طرق الاتجار بالبشر في القانون البحريني

أ. الإكراه

ينقسم الإكراه إلى نوعين:

إكراه مادي وإكراه معنوي , والأول يؤدي إلى انعدام إرادة الجاني بصورة مطلقة ، بينما الثاني لا يعدم الإرادة كلية وإنما يعيبها بحيث يجعل مجال الاختيار يضيق أمامها إلى حد كبير .

والإكراه المادي هو القوة المادية التي تقع على شخص فتسلبه إرادته وتحمله على ارتكاب الفعل المكون للجريمة وقد تكون القوة المادية في الإكراه المادي من فعل إنسان ، مثال ذلك أن تُجبر إحدى النساء الُمتاجر بها على ممارسة الدعارة بقصد استغلالها ، ففي هذا المثال وقعت النتيجة الإجرامية بسبب من صدر عنه الإكراه لا بسبب من نُسب إليه الفعل ، ويعني ذلك أن من خضع للإكراه لا يُسأل جنائيًا عن الجريمة التي ارتكبها لأنه مسلوب الإرادة بل يُسأل جنائيًا من استعمل الإكراه (الجاني) لأنه استعمله عمدًا لسلب إرادة من خضع للإكراه (ضحية الاتجار) فحمله على إتيان عمل رغمًا عن إرادته .

أما الإكراه المعنوي فيعني الضغط الذي يباشره شخص على إرادة آخر لحمله على ارتكاب جريمة معينة . فالإكراه المعنوي لا يعدم إرادة المكره من الناحية المادية ولكنه يشل حركتها ويذهب بقيمتها من حيث القدرة على الاختيار , فيدفع المكره ويحمله على ارتكاب الجريمة تحت تأثير الخوف من خطر جسيم وشيك الوقوع ، مثال ذلك أن تأتي امرأة الفعل المادي في جريمة الدعارة بغرض استغلالها من قبل الجاني تحت تأثير التهديد بقتل والدها فترتكب ذلك الفعل المكون للجريمة ، ففي هذا المثال نجد أن ضحية الاتجار ترتكب الجريمة مضطرة لكي تفلت من الخطر المحدق الذي يتهددها بقتل والدها.

ب. التهديد

يعتبر التهديد إحدى الوسائل المستخدمة للضغط على إرادة المجني عليه لدفعه لاغتراف جريمة محددة ، فمثلا نجد أن الشخص الخاضع للتهديد كان في إمكانه الامتناع عن إتيان السلوك الإجرامي الذي أُمر به إذا قبل أن يتحمل الضرر الجسيم على نفسه أو على نفس غيره ولكنه يرتكب الجريمة مضطرًا لأنه يفقد القدرة على الاختيار فيقدم ارتكاب الجريمة تجنبًا لوقوع الخطر الجسيم الذي يحيط به.

ج. الحيلة

لم يضع المشرع تعريفًا للطرق الاحتيالية ، تاركًا ذلك لاجتهاد الفقه والقضاء واكتفي بتحديد الغرض منها ، ويمكن أن نعرف الطرق الاحتيالية في نطاق جريمة الاتجار بالبشر بأنها ” كل كذب أو وعود كاذبة تدعمها مظاهر خارجية يكون من شأنها إيهام المجني عليه (ضحية الاتجار) بالمساعدة على قضاء حاجاته وطلباته بطريقة مشروعة على خلاف الحقيقة” حيث يقوم الجاني باستغلال ظروفه الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي يمر بها لحمله على إتيان سلوك إجرامي معين نتيجة خداعه وتضليله بقصد استغلاله وجني الأرباح من ورائه .

د. استغلال الوظيفة أو النفوذ

يعتبر استغلال الوظيفة أو النفوذ جريمة مستقلة في النظام القانوني البحريني وترتكز على ركنين مادي ومعنوي يسبقها شرط مفترض هو التمتع بنفوذ حقيقي أو مزعوم لدى سلطة عامة أو جهة خاضعة لإشرافها إلا أن قانون الاتجار البحريني تضمن النص عليه باعتباره إحدى الوسائل المقترنة بالفعل المكون لجريمة الاتجار بالبشر طالما كان ذلك بقصد استغلال الضحية أو المجني عليه ، الأمر الذي يتطلب إيضاح المقصود من هذه الوسيلة .

يُقصد باستغلال الوظيفة أو النفوذ أن يكون للشخص نوع من التقدير لدى بعض رجال السلطة الذين بيدهم تحقيق مصلحة ذي الشأن مما يمكن له من حملهم على قضائها ، وقد يكون ذلك راجعًا إلى مركزه في المجتمع ، وقد يكون بسبب صلة تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة أو الصداقة أو ما أشبه ذلك ويستوي أن يكون الشخص المتجر بنفوذه يتمتع بنفوذ فعلي أو نفوذ مزعوم ويتحقق الأخير بمطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية لكن يشترط في كل الحالات أن يكون المستغل لنفوذه موظفًا عامًا أو مكلفًا بخدمة عامة ، وتستوي بعد ذلك لتوافر الجريمة أن يكون المستغل لنفوذه يستطيع أو لا يستطيع الحصول على المزية محل الواقعة لطالبها .

ولا يشترط أن يتسلم المتجر بنفوذه العطية بالفعل ، إذ مجرد طلب العطية أو مجرد قبولها يحقق الركن المادي ولم تؤخذ العطية بالفعل.
أما عرض العطية على ذي النفوذ ورفضها من جانبه فإنه لا يعتبر جريمة لعدم النص عليها ويتوافر قصد الجاني أو الوسيط التابع لمافيا الاتجار إذا كان غرضه من تقديم العطية حمل صاحب النفوذ على الاتجار به أي السعي به لدى السلطة العامة واستغلال المجني عليه (ضحية الاتجار) .

هـ. إساءة استعمال السلطة علي شخص ما

يُقصد بإساءة استعمال السلطة بصفة عامة أن يبتغي الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية مختلفة عن تلك التي حددها القانون للأعمال الداخلة في هذا الاختصاص ، وتتحقق تلك الصورة في الحالات التي يترك فيها المشرع للموظف قدرًا من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر في حدود الصالح العام ـ بمحض اختياره ـ ما يراه محققا لهذه الغاية ، والفكرة الجوهرية في هذه الصورة إذن أن الشارع حينما خول الموظف سلطة فقد أراد بذلك أن يستعملها لتحقيق مصلحة عامة حددها فإن ابتغى باستعمالها تحقيق مصلحة خاصة لنفسه أو لغيره فقد أساء استعمال سلطته ، وبذلك يكون تصرفه مشوبًا بعيب الانحراف في السلطة .

ولقد قضى مجلس الدولة المصري “بأن سوء استعمال السلطة نوع من سوء استعمال الحق والموظف يسئ استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على القانون وأهدافه وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضربًا من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه.

كما يجوز للآباء أو أولياء النفس عند عدم وجود الأب والوصي والأم حق تأديب الصغار لإصلاحهم وتعليمهم شرط ألا يتجاوز حدود الضرب البسيط الذي يجب أن يكون باليد دون استعمال وسيلة أخرى كالسوط أو العصا ولا يتجاوز الإيذاء الخفيف الذي لا يترك أثرًا في الجسم ولا يتجاوز الضرب ثلاث ضربات , ولا يجوز تقبيح الوجه أو الرأس وحق التأديب مقيد بالغاية التي شرع من أجلها وهو إصلاح الصغير وتعليمه وتهذيبه ، فإن تجاوز مستعمل الحق بفعله هذه الغاية إلي غاية أخرى خرج فعله من دائرة الإباحة ودخل دائرة التجريم واستحق بالتالي العقاب ومصدر هذه الحق هو الشريعة الإسلامية .
كما أن حق التأديب ثابت بمقتضي العرف للمخدوم على خادمه أي لرب الأسرة على مخدومته أو مخدومه بشرط مراعاة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية وعدم الإيذاء والضرب المبرح أو القيام بأي شكل من أشكال التعذيب مخالفًا بذلك القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية.

وعلى الرغم من ذلك فانه تبرز على الساحة الداخلية إساءة استخدام السلطة الأدبية المكفولة لشخص ما على أشخاص آخرين في كنفه أو تحت رعايته وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية هو قيام علاقة زوجية مثل تجاوز الزوج في معاملاته الأسرية مع زوجته وتجاوز الحدود المسموح بها مثل الضغط عليها للعمل في مجال الدعارة وقد تكون مصدرها العلاقة الأسرية بين الأب وأبنائه ، فيسئ الأب استخدامها مثل قيام الأب بمضاجعة ابنته (زنا المحارم) وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية العلاقة بين رب الأسرة (الكفيل) ومخدومته فيسئ إليها بدنيًا ويعتدي عليها جنسيًا .

وخلاصة القول انه يمكن تعريف إساءة استعمال السلطة على شخص ما من الناحية الأدبية بأنها تجاوز من قبل الشخص الحدود المرسومة له بشأن ممارسة سلطة أدبية ممنوحة له على شخص آخر مخالفًا بذلك القانون والعرف والعادات والتقاليد والثقافات المتبعة في ربوع هذا المجتمع .

وجدير بالذكر أن المشرع البحريني قد نص في قانون الاتجار على استخدام أية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ويُفهم من هذا النص أن المشرع قام بالتعميم باستخدام جميع الوسائل غير المشروعة فيما يتعلق بالأشكال المختلفة للاتجار بالبشر وقد أحسن المشرع البحريني النص على التعميم وذلك لاستيعاب الوسائل غير المشروعة المستحدثة التي ربما تظهر في المستقبل ويتم استخدامها لاحقًا فيما بعد ، كما يجب التنويه إلى أن الوسائل غير المشروعة غير المباشرة تجد أمثلتها في الطرق الاحتيالية والوسائل الخداعية والوعود الكاذبة