يتطلب الامر في نشوء الرابطة العقدية بين الاطراف المتعاقدة، وجود سبب لها، ويقصد به الغاية او الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول اليها من وراء تحمله بهذه الرابطة العقدية(1). وقد اختلفت وجهة نظر فقهاء القانون في تحديد ماهية السبب، فمنهم من يعتبره ركنا في الالتزام، ومنهم من يعتبره ركنا في العقد، ومنهم من يعتبره من عناصر الارادة؛ لكن رغم هذا الاختلاف في تحديد ماهية السبب فانه يعتبر من ضروريات العقد(2). وبهذا الخصوص نصت المادة (97) من مجلة الاحكام العدلية: (لا يجوز لاحد ان ياخذ مال اخر بلا سبب شرعي) كما اوضح القانون المدني العراقي مفهوم السبب في المادة (132) بالنص على انه(1- يكون العقد باطلا اذا التزم المتعاقد من دون سبب او لسبب ممنوع قانونا ومخالف للنظام العام او الاداب. 2- ويفترض في كل التزام ان له سببا مشروعا ولو لم يذكر هذا السبب في العقد ما لم يتم الدليل على غير ذلك. 3- اما اذا ذكر سبب في العقد فيعتبر انه سبب حقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك).

وبالاتجاه نفسه نص القانون المدني المصري بهذا الخصوص في المادة (126) مصري على انه:(اذا لم يكن للالتزام سبب او كان سببه مخالفاً للنظام العام او الاداب، كان العقد باطلا)، والمادة (127) على انه: (1- كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض ان له سببا مشروعا، ما لم يقم الدليل على غير ذلك. 2- ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فاذا قام الدليل على صورية السبب، فعلى من يدعي ان للالتزام سببا اخر مشروعا، ان يثبت ما يدعيه). وايضا نص القانون المدني الاردني في المادة (165) على انه: (السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد) والمادة (166) على انه: (لا يصح العقد اذا لم تكن فيه منفعة مشروعة لعاقديه).

ان فحوى هذه النصوص التشريعية يوضح ان السبب يتطلب فيه، توفر شرطين اولهما: ان يكون موجودا، وثانيا: ان يكون مشروعا، والا اصبح العقد باطلا بطلانا مطلقا، واثر هذا البطلان هو اعادة الطرفين المتعاقدين، الى حالتهما قبل التعاقد(3). اما بخصوص اثبات سبب العقد، فان الامر يتطلب، النظر اليه من زاويتين، الزاوية الاولى، هي حالة ذكر سبب في العقد، قد يذكر الطرفان المتعاقدان في العقد المبرم بينهما سبب التزامهما، وهذا هو الغالب الشائع، ففي العقود الملزمة للجانبين تذكر التزامات الطرفين، وفي العقود الملزمة لجانب واحد يذكر سبب التزام المدين(4). لكن هذه القرينة القانونية البسيطة يمكن اثبات عكسها. اذا ادعى المدين عدم مشروعية السبب او صوريته، او عدم وجوده، فعلية يقع عبء اثبات ذلك(5).

فاذا ادعى المدين ان السبب الحقيقي للعقد غير مشروع، فله ان يثبت ذلك بكل طرق الاثبات كالشهادة، والنكول عن اليمين، والقرائن، حتى لو كان السبب الصوري مكتوبا، وحتى لو تجاوز مبلغ الدين على خمسة الاف دينار؛ لان المراد اثباته هو امر مخالف للقانون، يجوز اثباته بكل الطرق. اما اذا ادعى المدين صورية السبب في العقد وكانت قيمة الالتزام تزيد على خمسة الاف دينار، فالامر يتطلب اثبات ذلك بالكتابة بالاستناد لنص المادة (77 فق /2 ) من قانون الاثبات العراقي بالنص على انه: (ثانيا- اذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسة الاف دينار او كان غير محدد القيمة، فلا يجوز اثبات هذا التصرف او انقضاؤه بالشهادة ما لم يوجد اتفاق او قانون على خلاف ذلك). ان تمكن المدين من اثبات عدم مشروعية السبب، او صوريته، ينقل عبء الاثبات الى الدائن مما يتعين عليه اثبات السبب الحقيقي، فان ادعى او دفع ان للعقد سببا اخر مشروعا فان عليه ان يثبت هذا السبب(6).

اما الزاوية الثانية لاثبات سبب الالتزام، هي في حالة عدم ذكر السبب في السند المثبت للتصرف القانوني، وذلك كان يتعهد شخص بدفع مبلغ معين للدائن من دون ذكر السبب، هل هو قيمة قرض، او اجره، او تبرع، او ثمن بيع، او غير ذلك، وفي هذه الحالة يقيم القانون قرينة قانونية بسيطة لصالح الدائن، فيفترض سلفا ان للالتزام سببا مشروعا، وان لم يذكر، لكن هذه القرينة القانونية البسيطة قابلة لاثبات العكس من قبل المدين فله ان يثبت عدم مشروعية السبب او عدم وجوده بطرق الاثبات كافة، لكون الاثبات يرد على واقعة قانونية(7). فللمدعي عند عدم ذكر السبب ان يثبت ذلك بالشهادة في ضوء المادة (76)من قانون الاثبات العراقي التي نصت على انه: (يجوز الاثبات بالشهادة في الوقائع المادية). والاثبات بالقرائن القضائية حسب نص المادة (103) جاءت بالنص على انه: (يجوز الاثبات بالقرائن القضائية في تصرف قانوني اذا قام على وجود احتيال في ذلك التصرف)، ونص المادة (100) على انه: (يجوز نقض القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم ينص القانون غير ذلك)، ونص المادة (101) على انه: (يجوز قبول الاقرار واليمين في نقض القرينة القانونية القاطعة التي لا تقبل اثبات العكس في الامور التي لا تتعلق بالنظام العام) وايضا نص المادة (116 فق/2) على جواز الاثبات باليمين، على انه: ( يجوز للخصم المتضرر من الواقعة المخالفة للنظام العام او الاداب ان يطلب توجيه اليمين الحاسمة الى خصمه).

ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص:

(اتفاق المطلق خلعيا مع اخ المطلقة على دفع 30 دينارا عند تزويج اخته المطلقة للغير اتفاق باطل لعدم مشروعية السبب ومخالفته للنظام العام)(8). (يكون العقد باطلا اذا التزم المتعاقد دون سبب) (9). (السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي، قيام الدليل على صورية السبب يقع على الدائن عبء اثبات ان للعقد سببا حقيقيا مشروعا في ضوء نص المادة (137) مدني)(10). (بانه اذا ادعى الدائن بعدم صحة السبب الوارد في سند الدين وذكر سببا اخر مشروعا وعلى انه السبب الحقيقي، كان اقراره، هذا غير قابل للتجزئة، وكان الالتزام قائما وصحيحا ما لم يثبت المدين ان هذا السبب الاخير غير صحيح) (11). (ان عقد القرض يجوز اثبات صورية سببه بالاوراق الصادرة المتمسك به، فاذا كانت سندات الدين مذكوراً ان قيمتها دفعت نقداً، ثم اتضح من الرسائل الصادرة من مدعيه الدين الى مدينها في مناسبات وظروف مختلفة قبل تواريخ السندات وبعدها انها كانت تستجدي المدين وتشكر احسانه وتبرعه لها، فهذه الرسائل يجوز اعتبارها دليلا كتابيا في نفي وجود قرض حقيقي) (12). (مؤدي نص المادتين 136 و 137 مدني ان المشرع وضع بهما قرينة قانونية يفترض بمقتضاها ان للعقد سببا مشروعا ولو لم يذكر به، فان ذكر اعتبر السبب الحقيقي للالتزام. اذا ادعى المدين صورية السبب الوارد بالعقد كان عليه عبء اثبات هذه الصورية. عبء اثبات ان للعقد سببا مشروعا اخر يقع على عاتق الدائن المتمسك به) (13). (سبب الالتزام، ان السبب المذكور في الورقة هو السبب الالتزام وكل من يدعي عدم مشروعيته او مخالفته للنظام العام عبء الاثبات) (14). (ومن حيث انه اذا كان سبب الالتزام محررا في العقد فيعتبر انه السبب الصحيح الذي رضى المدين ان يلتزم به مما لا وجه لنقض السبب المذكور الا بمستند خطي يعادله في الاثبات ولا يجوز للمتعاقدين اثبات الصورية بالبينة الشخصية) (15).

________________

1- عبد المنعم فرج الصده، محاضرات في القانون المدني، نظرية العقد في قوانيين البلاد العربية، ج3، معهد الدراسات العربية، جامعة الدول العربية، 1959، ص250؛ د. رمضان ابو السعود، الوجيز في مصادر الالتزام، ص181.

2- وحيد الدين سوار، التعبير عن الارادة في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة بالفقه الغربي، ط1، مكتبة النهضة المصرية، 1960م، 1379هـ ص470؛ د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ط5، مطبعة نديم، بغداد ،ص214؛ د. . انور سلطان، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، ج1، دار المعارف، الاسكندرية، 1965، ص227؛ د. محمد فتح الله النشار، احكام و قواعد عبء الاثبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، ، ص322؛ د. السنهوري، الوسيط، ج2، طبعة نادي القضاة، 1983ج1، فقرة ص68 وما بعدها.

3- د. انور سلطان، النظرية العامة للالتزام، ص225؛ د. عبد المنعم فرج الصدة، محاضرات في القانون المدني، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية ج2. جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، 1959، ص56.

4- د. انور سلطان، النظرية العامة في الالتزام، ص254؛ د. حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزامات، طبع على نفقة الجامعة المستنصرية، بغداد، 1976م ،ص125؛ د. نبيل ابراهيم سعد، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، منشأة المعارف، الاسكندرية 2000م ، ص68.

5- د. انور سلطان النظرية العامة في الالتزام، ص256؛ د. احمد حشمت ابو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام، ط3، مطبعة مصر، 1954، ص238.

6- د. محمد فتح الله النشار، احكام و قواعد عبء الاثبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 2000، ص324؛ د.انور سلطان، النظرية العامة في الالتزام، ص257؛ د. عدنان ابراهيم السرحان، د. نوري حمد خاطر، مصادر الحقوق الشخصية، دار الثقافة النشر و التوزيع، عمان، الاردن، 2001، ص198؛ د.عبد القادر الفار مصادر الالتزام، ص95.

7- د. انور سلطان، النظرية العامة للالتزام، ص256؛ د. محمد فتح الله النشار، المصدر السابق، ص324؛ د.حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزامات ص126؛ د. احمد حشمت ابو ستيت، المصدر السابق، ص238؛ م منير القاضي، ملتقى البحرين، مطبعة العاني بغداد، 1951، ص218؛ د. عبد القادر الفار، مصادر الحق الشخصي في القانون المدني، ص95/96؛ د. عدنان ابراهيم السرحان، د. نوري حمد خاطر، المصدر السابق، ص198؛ د. سليمان مرقس، شرح القانون المدني الالتزامات، ج2، المطبعة العالمية، القاهرة، 1964ج2، ص135؛ د. رمضان ابو السعود، دروس في مبادئ الالتزام، ط1، 1977، ص168.

8- قرار محكمة تمييز العراق رقم 1150/ص/1963،في 29/7/1963، قضاء محكمة التمييز، المجلد الاول، ص28.

9- قرار محكمة تمييز العراق رقم 1169/ص/954 في 12/12/1954، العلام، المبادئ القضائية، ص199.

10- قرار محكمة النقض المصرية 24/6/1971 الطعن رقم 27 س34، انور طلبة، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية، ج1، ص355.

11- 15 نيسان /1937 مج عمر2 رقم 25 مصري، ص125، نقلا عن الاستاذ فريد فتيان، التعبير عن الارادة، ص73.

12- 10 ت 3 1932، مج عمر رقم 67 مصري، فريد فتيان، التعبير عن الادارة، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، بغداد، 1965، ص138.

13- نقض 27/12/1962 الطعن رقم 86 س26 ق، انور طلبة والمبادئ القانونية، ص271.

14- قرار محكمة تمييز العراق رقم 329، هيئة عامة اولى، 1974 في 19/4/1975، مجلة العدالة، وزارة العدل، العدد (2) 1975، ص394.

15- ق 4086 اساس لعام 1999 قرار 3243 لعام 1999 في 29/9/1999، محكمة النقض السورية، الغرفة المدنية، 2، مجلة المحامون السورية، العدد 3/4 لسنة 2001.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .