بعض إشكاليات مدونة الشغل و العمل القضائي

عدنان بوشان
باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية

أولا: العمل القضائي و مسطرة الفصل
لا شك أن سلوك مسطرة الفصل المنصوص عليها في المادة 62 وما بعدها تعتبر من أهم المقتضيات الحمائية للأجراء والتي تمنحهم حق الدفاع عن أنفسهم وكذلك تجعل مسطرة الفصل تتسم بنوع من الشفافية في مواجهة باقي الأجراء داخل المقاولة، وقد استقر الاجتهاد القضائي على مجموعة من المبادئ من أهمها ما يلي :
· من يقع عليه عبء مباشرة المسطرة.
إن دور المشغل بخصوص هذه المسطرة هو دور إيجابي بحيث يقع عليه واجب تتبع إجراءاتها
قرار عدد 276 بتاريخ 14/3/2007 في الملف 13/5/1/2006 والذي جاء فيه (مقتضيات المادة 62 أو مسطرة الفصل ملقاة بالأساس على كاهل المشغل باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير).
· جزاء عدم سلوك هذه المسطرة.
استقر العمل القضائي على أن عدم سلوك مسطرة الفصل المنصوص عليها في المادة 62 وما بعدها من طرف المشغل، يجعل الفصل متسما بالتعسف وإذا كان هذا المبدأ يتجه نحو ضمان استقرار الشغل وفرض مجموعة من الإجراءات والمساطر على المشغل، فإنه في نفس الوقت يقف عائقا أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة وأمام التنمية الاقتصادية، وقد كان للمشرع الفرنسي اتجاه مغاير فجعل جزاء عدم سلوك مسطرة الفصل من طرف المشغل أدء هذا الأخير لتعويض للأجير دون فرضية الفصل التعسفي.
قرار عدد 682 بتاريخ 12/04/2012 في الملف الاجتماعي عدد 449/5/1/2011 (وجوب احترام المشغل مقتضيات المادة 62 قبل اتخاذ قرار الفصل في حق الأجير وذلك تحث طائلة اعتبار الفصل تعسفيا).
· مراقبة القضاء للشكل قبل النظر في أسباب الفصل بعد تمسك الأجير بذلك
جاء في قرار لمحكمة النقض أنه لا ينظر القاضي في الأخطاء المنسوبة للأجير إلا بعد تأكده من احترام المشغل لمسطرة الفصل، إذ أن عدم احترام الجانب الشكلي كاف لاعتبار الفصل تعسفيا، إذا تمسك الأجير بعدم توصله برسالة الفصل.
· إجراءات مسطرة الفصل تؤخذ ككل
لقد نص المشرع على مسطرة الفصل في المواد 62 و 63 و 64 و 65 من مدونة الشغل، وقد اعتبرت محكمة النقض أن الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في هذه المسطرة يترتب عن تخلف أحدها اعتبار الفصل تعسفيا،
ففي قرار لها أكدت من خلاله على أن عدم توجيه الاستدعاء للأجير داخل الأجل المنصوص عليه من أجل الاستماع إليه يجعل المشغلة قد خرقت مسطرة الفصل. (قرار ع 473 بتاريخ 3/4/2014 م إج ع 998/5/1/2013).
كما ذهبت محكمة النقض إلى التأكيد على أن عدم احترام الأجل المقرر للاستماع للأجير وذلك بالاستماع لهذا الأخير بعد انصرام الأجل المحدد يجعل الفصل تعسفيا لخرق مسطرة الفصل، (قرار ع 54 بتاريخ 15/1/2015 م إج ع 233/5/1/2014)، وفي قرار آخر اعتبرت من خلاله محكمة النقض أن الاستماع للأجير قبل تاريخ التبين من الخطأ لا يشكل خرقا لأجل 8 أيام من تاريخ التبين المحددة في المادة 62، (قرار ع 41 بتاريخ 15/1/2015 م إج ع 175/5/1/2014).
كما اعتبرت محكمة النقض أن مسطرة الفصل لا تتمثل في مجرد احترام مقتضيات المادتين 62 و 63 وذلك بالاستماع إلى الأجير داخل الأجل واتخاذ مقرر بالفصل وتسليم نسخة منه للأجير، بل لابد من ضرورة احترام مقتضيات المادة 64 التي تفرض توجيه نسخة من المقرر إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وإلا اعتبر الفصل تعسفيا،( قرار ع 1079 بتاريخ 30/4/2015 م إج ع 938/5/1/2014).
· إشكالية التوقيف المؤقت للأجير
قد يعمد الأجير الذي يكون محل مسطرة الفصل إلى الدفع بمنع المشغل له من الدخول إلى مكان الشغل معززا ذلك بمحضر معاينة وذلك حتى قبل مباشرة المشغل لمسطرة الفصل، وهو ما يجعلنا نطرح الأسئلة التالية: هل يمكن للمشغل أن يعمد إلى التوقيف المؤقت للأجير المرتكب لخطأ جسيم وما سنده في ذلك ؟ وما هي الوضعية القانونية للأجير المرتكب لخطأ جسيم بعد التبين من الفعل وقبل الاستماع إليه من طرف المشغل ؟.
لم تتناول المواد 62 إلى 65 الإشارة إلى أي مقتضى بخصوص إمكانية توقيف المشغل للأجير مؤقتا إلى حين الاستماع إليه، لكن ذلك لا يعني بالضرورة منع المشغل من اتخاذ هذا الإجراء الوقتي، وذلك نظرا لواقعيته وتماشيه مع ما يتمتع به المشغل من سلطة تنظيمية وتأديبية، إذ يصعب أن نتصور إبقاء المشغل على أجير تبت في حقه فعل السب أو السرقة أو غيرها من الأفعال في مواجهة المشغل وأمام أنظار باقي الأجراء، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 459 قد تسعفنا في الأخذ بهذا القول حيث جاء فيها أنه:
” يمكن للمشغل في حالة الخطأ الجسيم أن يقرر حالا التوقيف المؤقت في حق مندوب الأجراء…”
و قد يلاحظ على هذا المقتضى أنه خاص بالأجير الحامل لصفة مندوب الأجراء فقط، لكن الأمر خلاف ذلك حيث أنه مقتضى جاء بصيغة الإمكانية دون الوجوب كما أنه يخاطب المشغل لما له من سلطة تنظيمية وتأديبية، زد على ذلك أنه إذا كان للمشغل إمكانية توقيف مندوب الأجراء مؤقتا باعتبار صفته تلك فما بالك بالأجير.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التوقيف المؤقت للأجير لا يعتبر عقوبة تأديبية وإنما هو إجراء وقتي احتياطي تفاديا لأي تطورات لا تحمد عقباها داخل مكان الشغل، خلاف ما عليه الحال بالنسبة للعقوبة التأديبية المنصوص عليها في البند الثالث من المادة 37 المتعلقة بالتوقيف عن الشغل لمدة لا تتعدى ثمانية أيام.

· إشكالية الفقرة الأخيرة من المادة 62
تطرح هذه الفقرة مجموعة من التساؤلات فإذا كانت الفقرتين الأولى والثانية تخاطب المشغل على ما استقر عليه القضاء كما سلف الذكر فإن الفقرة الأخيرة من نفس المادة تخاطب كلا الطرفين الأجير والمشغل وهو ما من شأنه أن يثير عدة تساؤلات بخصوص مدى الزامية مقتضياتها لكلا الطرفين وما هو دور مفتش الشغل فيها وهل يمكن اللجوء لهذا الأخير قبل مباشرة المسطرة، وهل يمكن أن يجازى الأجير عن عدم احترام مقتضياتها على غرار المشغل ؟ .
لقد تضارب الاجتهاد القضائي بخصوص الزامية هذه الفقرة بين اتجاه يقول بالإلزامية في مواجهة المشغل فقط باعتباره المحرك للمسطرة وعليه يقوم واجب تتبعها، وبين اتجاه يقول بأن الالزامية تسري على كلا الطرفين فالأجير في حالة ما إذا أراد التمسك بالمسطرة عليه اتباث احترام المقتضيات الملزمة وإلا سقط حقه في التشبث بالمقتضيات الشكلية أمام المحكمة.
وقد كان لمحكمة النقض دورها في محاولة الجواب عن التساؤلات التي طرحناها أعلاه من خلال مجموعة من القرارات، حيث اعتبرت محكمة النقض أن تخلف الأجير عن الحضور إلى جلسة الاستماع لا يجعل المشغل في حل من إتمام مسطرة الفصل (قرار ع 1711 بتاريخ 01/12/2011 م إج ع 1306/5/1/2010).
كما أكدت محكمة النقض على أن اللجوء إلى مفتش الشغل بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 62 لا يعفي المشغل من القيام بالإجراء المسطري المنصوص عليه قانونا لتمكين الأجير من الدفاع عن نفسه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي وتحرير محضر من الإدارة وتسليم نسخة منه للأجير.(قرار ع 1484 بتاريخ 27/10/2010 م إج ع 1223/5/1/2010).
وفي قرار آخر جاء فيه أن الفقرة الأخيرة من المادة 62 المذكورة تجعل اللجوء إلى مفتش الشغل أمرا لا محيد عنه إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، (قرار ع 276 بتاريخ 14/3/2007 م إج ع 813/5/1/2006).
وبخصوص الجواب عن مدى إمكانية لجوء أحد الأطراف إلى مفتش الشغل حتى قبل مباشرة مسطرة الفصل أو فشلها نجد أن محكمة النقض قد اعتبرت أن اللجوء إلى مفتش الشغل إنما يكون بعد رفض أحد الأطراف إجراء أو إتمام المسطرة وليس قبلها. (قرار ع 501 بتاريخ 19/2/2015 م إج ع 1935/5/1/2013).
ويبقى التساؤل المطروح في هذا الصدد أنه إذا كان جزاء عدم سلوك المشغل لمسطرة الفصل هو اعتبار الفصل فصلا تعسفيا بغض النظر عن وجود خطأ جسيم من عدمه، فهل يمكن القول باعتبار الفصل فصلا مبررا في الحالة التي لا يحترم فيها الأجير المقتضيات القانونية المنصوص عليها بالمادة 62 كعدم حضوره أو رفض توقيعه على المحضر أو عدم حضوره حتى بعد اللجوء إلى مفتش الشغل بناء على ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 62.
· مسطرة فصل مندوب الأجراء
يعتبر مندوب الأجراء من بين الأجراء المحميين والذين أفرد لهم المشرع مقتضيات قانونية خاصة تنظم مسطرة فصلهم، وذلك بموجب المواد 457 و 458 و 459 من مدونة الشغل، وعليه فإن كل مشغل يرغب في اتخاذ أي إجراء تأديبي في مواجهة مندوب الأجراء يتوجب عليه الحصول على موافقة مفتش الشغل بموجب مقرر معلل.
ولقد استقر الاجتهاد القضائي على أن اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق مندوب الأجراء دون أخذ رأي مفتش الشغل يعد باطلا ونتيجة لذلك يعتبر الفصل فصلا تعسفيا بقطع النظر عن الأخطاء المنسوبة إليه، (قرار ع 771 بتاريخ 26 مارس 2015 م إج ع 305/5/1/2014).
ويطرح التساؤل حول مدى ضرورة لجوء المشغل إلى مسطرة الفصل المنصوص عليها في الماد 62 وما بعدها بخصوص الإجراء التأديبي المزمع إيقاعه على مندوب الأجراء، خاصة وأن المشرع المغربي قد خص تأديب مندوب الأجراء بمسطرة خاصة به، زد على ذلك أن المشرع لو أراد تطبيق مقتضيات المادة 62 لصرح بذلك كما هو الحال بالنسبة للمادة 37 في فقرتها الأخيرة.
وغالبا ما تؤكد محكمة النقض على ضرورة سلوك المسطرة القانونية المنصوص عليها في المادة 457 دون إشارة للمادة 62 (قرار ع 135 بتاريخ 4/02/2009 م إج ع 286/08)
حيث غالبا ما تؤكد على وجوب أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل.
(قرار ع 2 بتاريخ 8/01/2015 م إج ع 173/5/1/2014).
ثانيا: عقد الشغل الموسمي
العمل الموسمي حسب ما استقر عليه القضاء هو الذي ينجز في مواسم دورية منتظمة دون نظر إلى المدة التي يستغرقها، ما لم تصل إلى ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، وذلك بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها الأجير أجره وعن دورية أدائه.
و قد انتشر هذا النوع من الأعمال بشكل واسع في الكثير من المجالات ويعتبر الأجير في إطار عقد الشغل الموسمي أجيرا مؤقتا يقع عليه في حالة الخلاف مع المشغل حول طبيعة العقد إثبات استمرارية الشغل وهو ما استقرت عليه محكمة النقض.
حيث استقر قضاء محكمة النقض في تحديد طبيعة عقد الشغل الموسمي على الوصف الذي يعطيه المشغل لهذا العقد من خلال الوثائق الصادرة عنه، كعقد الشغل وورقة الأداء وشهادة العمل.
حيث اعتبرت محكمة النقض أن صفة الطالبة كأجيرة مؤقتة ثابتة استنادا لعقد الشغل المحدد المدة الذي أبرمته مع المشغلة، وكذا من أوراق الأداء التي تشير إلى طبيعة العمل على أنها موسمية.
(قرار ع 877 بتاريخ 21/10/2010 م إج ع 59/15/2009)
كما جاء في قرار آخر أن صفة الأجيرة كعاملة موسمية ثابتة استنادا لشهادة العمل المحتج بها من طرف الأجيرة نفسها، والتي تشير إلى صفتها كعاملة موسمية.
(قرار ع 1212 بتاريخ 06/10/2011 م إج ع 1246/5/1/2010).
إن الإشارة في العقد الموقع عليه من قبل الأجير إلى أن العمل موسمي يضفي عليه صفة الموسمية بالرغم من تصريح الشهود إلى أنه مستمر.
(قرار ع 161 بتاريخ 24/2/2011 م إج ع 1638/5/2/2009).
لكن هذا الموقف القضائي يصعب التسليم به على اعتبار أن مجرد تضمين عقد الشغل أو أوراق الأداء أو بطاقة الشغل صفة الموسمية، لا يعتبر بحد ذاته دليلا على كون الشغل المؤدى ذو طبيعة موسمية، بل لابد من الاعتداد بطبيعة الشغل المتعاقد بشأنه.
وقد يطرأ أن يعمل الأجير في مرحلة موسمية تم يمتد عمله إلى ما بعد الموسم بعمل آخر، حيث تصعب التفرقة بين ما هو موسمي وما هو قار، وبالتالي فإن الأمر يوكل إلى السلطة التقديرية لقضاة الموضوع في تكييف العقد وفي هذا الإطار صدر قرار لمحكمة النقض جاء فيه ما مفاده أن الأجير الذي يشتغل في الحرث وجني الزيتون والحصاد وتنقية الأشجار وسياقة الجرار وهو المسير للضيعة، لا يعتبر عمله عملا موسميا نظرا لطبيعة العمل الذي يقوم به والمحكمة لما لها من تقييم لشهادة الشهود الذين أتبثوا أن عمل الأجير هو عمل مستمر وفصله هذا يعتبر فصلا تعسفيا.
(قرار ع 135/2004 بتاريخ 9/02/2005 م 1051 غير منشور).

ثالثا: تشغيل الأجراء الأجانب غير النظاميين
لقد صار المغرب دولة استقبال واستقطاب بعد أن كان دولة عبور نظرا للأعداد الهائلة من المهاجرين الذين يدخلون التراب الوطني، وغالبا ما يتم تشغيل هؤلاء المهاجرين واستغلال وضعيته غير القانونية مما يفرض علينا التساؤل حول مدى قانونية هذا التشغيل؟ ومدى أحقية هؤلاء المهاجرين في الاستفادة من مقتضيات مدونة الشغل؟.
باستقصاء مدونة الشغل فإننا لا نجد أي مقتضى يشير لوضعية الأجراء الأجانب غير النظاميين، خلاف ما عليه الحال بالنسبة لقانون الشغل الفرنسي الذي اعتبرها حالة من بين حالات الشغل غير النظامي المعاقب عليها قانونا بموجب المادة L8211-1 وما بعدها.
لكن وبموجب القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والصادر مؤخرا بتاريخ 25 غشت 2016 يتبين لنا من خلال قراءة أولية له أن تشغيل هذه الفئة من المهاجرين يعد جريمة للاتجار بالبشر، متى ما توفرت عناصر هذه الجريمة من استدراج واستقبال لهذه الفئة داخل التراب الوطني واستغلال وضعيتهم وحالة الهشاشة التي يعانون منها وإهدار كرامتهم الإنسانية ولو تلقى المهاجر مقابلا عن ذلك.
وقد أفرد المشرع المغربي لهذه الجريمة عقوبات قاسية تتمثل في السجن الذي قد يصل إلى عشر سنوات، والغرامة التي قد يصل قدرها إلى 10.000.000.
ويطرح السؤال كذلك حول مدى أحقية الأجير الأجنبي الذي يكون في وضعية غير نظامية في الاستفادة من حقوقه كأجير قام بعمل تابع تحت إشراف وتبعية المشغل ؟.
لقد اعترفت الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الأجراء المهاجرين وأفراد أسرهم والتي صادق عليها المغرب بمجموعة من الحقوق لفئة الأجراء المهاجرين غير النظاميين، كالحق في المساواة في المعاملة، والحق في الضمان الاجتماعي والحق في الانخراط في المنظمات النقابية، وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.
و قد أجابت محكمة النقض عن التساؤل أعلاه بموجب قرار لها صادر بتاريخ 14 مارس 2015 والذي أكدت من خلاله على أحقية الأجير الأجنبي الذي انتهت صلاحية تأشيرته للشغل في المطالبة بحقوقه الناتجة عن تنفيذ العقد عملا بقاعدة عدم جواز الإثراء على حساب الغير،
و في مقابل ذلك فإنه لا يكون الأجير الأجنبي محقا في المطالبة بالتعويضات الناتجة عن إنهاء العقد ما دام هذا الأخير قد انتهى أمده بانتهاء أجل التأشيرة.
(قرار ع 741 بتاريخ 19/3/2015 م إج ع 298/5/1/2014).

رابعا: التطبيق المباشر لبنود الاتفاقيات الدولية للشغل من طرف القضاء
تعتبر قابلية الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل للتطبيق المباشر من طرف القضاء الوطني، النتيجة القانونية والمنطقية لاعتبار هذه الاتفاقيات جزءا من القانون الوطني، فهي بذلك تصير قانونا نافذا وملزما يتعين على القاضي أن يطبقه من تلقاء ذاته، ونظرا لما تمثله الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل من أهمية في ضمان حماية قانونية لفئة الأجراء فإن الأمر يدعوا منا ضرورة الوقوف على موقف القضاء الاجتماعي من هذه المسألة ؟.
انطلاقا من ما وقفنا عليه من اجتهادات قضائية حول الموضوع فإن الملاحظ أن القضاء الاجتماعي غالبا ما يعتمد الاتفاقيات الدولية للشغل في مجملها وبشكل مكمل ومفسر للنص القانوني الوطني بعيدا كل البعد عن اعتمادها كنص بديل يمكن الاستناد عليه في إحقاق الحقوق، وهو ما يتضح من خلال قرار لمحكمة النقض بتاريخ 27 يناير 2013 والذي اعتبر أن اعتداء المدرس على تلميذه يعد خطأ جسيما وخرقا لاتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 20/11/1989 والمصادقة عليها من طرف المملكة.
(قرار ع 940 بتاريخ 27/6/2013 م إج ع 243/5/1/2013).
وقد جاء في قرار آخر أن مسطرة الفصل التأديبي تعتبر تنزيلا لاتفاقية منظمة العمل الدولية التي صادقت عليه المملكة المغربية ويترتب على عدم احترامها اعتبار الفصل فصلا تعسفيا، (قرار ع 432 بتاريخ 27/03/2014 م إج ع 596/5/1/2013).
ويرجع السبب في ذلك حسب رأينا إلى الغياب المطلق للدفع أو طلب تطبيق بند من بنود الاتفاقيات الدولية للشغل أمام القضاء الاجتماعي.
أما على مستوى العمل القضائي المقارن نجد أن القضاء الفرنسي يلتزم بتطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية من تلقاء نفسه كما لو أنه يطبق أحكام القانون ولو لم يطلب منه الخصوم ذلك.

خامسا: إهانة الأجير للمشغل عبر مواقع التواصل الاجتماعي
هي إشكالية لربما لم تصل بعد إلى محاكمنا المغربية، بعكس ما عليه الحال بالنسبة للقضاء الفرنسي، حيث تم فصل ثلاث أجراء لارتكابهم خطأ جسيم ومتابعتهم بتهمة التحريض على التمرد وعلى الحط من موقع الشركة، وذلك بعد أن قام الأجراء الثلاثة بنشر تعليقات لهم بالفيسبوك يعبرون فيها عن انتقادهم الشديد لكيفية تسيير المقاولة، وانتقادهم لبعض رؤسائهم الذين كانوا سببا في تدحرج درجتهم المهنية.
كما اعتبر القضاء الفرنسي أن الأجير الذي وجه مجموعة من الانتقادات لمشغله عبر صفحة الفيسبوك، ولو أنها كانت فقط مقتصرة على أصدقاء وصديقات هذا الأجير إلا أن لها صفة العمومية، واعتبر أن الاحتجاج بالفيسبوك كدليل على ارتكاب الأجير لخطأ جسيم هو استناد قانوني.
(CA Lyon, ch. soc 24 mars 2014, n° 13-03463)

و يطرح السؤال بخصوص الوضعية عندنا بالمغرب حول مدى إمكانية اعتبار القضاء الاجتماعي الإهانة أو السب أو الانتقاد الحاد، الذي يمكن أن يتعرض له المشغل أو أحد المسؤولين الإداريين بصفتهم تلك من طرف الأجير عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي خطأ جسيما، يوجب فصل الأجير سواء أكان هذا الفعل من داخل المؤسسة أوخارجها أو أتناء أوقات العمل أو خارج هذه الأوقات.