الكتلة الدستورية للحقوق والحريات العامة

يعتبر موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة احد اهم الموضوعات التي تثير الرأي العام الوطني والدولي، نظرا لقيمتها على المستوى العالمي ، وما أحدثته من تغييرات إقليمية في مجموعة من الدول، سواء من خلال الدفع بتعزيزها ، أو من خلال التجاذبات التي تهدف

إلى استباق تنزيلها كثقافة يمارسها الأفراد بالديمقراطية، ومنه قد اصبح من اللازم والمؤكد أن تسارع الدول إلى ملائمة هذه التشريعات داخل منظومة القوانين الوطنية، وتطبيقها بشكل فعلي، ولا ينفصل هذا التطبيق عن وجود هيئة أو مؤسسة قضائية تحصن وتحمي هذه الحقوق من التعسف الذي يطال حقوق وحريات الأفراد بمختلف أنواعها وكما هو متعارف عليها، وفي هذا الاطار يعتبر القضاء الدستوري الضامن لهذه الحقوق بصفته اعلى هيئة قضائية داخل الدولة ، ومن هذا المنطلق لابد أولا من الإشارة إلى أن المفهوم الحديث للقانون والذي يعيد تقويم النظرة للدستور ، يجعله القانون الأساسي في الدولة، فكان لابد من إيجاد آلية ما، ليأتي القانون بمفهومه الحديث الهادف إلى الموازاة ما بين حقوق الإنسان وحرياته التي يضمنها الدستور ، وتأمين المصلحة العامة. هذه الآلية تجسدت في تطبيق العدالة الدستورية (La justice constitutionnelle) التي أنيطت بالقضاء الدستوري الذي اصبح هاجسه ضبط مسار القوانين التي هي من إعمال البشر الذين ليسوا بمنأى عن الأخطاء، أو التجاوزات والانتهاكات، خاصة عندما يكونون بموقع السلطة الآمرة” وذلك بهدف الحفاظ على الديمقراطية في هذا النظام أو ذللك، وتأسيسا على هذه النظرة، فالدستور يشكل قواعد مقتضبة ومختصرة لما يتعلق بالحقوق والحريات، وهو ما يمكن لمسه في دستور أي دولة ديمقراطية، بحيث اندفع الفقه في القانون المقارن إلى إضافة اجتهاد القاضي الدستوري، من اجل التوسع الدؤوب في معاني وأبعاد بعض نصوص الدستور رابطا إياها بمضامين بعض النصوص الوطنية، كمقدمات الدساتير أو بعض المبادئ ذات القيمة الدستورية من جهة، ومن جهة أخرى ببعض المبادئ ما فوق الدستورية (Supra-Constitutionnels)، والتي تجد جذورها أما في نص الدستور بحذ ذاته، أو في إعلانات حقوق الإنسان العالمية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الهادفة إلى وضع مبادئ عالمية مشتركة تحكم علاقات الشعوب، الخارجية منها أو الداخلية، كل هذه النصوص التي يحتكم اليها القاضي الدستوري، جعلت الفقه يتوحد، حول ضرورة ربط اجتهاد القاضي الدستوري بما يعرف بنصوص الكتلة الدستورية (Bloc constitutionnel)

وانطلاقا منه، لا يستطيع القاضي الدستوري حماية جوهر حقوق الإنسان دون الاحتكام إلى الكتلة الدستورية والتي يستنبط منها الاجتهاد الدستوري المبادئ الجوهرية لحقوق الإنسان والحريات، والتي تشكل قاعدة البناء في دولة القانون

وفي المعنى الجوهري للكتلة الدستورية فهي مجموعة من المبادئ والمقتضيات التي يجب ان تنسجم معها القوانين : الوطنية ويضمنها القضاء الدستوري، فهي ليست محصورة في الدستور، ففي فرنسا مثلا تشمل الكتلة الدستورية

ـ فصول دستور 1958
ـ إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789
ـ ديباجة دستور 1946
ـ ميثاق البيئة لسنة 2004

كما ان تشبيه القاضي الدستوري بالحامي للحقوق والحريات قد ظهر كأول البوادر التي منحته شرعية المبادرة وذلك من خلال قرار 16 يوليوز 1971 والذي يتيح للقاضي الدستوري الرقابة على القوانين في علاقة مع ديباجة الدستور الفرنسي، وبالتحديد تلك القوانين التي تمس الحقوق والحريات الغير منصوص عليها بشكل محدد في ديباجة الدستور، وفي هذا الاطار يسترشد بالقرار الشهير الذي اعتبره مجموعة من الفقهاء الدستوريين في فرنسا بمثابة نفس قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قضية ماربوري ضد ماديسون، فقد اعتبر المجلس الدستوري ان حرية تكوين الجمعيات مبدأ أساسي معترف به في قوانين الجمهورية، وعلاقة مع الأمر فديباجة الدستور الفرنسي 1946 نصت في آخر جملة منها على “الحقوق الأساسية”, ومن خلال هذا الاجتهاد قرر المجلس الدستوري في فرنسا بعدم تطابق هذا القانون مع الدستور، والذي كان يهدف إلى وضع قيد على حرية تأسيس الجمعيات من خلال ضرورة الحصول على رخصة مسبقة من السلطة المحلية، وبهذا القرار يكون المجلس الدستوري الفرنسي قد . أضاف قيمة دستورية لديباجة دستور 1958 واغنى لائحة الحقوق والحريات

فهل القاضي الدستوري في المغرب سيواجه عقبات عند تفحصه للطعون بدستورية القوانين المطروحة أمامه، لجهة المرجعية الواجب الاحتكام اليها من ضمن هذه الكتلة الدستورية في إطار مستجد القانون التنظيمي 86.15 المتعلق بالدفع بعدم الدستورية ؟ وما هو موقع الدستور بالنسبة له ؟ وهل من تناقض مع تلك المبادئ، ذات القيمة الدستورية المستقاة من مكونات هذه الكتلة ؟

قائمة المراجع
: المراجع العربية
أمين عاطف صليبا، دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون- دراسة مقارنة-، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس -لبنان، الطبعة الأولى، 2002
الأمين شريط، مكانة البرلمان في اجتهاد المجلس الدستوري، مجلة المجلس الدستوري، الجزائر, العدد01 ـ 2013
: المراجع الأجنبية
Christian Starck. La constitution Cadre et mesure du droit. Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1994
Véronique Champeil-Desplats, Analyse de la jurisprudence du conseil constitutionnel sur les droits fondamentaux, Sendai, Janvier 2008 “Toupictionnaire” : le dictionnaire de politique, Définition « bloc de constitutionnalité », La Toupie, sur http://www.toupie.org/Dictionnaire/Bloc_constitutionnalite.htm
Le conseil constitutionnel, Décision n° 71-44 DC du 16 juillet 1971, sur le Journal officiel du 18 juillet 1971, page 7114

بقلم ذ علي ارجدال
طالب باحث ماستر العمل السياسي والعدالة الدستورية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت