تحقيق ،،،الابتزاز الالكتروني بين الواقع والشرع والقانون
إعلام الشرطة / هنادي كرسوع : .
العقيد مطر : الابتزاز من الجرائم الخطيرة التي تؤدي بمرتكبها قضاء وقت طويل خلف القضبان .
الرائد سمور : انجزنا 95% من قضايا الابتزاز الالكتروني بخبرة وكفاءة المختصين لدينا
الأستاذ الشرعي السوسي : الابتزاز الالكتروني محرم شرعاً وهو يتناقض مع المقاصد الخمسة للشريعة .

مع التطور التكنولوجي الواضح في العالم وانتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبح من خلالها العالم قرية صغيرة يستطيع معها الشخص الوصول إلى ما شاء من المعلومات والأشخاص بالطريقة التي يريد ، ولم يقتصر استخدام هذه التكنولوجيا على التواصل والاتصال بل تعداه فأصبح البعض يقوم بالتجارة والتعليم والزواج من خلالها لتوافر خصوصية الصوت والصورة ولم يعد يستغني عنه الكثير من الأشخاص في العالم .

وهذه التكنولوجيا لم يعد استخدامها قاصراً على المجالات النافعة بل تعداها لتشمل المجالات الضارة التي تعود بالضرر على المواطنين وسلامة أمنهم وخصوصيتهم منها الجرائم الالكترونية من سرقة ونصب وابتزاز فأصبحت الجريمة جزءاً من استخداماتها بل أصبح هناك تطور ملموس للجريمة معها فلم تعد الجرائم قائمة على الأرض بل تطورت بتطور التكنولوجيا حتى أنها تكاد تظهر بصورة كبيرة أكثر من وقوعها على الأرض لظن البعض أنه لا رقابة ولا متابعة بالتالي هو بعيد عن أعين وأيدي رجال الشرطة ورغم التحذيرات المستمرة من الوقوع في فخ هذه الجرائم المنتشرة إلى أن عدداً من الشباب لا يزالون ضحية لمخاطر اجتماعية وأخلاقية كبيرة يتسبب بها أفراد متمرسون في النصب والاحتيال والجريمة.

ويعد الابتزاز الالكتروني أحد أشكال الجريمة الالكترونية التي أرقت مستخدمي التكنولوجيا وذلك لحدوث العديد من التجاوزات التي تعدت على خصوصياتهم وبياناتهم الشخصية الى جانب صورهم وما يتعلق بحياتهم الخاصة وأدت إلى فضحهم على الملأ , ولتسليط الضوء على جريمة الابتزاز الالكتروني ودوافعها وأسبابها والأثار المترتبة عليها اجتماعياً ورأي الشرع فيها والحكم القضائي للمبتز الالكتروني التقت مجلة الشرطة بالمختصين اجتماعياً وقانونياً وشرعياً وشرطياً للتحقيق في هذه الموضوع .

فاقد للمؤهلات

وبهذا الصدد عرفت مدير عام التنمية والتخطيط في وزارة التخطيط الأستاذة اعتماد الطرشاوي المبتز بأنه شخص يقوم بالتعدي على خصوصية أفراد آخرين من خلال الحصول على صور أو أسرار أو بيانات خاصة بغية الحصول على المال، ومن ثم تهديده بالكشف عن هذه المعلومات إن لم يقم الشخص المهدد بالاستجابة إلى بعض الطلبات من المبتز .

وقالت الطرشاوي: “ إن المبتز هو شخص ساقط اجتماعياً فقد مؤهلاته الاجتماعية للاندماج في المجتمع بشكل صحيح وهو شخص لديه اضطرابات في الشخصية تجعلها يستهين بالمجتمع ومكوناته وأفراد مما يدفعه الى البحث عن كل ما يتساوق مع الضرر بهذا المجتمع كالابتزاز الالكتروني والذي يعمل المبتز من خلاله المساس بأحد مكونات هذا المجتمع وهو المواطن فيقوم بالاطلاع على خصوصياته ويحاول أن يتوصل لكل ما يتعلق بالحياة الخاصة لهؤلاء المواطنين بهدف تهديدهم أو الحصول على المال او بسبب اضطرابه ومرضه النفسي “.

وعن أسباب الابتزاز الالكتروني بينت الطرشاوي أن هناك عدة أسباب منها ضعف الوازع الديني ، والفراغ الروحي والعاطفي ، وأصدقاء السوء ، والتفكك الأسري ، والفقر ، والبطالة ، وحب التجربة ، والحرية ، والاعلام غير الهادف وسوء استخدام التقنية التكنولوجية ، وضعف الرقابة ، وضعف العقوبة لمرتكبي الابتزاز في القانون .

وعن أسباب وقوع المرأة تحديداً في براثن الابتزاز أشارت الطرشاوي أن المرأة عادة ما تنجذب إلى الكلمة الجميلة المنمقة لأنها قد تفتقر إلى سماعها في بيتها وبالتالي قد تقع ضحية الابتزاز الالكتروني بأي شكل من أشكاله ، ونحن في المجتمع الفلسطيني مجتمع محافظ وفي حال تعرضت أي امرأة سيدة كانت أو فتاة فإنها قد تستجيب إلى شروط المبتز خشية الفضيحة والتشهير وكذلك جهلها البعض منهن التعامل مع هذه التقنية الحديثة بالصورة التي يجب أن تكون عليها .

وتابعت الطرشاوي أن آثاراً عديدة تترتب على الابتزاز الالكتروني منها الوقوع في فخ العمالة خشية الفضيحة فترى بعض العملاء يتعاملون بهذه الطريقة وهي ابتزاز الشخص للتعامل معهم مقابل عدم فضحه ببعض المعلومات التي حصلوا عليها نتيجة الجهل أو عدم المعرفة بالشيء ، مشيرة إلى أن العديد من المواطنين يقومون بالسرقة لدفعها للمبتز مقابل عدم فضحهم أو التشهير بهم ، بالإضافة الى تسبب الابتزاز الالكتروني للمشاكل الاجتماعية والمشاجرات التي تصل لحد القتل نتيجة الوقوع في أعراض الناس من خلال الابتزاز .

انجاز واضح

وفيما يخص الجهات المختصة في متابعة قضايا الابتزاز الالكتروني يقول مدير المصادر الفنية في المباحث العامة التابعة للشرطة الفلسطينية الرائد تامر سمور : “ ظهر مؤخراً العديد من قضايا الابتزاز وذلك مع حالة التطور التكنولوجي الملموس التي وصل إليها الانسان واستغلها أصحاب النفوس المريضة وجعلوها سيفاً مسلطاً على رقاب الناس من خلال ابتزازهم وتهديدهم والانتقام منهم ، ولم يستغلوها في جانب الرقي التكنولوجي وسهولة التواصل والاتصال فيما بينهم في هذا العالم الكبير” .

وتابع سمور : “ وظن البعض أن هذا الاجراء الذي يقوم به في احداث الضرر للمواطنين أنهم في مأمن من رجال الشرطة الفلسطينية والذين من مهامهم ملاحقة الجريمة الالكترونية وكشف مرتكبيها وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما اقترفته أيديهم من التدخل في الشؤون الخاصة للمواطنين وفضح خصوصياته ” .

ونوه سمور إلى أن للابتزاز عدة أنواع صنفها حسب الشكاوى التي تتلقاها دائرته وهي الابتزاز المالي وهو قيام الشخص المبتز بالاحتيال على شخص آخر بهدف أخذ ماله ، والابتزاز الالكتروني وهو الذي يتم من خلاله استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الالكتروني وله عدة أنواع منها الابتزاز العاطفي والأخلاقي حيث يقوم الشخص بسرقة صور خاصة أو معلومات مقابل الحصول على المال أو التشهير أو الفضيحة وقد يكون هذا الابتزاز من داخل الدولة أو من خارجها .

وقال سمور : “ إن الابتزاز يتم بعدة طرق إما عن طريق أجهزة الحاسوب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الهاتف الخلوي حيث يقوم المبتز بالحصول على صور أو معلومات أو بيانات شخصية سرية مقابل المال أو المعلومات أو التشهير أو الانتقام من شخص معين ، أو من خلال البريد الالكتروني ” .

وبين سمور أن للابتزاز له عدة دوافع فعادة دوافع المبتز ما تكون غير شريفة وذلك من أجل الحصول على معلومات استخباراتية لتسهيل مهام المحتل في الوصول للمجاهدين ، وقد تكون دوافع المبتز الحصول على المال من خلال المقايضة اما بالتشهير او الفضيحة او الحصول على الشهوة من خلال ملاحقة الفتيات بصور لهن أو معلومات خاصة بهن فيخشين الفضيحة فيخضهن لطلبات المبتز.

وتابع سمور أن هناك إجراءات تتبعها دائرته مع قضايا الابتزاز الواردة إليهم أولها الاثبات الفني ضد الشخص المبتز وارسال بلاغاً رسمياً له ، ومن ثم مواجهته بالأدلة واثبات القضية بحقه وتحويله لجهات الاختصاص للتعامل معه ، موضحاً أن لدى الدائرة الكثير من الفنيين الذين يتمتعون بكفاءة وخبرة واسعة في هذا المجال ويستطيعون الكشف عن مرتكبي الجرائم الالكترونية والتعامل معها .

وحول إحصائية بعدد القضايا الخاصة بالابتزاز الالكتروني التي وصلت الى دائرة المصادر الفنية قال الرائد سمور : ” دائرة المصادر الفنية تلقت خلال عام 2015م ” 390 ” قضية خاصة بالابتزاز فقط أنجزت منها ” 360 ” قضية أي نسبة انجاز قضايا الابتزاز الالكتروني لدي الدائرة بنسبة 95% ” .

وفي سياق التعامل الأمني أوضحت مدير الشرطة النسائية في محافظة غزة الرائد عاهدة الخضري أن التعامل الأمني مع الابتزاز الالكتروني تعاملاً علاجياً بالإضافة الى التعامل الوقائي من خلال التوعية الدائمة بخطر هذا الابتزاز فرغم المهام الأمنية الكثيرة التي تقع على عاتق الشرطة النسائية وقلة الأعداد فيها إلا أنها تنسق بشكل دوري مع جهات عدة ومؤسسات أهلية ورسمية وخاصة المدارس لإعطاء محاضرات أمنية وتوعوية لطالبات المدارس حول خطر الابتزاز وخاصة القضايا التي وردت للشرطة النسائية ، والآثار المترتبة على الأهل والفتاة في حال تعرضت للابتزاز واستجابت لطلبات المبتز ، وما هي الطرق التي تحمي الفتاة نفسها لكي لا تقع فريسة للابتزاز .

وعرضت الرائد الحضري قضية لإحدى الفتيات وردت إليها وهي فتاة في المرحلة الاعدادية ومن بيئة محافظة لم تكن تمتلك جوال ولم تتعرف على هذه التكنولوجيا عند خروجها من البيت كان ترى جار لهم يقف على باب المنزل يتابعها وأوهمها بالحب ولم يكن لها طريقة لتتواصل معه بعد تطور العلاقة سوى أن تراسله عن طريق أخيها الصغير بإعطائه ورق مكتوب بخط يدها وترسله ليعطيه إياه ، ولكنها خشيت بعد ذلك ان ينكشف أمرها ويخبر أخوها الصغير والديها .

وأفادت الرائد الخضري أن الفتاة بحث عن طريقة أخرى للتواصل معه فكان الحل أن تتواصل معه عبر الجوال ولم تكن تمتلك جوال فصارت تأخذ جوال والدها لتتواصل معه وكذلك من خلال حساب الفيس بوك الخاص بوالدها ومع ازدياد العلاقة طلب منها صوراً بحجة الزواج منها واستجابت لكلماته الرقيقة الخادعة ومن هنا بدأ الابتزاز حيث طلب منها ان يلتقي بها في مكان لكنها رفضت وتعللت بان هذا لن يكون إلا بعد ان يتقدم للزواج منها وبدا بابتزازها بانه سوف يقوم بأخبار أهلها وسيقوم بنشر صورها والفتاة ترفض حتى كانت احدى عناصر الشرطة النسائية تعطي محاضرة عن الابتزاز الالكتروني وقامت بسرد بعض القضايا الواردة في الشرطة وكيف يتم التعامل معها فأخبرت الفتاة قضيتها للشرطة النسائية وقامت بأخذ رقم الجوال والحصول على حساب الشاب وارسال بلاغ ضده .

وفي نهاية حديثها قدمت الرائد الخضري النصائح للفتيات اللواتي يتعرضن للابتزاز الالكتروني بأن أول خطوات مكافحة الابتزاز الالكتروني وأهمها أن تقوم كل فتاة بمصارحة الأهل وعدم الخوف منهم لأن الخطأ وارد ، أو أن تلجأ إلى مكاتب الشرطة النسائية ففي حال احتاجت أي فتاة أن تعرض قضيتها للحل فعناصر الشرطة النسائية متواجدة باستمرار ومكاتبها مفتوحة للجميع للمساعدة في حالة من السرية والكتمان التامة ، وأن على الفتيات أيضا عدم قبول أي طلبات صداقة من أي حساب إلا إذا كان الشخص معروف الهوية لديهم ، لأنه قد يكون الحساب باسم فتاة ويكون صاحبه شاب فقبل قبول أي طلب صداقة يجب أن تكون متأكدة منه , بالإضافة الى عدم الانجرار والانصياع للمبتز .

ووجهت الرائد الخضري نصيحتها إلى الآباء والأمهات بضرورة متابعة أبنائهم وبناتهم بشكل دائم ومستمر ويتابعوا وسائل التواصل الاجتماعي لهم في البيت وخارجه كذلك , وأن يعدلوا ويقوموا سلوكيات وتصرفات أبنائهم وبناتهم دون اشعارهم بانهم أخطأوا وحتى لا يقعوا ضحية الابتزاز الالكتروني لأنه يلقى على عاتقهم الكم الأكبر من المسؤولية ولا بد أن يكون الاباء والامهات الدرع الحصين لأبنائهم يحمونهم ويحصنونهم من المجرمين والمبتزين .

سلوك محرم شرعاً

وحول رأي الشريعة الإسلامية في الابتزاز الالكتروني قال الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية الأستاذ ماهر السوسي : “ إن الابتزاز عبارة عن تعدي على أسرار الناس عبر الأجهزة الالكترونية ، وهو سلوك محرم شرعاً ولا يجوز بأي شكل من الأشكال ؛ لأن المبتز يطَّلع من خلاله على عورات غيره ، ويبتزهم من خلال تهديدهم بفضح أو كشف أعراضهم “.

وتابع السوسي أن الابتزاز الالكتروني يأتي من باب تدخل الانسان فيما لا دخل فيه وقد قال النبي ” من حسن انسان المرء تركه ما لا يعنيه ” وتعد هذه المعلومات أو الصور الخاصة التي حصل عليها المبتز بأية طريقة كانت هي أسرار يحرم الاطلاع عليها فقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {، وخيانة الأمانة والبحث عن أسرار الناس هو نوع من التجسس وقال الله تعالى في كتابه ” ولا تجسسوا ” فالابتزاز سلوك محرم وكل ما يؤدي إليه سلوك محرم شرعاً وهو يتناقض مع المقاصد الخمسة للشريعة التي حفظت للناس عقولهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم .

سن قانون جديد

وحول العقوبة القانونية على المبتز قال مستشار مدير عام الشرطة للشؤون القانونية العقيد وئام مطر : ” إن قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936م تطرق في نصوصه إلى الابتزاز بشكل عام ويمكن تطبيق هذه النصوص على الابتزاز الالكتروني وهو أن يقوم شخص بأي عمل الكتروني يدفع شخص أخر للقيام بفعل معين مهدداً إياه في حالة عدم القيام به التشهير به أو فضحه أو نشر معلومات وبيانات خاصة بهدف الحصول على المال أو المصلحة وأن هذا النوع من الجرائم الخطيرة التي تؤدي بمرتكبها قضاء وقت طويل خلف القضبان ” .

وبين العقيد مطر أن الابتزاز بجميع أنواعه له عقوبة واحدة سواء الكتروني أو غيره فقد نص قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936م المطبق في قطاع غزة أن من الجرائم المتعارف عليها التهديد والابتزاز بهدف الحصول على المال أو التشهير بأحد المواطنين وأن هذا القانون جرم مرتكب الابتزاز .

وذكر العقيد مطر أن المادة (291) من قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936م نصت على تجريم كل من يرتكب الابتزاز والذي يعاقب مرتكبها بالحبس مدة من أربع سنوات إلى أربع عشرة سنة ، ولا عبرة في ذلك أكان المتهم أو المهدد بالاتهام قد ارتكب الجرم أو الفعل الذي اتهم به أو الذي هدد باتهامه به أو لم يرتكبه .

وعن مدى تناسب العقوبة للجرم الذي يرتكبه المبتز أفاد العقيد مطر أن قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة وضع منذ عام 1936م وهناك ضرورة ملحة لإلغائه بشكل كامل وسن قانون عقوبات آخر يتناسب مع حداثه الجرائم وأخلاق وعادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني .

ومن خلال ما تقدم به هذا التحقيق في قضية الابتزاز الالكتروني اتفق الرأي الشرعي والقانوني والشرطي على تجريم وتحريم الابتزاز الالكتروني كونه مخالف للقانون والعرف وعادات وتقاليد واخلاق المجتمع الغزي المحافظ لما له من تتبع عورات المسلمين والتدخل بخصوصياتهم وانتهاك حقوقهم الخاصة .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت