاندماج أوالاستحواذ، كما نشاهد ارتباط كثير من القطاعات بقطاعات أخرى محصورة (كالنفط والعقار والاتصالات) والتي يغلب تأثير القرارات الحكومية عليها، ثم ينسحب تأثيرها على عشرات القطاعات، التي تختلف في أحجامها وفي مدى تأثرها بالتذبذب والارتباك في الأسعار.

إن كثيراً من الشركات يطمح مؤسسوها للبقاء الطويل في السوق، وعند اهتزاز مركزها المالي أو القانوني يعمد الناصحون فيها إلى إيجاد حلول تجنبهم (التصفية أو الإفلاس ) ، ومن بين هذه الحلول (الاندماج والاستحواذ) .

الاندماج أسلوب يقصده صاحب القرار (فرد أو جماعة) لعملية التوسع ، كما أنه يراعي بشكل واضح خفض التكاليف ، فعندما تندمج شركتان وتخرجان بمظهر جديد لدى العموم وبعلامة جديدة تتحد الجهود في الغالب، ومن الطبيعي أن حجم الكيان الجديد سيشكل وزناً مختلفاً عنها مستقلة ، وهذه العملية تراعي في الأساس تقاسم المخاطر بين مساهمي الشركتين أو الكيانين .

أما الاستحواذ فهو مصطلح يعني (شراء) شركة لشركة أخرى في الغالب تكون أصغر منها، وهذا المصطلح تفريعاته كثيرة ولا يسع المقال ذكرها ، لكن مما يحسن الإشارة إليه أن الاستحواذ لا يكون دائماً ودياً أو بشكل رضائي، فقد يتمرد الصغير ويتمكن من الكيان الأكبر بحيل قانونية !.

لقد ذكرت في ثنايا المقال أن الكيانات عندما تتعرض لظروف جديدة (ارتفاعاً أو انخفاضاً) تضطر أحياناً لبحث طرق مختلفة للبقاء ، ومن بينها (الاندماج أوالاستحواذ)، ومن أبرز الأسباب لهذين المسلكين:
أ- خفض المصاريف . ب– الزيادة في الحصة السوقية . ج- التنويع في الأنشطة . د- العمق في التسويق . هـ – تحييد المنافس .

نظام الشركات السعودي في الفصل الثاني من الباب الثامن تكلم إجمالاً عن الاندماج ولم يتعرض للاستحواذ ، كما أن الاندماج لايعالج في جميع حالاته وظروفه من خلال ثلاث مواد، وهيئة السوق بدورها أصدرت ( لائحة الاندماج والاستحواذ ) المحدثة مراراً، وهذه اللائحة تسد بعض النقص وتجيب عن بعض الأسئلة، هذه اللائحة حددت في المادة الثانية نطاق تطبيقها، فهي تنظم هذين الإجرائين على الشركات الواقعة تحت تنظيمها، والسؤال كيف تتعامل الكيانات الراغبة في (الاندماج والاستحواذ) وهي غير مغطاة بنظام الشركات أو لائحة الاندماج ، فكما مر معنا أن نظام الشركات أجمل الحديث عن الاندماج وأهمل الاستحواذ، وهنا ذكرت لكم أن اللائحة نظمت الموضوع لما يقع تحت اختصاصها، وهذا ساهم في ظهور اجتهادات لمعالجة غير المشمول في النظام أو اللائحة ، ولا أكتمكم سراً أن بعضها اشتمل على مجازفات غير مدروسة بسبب الغياب التشريعي.

وأختم بأنه من المهم أن تسعى وزارة التجارة وهيئة السوق المالية ( وفق اختصاصاتهما ) لإكمال جوانب النقص ليتسنى للمستثمر اختيار الحل المغطى قانونياً ..

إعادة نشر بواسطة محاماة نت