بحث قانوني حول ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم

ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم و تـوقيفـه
المحامي أبوذر منذر كمال عبداللطيف

المقدمة

أولاً- أهمية البحث
علم التحقيق الجنائي علمٌ عميق الأغوار واسع الأفاق تتعدد إجراءاته وتتنوع بحسب طبيعة الجريمة التي يجرى التحقيق عنها ، لذلك يستوجب لفهم هذا العلم دراسة معمقة لاسيما وإنها تتطور وتختلف باختلاف الزمان والمكان ، حيث مر علم التحقيق الجنائي بمراحل تاريخية وهو في عزلة عن العلوم الأُخرى ، إذ كانت الإجراءات التحقيقية تتخذ بأساليب روتينية تعسفية لا قيود لها من الناحيتين الفنية والقانونية . وكان الفرد تُفترض إدانته من البداية خلافاً لمبادئ العدالة.
ونتيجة للكفاح الطويل والمرير الذي خاضته الإنسانية ضد تلك الإجراءات التعسفية ، فقد تمخض ذلك عن قاعدة قانونية جوهرية تقرر (( أن الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة عادلة تؤمن فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه )) . وما لبثت تلك القاعدة حتى تبنتها مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان ، ومن ثم تبنتها أغلب دساتير العالم ومنها الدستور العراقي الحالي لعام 1970 لتصبح قاعدةً دستورية .
غير أنه لا يمكن التغاضي عن أن هنالك أفعالاً قد تؤدي إلى اضطراب الأمن وزعزعة كيان المجتمع مما يتطلب اتخاذ إجراءات تحقيقية سابقة على حكم الإدانة ، ولعل أن من أهم تلك الإجراءات وأشدها مساساً بالحقوق والحريات الشخصية التي دافع عنها الإنسان طويلاً هما استجواب المتهم وتوقيفه ، مما يستوجب اتسامهما بخصوصية استثنائية بوصفهما مخالفة لقرينة البراءة المفترضة في الإنسان ، وعليه فإنه لا يجوز اللجوء إليهما إلا لضرورة وفي أحوال محددة قانوناً و بضمانات صريحة تكفل للفرد والمجتمع في آن واحد الأمن والحرية لأنهما يمسان حرية الإنسان ، وكل مساس بتلك الحرية ينبغي أن يكون له سند من القانون تتحقق به مصلحة أعلى هي حماية المجتمع الذي يكون الفرد نواة تكوينه وبنيته الأساسية ، فإذا تعارضت المصلحتان (مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع تُغلَّب مصلحة المجتمع التي هي أجدر بالرعاية والحماية الأمر الذي يستوجب اتخاذ مثل تلك الإجراءات التي تسبق حكم الإدانة .

ولما كان الموضوع رغم أهميته لم يحضَ بالدراسة الكافية في بلدنا – العراق – بشكل يغطي كافة جوانبه ، فقد بادرت لاختياره عنواناً للبحث ، باعتباره من أهم موضوعات قانون الإجراءات الجنائية في دول العالم قاطبة ومنها قطرنا الحبيب .
وتتجلى أهمية البحث ومدى إمكانية استفادة القضاء و أجهزة العدل منه في أن القاضي وهو بصدد تطبيقه لأحكام قانون أُصول المحاكمات الجزائية عند تحقيقه مع المتهم ، لا تكفيه النصوص القانونية المجردة دائماً ، مما يتعين عليه البحث في أحكام النص وتحليله والخوض في هدف المشرع منه والحكمـة من تشريعه للوقوف على الضمانات التي كفلها للمتهم عند استجوابه أو عند توقيفه . كما يتعين عليه الوقوف على رأي القضاء واتجاهاته المتباينة أحياناً بحسب تباين الجرائم واختلاف وقائعها وظروفها . و يتعين عليه كذلك عدم إغفال النصوص الدستورية المهمة بهذا الصدد للوقوف على الضمانات التي كفلتها تلك النصوص بما جعلها قواعد وضمانات دستورية واجبة التطبيق وذلك لما تمتاز به هذه النصوص من سمو على النصوص القانونية الأخرى . وعملية البحث في النصوص المتعلق باستجواب المتهم وتوقيفه بهذا الشمول تتطلــب من القاضي المختص دراسة العديد من المصادر والإطلاع على العديد من أحكام القضاء ، وهـي عملية ليست باليسيرة لما تتطلبه من وقت وجهد ، في وقت ينظر فيه قاضي التحقيق العديد من القضايا يومياً . لذلك يكون البحث المعمق في ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم وتوقيفه الطريق المـُعبَّد للقاضي المختص للوقوف علـى الأحكام القانونية بجزئياتها وتطبيقات القضاء بشأنها . وبهذا الأسلوب نكون قد قدَّمنا فائدة للقضاء العراقي نرجو أن تنال الرضا والقبول خدمةً للصالح العـام .

ثانياً- تقسيم البحث:
تتوزع الفكرة الأساسية إلى محورين أساسين وعليه فسنقسم بحثنا إلى فصلين ، الأول ندرس فيه ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم ، إذ نص قانون أُصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 على ضمانات إجرائية مهمة ، منها ما يتعلق بالمدة التي يجب خلالها استجواب المتهم ، ومنها ما يتعلق بالجهات المخولة بالاستجواب ، بالإضافة إلى عدم جواز تحليف المتهم اليمين ، كما نص على حقوق مهمة للمتم عند استجوابه ، منها حقه في الصمت ، وحقه في طلب الاستماع إلى شهود ومناقشتهم ، وحقه في عدم استعمال سلطات التحقيق معه وسائل غير مشروعة عند استجوابه .
أما المحور الثاني في دائرة البحث ، فيتعلق بضمانات الحرية الشخصية في توقيف المتهم وسنتناوله في الفصل الثاني من البحث، والذي سنحاول من خلاله إبراز الضمانات المتعلقة بإصدار قرار التوقيف ، بالإضافة إلى ضمانات المتهم الموقوف ، كضمان إطلاق سراحه وضمان الطعن بقرار التوقيف. وسنحاول في كلا المحورين التعمق بالبحث بهدف التوصـل إلى آراء ومقترحات من شأنها أن تسهم في تطوير القواعد القانونية القائمة في هذا المجال والله الموفق .

المبحث الأول
ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم

يُعرَّف الاستجواب بأنه مناقشة المتهم بالجريمة المنسوبة إليه ، والأدلة المقدمة ضده ، مناقشةً تفصيلية ، كيما يفندها إن كان منكراً التهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف ( ).
ويُعد الاستجواب من أهم إجراءات التحقيق ، نظراً لكونه المعين الثَّر على كشف الحقيقة بإدانة المتهم أو لإظهار براءته ، فهو طريق اتهام وطريق دفاع في آن واحد ( ).ونظراً لهذه الأهمية المتميزة للاستجواب فقد أحاطته التشريعات الجنائية المعاصرة بضمانات متعددة بغيَّة حماية المتهم من التعسف في استعمال السلطة الممنوحة للقائمين به ، و يمكن تقسيم هذه الضمانات إلى نوعين ، النوع الأول الضمانات الإجرائية المتعلقة باستجواب المتهم ،كتحديد المدة التي يجب استجواب المتهم خلالها ، وتحديد الجهات المخولة بالاستجواب إضافة إلى حـق المتهم بالاستعانة بمحام ،والنوع الثاني ضمانات المتهم عند استجوابه ، كحريته في الكـلام وحقـه في الصمت ، وحقه في طلب الاستماع لشهود ومناقشتهم ، وحقه في عدم استعمال وسائل غير مشروعة عند استجوابه وعدم تحليفه اليمين،وسنخصص فرعاً مستقلاً لكل ضمانة من هذه الضمانات على التوالي :

الفرع الأول
الضمانات الإجرائية المتعلقة باستجواب المتهم
الضمانات الإجرائية المتعلقة بالاستجواب الهدف منها الحفاظ على الحرية الشخصية للمتهم من أن تمس بسوء خلافاً للقانون ، وهي ثمرة موازنة المشرع بين ضرورة الاستجواب كإجراء مهم من إجراءات التحقيق من جهة ، وبين قرينة الــبراءة (Province of Innocence) حيث أنه لا يزال بريئاً في نظر القانون ، وهكذا فإن المشرع حدد المدة التي يجب استجواب المتهم خلالها كما حدد الجهات التي لها الحق في استجواب المتهم .هذه الضمانات الإجرائية ستكون محور بحثنا في هذا الفرع وفي فقرتين مستقلتين:

أولاً- ضمانات تتعلق بالمدة :
من الضمانات الأساسية للحرية الشخصية الإسراع في استجواب المتهم ، والعلة في ذلك هي أن الاستجواب يُعد وسيلة مهمة من وسائل الدفاع التي يستطيع من خلالها المتهم دحض الاتهامات المنسوبة ُ إليه ، لذا يجب عدم تأخير هذا الإجراء قدر الإمكان.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن إجراء الاستجواب على وجه السرعة له فوائد كثيرة للمتهم ولسير العدالة على حد سواء ، فمن فوائده للمتهم كونه يمكنه من أن يتعرف على الأسباب التي دعت إلى الاشتباه به واستدعاءه أمام السلطات التحقيقية ، ومن ثم يستطيع ممارسة حقـه في الدفاع عن نفسه ، فكما هو معلوم مدى القسوة التي يعـانيها المتهم عندما يبقى مدة طويلة دون أن يعلم ما هي الاتهامات المنسوبة إليه ، أو عندما يعلم بها ولكن لا تتاح لـه الفرصة في الرد عليها ، فسرعة الاستجواب تسـاعد المتهم على إبداء دفاعه في وقـت مبكر لتفنيد ما قام ضده من أدلة ، وبذلك يستطيع التخلص من الأثر السيئ الذي يلحق بسمعته وحريته نتيجة بقاء تلك الاتهامات مسلطة عليه لفترة طويلة ( ).
أما فوائده لتحقيق العدالة ، فتتمثل بالنتائج الجيدة التي يحققها للسلطة القائمة بالتحقيق ، ذلك أنه كلما زادت الفترة الفاصلة بين وقوع الجريمة واستجواب المتهم ، كلما زادت فرصة المتهم – إن كان مذنباً- في تلفيق دفاعه وحَبْكِه بصورة مقنعة ، في حين أن أقواله التي تُسمع في وقت قريب من ارتكاب الجريمة تكون أقرب للحقيقة وبعيدة عن التحوير والتلفيق( ).
لذلك جعل المشرع العراقي الإسراع في الاستجواب من المبادئ الأساسية التي استلزمها عند اتخاذ هذا الإجراء من قبل الجهات المخولة بذلك ، حيث نصت المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه : ((على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال أربع وعشرين ساعة من حضوره …)). وهكذا فإن المشرع العراقي اعتبر الإسراع في استجواب المتهم وجوبياً على قاضي التحقيق أو المحقق حيث استخدم كلمة (على )وهي تدل على الوجوب كما هو معروفٌ في اللغة العربية ،وهو اتجاه سليم ينم عن سياسة جنائية صائبة ، تعبر عن إدراك المشرع بالفوائد الجمَّة للإسراع في استجواب المتهم ، حيث بيتن لنا المذكرة الإيضاحية لقانون أصول المحاكمات الجزائية الغاية من ذلك بأنه : ( ..لتوفير جو من الحرية للمتهم في أن يدلي بإقراره ، ولتثبيت إقراره بصورة دقيقة لا يتطرق إليها الشك ) .
وبالرغم من أن نص المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية جاء إلزامياً ،فإن بعض قضاة التحقيق والمحققين لا يتقيدون بما ألزمهم به المشرع عند قيامهم بهذا الإجراء التحقيقي ، هذا الأمر طُرح في الندوة الخاصة بالهيئات التحقيقية ، حيث دعت الفقرة (رابعاً/2) من ورقة العمل الصادرة عن هذه الندوة إلى : ((2-الالتزام بنص المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أُجبت على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال (24) ساعة من حضوره ، وعدم تركه رهن مشيئة القائم بالتحقيق وما ينتج عن ذلك من ضياع الكثير من الأدلة والحقائق نتيجة التأخير في الاستجواب وفسح المجال للتلقين والتأثير )).
ونحن بدورنا نضم صوتنا إلى هذه الدعوة ، أعمالاً لنصوص القانون وتحقيقاً للغايات السامية التي أرادها المشرع .

ثانياً- ضمانات تتعلق بالجهات المخولة بالاستجواب
بالنظر لأهمية الاستجواب وخطورته على الحرية الشخصية للأفراد ، كان لزاماً على المشرع إحاطة المتهم بضمانات تحمي حريته وتصونها عند استجوابه …ولعل من أهم هذه الضمانات هو أن يعهد بهذا الإجراء إلى سلطة لها من الاستقلال والكفاءة ما تجعلها محلاً للثقة والاطمئنان ، لذا تتجه التشريعات الجنائية المعاصرة إلى حصر هذا الحق بالجهات القضائية أو بالمحققين (في بعض الأحيان) ، وهذا ما آخذ به المشرع العراقي في المادة ( 123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ، أما أعضاء الضبط القضائي ( )بصفتهم سلطة جمع الاستدلال فَلَم يُجز لهم القانون ذلك ، في الوقت الذي أوجب عليهم في حالة تلقيهم إخبار عن جريمة مشهودة أو اتصل علمهم بها أن يسأل المتهم –إن كان موجوداً- عن التهمة المسندة إليه شفوياً ، ومن المعلوم أن سؤال المتهم يخلف عن استجوابه ، فهو إجراء بمقتضاه توجه التُهَمُ إلى المتهم ، ويتم تثبيت أقواله بشأنها دون مناقشته فيها ولا مواجهته بالأدلة القائمة قِبله ( ) ، فهو إجراء يملكه قاضي التحقيق والمحقق كما يملكه عضو الضبط القضائي ، لأنه إجراء من إجراءات جمع الاستدلال لا التحقيق ، حيث نصت المادة (43) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((على عضو الضبط في حدود اختصاصاته المبينة في المادة (39) إذا أُخبر عن جريمة مشهودة أو اتصل علمه بها أن يخبر قاضي التحقيق والإدعاء العام وقوعها ، وينتقل فوراً إلى محل الحادثة، ويدون إفادة المجنى عليه ، ويسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه شفوياً …. ))، كما نصت الفقرة (ب) من المادة (52) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه ((ب- يجري الكشف من قبل المحقق أو القاضي في مكان وقوع الحادثة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة (43) …)) ، وعليه فإن الاستجواب بخلاف سؤال المتهم يقتصر إجراءه من قبل قاضي التحقيق والمحقق فقط ، ويكون بتدوين أقوال المتهم في محضر يوقعه المتهم والقاضي أو المحقق ، فإذا امتنع المتهم عن التوقيع يُثَبِّتُ ذلـك في المحضر ( ).

وبالرغم من أن المشرع أجاز للمحقق استجواب المتهم إلا أنه عاد فأوجب تدوينه من قبل قاضي التحقيق في حالة ما إذا تضمنت إفادة المتهم إقراراً بارتكابه الجريمة ، وحسناً فعل المشرع بذلك فالقاضي هو الجهة الأكثر اطمئناناً لصحة صدور الاعتراف وما يمثله من خطورة على الحرية الشخصية للمتهم .وبالرغم من أن المشرع قد أوجب ذلك على قضاة التحقيق إلا أن الواقع العملي يشير إلى وقوع العديد من المخالفات ، حيث يقوم بعض المحققين باستجواب المتهمين وأخذ اعترافاتهم ومن ثم تدوينها بإسم القاضي تحايلاً والتفافاً على نصوص القانون ،ة وهو أمرٌ نبهت إليه الفقرة (رابعاً/4) من ورقة عمل ندوة الهيئات القضائية حيث نصت على أنه : ((4-الالتزام بنص المادة (128) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التي أوجبت تدوين أقوال المتهمين من قبل قضاة التحقيق حيث نصت (إذا تضمنت إفادة المتهم إقراراً بارتكابه جريمة فعلى القاضي تدوينها بنفسه وتلاوتها عليه بعد الفراغ منها ) ، و عدم تدوينها من قبل المحقق العدلي في مقرات المحاكم و بإسم قاضي التحقيق لأن هذا الأسلوب يثير الكثير من الطعون ويترك المتهم عرضة للتلقين والتأثير من قبل ذوي العلاقة ووكلائهم من المحامين وحتى من قبل أفراد الشرطة الذين يصاحبون المتهم عند تدوين أقواله ،إضافةً إلى قصور تلك الإفادات وعدم دقتها لقلة خبرة المحققين العدليين وعدم كفاءتهم التحقيقية )).

الفرع الثاني
ضمانات المتهم عند الاستجواب
بما أن الاستجواب -كما قلبنا سابقاً- طريقُ دفاع وطريق اتهام في آن واحد فلابد من إحاطته بضمانات إجرائية عند القيام به ، تكفل تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه لدحض الاتهامات الموجهة إليه ، وتضمن أن لا يستغل (الاستجواب ) للحصول على اعتراف كاذب من المتهم ، وهذه الضمانات من شأنها أيضاً أن تؤمن حصول الاستجواب بشكل قانوني سليم .
لكل ما تقدم درجت التشريعات الجنائية على إحاطة الاستجواب بضمانات مهمة عند القيام به ، ولعل من أهمها إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، وحرية المتهم في الكلام وحقه في الصمت وعدم جواز استعمال وسائل غير مشروعة ضده لانتزاع اعترافِ منه ، إضافة إلى حق المتهم في طلب الاستماع إلى شهود ومناقشتهم ، وتلك بمجموعها تُشكَّل (ضمانات المتهم عند الاستجواب)كونها ضمانات للمتهم عند اتخاذ إجراءات الاستجواب بحقه ، وسنحاول في هذا الفرع من البحث تسليط الضوء على هذه الضمانات في ثلاث فقرات مستقلة.

أولاً- إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه :
يقصد بهذا الضمان ، أن على القائم بالاستجواب أن يُعلم –بعد التَثَبُت من شخصيتهِ بجميع الأفعال المنسوبة إليه ، وأن لا يُغفل واقعة من تلك التي يجري التحقيق بسببها ( ) ، ويعد هذا الإجراء من أقدم الضمانات بهذا الصدد فقد عرفته الشريعة الإسلامية الغراء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ،حيث دَرَجَ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم –باعتباره أول قاضِ في الإسلام- على إحاطة المتهمين علمناً بالجريمة المنسوبة إليهم ( )،من ذلك ماورد في حديث صفوان بن أُمية إنه طاف بالبيت وصلَّى ثم لّفَّ رداءً له من بُردٍ فوضعه تحت رأسهِ ، فنامَ فأتاه لِصٌ فاستلهُ من تحت رأسه، فأتى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (( إنَّ هذا سرق ردائي)) ، فقال النبي له : (( أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذا _ وأشار إلى صَفوان – ؟)) قال : ((نعم)) فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ((اذهبا به فاقطعا يده)) ( )…وكذلك فعل عليه الصلاة والسلام مع ماعز عندما جاء إليه مُقِراً بالزنا ، فَبَيَّنَ لَهُ جريمته ووصفها لَهُ ، فأكد اقرارهُ بها ، فأَمَرَ النبي بإقامة الحَدِ عليه ( ).
والجدير بالذكر إنه لا يكفي مجرد إحاطة المتهم علماً بالتهمة المنسوبة إليه، بل يجب فوق ذلك تبصيره بأدلة الاتهام القائمة ضده ، والكاشفة عن صلته بهذه الواقعة ( )، ويجب أن تكون هذه الإحاطة حقيقية دون تغيير وإلا إنعدمت أمانة سلطةُ التحقيق في إيضاحها للتهمة مما يبطل معها الاستجواب( ).ومع ذلك فإن المحقق غير مُلزم بذكر تفاصيـل الوقـائع المنسوبة إلى المتهم بل يكفي أن يُلخصها لهُ ، كما لا يتوجب على المحقق إحاطة المتهم علماً بالوصف القانوني للوقائع المنسوبة إليه ، إذ قد تظهر ظروفاً من شأنها أن تُغيير هذا الوصف، فإذا أغفل المحقق ذلك فإنه لا يقدح بصحة الاستجواب ، ومع ذلك فإننا نرى أن من الأفضل ذكر الأوصاف القانونية للأفعال المنسوبة إلى المتهم إلى جانب الوقائع التي تضمنتها .
وتتجلى أهمية إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، والأدلة المتوفرة قِبلَهُ ، في كون تلك الإحاطة تُعَدَّ من الأمور الضرورية لصحة ما يُبديه المتهم من أقوال واعترافات فيما بعد ( ) ، فضلاً عن أنها تُمكِّن المتهم من تهيئة دفاعه بنفسه أو بواسطة محاميه إذا استلزم الأمرُ ذلك ، لأنه لا يمكن للمتهم من أن يناقش الأدلة القائمة ضده ويدافع عن نفسه ما لم يكن قد أُحيط علماً بما هو منسوبُ إليهِ.
ونظراً لهذه الأهمية المتميزة لهذه الضمانة المهمة من ضمانات الحرية الشخصية عند استجواب المتهم ، فقد أكدت التشريعات الجنائية المعاصرة عليها ، ومن ذلك المادة (123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التي نصت على أنه : ((على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال أربع وعشرين ساعة من حضوره بعد التَثَبُتِ من شخصيته و إحاطته علماً بالجريمة المنسوبة إليه ))ومن الجدير بالملاحظة أن بعض التشريعات العربية المقارنة لم تكتفِ بالنص صراحة على مسألة إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، وإنما رتبت جزاء البطلان إذا أغفل المحقق ذلك ، من تلك التشريعات ما نصت عليه ،
ونحن بدورنا نرجح ما ذهبت إليه التشريعات ، وندعو المشرع العراقي إلى تعديل المادة (123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية باعتبار الاستجواب باطلاً إذا تم من دون إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، ذلك أن إغفال مثل هذا الإجراء المهم يُعد خرقاً لأحكام القانون و انتهاكاً لضمانا الحرية الشخصية للمتهم عند استجوابه .

ثانياً_ حق المتهم في طلب الاستماع لشهود ومناقشتهم.
تُعَدُّ الشهادة من الأدلة الهامة في الدعوى الجنائية ، لا بل إنها عماد الإثبات فيها لأنها تقع في أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت في مستندات ، وليس الشأن في المسائل الجنائية كالمسائل المدنية التي تحصل غالباً بناء على اتفاق بين الخصوم يُدرَجُ في محرر ، فالجريمة عندما تقع لا يمكن تصور وجود اتفاق بين الجاني و المجنى عليه على ارتكابها كما لا يمكن إثباتها مقدماً وإقامة الدليل عليها، كثيراً ما تُميط الشهادة اللثام عن المجرم ، أو أن تُبريءَ ساحة المتهم فتاكون لها الغلبة في بعض الأحيان وعليها يترتب الحكم بالإدانة أو البراءة .
وبالنظر لخطورة وأهمية الشهادة في الإثبات الجنائي كان لزاماً أن يُعطى الحث للمتهم في أن يبدي أقواله في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وذلك لأن المتهم عند استجوابه يجب أن يحاط علماً بما أُسند إليه ، كما أن من الضمانات المهمة للحرية الشخصية هي إتاحة الفرصة للمتهم في مناقشة الشهود ، وذلك لتقديم ما لديه من أقوال تدحض ما قد يتقدمون به ضده ، من شهادة قد تكون غير صحيحة ،كما أن من مقتضيات حق الدفاع لمتهم أن يطلب استدعاء الشهود لهذا الغرض ، و انسجاماً مع ذلك فقد أكدت المادة (124) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على هذه الضمانة الهامة حيث نصت على أنه : ((للمتهم الحق في أن يبدي أقوال في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وأن يناقشه أو يطلب استدعاءه لهذا الغـرض )).

ثالثاً-حق المتهم في إبداء أقواله في حرية تامة و عدم استعمال وسائل غير مشروعة في استجوابه.
من الضمانات الأساسية لحرية المتهم عند استجوابه هي حريته التامة في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه من قبل القائم بالتحقيق ، وحقه فقي التزام الصمت إذا شاء ، لأن الموقف يخضع لتقديره الخاص ، ولا عقاب عليه إذا امتنع عن الإجابة على أي سؤال ( )،وقد أكدت على هذه الضمانة الهامة العديد من المؤتمرات الدولية ومنها التوصية الصادرة عنة المؤتمر الدولي الثاني عشر الذي عقدته الجمعية الدولية لقانون العقوبات بمدينة هامبورغ الألمانية عام 1976 حيث نصت على أنه : (( التزام الصمت حقٌ مقررٌ لكل متهم في جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات ويجب إعلام المتهم بهذا الحق ))( ).وهذا ما أكد عليه قانون أصـول المحاكمات الجزائية العراقي الصادر قبل ذلكم المؤتمر بخمس سنوات حيث نصت الفقرة (ب) من المادة (126) على أنه ((لا يجبر المتهم على الإجابة عن الأسئلة التي توجـه إليه )).
كما أن حماية الحرية الشخصية للمتهم أثناء الاستجواب تستلزم بالضرورة عدم استعمال وسائل غير مشروعة في استجوابه بُغية انتزاع الاعتراف منه ،فمن السهولة أن يُجبر المتهم على الكلام ولكن ليس من السهل أن يقول الحقيقة ( )،وكثيراً ما أدت الوسائل غير المشروعة إلى اعترافات لمتهمين أبرياء ، أو إلى اعترافات مغايرة للحقيقة .وتتـخذ هذه الوسـائل صوراً عديدة منها ما تمس سلامة جسم الإنسان ، ومنها ما تمس نفسه بالأذى . وهذه الوسائل تَشُلُّ الإرادة أو تضعفها وتحدث آلام جسمية ونفسية بدرجات متفاوتـة حسب طبيعة تلك الوسائل ودرجة جسام استخدامها عملياً ، وقد منع المشرع العراقي اللـجوء إلى تلك الوسائل حيث نصت المادة(127) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه (( لا يجوز اسـتعمال وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره . ويعتبر من الوسائل غير المشـروعة إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير ))،كمما نصت الفقرة (أ) من المادة (126) من القانون ذاته عل أنه ((لا يحلف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين )).ويمكن إدراج الحالات التي نص المشرع العراقي على عدم جواز استخدامها في الاستجواب في صورٍ ثلاثة هي الإكـراه المادي والإكراه المعنوي والتأثـير الأدبي ( ).ويتمثل الإكراه المادي بالاعتداء بقوة مادية لا قِبَلَ للمنهم بمقاومتها ، فتنعدم حرية الاختيار لديه ، أو تتأثر نسبياً ، فتكون الإرادة معيبة ولا قيمة لإقرار وأقوال المتهم الصادرة نتيجة لها وبغض النظر عن مقدار الألم .
ويُعَدُّ التعذيب أَشَدُّ أنواع الإكراه المادي وأكـثرها شيوعاً وخـطورة علـى الحريـة الشخصية للمتهم ، فكثيراً ما تدفع شخصاً بريئاً للاعـتراف لكي يتخلص من آلامـه .حيث يلجأ لهذه الوسيلة المحققون العاجزون لإخفاء عـدم كفاءتهم وقصورهـم في التحقيق والتهرب من بذل الجهود التي يستلزمها مواصلة البحث عن الأدلة الموضوعية السليمة .
والإكراه المادي يُبطل الإقرار الصادر عن المتهم حيث نصت المادة (218) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((يشترط في الإقرار أن لا يكون قد صَدَرَ نتيجة إكراه مادي … )). ويُعَدُّ الإكراه المادي مبطلاً للأقوال والاعترافات سواءٌ أكان مباشراً كضرب المتهم وكيِّهِ وتمزيق ملابسه ، أو غير مباشراً كتعريض المتهم لأحوال معيشية رديئة مثل وضعه في زنزانة مظلمة لمدة طويلة ومنعه من مواجهة أهله وحرمانه من الغطاء من الدواء .

وبالإضافة إلى بطلان الاعتراف فإن الإكراه المادي يُعَدُّ في حَدِّ ذاته جريمة تستوجب العقاب بموجب أحكام المادة(332)من قانون العقوبات التي تنص على أنه : ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار( ) أو بإحدى هاتين العقوبتين :- كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس اعتماداً على وظيـفته فأخل باعتباره أو شرفه أو أحدث ألماً ببدنه وذلك دون الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون ))، والمادة (333) من قانون العقوبات التي تنص على أنه : ((يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عَذَبَ أو أَمَرَ بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أًمر من الأمور لإعطاء رأي معين بشأنها )).
أما الإكراه المعنوي فيكون في هيئة التهديد قولاً وفعلاً بقصد التأثير على الإرادة وجعلها تتجه في طريق معين على غير رغبة الشخص دون أن يُلغي حُرية الاختيار ، فمن المعلوم أن التهديد يختلف أثره من شخص لآخر بالنسبة لاختلاف السن والجنس ودرجة التعليم والخبرة والبيئة ، وكذلك بالنسبة للاعتياد وعدمه على موقف الاتهام ، فأثره على المتهم لأول مرة يختلف على أثره على من اعتاد موقف الاتهام ، إذ أن المجرم المعتاد لا يتأثر في العادة بالتهديد الذي يَمُسُّ شخصيته كالتهديد بالتعذيب وحرمانه من الطعام والشراب ، ولكن إذا كان التهديد يَمُسُّ أشخاص ً أعزاء عليه كوالديه أو زوجته أو أولاده فإنه من الغالب أن يضعف أمام ذلك التهديد ويعترف بارتكابه الجريمة( ).

وقد منع المشرع العراقي استعمال الإكراه الأدبي لحمل المتهم على الإدلاء بأقواله ومن صورها الواردة في المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التهديد بالإيذاء والوعيد ، كما أن المادة 218 من القانون ذاته اشترطت لصحة الإقرار أن لا يكون صادراً نتيجة إكراهٍ أدبي ، وأعتبر المشرع العراقي هذا الفعل يُشَكِلُ جريمة بحد ذاته عاقب عليه بموجب المادة 333 من قانون العقوبات سالفة الذكر .
أما التأثير الأدبي فيتخذ صورٌ عِدَة من أهمها الوعد والإغراء و تحليف المتهم اليمين ، ويقصد بالوعد تعمد بعث الأمل لدى المتهم في شيء يتحسن به مركزه أو ظروفه ، ويكون لهُ أثرهُ على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار ، ويُحتمل أن يَحمُل المتهم إلى أن يعترف اعترافاً غير حقيقياً أملاً في المنفعة التي وُعِدَ بها فيما إذا أعترف بارتكابه الجريمة ، ولكي يُبطِل الوعد الاعتراف الصادر عن المتهم يجب أن يتوفر فيه الشروط الآتية :

1-صدوره م شخص لهُ نفوذ وسلطة في الدعوى بحيث يستطيع أن يُنجِز ما وَعَدَ به ، أو على الأقل يساعد على تحقيقه بأية كيفية كالمحقق وعضو الإدعاء العام وضابط الشرطة.
2-أن يتعلق بشأن هام ، بحيث يصعب على الشخص العادي مقاومته ومن شأنه أن يدفعه إلى الاعتراف .

وقد عَدَّت المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية الوعد والإغراء من الوسائل غير المشروعة في الاستجواب ، وهو ما انتقده بعض الفقه واعتبر أن المصطلحين مترادفين ، غير أننا نرى أن اتجاه المشرع العراقي صحيح لوجود فرق بين المصطلحين ، فالوعد يكون بعرض الأمل بفائدة صادرة من الواعد قد يحققها أو لا يحققها ، بينما الإغراء هو عرض أمل الفائدة قد تأتي تلقائياً للمتهم من جراء تغيير موقفه -أي الإدلاء بأقواله أو اعترافاته- دون أن يكون للواعد أي دور في أحداث تلك النتيجة ( ).
والملاحظ أن المادتين 332 و333 من قانون العقوبات جاءت خالية من ذكر الوعد والإغراء باعتبارهما نوعٌ من إساءة استعمال السلطة ، لذلك فإن القيام بمثل هذا العمل يكيف وفق أحكام المادة 331 من القانون ذاته( ) والتي نصت عل أنه : ((يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين :
كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة )).
ويُعّدُّ تحليف المتهم اليمين صورة من صور التأثير الأدبي في إرادة المتهم ، كونه يضعه في موقف مُحرج قد يضعه بين خيارين فإما أن يكذب ويُنكر الحقيقة أو يُضحي بنفسه ويعترف ولهذا فمن القسوة وضع المتهم بين مصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف معتقداته الدينية والأخلاقية ، وبين أن يقرر الحقيقة ويتهم نفسه ويعرضها لعقوبة .

وقد استقر الفقه على أن مخالفة تلك القاعدة يعيب الاستجواب على اعتبار أنها تؤثر على حرية دفاع المتهم عن نفسه فَتُعَدُّ أقواله باطلة ،وقد صَرَّحَ المشرع العراقي بذلك في الفقرة (أ) من المادة(126) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية حيث منع تحليف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين .
وإذا كانت الصور المتقدمة بمجموعها تمثل الوسائل غير المشروعة في الاستجواب فإن المشرع أجاز عرض العفو على المتهم في جناية بقصد الحصول على شهادته ضد مرتكبيها ، وبذلك فإن عرض العفو على المتهم بالرغم من تأثيره على إرادة المتهم فإنه يُعَدُّ من الوسائل المشروعة ، فالحالة القانونية لعرض العفو عن المتهم تختلف عن حالة الوعد غير المشروع ، ذلك لأن عرض العفو هو تخويل قانوني للسلطة القضائية أخذ به المشرع العراقي في المادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ونظم أحكامه بفقراتها الثلاث( ) بما يضفي صفة الشرعية على مثل هذا الإجراء .
والملاحظ على اتجاه المشرع العراقي ، هو عدم منح محكمة الجنايات سلطة عرض العفو عن المتهم ، ربما لتصور المشرع أن القضية بعد إحالتها على المحكمة تكون قد خرجت من طور الغموض فلا حاجة لعرض العفو عن المتهم للحصول على شهادته ، وإن القضية الغامضة أمنا أن تَبْقَ رهن التحقيق أو تُغلق مؤقتاً ( )،إلا أننا نُحبذ الاتجاه الذي كان عليه قانون أُصول المحاكمات الجزائية البغدادي (الملغي ) والذي كان يمنح محاكم الجزاء الكبرى ( الجنايات) تلك الصلاحية ، وذلك لأن بعض القضايا أحياناً تتوافر فيها أدلة تكفي للإحالة ولا تكفي للإدانة ، أو أن هناك قضايا يكتنفها الغموض في بعض جوانبها ، فبعد عرض العفو على المتهم تستجد أدلة أُخرى تساعد في إظهار الحقيقة وإحقاق الحق ، لذا ندعو المشرع العراقي إلى تعديل المـادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية بإناطة سلطة العفو برئيس محكمة الجنايات أيضاً .
والملاحظة التي تثور هنا باستقراء الواقع العملي ، هي أن عرض العفو على المتهم بالرغم من أهميته الكبيرة ، وما قد يثمر عن نتائج إيجابية في التحقيق ، إلا أن تطبيقه م قبل قضاة التحقيق هو أمرٌ نادرٌ جداً ، مما يقتضي التعميم إلى قضاة التحقيق بتطبيق أحكام المادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية كلما كان ذلك مفيداً لسير التحقيق .

المبحث الثاني
ضمانات الحرية الشخصية في توقيف المتهم

تهتم التشريعات الجنائية المعاصرة بإحاطة التوقيف بقيود تضمن حماية الفرد من التعسف ، تلك القيود ما هي إلا ضمانات لحماية الحرية الشخصية للمتهم، وتقسم هذه الضمانات إلى نوعين ، النوع الأول الضمانات المتعلقة بإصدار قرار التوقيف ، كتحديد الجهة المخولة سلطة التوقيف، وما هي الجرائم التي يجوز فيها – أو يجب أحياناً-توقيف المتهم ، ومدة التوقيف ، والبيانات التي يجب أن يشتمل عليها قرار التوقيف ، والنوع الثاني ضمانات المتهم الموقوف كضمانات إطلاق سراح المتهم الموقوف ، وضمانات الطعن بقرار التوقيف… تلك هي موضوعات أساسيه نظمها المشرع بأحكام قانونية محددة ، سأتناولها بالبحث في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول
الضمانات المتعلقة بإصدار قرار التوقيف
ويقسم هذا النوع من الضمانات إلى نوعين هما ، الضمانات الإجرائية المتعلقة بالتوقيف وضمانات تتعلق بالجهة المخولة بالتوقيف، وهذا ما سنتناوله بالبحث تباعاً.

أولاً- الضمانات الإجرائية المتعلقة بالتوقيف
الضمانات الإجرائية المتعلقة بالتوقيف الهدف منها الحفاظ على الحريات الشخصية من أن تمس بسوء خلافاً للقانون ، ذلك لأن التوقيف – ومهما كانت مبرراته – يبقى إجراءاً خطيراً من إجراءات التحقيق يمس حرية المتهم بالرغم من كونه لا يزال بريئاً ، ومن أجل ذلك و للتوفيق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة فقد عني المشرع بإحاطته بضمانات تعد ضوابط إجرائية يستخدم القاضي سلطته في حدودها المرسومة . وهذه الضمانات منها ما يتعلق بتحديد الجرائم التي يجوز فيها توقيف المتهم ، ومنها ما يتعلق بمدة التوقيف ، ومنها ما يتعلق بما يجب أن يتضمنه أمر التوقيف من بيانات ، هذه النقاط الأساسية سنتناولها تباعاً في هذه الفقرة من البحث .

1- الجرائم التي يجوز فيها توقيف المتهم .

وضع المشرع في قانون أُصول المحاكمات الجزائية مقياسا ًللتوقيف جاءت على بيانه المادتين (109و110 ) منه والتي بموجبها يمكن أن يصدر الأمر بتوقيف المتهم ضمن المعايير محددة،كما جاء قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)رقم لسنة 1999 ليمنع التوقيف في بعض الجرائم ، وعليه فإن معايير التوقيف في التشريع العراقي هي على النحو الآتي :
أ- جرائم الأصل فيها توقيف المتهم ، وهي المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو السجن المؤقت أو المؤبد . وتنص الفقرة (أ) من المادة (109) على ذلك بالقول ((إذا كان الشخص المقبوض عله متهماً بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو بالسجن المؤقت أو المؤبد فللقاضي أن يأمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً في كل مرة أو يقرر إطلاق سراحه بتعهد مقرون بكفالة شخص ضامن أو بدونها بأن يحضر متى طلب منه ذلك إذا وجد القاضي إن إطلاق سراح المتهم لا يؤدي إلى هروبه ولا يضر بسير التحقيق )).
والغاية من توقيف المتهم في مثل هذه الجرائم هي المحافظة على الأدلة والقرائن المادية المتحصلة في القضية ضد الجاني لأن إطلاق سراح المتهم أثناء التحقيق يمكنه من العبث بالأدلة أو تأثيره على الشهود أو تعريض الأدلة للخطر .
وقد أكدت محاكم الجنايات بصفتها التمييزية على هذه الغاية في العديد من القرارات ومنها قرار لمحكمة جنايات التأميم جاء فيه : (( لدى التدقيق والمداولة تبين أن قاضي محكمة تحقيق كركوك الأولى قر بتأريخ 7/8/1988 رفض طلب وكيل المميز المتهم (ش) بخصوص إخلاء سبيل موكله من التوقيف بكفالة وحيث أن جريمة المميز تنطبق في حالة ثبوتها وأحكام المادة (308) عقوبات وبدلالة قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) المرقم 160 في 5/2/1983 المعدل وبالنظر لتعدد قضايا الرشوة المسجلة ضد المتهم المذكور وأهميتها وخشية هروبه وتأثيره على سير التحقيق ، فإن قرار قاضي محكمة تحقيق كركوك الأولى برفض طلب وكيل المميز جاء صحيحاً وموافقاً للقانون قرر تصديقه وإعادة القضية إليه لإكمال التحقيق فيها وإحالتها على المحكمة المختصة ، وصدر القرار بالاتفاق … ))( ).
ب – جرائم الأصل فها عدم توقيف المتهم ، وهي المعاقب عليها بالحبس مدة ثلاث سنوات أو أقل أو بالغرامة، وتنص الفقرة (أ) من المادة (110) على ذلك بالقول : (( إذا كان المقبوض عليه متهماً بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة ثلاث سنوات أو أقل أو بالغرامة فعلى القاضي أن يطلق سراحه بتعهد مقرون بكفالة شخص ضامن أو بدونها ما لم يرَ إن إطلاق سراحه يضر بسير التحقيق أو يؤدي إلى هروبه )).
وبهذا الصدد نرى أن المشرع ساوى في إمكانية التوقيف بين الجرائم المعاقب عليها بالحبس مدة ثلاث سنوات فأقل وبين الجرائم المعاقب عليها بالحبس بالغرامة وأجاز في الحالتين توقيف المتهم ، ونرى أن الجريمة المعاقب عليها بالغرامة فقط والتي استبعد منها المشرع إمكانية الحكم بالحبس لا تستوجب إمكانية التوقيف ، فهي عقوبة مالية والإجراء التحفظي بصددها ينبغي أن يكون ذا طابع مالي أيضاً ولا يمس الحرية الشخصية بأي شكل من الأشكال ، لذلك نرى وجوب إطلاق سراح المتهم في الجرائم المعاقب عليها بالغرامة فقط بتعهد شخصي ومقرون بكفالة أو بدونها إلا إذا تعذر وجود الكفيل ، ومن الجدير بالذكر إن العديد من التشريعات العربية لا تجيز التوقيف في مثل هذه الجرائم( )، لذلك نقترح تعديل المادة (110/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وذلك بحذف عبارة ( أو بالغرامة ) منها مع استحداث فقرة جديدة مستقلة ضمن المادة المذكورة لمعالجة هذه المسألة وبالشكل المقترح التالي : (( ج- إذا كان المقبوض عليه متهماً بجريمة معاقب عليها بالغرامة فقط ، فعلى القاضي أن يطلق سرحه بتعهد مقرون بكفالة أو بدونها ، وإن تعذر إيجاد كفيل جاز توقيفه مؤقتاً ضمن الحدود المقررة في المادة 109 )) .
كما يدخل ضمن هذه الطائفة جرائم المخالفات ، حيث أن الأصل فيها عدم توقيف المتهم باستثناء حالة ما إذا كان المتهم فيها ليس له محل إقامة معين . وهو ما تنص عليه الفقرة (ب) من المادة (110) بالقول (( إذا كان المقبوض عليه متهماً بمخالفة فلا يجوز توقيفه إلا إذا لم يكن له محل إقامة معين )) .
وبما أن المخالفات هي جرائم قليلة الأهمية ،فإن جواز توقيف المتهم عنها يتعارض مع الضمانات الأساسية التي تقتضيها المحافظة على الحرية الشخصية فلا خوف من هروب المتهم ، إذ ليس من المنطقي أن يُضحّي بمكانته الاجتماعية ومصالحه المادية لمجرد احتمال صدور حكم بسيط –غالباً ما يكون الغرامة- ، كما لا خشية على مصلحة التحقيق إذا علمنا أن التحقيق في المخالفات غالباً ما يعتمد على المحضر الذي ينظمه أو يحرره المسؤول في مركز الشرطة( ) . كما أن مثل هذا الجواز من شأنه أن يؤدي إلى ازدحام (المواقف) مع ما يرافق هذا الازدحام من مساوئ وسلبيات ونتائج ضارة بالمصلحة العامة و بالموقوف ، لذلك نرى ضرورة حسم المخالفة بنفس يوم ارتكابها أو في يوم إجراء التحقيق فيها من قبل قاضي التحقيق المختص مع إلغاء الاستثناء الوارد في المادة (110/ب) آنفة الذكر ، تحقيقاً للمصلحة العامة ولمصلحة المتهم في آن واحد .
ج ـ جرائم يجب فها توقيف المتهم، والجرائم التي تدخل ضمن هذا المعيار راعى فيها المشرع خطورة الجريمة وخطورة مرتكبها والاحتمال الكبير لهروبه أو التأثير على سير التحقيق ، كما راعى فيها المشرع مشاعر المجتمع تجاه الجرائم الخطيرة وما يجب أن تتخذه سلطة التحقيق تجاه مرتكبها أو المتهمين بارتكابها من إجراءات تتسم بالصرامة ، لذلك جاء نص الفقـرة (ب) من المادة (109) بالشكل التالي : ((يجب توقيف المقبوض عليه بجريمة معاقب عليها بالإعدام ….)).
غير أن هذا الوجوب في التوقيف لا يقتصر على الجرائم المعاقب عليها بالإعدام ،فهناك جرائم أخرى منع المشرع العراقي إطلاق سراح المتهم بارتكابها وأوجب إحالة المتهم فيها موقوفاً على المحكمة المختصة إلا إذا رأى قاضي التحقيق أن الأدلة منعدمة أو أنها غير كافية فله أن يقرر الإفراج عنه استنادا للفقرة (ب) من المادة (130) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية. من ذلك جريمة التهريب ( ) ، وجرائم الاختلاس أو السرقة أو الرشوة ( ) وجريمة حيازة أو إخفاء أو استعمال مركبة مُتَحَصِّلَه عن جناية أو التصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك ( ).
ويلاحظ أن المشرع لم يسمح بإطلاق سراح المتهم في ضل تلك الجرائم ومهما كانت المسوغات نظراً لخطورتها على الجميع ، وعليه فأن انتهاء التحقيق يتوقف على صدور قرار بالإفراج من قاضي التحقيق لعدم كفاية الأدلة ، أو قرار بالبراءة أو الإفراج أو عدم المسؤولية من المحكمة المختصة ( ) .
كما يعد التوقيف منتهياً عند صدور قرار بالإدانة أو الحكم حيث تنتهي مدة التوقيف وتبدأ مدة الحكم مع احتساب المدة التي قضاها في التوقيف من مدته .
د-جرائم لا يجوز فيها التوقيف ، وهذه الحالة استجدت في التشريع العراقي بعد صدور قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)رقم 101لسنة 1999 الذي منع بموجبه توقيف النساء في الجرائم غير العمدية ، وهو اتجاه تشريعيٌ صائب وسياسة جنائية حكيمة راعى فيها المشرع جوانب متعددة منها أن الجريمة المرتكبة غير عمدية فهي لا تنبئ عن خطورة إجرامية ، منها أن المتهمة بارتكابها امرأة وأن توقيفها قد يؤدي إلى مزالق ومساوئ وأخطار اجتماعية ونفسية على المتهمة وعائلتها ، ونرى أن المسوغات ذاتها مضافاً إليها الحالة العُمْرِيَّة للأحداث تتطلب بالضرورة شمول الأحداث من الذكور بأحكام هذا القرار .
ومادمنا بصدد تحديد الجرائم التي يجوز فيها توقيف المتهم ، فلابد من الإشارة إلى سلطة قاضي التحقيق في توقيف الحدث ،إذ أن للأحداث قانونهم الخاص ، هو قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل وبموجب المادة (52) منه فإنه ((أولاً- لا يوقف الحدث في المخالفات ، ويجوز توقيفه في الجنح والجنايات لغرض فحصه ودراسة شخصيته أو عند تعذر وجود كفيل له .
ثانياً- يوقف الحدث المتهم بجناية عقوبتها الإعدام إذا كان عمره قد تجاوز الرابعة عشـر .
ثالثاً- ينفذ قرار توقيف الحدث في دار الملاحظة ، أما في الأماكن التي لا يوجد فيها دار ملاحظة فتتخذ التدابير لمنع اختلاط الحدث مع الموقوفين بالغي سن الرشد )). ومنه يتضح أن التوقيف بالنسبة للأحداث إجراء استثنائي يجب عدم اللجوء إليها إلا لمسوغات مقبولة حددها القانون في النص المتقدم منها فحص الحدث ودراسـة شخصيته أو عند تعذر وجود كفيـل له .أما إذا وجد الكفيل وانتهى الفحص ودراسة الشخصية عند ذاك يجب على قاضي التحقيق إطلاق سراحه بكفالة ما لم تكن الجريمة المسندة إليه معاقب علها بالإعدام . ومع ذلك فإن مفهوم نص الفقرة (ثانياً) من المادة (52) المشار إليها في أعلاه يفيد بأنه حتى في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام يجوز إطلاق سراح المتهم الحدث بكفالة إذا كان عمره أربعة عشر سنة فما دون ، وهو اتجاه صائب يُعَبِّرُ عن سياسة جنائية صائبة راعى بمقتضاها المشرع العراقي الاتجاهات التشريعية الحديثة بصدد معاملة الأحداث المذنبين ( ) .
أما بالنسبة للعسكريين فإنه لا يجوز لأية سلطة عدا السلطات العسكرية والمحاكم العسكرية أن تُبَلِّغَ أو تُكَلِّفَ العسكري بالحضور أو تأمر بالقبض عليه إلا بواسطة وزير الدفاع أو منة يخوله طبقاً لأحكام المادة الثانية من قانون التبليغات للعسكريين رقم 106 لسنة 1960 وللوزير أو من يخوله أن لا يوافق على هذا الطلب بناء على أسباب معقولة يخبر بها هذه الجهة ، كما للوزير عدم الموافقة في الحالات التالية :
1-إذا كانت الجريمة المتهم بها العسكري من الجرائم الناشئة عن قيامه بواجباته العسكرية وذلك وفقاً للقرار مجلس تحقيق يشكل لهذا الغرض . وإن صدور هذا القرار يعتبر مانعاً من اتخاذ التعقيبات القانونية ضد العسكري عن تلك الجريمة في المستقـبل.
2-إذا كانت الجريمة من نوع المخالفات أو الجنح غير المُخلة بالشرف .
ومع ذلك فقد أجاز القانون القبض على العسكري في حال ارتكابه جناية مشهودة ، وفي هذه الحالة يجب تسليم المقبوض عليه إلى أقرب سلطة مُختصة ، وفيما عدا هذه الحالات ليس لغير الجهات العسكرية أن تقبض على العسكري (إذا كان من الضباط أو الضباط المجندين أو الاحتياط) طبقاً لأحكام المادة (4) من قانون التبليغات للعسكريين المُعدلة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) رقم (8) لسنة 2001 ، فإن وافقت الجهة المختصة فينفذ أمر القبض الصادر بحق العسكري الذي يرسل إلى الدائرة القانونية بوزارة الدفاع لتنفيذه ، وبالتالي يمكن توقيف العسكري في هذه الحالة من قبل قاضي التحقيق .
أما العسكريين من غير ( الضباط أو الضباط المجندين أو الاحتياط)فيجوز للجهات غير العسكرية القبض عليهم عند ارتكابهم لجناية أو جنحة والاحتفاظ به لديها مدة لا تتجاوز (30) يوماً ، لإكمال إجراءات التحقيق ، وعلى هذه الجهة إخبار مديرية الدائرة القانونية في وزارة الدفاع فوراً بالإجراءات المتخذة بحقه بغية إشعار وحدته بذلك .
وبموجب قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)رقم 1042 في 11/8/1979 الخاص بضباط القوات المسلحة فإنه لا يجوز توقيفهم أو إلقاء القبض عليهم إلا بعد إستحصال موافقة القائد العام للقوات المسلحة أو نائبه أو من يخوله نائبي القائد العام للقوات المسلحة ( ). ويسري هذا القرار عند ارتكاب المشمولين به جناية مشهودة .
وبالنسبة لمنتسبي قوى الأمن الداخلي تسري عليهم أحكام قانون التبليغات للعسكريين إستناداً لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 178 لسنة 1970 وتطبق الأحكام السارية على العسكريين في القانون المذكور على منتسبي الشرطة والأمن والجنسية والحدود والمرور ، ويعد المفوض نائب ضابط لأغراض هذا القانون ، كما يملك وزير الداخلية بموجب المادة الثانية من القانون المذكور ما لوزير الدفاع من الصلاحيات والاختصاصات الواردة في القانون المذكور .

2-مدة التوقيف

من الضمانات الأساسية للحرية الشخصية تقييد صلاحية قاضي التحقيق في توقيف المتهم بمدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً في كل مرة ، حيث نصت الفقرة (أ) مـن المـادة ( 109 )من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((إذا كان الشخص المقبوض عليه متهماً بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو بالسجن المؤقت أو المؤبد فللقاضي أن يأمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً في كل مرة …))، وهذا يعني أنه يستطيع توقيف المتهم لمدة أقل من ذلك ولكنه لا يستطيع تجاوز المدة مهما كانت جسامة الجريمة المرتكبة وخطورة المتهم ، وله تمديد هذه الفترة عند انتهائها وحسب مقتضيات الأحوال باستثناء الأحوال الواجب فيها توقيف المتهم حيث لا يجوز إنهاء التوقيف إلا بقرار فاصل كالإفراج عن المتهم في دور التحقيق أو الإفراج عنه أو براءته في دور المحاكمة ، وإذا كان قاضي التحقيق يستطيع أن يأمر بتوقيف المتهم لمدة خمسة عشر يوماً لكل مرة ، فمن البديهي القول أن لهُ أن يصدر أمرهُ بتوقيفه لمدة أقل من ذلك ، فكل مدة أقل هي أصلَحُ للمتهم ( )،لا بل أن القاضي يجب عليه أن يستخدم سلطته التقديرية التي منحها لهُ القانون بالشكل التي تحقق الغاية التي يهدف منها المشرع فلا يتعسف في استعمال تلك السلطة وبالأخص إذا كانت الجريمة المرتكبة من الجرائم البسيطة ،حيث أن توقيفهم لفترة طويلة دون مبرر حقيقي يؤدي إلى تأخير قضايا الموقوفين وإبقائهم رهن التوقيف لفترة طويلة و مما يؤدي إلى ارتفاع عددهم وما يصاحب ذلك من مشاكل إدارية كثيرة ، إضافة إلى كونه يعد هدراً لحرية الموقوف دون مبرر ، تلك الأسباب دَعَتْ وزارة العدل إلى إصدار تعميمها المرقم 3-2-4-2-5516في 5/8/2001 والذي وجهت فيه إلى : (( عدم قيام قضاة التحقيق بتوقيف المتهمين لمدة طويلة في جرائم بسيطة لا تستدعي ذلك ، في حالة الجواز القانوني))،كما أكدت على ذلك الفقرة (ثالثاً/2) من ورقة عمل ندوة الهيئات التحقيقية و التي جاء فيها: (( أن تكون فترات التوقيف قصيرة وعدم اللجوء إلى الحد الأقصى للتوقيف (15يوم) ، لكي يتمكن القاضي من تدقيق القضية التحقيقية والإطلاع على مراحل سير التحقيق وسرعة تنفيذ القرارات ألتي أصدرها، وعدم ترك الباب مفتوحاً أمام المحقق لاختيار الوقت المناسب لإكمال الإجراءات التحقيقية وفق مايراهُ مناسباً وضمن تقديراته الشخصية )). وهي توجيهات صائبة من شأنها الإسراع في إنجاز القضايا التحقيقية ، وضمان حرية الموقوفين ، وعدم ازدحام المواقف دون سبب جدي .
ومن الضمانات الأساسية للحرية الشخصية كذلك تقييد صلاحية قاضي التحقيق في الاستمرار بتوقيف المتهم وجعلها لغاية ستة أشهر -كحد أقصى – وبعدها عليه أن يستأذن محكمة الجنايات المختصة حيث نصت الفقرة جـ من المادة 109 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((جـ –لا يجوز أن تزيد مجموع مدة التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ولا يزيد بأي حال على ستة أشهر في الجنايات وشهرين في الجنح ، وإذا اقتضى الحال تمديد التوقيف أكثر من ذلك فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة أو تقرر إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها مع مراعاة الفقرة (ب) ))،و نرى أن إطلاق صلاحية التوقيف و لمدة لقاضي التحقيق لا يخلو من الخطورة على المتهم ويؤدي إلى التمادي في إنجاز التحقيق وعدم السرعة في إكمال الإجراءات …هذا من جهة … ومن جهة أُخرى فأن قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)كان قد أصدر القرار رقم 669 لسنة 1987 وبموجبه حدد سقفاً زمنياً لحسم الدعاوى الجزائية ، وبمقتضاه يكون السقف الزمني الأقصى لإنجاز القضايا التحقيقية فيمحكم التحقيق شهراَ واحداً في المخالفات وشهرين في الجنح وأربعة أشهر في الجنايات اعتباراً من تأريخ تسجيل الأخبار . لذلك نرى أن يكون الحد الأقصى المسموح به لقاضي التحقيق في تمديد التوقيف هو الحد الأقصى لإنجاز القضايا التحقيقية المنصوص عليها في القرار المذكـور في أعلاه وهو أربعـة أشهر ، وبناءاً عليه نقترح تعديل الفقرة (جـ) من المادة (109) وجعلها بالشكل التالي : (( جـ –لا يجوز أن تزيد مجموع مدة التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ولا يزيد بأي حال على أربعة أشهر في الجنايات وشهرين في الجنح ، وإذا اقتضى الحال تمديد التوقيف أكثر من ذلك فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة أو تقرر إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها مع مراعاة الفقرة (ب) )) . وبهذا التعديل نضمن إلزام قضاة التحقيق بالسقف الزمني المشار إليه في القرار 669 لسنة 1987.

ومن جهة أُخرى فإن بعض قضاة التحقيق أهمل العمل بنص المادة( 109/ج) أعلاه مما شكل خطراً على الحرية الشخصية للمتهمين الموقوفين مما حَدى بندوة الهيئات التحقيقية إلى أن توجه في المادة (ثالثاً/3) من ورقة العمل الصادرة عنها بضرورة : ((التقيُّد بأحكام المادة (109 /ج )من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، التي نصت على عدم جواز زيادة مجموع مدة التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ولا يزيد بأي حال على ستة أشهر ، وإذا اقتضى الحال تمديد التوقيف أكثر من ذلك فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز رُبع الحد الأقصى للعقوبة أو تقرر إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها، لأن إهمال العمل بالنص أعلاه ساعد على عدم الجِدْيَّة في إنجاز التحقيق وإبقاء المتهم رهن التوقيف لفترة طويلة وقد يكون في كثير من الحالات موقوفاً عن جرائم أجاز القانون إطلاق سراح المتهم فيها بكفالة )).
وبهذا الصدد يجب على قاضي التحقيق الانتباه إلى بعض الأساليب التي يتبعها الخصوم لإطالة مدة توقيف خصومهم ، ومن ذلك تقدمهم إلى محاكم التحقيق أو محاكم الجنايات بطلبات التدخل التمييزي في القرارات الصادرة من محاكم الجنايات صفتها التمييزية بعد نظرها في الطعون المتعلقة بقرارات محاكم التحقيق وهذا ما نبهت إليه وزارة العدل في كتابها المرقم 1/30/553 الصادر عن مكتب السيد الوزير بتأريخ 20/9/2000 حيث جاء فيه : ((ولما كانت محكمة التمييز هي المختصة بالنظر في طلبات التدخل التمييزي هذه بموجب المادة (264)من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، فإن تقديمها عن طريق محكمة التحقيق أو محكمة الجنايات يؤدي إلى تأخر وصولها إلى محكمة التمييز وفصلها فيها ، وينجم عنه إطالة أمد توقيف المتهمين في الدعاوي ، و إرباك أعمال محاكم التحقيق ، لذا فقد تنسب توجيه محاكم الجنايات والتحقيق التابعة لها بعدم قبول طلب التدخل التمييزي في هذه الحالة ، وإفهـام ذوي العلاقة بتقديمه إلى محكمة التمييز مباشرةً لضمان سرعة الفصل فيه ، ومنع الإضرار بالمتهمين )).

3-البيانات

ينبغي أن تتوافر للأمر بالتوقيف مجموعة من البيانات التي تشكل شروطاً شكلية من أجل أن يأخذ سبيله القانوني ويُنَفذ من قبل السلطة المختصة بتنفيذ قرار التوقيف ، وتُفصح تلك البيانات عن صدورهِ من الجهة المختصة التي تملك حق اتخاذه ، كما تضمن تنفيذه بحق من صَدَرَ ضِدَهُ ذلك القرار ( )،وفي ذلك ضمانٌ مهم ٌ للمتهم .وقد تناول المـُشَرِع بيان تلك الضوابط في المادة (113) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية والتي تنص على أنه : ((يشتمل الأمر بالتوقيف على أسم الشخص الموقوف وشهرته ولقبه والمادة الموقوف بمقتضاها وتأريخ ابتداء التوقيف وتأريخ انتهائه ويُوقع عليه القاضي الذي أصدره ويُخْتَم بختم المحكمة )).ومن تحلي النص المتقدم تستطيع القول إنه لكي يأخذ القرار الصادر بتوقيف المتهم طريقه للتنفيذ فلا بد من أن يكون تحريرياً ومشتملاً على البيانات التي حددها القانون ، و بالإضافة إلى قرار التوقيف الصادر على أصل المطالعة المرفوعة من المحقق لابد من تنظيم (مذكرة توقيف) يُحتفظ بها لدى السلطة المختصة بالموقف ، فالسلطة المختصة بالموقف لا تقبل المتهم لديها إن لم تكن هناك (مذكرة توقيف) صادرة بحقه ..لذلك لابد أن يكون القرار الصادر بتوقيف المتهم مُحرراً بالكتابة في موضعين ، الأول على أصل المطالعة المرفوعة إلى قاضي التحقيق أو القاضي المختص أو اللجان التحقيقية المختصة ، والثاني على أصل مذكرة التوقيف والتي ينبغي تحريرها وفق النموذج الخاص بذلك ،وهذه المذكرة مُعَدَّة سلفاً ومطبوعة بشكل تتضمن فيه البيانات الأساسية التي يتطلبها القانون في المادة (113) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ، مما يعني عدم جواز إصدار القرار بالتوقيف شفاهاً لأن مثل هـذا القرار يتعارض مع مصلحـة أُخرى ومهمة للمتهم الموقوف من حيث إمكانية احتساب فترة التوقيف من مُدة الحكم لاحقاً ، ومثل هذا الاحتساب لا يكون إلا إذا تم تحرير القرار الصادر بالتوقيف وتمديده في كُلِ مرةٍ تحريرياً . ومع ذلك فإن مجرد إصدار القرار بتوقيف المتهم على أصل المطالع المرفوعة إلى قاضي التحقيق أو القاضي المختص لا يمنع من تنفيذه وإن تأخر في تنظيم مذكرة التوقيف ، لأننا نكون في هذه الحالة أمام قرار تحريري صادر من سلطة مختصة بالتوقيف ، وما المذكرة الخاصة بالتوقيف إلا وسيلة كاشفة عن ذلك القرار تختصُ بالموقف والجهة المختصة فيه يقوم المسؤول عن الموقف بالاحتفاظ بها و تأشيرها في سجل المركز اليومي الخاص بمعاونيات الشرطة ومديريات المواقف والتسفيرات وتكون عُرضَةً للتفتيش من قبل الجهات القضائية والإدارية المختصة . ذلك أن الجهة المختصة بالموقف لا تخضع للتفتيش من قبل الجهات القضائية فَحَسب ، بل إنها أجهزة إدارية لها مسؤوليتها وتبعيتها الإدارية وتسلسلها الرئاسي وفق القوانين والأنظمة الخاصة بقوى الأمن الداخلي . لذلك ينبغي إملاء مذكرة التوقيف وفق النموذج الخاص وعدم تأخير ذلك إلا لضرورة ، مع التأكد على عدم ألا يتأخر في تحريرها ضماناً لعدم تعسف المسؤول عن الموقف في إيداع الأشخاص واستغلال سلطته بعيداً عن المراقبة والتفتيش بِحُجَة عدم تزويده بمذكرة التوقيف.
أما بخصوص البيانات التي يجب أن يتضمنها قرار التوقيف فهي كالآتي :
أ-أسم الشخص الموقوف وشهرته ولقبه ، والهدف من ذلك هو تحديد شخصية المتهم بشكل دقيق وتمييزه عنت غيره ممن قد يشتبه معه بالاسم .وبهذا الصدد نرى ضرورة بيان أسم الشخص الرباعي -كلما اقتضت الضرورة وكان أسم المتهم من بين الأسماء المتداولة بكثرة في المجتمع العراقي – حتى يتمكن التعرف على شخصيته بصورة دقيقة من قبل السلطة المختصة بتنفيذ قرار التوقيف( ).

ب-المادة القانونية الموقوف بمقتضاها ،وهذا الشرط يستلزم بيان القانون الذي يعتبر الفعل الذي ارتكبه الشخص جريمة سواءٌ أكان ذلك القانون هو قانون العقوبات أو أي قانون آخر أو قرار لهُ قوة القانون …والقوانين –والقرارات- التي تتضمن نصوصاً جزائية متعددة ، وحتى يكون الموقوف على بيِّنَةٍ من التهمة ِ المسندةِ إليه اقتضى بيان المادة القانونية والقانون الذي يتضمنها .وبهذا الصدد نرى ضرورة عدم توقيف المتهم إلا إذا كان المتهم قد استجوب أو أتيحت لهُ الفرصة لإبداء دفاعه ولو لأول مرة من قبل المحقق ، أما أن يتقرر توقيفه لمجرد القبض عليه أو بعد تسليمه إلى السلطة المختصة فهو إجراء ينبغي الابتعاد عنه.ونجد عملياً أن حالات متعددة يتقرر فيه توقيف الشخص قبل أن يستجوب من قبل المحقق أو قاضي التحقيق ودونَ أن يُحاط علماً بالتهمة المنسوبةِ إليه ، وهي وسيلة يلجأ إليها المحققون في مكاتب مكافحة الإجرام على الأغلب حيث تُقدم المطالعة إلى قاضي التحقيق المختص تتضمن إلقاء القبض على الشخص والطلب منه تقرير مصيره – والتي تعني في حقيقتها الطلب من قاضي التحقيق بتوقيفه – وقبل أن تدون أقواله ابتدائياً . لذلك نرى ضرورة توجيه قضاة التحقيق إلى التَقَيُّد بهذا الشرط ، وعدم تقرير مصير المتهم قبل استجوابه وإحاطته علماً بالمادة القانونية المنطبقة على فعله .

ج-تأريخ ابتداء التوقيف وتأريخ انتهائه. وهذا البيان مسألة مهمة لما يترتب عليه من نتائج هامَّة تتعلق بتمديد التوقيف وإطلاق السراح واحتساب مدة التوقيف من مدة الحكم ، كما أن هذا البيان ضرورياً لمعرفة مدى تقيُّد الجهة المـُصدِرَة للقرار الضوابط الموضوعية المتعلقة بمدد التوقيف والجرائم التي يجوز فيها –والتي بحثناها سابقاً-كما أن بيـان تأريخ التوقيف يُحدد لنا إمكانية التعرف على الجهة المصدرة للقرار وهل تملك مثل هذه الصلاحية في تأريخ صدوره . كل ذلك من شأنه تحقيق ضمانة مهمة للمتهم هي عدم الإسراف في التوقيف وإطالة مدته بلا مُبرر .غير أنه قد يحدث أن يهرب المتهم من التوقيف، ففي هذه الحالة فإن مدة هروبه لا تحتسب من مدة التوقيف كما أنها لا تحتسب من مدة الحكم ، وهي وإن كانت مسألة بديهية إلا أنه لا بأس من الإشارة إلى قرار لمحكمة التمييز جاء فيه : ((مدة هروب المتهم من الموقف لا تحتسب من مدة التوقيف ))( ).ولكن تَرِدُ أحياناً على هذه القاعدة بعض الإستثناءات بنصوص قانونية صريحة ، مثال ذلك قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)رقم 286 في 22/8/1991 حيث نص في الفقرة (1) منه على ما يأتي : ((1-تحتسب المدة التي قضاها الموقوف أو النزيل أو المودع خارج الموقف أو السجن بسبب حوادث الشغب والتخريب من مدة التوقيف أو الحكم أو الحبس أو السجن في حالة تسليم نفسه إلى السلطات المختصة خلال مدة ثلاثين يوماً من تأريخ صدور هذا القرار )).
وبخصوص احتساب مدة التوقيف فإن ((يوم إطلاق السراح من التوقيف بالكفالة لا يحتسب ضمن مدة التوقيف ))( ).وبهذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن إطلاق سراح المتهم بكفالة قد لا يتم إلا في وقت متأخر من ذلك اليوم وقد يَتِمُّ مساءً ، أو قد يصدر القرار بإطلاق سراح المتهم بكفالة صباحاً غير أن التنفيذ لا يحصل في ذات الصباح أو لا يحضر الكفيل إلا مسـاءً . لذلك نرى – وضماناً لحق المتهم الموقوف – أن تكون هناك تفـرقة بين إطلاق السراح بعد الظهر أو قبله ، فإن تم إطلاق السراح قبل الظهر فلا يحتسب ذلك اليوم من مدة التوقيف . وإن تم إطلاق السراح بعد الظهر فينبغي احتساب ذلك اليوم من مدته .
د-توقيع القاضي وختم المحكمة ، حيث اشترطت المادة (113) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية توقيع القاضي وختم المحكمة على القرار الصادر بتوقيف المتهم ، ولم تشترط بيان أسم القاضي الذي أصدره ، غير أننا نرى أنه وإن لم يشترط المشرع بيان ذلك صراحةً إلا أنه أمرٌ ضروريٌ لمعرفة كون الشخص الذي أصدره مُخَوَلٌ قانوناً بإصدارهِ من عدمه ، كما أن بيان اسمه الصريح يكون ضرورة لازمة عندما يكون في المنطقة أكثر من قاضي تحقيق وهو ما يحصل في العـديد من مراكـز المحافظات ، وكذلك فإن خـتم المحكمة شـرطٌ ضروري لتعزيز الثقة في قرار التوقيف نظراً لاحتمال التزوير في توقيعات القضاة أو التلاعب بها بشكل قد يؤدي إلى المساس بحقوق المتهمين . وبهذا الصدد نرى ضرورة ختم القرار الصادر بتوقيف المتهم على أصل القرار المحرر على المطالعة ولا يُكْتَفَى بِخَتمِ مذكرة التوقيف فقط .

ثانياً- ضمانات تتعلق بالجهة المخولة بالتوقيف
الحرية الفردية للإنسان هي الأصل ، وهي الأَولى بالرعاية ، طالما أن الأصل في الإنسان هو البراءة ، هذه القاعدة تستوجب تحديد نطاق التوقيف من حيث السلطة المختصة بإصداره والحالات التي يجوز لها ذلك في نطاق فيق ووفق ضوابط قانونية تكفل ضمان الحرية الفردية من التعسف( ). ولضمان ذلك كان على المشرع أن يَقْصُرَ تلك السلطة على جهاتٍ محددةِ لها من الكفاءةِ والحيدة ِ ما يجعلها أهلاً لعدم التعسف في إصدار القرار بالتوقيف . وهذه السلطة وفقاً للتشريع العراقي هي (القضاء) ، و انطلاقاً من هذا المبدأ فإن قانون أصول المحاكمات الجزائية قد أسند مهمة التحقيق الابتدائي إلى قضاة التحقيق والمحققين الذين يعملون تحت إشرافهم ، إلا أنهُ من جهةٍ أُخرى حَصَرَ سُلطة إصدار الأمر بالتوقيف بقضاة التحقيق إستناداً لأحكام المادة (92) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أنه : ((لا يجوز القبض على أي شخص أو توقيفه إلا بمقتضى أَمْرٌ صادرٌ من قاضٍ أو محكمةٍ وفي الأحوال التي يُجيز فيها القانون ذلك )).ومع ذلك ومراعاة من المشرع لظروف المجتمع وتواجد العديد من أبناءه في مناطق ( نائية ) فقد أوجب على المحققين على سبيل (الاستثناء ) توقيف المتهم بارتكاب جناية ، وهو ما نصت عليه المادة (112) من القانون ذاته بالقول : (( على المحقق في الأماكن النائية عن مركز دائرة القاضي أن يوقف المتهم في الجنايات . أما الجنح فعليه أن يُطلق سراح المتهم فيها بكفالة ، وعليه في جميع الأحوال أن يعرضَ الأمر على القاضي بأسرع وسيلة ممكنة ويُنَفِذ ما يُقررهُ في ذلك )). وبصدد صلاحية المحقق في التوقيف وفقاً للنص المتقدم فإن المشرع لم يحدد عما إذا كان المحقق من (محققي الشرطة) أو من (المحققون العدليون) ، غير أن إطلاق النص يعني إعطاء هذه الصلاحية لجميع المحققين . كما أن النص لم يُحدد مُدة التوقيف التي يقررها المحقق في المناطق النائية ، ونعتقد أن هذه الحالة استثنائية أوجبتها الضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ويجب عدم التوسع بهذا الاستثناء ،ونرى ضرورة تحديد هذه المدة بما لا يزيد على ثلاثة أيام ، حيث أن هذه المدة كافية للاتصال بالقاضي المختص وعرض الأمر عليه وهو ما نقترح تدخل المشرع لمعالجته قانوناً وذلك بتعديل النص المشار إليه أعلاه . كما أن جعل التوقيف (وجوبياً) في جميع (الجنايات) هو اتجاه قد يَخرُج عن حد الضرورة التي تستوجبها الحالة المعروضة على المحقق في المناطق النائية ، ذلك أن العديد من الجنايات قد لا يكون (مشهوداً) كما قد لا يكون (خطيراً) …كما أن بعض المتهمون قد يكونون معروفين أو أن ضرورات مُعينة قد تتطلب عدم توقيفهم كما لو كان المتهم في جناية وفي منطقة نائية يشغل منصباً أو واجباً لهُ أهميته ُ ،أو أن تكون الأدلة المتوفرة ضده أثناء التحقيق الابتدائي الذي أجراه المحقق في المنطقة النائية توحي بعدم كفايتها للإدانة –رغم كفايتها لإحالة – لذلك نرى ضرورة التمييز بين الجنايات بحسب درجتها ن فإن كانت الجناية معاقباً عليها بالإعدام أو السجن المؤبد فيكون (الوجوب) في التوقيف أمرٌ تقتضيه خطورة الجريمة ،/ وإن كانت الجناية معاقبٌ عليها بالسجن المؤقت فنرى ضرورة جعل التوقيف إجراءً (جوازي) للمحقق أن يُقرر فرضه بحق المتهم إذا ما رأى ضرورة لذلك .
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم المنطقة النائية يختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر فما يُعَدُّ منطقة نائية في مكان ما بالرغم منة قصر المسافة مع عدم توافر إمكانية الاتصال قد لا يُعد كذلك في حال توافر وسيلة من وسائل الاتصال رغم بُعد المسافة ( ). وهو ما ندعـو إلى معالجته تشريعياً.

أما التوقيف القضائي فالأصل أن يصدر من قاضي التحقيق كونه الجهة المختصة –أساساً- بإجراءات التحقيق وذلك إستناداً لنص الفقرة (أ) من المادة (51) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية . وصلاحية قاضي التحقيق في التوقيف مُحددةٌ بمدة لا تزيد على خمسة عشر يوم قابلة للتمديد لمدة أقصاها ربع الحد الأقصى المقرر قانوناً للجريمة على ألا تزيد بأية حال على ستة أشهر ، ويستثنى من ذلك الجرائم المعاقب عليها بالإعدام حيث لا يجوز إطلاق سراح المتهم فيها بكفالة .
ومن تطبيقات القضاء العراقي بشأن عدم جواز إطلاق سراح المتهمين في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام ما قضت به محكمة جنايات التأميم بصفتها التمييزية بالقول : (( لدى التدقيق والمداولة تبين أن قاضي تحقيق كركوك الأولى قرر بتأريخ 21/4/1986 وعل عريضة وكيل المميز المتهم (ع) رفض طلبه حول إطلاق سراح موكله بكفالة ، وحيث تبين أن الجريمة المسندة إلى المتهم المذكور تنطبق في حالة ثبوتها وأحكام المادة 443/2 عقوبات المعدلة بقرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) المرقم 1631 والمؤرخ في 3/10/1980 وإن عقوبة الجريمة المذكورة هي الإعدام وإستناداً لأحكام الفقرة (ب) من المادة (109) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية فلا يجوز إطلاق سراح المتهم بكفالة ، فيكون قرار قاضي التحقيق المشار إليه أعلاه موافقاً للقانون ، قرر تصديقه ورد اللائحة التمييزية ))( ). أما إذا اقتضى الأمر الاستمرار في توقيف المتهم مدة تزيد على ستة أشهر وجب عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن لهُ بتمديد التوقيف.

نستنتج مما تقدم ، أن الإذن في تمديد التوقيف في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام هو أمرٌ (حتمي) ذلك لأن تلك الجرائم لا يجوز قانوناً إطلاق سراح المتهم فيها بكفالة . أما الجرائم المعاقب عليها بالسجن المؤبد فما دون فهذه يبقى مجال (الجواز القانوني ) بإعطاء (الإذن) إلى قاضي التحقيق بتمديد التوقيف مدة تزيد على ستة أشهر من عدمه .وبهذا الصدد نعتقد بأن ليس هناك ما يدعو إلى استئذان قاضي التحقيق من محكمة الجنايات المختصة بتمديد التوقيف طالما أن التهمة المسنـدة إلى المتهم الموقـوف معاقبٌ عليها بالإعدام حـتى وإن زادت مدة التوقيف على ستة أشهر . وما نقول به يستند إلى نص الفقرة (ب) من المـادة (109) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية حيث لم تشترط الحصـول على مثل هذا الإذن ( ).
أما صلاحية محكمة الموضوع في التوقيف فإنه يحق لها أن تأمر بتوقيف المتهم المحال إليها من قاضي التحقيق وفقاً للمادة (130) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية وذلك في الحالات التي يكون فيها المتهم مُطلق السراح تطبيقاً لأحكام المادة (92) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ألتي أوضحت بأن توقيف المتهم هو من اختصاص لقاضي أو المحكمة المختصة كما لها أن تقرر إطلاق سراح المتهم الموقوف بكفالـة أو بدونها ، أو أن تقرر القبض عليه أو توقيفه حتى وإن كان قد سبق صدور قرار بإطلاق سراحه على أن تبين المحكمة في قرارها الأسباب التي استندت إليها في إصدار الأمر بالتوقيف . وهذه الصلاحية مقررة بمقتضى الماد (157) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية والتي تنص على أنه : ((للمحكمة في أي وقت أثناء نظر الدعوى أن تقرر إطلاق سـراح المتهم الموقوف بكفالـة أو بدونها ما لم يكن متهماً بجريمة معاقب عليها بالِإعدام . ولها أن تقرر القبض عليه وتوقيفه ولـو كان قد سبق صدور قرار بإطلاق سراحه ، على أن تبين في القرار الذي تصدره الأسباب التي استندت إليها في توقيفه )).والهدف من ذكر أسـباب التوقيف في هذا النص أن يكـون المتهم على علم بالأسباب التي دعت إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء . و مُشَرِعَنا لم يشترط تسبيب أمر التوقيف الصادر من قاضي التحقيق أو تمديد التوقيف أو تسبيب رفض طلب إخلاء سبيل المتهم وإن اشتراط ذلك على قاضي التحقيق يكون من باب أَولى فهو قد اشترط ذلك على محكمة الموضوع ولم يشترط التسبيب على قاضي التحقيق . والملاحظ على نص المادة أعلاه أنه اشترط أن يتم إصدار القرار بإطلاق السراح أو بالقبض على المتهم أو توقيفه ( أثناء نظر الدعوى) ، وهذه العبارة توحي بوجوب إصدار القرار أثناء تشكيل المحكمة وفي الوقت المحدد للمحـاكمة . ولكن ما الحكم لو استجد لدى المحكمة ما يوحي بضرورة إصدار أمر القبض بحق المتهم وتوقيفه قبل الموعد المحدد للمحاكمة ؟ وما هو الحكم لو قُدِّم المتهم الموقوف طلباً يرجو فيه المحكمة المختصة إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها وذلك قبل الموعد المحدد لمحاكمة أيضاً ؟ …صراحة النص –بتقديرنا- توحي بعدم جواز البَتْ في الطلب ، وعدم جواز إصدار أَمر القبض بِحَق المـُتهم المـُكَفَّل أو توقيفه بحق المتهم المقبوض عليه إلا عند نظر الدعوى ، ونعتقد أن هذا القيد –على سلطة المحكمة – لا يخلو من نقد ونقترح ~أن يُصار إلى تعديل النص بحذف العبارة التالية منه : ((أثناء نظر الدعوى )).

وتجدر الإشارة إلى أنه (لأي قاضي ) بمقتضى الفقرة (ج) من المادة (51) من الأصول الجزائية أن يجري التحقيق في أية جناية أو جُنحة وقعت بحضوره ولم يكن قاضي التحقيق موجوداً . وفي هذه الحالة يكون لذلك القاضي الحق في إصدار الأمر بالتوقيف باعتبار التوقيف أجراء من إجراءات التحقيق ….كما أن ذلك لا يمنع (قاضي آخر) في منطقة اختصاص قاضي التحقيق أو منطقة قريبة منها من إصدار أمراً بالتوقيف في جناية أو جنحة في حالة غياب قاضي التحقيق المختص ووجود حالة ضرورية تستوجب التوقيف ، وهو ما تنص عليه الفقرة (ب) من المادة (51) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية بالقول : (( إذا اقتضت الضرورة إصدار قرار أو اتخاذ إجراء فوري في أثناء التحقيق في جناية أو جنحة ولمم يكن قاضي التحقيق موجوداً ، فعلى المسؤول عن التحقيق عرض الأمر على أي قاضي في منطقة اختصاص قاضي التحقيق أو أي منطقة قريبة منها للنظر في اتخاذ ما يلزم )).
كما تجدر الإشارة إلى أن المادة (3) من قانون الإدعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل قد أجازت لعضو الإدعاء العام ممارسة صلاحية قاضي التحقيق في مكان الحادث وذلك في حالة غياب قاضي التحقيق ، وتزول تلك الصلاحية بمجرد حضور قاضي التحقيق ما لم يطلب ِإليه الأخير مواصلة التحقيق كُلاً أو بعضاً ، لذلك –وفي مثل هذه الحالة – يكون لعضو الإدعاء العام الحق في توقيف المتهم لمقتضيات المصلحة العامة ووضع اليد على الجُناة وعلى أدلة الجريمة . وهذا يعني أن هذا الحق في استخدام هذه الصلاحية يقتصر على الجرائم المشهودة عندما لا يكون قاضي التحقيق موجوداً ، والسبب في قولنا أن صلاحية عضو الإدعاء العام تقتصر على حالة الجريمة المشهودة لأن القانون استلزم وجوده في (مكان الحادث) وبشرط أن يكون (قاضي التحقيق المـُختص) غير موجود .

وبهذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أن هذه الصلاحية مُحددة أيضاً بقيد آخر هو عدم وجود أي قاضي في مكان الحادث أو قريباً منه ، لأنه لو وجد قاضي تحقيق آخر غير قاضي التحقيق في مكان الحادث أو قريباً منه فإن على المسؤول عن التحقيق عرض الأمر على ذلك القاضي استناداً لنص الفقرة (ب) من المادة (51) من الأصول الجزائية ، وبالتالي لا يحق لعضو الإدعاء العام إصدار أي قرار – ومنها الأمر بالتوقيف – طالما وجد قاضي آخر غير قاضي التحقيق في مكان الحادث أو قريباً منه .
وفي معرض الكلام عن سلطة التوقيف يثور التساؤل حَولَ إمكانية إصدار أمر التوقيف من قبل أعضاء الضبط القضائي إستناداً لأحكام المادة (52) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية والتي تنص على أنه : (( يقوم قاضي التحقيق بالتحقيق في جميع الجرائم بنفسه أو بواسطة المحققين ولهُ أن يُنيب أحد أعضاء الضبط القضائي لاتخاذ إجراء معين عدا استجواب المتهم ))فهل تعني الإنابة ، تخويل عضو الضبط القضائي سلطة توقيف المتهم ؟ فبتقديرنا أن جواز الإنابة يكون في الحالات الضرورية و الاستثنائية عندما يكون قاضي التحقيق منشغلاً حيث عليه القيام بإجراء ما بنفسه ، والإجراء الذي من الممكن إنابة أحد أعضاء الضبط القضائي به يجب أن يتطلب جهداً أو وقتاً كما هو الحال في سماع الشهود أو الكشف عن مَحَل الحادث . أما الإجراءات التي لا تتطلب مثل هذا الجهد كإصدار أمراً بالتوقيف فنعتقد أنه ليس هناك ما يُجيز لقاضي التحقيق إنابة أحد أعضاء الضبط القضائي لأنه إجراء خطر على حرية المتهم أولاً ، ولأنه لا يتطلب أي جهد أو وقت من القاضي المختص ثانياً ، كما نستدل صحة هذا الرأي بنص المادة (106) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية والتي ألزمت عضو الضبط القضائي عند قبضه على المتهم إرساله في أقرب فرصة ممكنة إلى سلطات التحقيق المختصة ، وهذا يعني عدم جواز إصدار أمراً بتوقيف المتهم من قبل عضو الضبط القضائي مهما كانت الظروف والأحوال ، كما لا يجوز إنابته لإصدار مثل هذا الأمر على الإطلاق .

وقبل أن نختتم الكلام حول الضمانات المتعلقة بالجهات المخولة بالتوقيف ، لابد من الإشارة إلى أن بعض القوانين الخاصة أعطت رجال الإدارة صلاحية (التوقيف) في حدود وأحوال معينة . من ذلك قانون المحافظات رقم 159 لسنة 1969 المعدل ( )، وذلك في المناطق التي يختل فيها الأمن لظروف معينة ، وعلى أن تُحدد تلك المناطق ببيان يصدره وزير الداخلية …وهذه الصلاحية تقتضيها ظروفٌ استثنائية تتمثل باختلال الأمن في المناطق المشمولة بالبيان ، غير أن هذه الصلاحية الاستثنائية ينبغي أن لا تحيد عن طرق الطعن ضماناً لحرية الافراد من تعسف الإدارة ، ونرى ضرورة إضافة نص خاص أو فقرة جديدة ضمن المادة التاسعة عشرة من قانون المحافظات يكون بمقتضاها للموقوف أو لوكيله حق الطعن بقرار التوقيف لدى محكمة الجنايات المختصة في المنطقة المشمولة بالبيان .

ومن التشريعات الأُخرى التي أجازت للسلطة الإدارية توقيف الأفراد قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) رقم (26) لسنة 1971 حيث تنص الفقرة (1) كنه على : ((منح وزير الداخلي صلاحية حجز الأشخاص المشتبه في سلوكه الإجرامي من غير السياسيين في المحلات المخصصة لذلك أو تحديد محلات إقامتهم في أماكن معينة ويعتبر الشخص المحجوز موقوفاً قانوناً)). والذي نأخذه على القرار المذكور منحه لهذه الصلاحية إلى السيد وزير الداخلية وهو الجهة العليا في الوزارة ومن مهامه النظر في قضايا الوزارة التي تتطلب اهتماماً خاصاً والإشراف على أمور الوزارة الأساسية ، وبالتالي يكون من غير النتاسب إعطاء مثل هذه الصلاحية إلى السيد الوزير و إشغاله بها ، ونقترح منح هذه الصلاحية إلى السادة المحافظين في المحافظات وعلى أن تُحدد صلاحياتهم بالحجز لمدة لا تزيد على الأسبوع ، وأن يسكون قرارهم بالحجز خاضعا لطرق الطعن المعروفة ، كما نرى ضرورة جعل الطعن في تلك القرار أمام جهة قضائية كأن تكون محكمة الجنايات في المحافظة ، مع الإشارة إلى أن قرارا الحجز بمقتضى هذا القرار يُعد بحكم (التوقيف) قانوناً ، وبهذه المقترحات التي أوردناها نضمن حماية حرية الأفراد من تعسف الإدارة ، كما نضمن رقابة قضائية سليمة على الإدارة وهي تتخذ قراراً (في الأصل) هو من اختصاص القضاء وحده .
ومع ذلك فإن هناك قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة (الملغي) تمنح البعض من رجال الإدارة صلاحية الحجز ، دون أن تسبغ صفة (التوقيف ) على القرار المذكور ومثل تلك القرارات لا يعتبر (توقيف) قانوناً ، من ذلك على سبيل المثال قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) رقم 174 في 20/11/1997( )، والذي خُوَّلَ وزير النفط صلاحية حجز المخالفين للأحكام و التعليمات المتعلقة بتنظيم تجهيز المنتجات النفطية ة بمن فيهم أصحاب محطات الوقود ومستأجروها لمدة ثلاثين يوماً . ونحن نرى ضرورة عدم إشغال السادة الوزراء بالنظر في قضايا كهذه ، ونقترح إناطة مثل هذه الصلاحية إلى المدراء العامُّون في الوزارة مع ضرورة جعل القرارات الخاصة بالحجز الإداري خاضعة لطرق لطعن المقررة قضائياً ، ونقترح أن يُصار إلى إمكانية الطعن في مثل هذه القرارات بمحكمة الجنايات ضمن المنطقة التي وقعت فيها هذه المخالفة ، وبذلك نضمن حماية حرية الأفراد من تعسف الإدارة . وما نقول به في هذا الصدد يسري على كافة التشريعات النافذة والتي تمنح رجال الإدارة صلاحية حجز الأفراد.

الفرع الثاني
ضمانات المتهم الموقوف
كفل المشرع العراقي للمتهم الموقوف ضمانات عدة ، لعل من أهمها ، الضمانات المتعلقة بإطلاق سراحه والضمانات المتعلقة بحقه في الطعن بقرار التوقيف ولأهمية كلا النوعين من الضمانات فسوف أتناولهما تباعاً في الفقرتين الآتيتين:

أولاً- ضمانات إطلاق سراح المتهم الموقوف:
قد ترى السلطة الآمرة بالتوقيف -سواءٌ أكانت قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة – أن لا ضرورة لبقاء المتهم موقوفاً، بل قد يرى قاضي التحقيق أنه لا ضرورة لتوقيف المتهم أصلاً فيقرر على الفور إطلاق سراحه بتعهده الشخصي أو بكفالة شخص ضامن .
والتعهد لشخصي يعني إلزام المتهم نفسه بالحضور أمام الجهة المختصة في الزمان والمكان المعينين، وقد يكون التعهد مقروناً ( بكفالة شخص ضامن ) أو (بدونها) إستناداً لحكم المادة (109) من الأصول لجزائية . ويصارُ عادةً إلى التعهد الشخصي المنفرد (بدون كفالة) إذا كان المركز الاجتماعي أو المالي للمتنهم يسمح لهُ أن يكون كفيل نفسه وهي مسألة من اختصاص قاضي التحقيق . غير أن التساؤل الذي يمكن طرحه بهذا الصدد هو : هل يشترط أن يقترن العهد الشخصي بمبلغ محدد يدفعه في حالة إخلاله بالتعهد ؟ الفقرة (أ) من المادة (109) نصت على أنه (( … أو يقر إطلاق سراحه بتعهد مقرون بكفالة شخص ضامن أو بدونهما …)) وبالتالي فإن صراحة النص تقودنا إلى القول بأن المشرع أجاز إطلاق سراح المتهم بتعهد مقرون بكفالة ، أو بتعهد شخصي (مُنفرد ) و غير مقيد بمبلغ معين ، حيث لم يشترط المشرع اقتران التعهد الشخصي بكفالة شخصية ضامنة … وعليه فللقاضي أن يقرر إطلاق سراح المتهم بتعهده الشخصي فقط ، وله أن يقرر إطلاق سراحه بتعهده الشخصي مقروناً بإلزامه بدفع مبلغ نقدي في حالة إخلاله بذلك التعهد .

أما الكفالة ، فيعرفها القانون المدني العراقي في المادة (1008) منه بأنها :(( ضم ذمة إل ذمة في المطالبة بتنفيذ الالتزام )) ، بحيث يصبح لكفيل مسؤولاً مسؤولية (مالية ) بمقدار المبلغ المحدد في الكفالة . ومما تجدر الإشارة إليه أن الكفالة لا يُصار إليها إلا إذا كانت الجريمة مما يجوز عنها التوقيف وبالتالي لا يجوز طلب الكفالة في المخالفات مادام للمتهم محل إقامة معلوم ( ) .أما إذا كان إطلاق السراح لا يجوز قانوناً – كما هو الحال في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام – فلا يجوز القبول بأي ضمان فيها سواءٌ التعهد أو التعهد المقرون بكفالة شخص ضامن( ).ومبلغ الكفالة يقدره القاضي أو المحكمة ، حسب خطورة الفعل المرتكب ومنزلة المتهم الاجتماعية ومركزه المالي على أن لا يكون مغال فيه بحيث يعجز المتهم عن تقديمه مما يؤدي إلى بقاءه في التوقيف. أما قبول الكفالة فهي مسألة من اختصاص (القاضي) أو (المحقق) أو (المسؤول في مركز الشرطة ) حيث تنص الفقرة (ب) من المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه : (( تقبل الكفالة إذا اقتنع القاضي أو المحق أو المسؤول في مركز الشرطة باقتدار الكفيل على دفع مبلغها )) . ونرى أنه مادام المشرع ق حصر التوقيف أصلاً بقاضي التحقيق والمحكمة ، فإن ترك إمكانية قبول الكفالة من عدمه بالمحقق والمسؤول في مركز الشرطة لا مبرر له ، فقد يتمادى هؤلاء في قبول الكفالة ، وقد يخضع المتهمون للابتزاز عند تقديمهم الكفالة ، لذلك ندعو إلى حصر الأمر أيضاً بيد القاضي أو المحكمة ضماناً لمصلحة المتهم الموقوف في إطلاق سراحه دون تعسف ، وهو ما يتطلب تعديل نص الفقـرة (ب) من المادة (114) من قانون أصـول المحاكمات الجزائية. وجعـله بالشكل التالي : (( تقبل الكفالة إذا اقتنع القاضي باقتدار لكفيل على دفع مبلغها )).
ومن جهة أُخرى فقد أجاز المشرع بمقتضى الفقرة (ج) من المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قبول مبلغ التعهد أ الكفالة (نقداً) أو يودع في ( صندوق المحكـمة أو مركز الشرطة ) وهو ما تقضي به الفقرة (ج) من المادة (114) من قانون أـصول المحاكـمات الجزائية بالقول : (( يقبل من المتهم أو الكفيل مبلغ التعهد أو الكـفالة نقداً ويودع في صندوق لمحكمة أو مركز لشرطة )). ولنا على النص المتقدم ملاحظتين :

الأولى / اشتراط النقد غير مبرر في الوقت الحاضر الذي نعيش فيه في حالة من التضخم الاقتصادي بحيث أصبح التعامل ومنها الكفالات – بمبالغ ضخمة قد تصل إلى ملايين الدنانير – ، ونفضل إعطاء نوع من المرونة في هذا لمجال مادام الوصول إلى الهدف واحد ، وسواءٌ كان عن طريق( النقد ) أو (الصكوك المصدقة) أو (السندات المالية المأذون بإصدارها قانوناً ) أو عن طريق ( وضع إشارة الحجز على الأموال العقارية ) أو (المركبات) ، وحيث أن المشرع اشترط (النقد) في الفقرة (ج) من المادة (114) وكذلك ورد النص على (النقد) في المادة (115) من ذات القانون … فإن الأخذ بالاقتراح المتقدم يتطلب تعديل هذين النصين .
الثانية/ إن إيداع مبلغ التعهد أو الكفالة في صندوق المحكمة أو مركز لشرطة أمر غير مكن في الوقت الحاضر لذات السبب أعلاه، لأن المشرع لم يذكر إيداع المبلغ المذكور (أمانات ) في صندوق المحكمة أو المركز ، وبالتالي فإن التفسير الحرفي للنص يقودنا إلى القول بأن الإيداع يتم في ( صندوق/خزانة المحكمة أو المركز) . وبالتالي نرى ضرورة تعديل النص المتقدم وجعل مبلغ الكفالة أو التعهد أمانات في صندوق المحكمة فقط ، وبذلك نضن المحافظة على تلك الأموال والحفاظ على مصلحة المتهم والكفيل في آن واحد ، ذلك لأنه إذا لم يحصل إخلال من المتهم أو الكفيل فإن المبلغ الذي سبق إيداعه سوف يرد إلى صاحبه بشرط اكتساب البراءة أو عدم المسؤولية أو رفض الشكوى أو الإفراج عن المتهم درجة البتات ( ).كما نضمن مصلح لكفيل في الحفاظ على أمواله المودعة كضمان في حالة ما إذا تقدم بطلب لإعفائه من الكفالة وبشرط إحضار مكفوله أمام المحقق أو القاضي المختص ، ويتعين في هذه الحالة الاستجابة لطلبه وإلغاء الكفالة وإعادة الضمان إليه كاملاً مع تكليف المتهم بتقديم كفيل جديد ، وبعكسه فللقاضي أن يقر توقيفه من جديد . كما يجوز إعفاء الكفيل من الكفالة – وفي هذه الحالة يتعين إعادة المبلغ المودع نقداً – إذا كان لعدم إحضار مكفوله ما يبرره ، من هذه المبررات ما جاء بقرار لمحكمة التمييز : (( إذا كان المكفول قد سافر خارج العراق اضطراراً حسب لتعليمات الصادرة من الجهات المختصة ، فإن عجز الكفيل عن إحضاره يكون سبب خارج عن إرادته ويعفى من المسؤولية عن ذلك ))( ).

ثانياً-ضمانات الطعن بقرار التوقيف
القرار بتوقيف المتهم قرار قضائي من صنع القاضي الذي أصدره ، وهو لذلك مُعرّض للطعن من أصحاب العلاقة بالقرار ويكون الطعن فيه لدى محكمة الجنايات المختصة بصفتها التمييزية إذا بُنيَّ القرار على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو إذا وقع خطأ جوهري في الإجراءات الأصولية (المواد 265 و249 من الأصول الجزائية ) حيث بإمكان المتهم أو وكيله تمييز القرار برفض الطلب بإطلاق السراح ، كما يحق للطرف المتضرر من الجريمة الطعن بقرار إطلاق سراح المتهم بكفالة أو بدونها ، ويحق ذلك أيضاً لعضو الإدعاء العام المنسَّب في محكمة التحقيق … كل ذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لتأريخ القرار ويكون قرار محكـمة الجنايات باتاَ غير خاضع لطرق الطعن الأُخرى ، باستثناء طلب التدخل التمييزي لدى محكمة التمييز فيما لو بُنيَّ القرار التمييزي الصادر من محكمة الجنايات على خطأ قانـوني .
ولكي تنظر محكمة الجنايات المختصة بطلب التمييز لابد وأن يكون هناك طلباً مقدماً من قبل المتهم أو وكيله – أو وليه الشرعي أن كان حدثاً-كما لابد من أن يكون هناك قراراً بالرفض ، وبعكسه فليس هناك ما يستوجب النظر تمييزاً مما يقتضي معه رد الطعن المقدم ، من ذلك قرار لمحكمة جنايات التأميم بصفتها التمييزية جاء فيه : (( لدى التدقيق والمداولة وجد أن اللائحة التمييزية المؤرخة 23/8 /1988 المقدمة من قبل المتهم (أ) الموقوف وفقاً للمادة 405 عقوبات قد تضمنت طلب إخلاء سبيله بكفالة بحجة أن قاضي محكمة تحقيق داقوق رفض طلب إخلاء سبيله ، وحيث أن المتهم لم يتقدم إبتداءً بطلب إخلاء سبيله بكفالة إلى قاضي التحقيق المختص ليحق له في حالة الرفض الطعن تمييزاً بالقرار لدى هذه المحكمة ، كما لم يصدر قرار من تلك المحكمة برفض طلبه ، فعليه ولعدم وجود قرار قابل للطعن به تمييزاً قررت هذه المحكمة رد اللائحة التمييزية شكلاً … ))( )، كما لا يقبل الطعن إلا من قبل ذوي العلاقة ووكلائهم وبهذا الصدد تقول محكمة جنايات التأميم بصفتها التمييزية. : ((…إن المحامي (م) لم يبرز في الأوراق أية وكالة عامة أو خاصة تثبت كونه وكيلاً عن (ش) لذلك فلا يحق له تمييزاً القرار الصادر من قاضي محكمة تحقيق داقوق …وبما أن المييز ليس له صفة قانونية فلا يحق له تمييز القرار… لذا قرر رد اللائحة التمييزية شكلاً ))( ).
وضماناً لحرية الشخص الموقوف فإن القرار بإطلاق السراح بكفالة أو بدونها يُنفَّذ فور صدوره ، وعليه فأن الطعن في مثل هذا القرار –كما لو صدر الطعن من المدعي بالحق المدني أو وكيله أو من عضو الإدعاء العام –فإن هذا الطعن لا يترتب عليه وقف تنفيذ القرار بل ينفذ بمجرد تقديم المتهم الكفالة المطلوبة .ونرى أن حالات النقض قليلة –بالمقارنة -مع حالات التصديق فيكون من المصلحة العامة التنفيذ الفوري لتلك القرارات ، وهو ما يتماشى في الوقت ذاته مع المصلحة الشخصية للمتهم الموقوف في إطلاق سراحه.

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن هناك حالات لا يجوز فيها اتخاذ القرار بتوقيف المتهم لأسباب ومبررات معينة ، منها ما إذا كان المتهم من أعضاء السلك الدبلوماسي ، فهؤلاء لا يجوز اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم ومنها القرار بتوقيفهم لأنهم يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية ( ). كما لا يجوز اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المنتسبين لبعض الوظائف ما لم توافق لجهة المختصة على اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم ومنها القرار بتوقيفهم … من ذلك مننتسبي القوات المسلحة من جيش وشرطة ومخابرات . كما يتمتع بحصانة من نوع خاص أعضاء المجـلس الوطني ومجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة (الملغي). أما الأحداث ، فلا يجوز توقيفهم في المخالفات ، ويجوز توقيفهم في الجنح ولجنايات لغرض فحصهم ودراسة شخصيتهم أو عند تعذر وجودة كفيل لهم ( ). و إستناداً لقرار مجلس قيادة الثورة (الملغي)المرقم لسنة فلا يجوز توقيف النساء في الجرائم غير العمدية كما لا يجوز اتخاذ الإجراءات القانونية عل من ارتكب جريمة خارج جمهورية العراق إلا بإذن من وزير العدل ( ). وهذا يعني عدم جواز توقيفه قبل صدور الإذن المطلوب وفي جميع الأحوال المتقدمة فإن صدور القرار بتوقيف المتهم يكون محلاً للطعن ، وبالتالي سوف يكون محلاً للنقض لمخالفته الصريحة للقانون .

الخاتمة

أهم المصادر
1-د.أكرم نشأت إبراهيم – الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة-دار ومطابع الشعب-القاهرة-1965.
2-جنان جميل سكر-ضوابط التقدير القضائي للعقوبة-رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد-1972.
3-جندي عبد الملك-الموسوعة الجنائية-دار المؤلفات القانونية –بيروت-1941.
4-عبد الستار البزركان –العذر القانوني والظرف القضائي –مجلة القضاء –العدد الأول-س45- 1990.
5-عبد الحميد الشواربي-ظروف الجريمة المشددة والمخففة للعقاب-دار المطبوعات الجامعية –الإسكندرية -1985.
6-فخري عبد الرزاق الحديثي-الأعذار القانونية المخففة للعقاب-بغداد-1980.
7-د.محمود محمود مصطفى –شرح قانون العقوبات (القسم العام)-القاهرة-1984.
8-منذر كمال عبد اللطيف-السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي-ط1-دار الرسالة للطباعة –بغداد-1978.
9-صباح عريس-الظروف المشددة في القانونين العراقي واللبناني والمقارن-رسالة دكتوراه-الجامعة اللبنانية-1977.
10-إبراهيم المشاهدي-المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز(القسم الجنائي)- بغداد –1990.
11-إبراهيم المشاهدي-المختار من قضاء محكمة التمييز(القسم الجنائي)- بغداد –2000.