علاقة مفهوم إيقاف تنفيذ العقوبة بحماية المجرم المبتدئ .

«مع إيقاف تنفيذ العقوبة»..جملة عادة ما يسمعها البعض داخل أروقة المحاكم من زوى المتهمين أو غيرهم أثناء إصدار القضاة الأحكام، فيتهلل البعض بسماعها بينما يتسأل البعض الأخر عن الجملة مرددين: «يعنى أيه وقف تنفيذ العقوبة»، ما يضطر المحامين المتواجدين فى قاعة المحكمة بمحاولة شرح الجملة.

تعريف إيقاف التنفيذ:

يقصد بإيقاف التنفيذ أن يأمر القاضى بوقف تنفيذ العقوبة التي حكم بها على الجانى لمدة معينة يحددها القانون، فإذا لم يرتكب المحكوم عليه جريمة أخرى خلال هذه المدة يعفي نهائياً من تنفيذ العقوبة ويعتبر الحكم الصادر بها كأن لم يكن، أما إذا ارتكب جريمة خلال المدة المذكورة ألغى وقف التنفيذ، وتنفيذ فيه العقوبة المحكوم بها.

أهمية نظام إيقاف التنفيذ:

وفقاَ لـ «رسلان» يساهم نظام إيقاف التنفيذ بدور كبير في تأهيل المحكوم عليه وحمايته من العودة إلى الجريمة مرة أخرى، ويتضح ذلك من عدة وجوه، فمن ناحية يجنب المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة، وبصفة خاصة المجرمين بالمصادفة وبعض المجرمين المبتدئين، دخول السجن والاختلاط بمن هم أشد منهم خطورة، وبالتالى يكفل تفادى الآثار السيئة لهذا الاختلاط، ومن ناحية ثانية، فإنه يجعل الإعفاء من تنفيذ العقوبة غير نهائى خلال مدة معينة تمثل فترة اختبار للمحكوم عليه ينبغى أن يكون سلوكه حسنا خلالها، أى أنه يتضمن تهديداً للمحكوم عليه – طوال مدة إيقاف التنفيذ- بتنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه إذا ارتكب جريمة، ولا شك أن هذا التهديد يمنع المحكوم عليه من التفكير في الأقدام على ارتكاب الجريمة، ويجعله حريصا على الالتزام بالسلوك المطابق للقانون.

نظرة فى النظام

وعلى الرغم من هذه المزايا التي ينطوى عليها نظام وقف تنفيذ العقوبة، فقد وجهت إليه بعض الانتقادات، لعل أهمها أنه يترك المحكوم عليه وشأنه خلال مدة إيقاف التنفيذ دون أن يفرض عليه أية تدابير للرقابة أو المساعدة في حين أن تأهيل المحكوم عليه يتطلب في كثير من الأحوال اتخاذ مثل هذه التدابير .

وقد دفع هذا النقد بعض التشريعات الجنائية، ومنها التشريع الفرنسى، إلى الأخذ بنظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، إلى جانب نظام وقف التنفيذ البسيط، ولوحظ أنه لا يمكن الاستغناء عن نظام وقف التنفيذ في صورته البسيطة التي لا تفترض اتخاذ تدابير للرقابة أو المساعدة لأهميته الكبيرة على الأقل بالنسبة لطائفة المجرمين الذين يكفي لتأهيلهم اجتماعياً مجرد الإنذار الذى يتضمنه الحكم بعقوبة المشمول بوقف تنفيذها.

شروط إيقاف التنفيذ:

ينبغى لكى يأمر القاضى عند النطق بالعقوبة بوقف تنفيذها أن تتوافر عدة شروط تتعلق بالجانى، وبالجريمة التي ارتكبها، وبالعقوبة المحكوم بها ويحرص المشرع على تحديد هذه الشروط بهدف حصر نظام وقف التنفيذ في النطاق الذى يكفل تحقيق تأهيل المحكوم عليه دون أن يتعارض مع اعتبارات العدالة والردع العام .

أولا : الشروط المتطلبة في الجانى:

تطلب المشرع المصرى لكى يجوز للمحكمة أن تأمر في الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة أن ترى «من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون» (المادة 55 من قانون العقوبات).

ويجب أن يلاحظ أن الظروف التي أشار إليها هذا النص لم ترد على سبيل الحصر، إنما جاءت على سبيل المثال، وبالتالى يستطيع القاضى في ضوء سلطته التقديرية أن يستخلص إيقاف التنفيذ من أى ظروف أخرى خاصة بالجانى، سواء أكانت تتعلق بحياته قبل ارتكاب الجريمة أو سلوكه اللاحق على ارتكابها أو الظروف التي يتوقع أن يعيش فيها بعد الحكم عليه بالعقوبة المشمول بإيقاف التنفيذ، ما دام أنه يظهر من هذه الظروف أن المتهم قد ارتكب الجريمة لأسباب عارضة ويغلب ألا يعود إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى.

ولا يشترط، وفقا للقانون المصرى، أن يكون الجانى الذى يستفيد من نظام إيقاف التنفيذ مجرماً مبتدئاً، وإنما يجوز للمحكمة أن تأمر في الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة حتى وإن كان المحكوم عليه عائداً ما دامت ترى من ظروفه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أنه لن يعود إلى ارتكاب الجريمة، ومع ذلك، فإنه من الناحية العملية نادراً ما تقضى المحكمة بإيقاف تنفيذ العقوبة بالنسبة للمجرم العائد.

وتختلف خطة القانون المصرى في هذا الصدد عن الخطة التي اتبعها القانون الفرنسى، حيث يجيز هذا الأخير الأمر بوقف التنفيذ إذا لم يكن سبق الحكم على المتهم بالحبس لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال الخمس سنوات السابقة على الوقائع المسندة إليه (المادة 734/1 من قانون الإجراءات الجنائية)، وتنص المادة 132-30 من قانون العقوبات الفرنسى الجديد على أنه في مواد الجنايات والجنح لا يجوز أن يؤمر بوقف التنفيذ بالنسبة للشخص الطبيعى إلا إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالسحن أو الحبس لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال الخمس سنوات السابقة على الوقائع المسندة إليه، ولا يجوز أن يؤمر بوقف التنفيذ بالنسبة للشخص المعنوى إلا إذا لم يكن سبق الحكم عليه بالغرامة التي يزيد مقدارها على 45000 ج لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال نفس المدة.

ثانياً : الشروط المتطلبة في الجريمة:

يشترط المشرع المصرى في المادة 55 من قانون العقوبات أن تكون الجريمة المرتكبة هى جناية أو جنحة لكى يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف التنفيذ، ومؤدى ذلك، أنه لا يجوز وقف تنفيذ العقوبة في المخالفات.

كما يستبعد المشرع بعض الجنايات والجنح من نطاق إيقاف التنفيذ نزولاً على اعتبارات الردع العام، ومن أمثلتها : الجرائم المنصوص عليها في المواد 77 و 77ب و 77ج و 77د من قانون العقوبات إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، حيث حظرت المادة 77 ( د ) عقوبات تطبيق المادة 17 من هذا القانون المتعلقة بظروف الرأفة (الظروف القضائية المخففة)، بالنسبة لهذه الجرائم، كذلك تنص المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1962 في شأن مكافحة المخدرات على أنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

أما القانون الفرنسى فإنه يجيز كأصل عام إيقاف التنفيذ أيا كان نوع الجريمة المرتكبة، سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة، إذا توافرت الشروط الأخرى المتعلقة بالمتهم وبالعقوبة المحكوم بها، بل ويجيز أيضا تطبيق نظام إيقاف التنفيذ في الجرائم العسكرية والجرائم السياسية.

ثالثاً: الشروط المتطلبة في العقوبة:

وفقاً للمادة 55 من قانون العقوبات المصرى ينبغى أن تكون العقوبة التي يجوز الأمر بإيقاف تنفيذها هى الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة، وتتضح أهمية إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة بصفة خاصة إذا لاحظنا أن المشرع يجيز تنفيذها عن طريق الإكراه البدنى إذا لم يدفعها المحكوم عليه اختياراً، وبالتالى فإن إيقاف التنفيذ يكفل تفادى سلب حرية المحكوم عليه في هذه الحالة.

ويبرر تحديد مدة عقوبة الحبس على النحو السابق الحرص على تجنب المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة أضرار الاختلاط بالمجرمين الأشد منهم خطورة داخل السجن.

ويجوز أن يكون إيقاف التنفيذ شاملاً لأية عقوبة تبعية أو تكميلية، بل لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم (المادة 55/2 من قانون العقوبات).

ويلاحظ أن القانون الفرنسى يجيز الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الحبس التي لا تزيد مدتها على خمس سنوات، والغرامة، وعقوبة أيام الغرامة «Jours-amende» والعقوبات السالبة أو المقيدة للحقوق والعقوبات التكميلية فيما عدا المصادرة، وغلق المنشأة، ونشر الحكم الصادر بالإدانة (راجع المادة 132 – 31 من قانون العقوبات الفرنسى الجديد).

آثار إيقاف التنفيذ:

إذا توافرت شروط إيقاف التنفيذ يجوز للمحكمة أن تأمر به، وذلك في نفس الحكم الصادر بالعقوبة، ويجب عليها أن تبين في الحكم الأسباب التي دعتها إلى ذلك ( المادة /55 من قانون العقوبات)، وتختلف الآثار التي تترتب على إيقاف التنفيذ خلال مدة الإيقاف عن تلك التي تترتب عليه عند انقضاء هذه المدة دون إلغاء الإيقاف.

أ) خلال مدة إيقاف التنفيذ: وقد حدد المشرع المصرى مدة إيقاف التنفيذ في المادة 56 من قانون العقوبات التي نصت على أنه «يصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، تبدأ من اليوم الذى يصبح فيه الحكم نهائياً»، وفي خلال هذه المدة يعفي المحكوم عليه مؤقتا من تنفيذ العقوبة، فيظل متمتعاً بحريته أو يفرج عنه إذا كان محبوساً احتياطيا، ولا تفرض عليه أية تدابير لمساعدته أو مراقبته.

فإذا عاد المحكوم عليه إلى مخالفة القانون يلغى وقف التنفيذ وتنفيذ فيه العقوبة المحكوم بها ضده.

وقد أجازت الفقرة الثانية من المادة 56 من قانون العقوبات إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة في حالتين:

1 : إذا صدر ضد المحكوم عليه خلال مدة الإيقاف حكم بالحبس أكثر من شهر عن فعل ارتكبه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده.

2 : إذا ظهر في خلال مدة الإيقاف أن المحكوم عليه صدر ضده قبل الإيقاف حكم بالحبس أكثر من شهر ولم تكن المحكمة قد علمت به.

‌ب) انقضاء مدة الإيقاف دون إلغائه : أما إذا انقضت مدة الإيقاف دون أن يصدر خلالها حكم بإلغائه، فلا يمكن، وفقاً للمادة 59 من قانون العقوبات، تنفيذ العقوبة، ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن، أى يعفي المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة بصفة نهائية، وتزول الآثار الجنائية للحكم الصادر بها، بحيث لا يعتبر سابقة في العود، ولا يكون المحكوم عليه في حاجة إلى رد اعتباره، لأن رد الاعتبار في هذه الحالة يتم بقوة القانون.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت