ضوابط الاختصاص القضائي الدولي في القانون المصري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

حرص المشرع المصري وهو بصدد القواعد المنظمة للاختصاص القضائي للمحاكم المصرية على أن يجمع تلك القواعد في مكان واحد هو الفصل الأول ( الاختصاص الدولي للمحاكم ) من الباب الأول ( الاختصاص من الكتاب الأول ( التداعي امام المحاكم ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الجديد رقم 13 لسنة 1968 وذلك في المواد من 28 إلى 35 من هذا القانون .

وسوف نقسم دراستنا للاختصاص الدولي للمحاكم المصرية على النحو التالي :
1- الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية القائم على ضوابط شخصية .
2- الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية القائم على ضوابط موضوعية .
3- الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية القائم على مراعاة حسن أداء العدالة وتنظم الخصومة .
4- الاختصاص المبني على القبول .

وسوف نوالى توضيح ذلك :-
اولا:- الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية القائم على ضوابط شخصية :-
المطلب الأول : اختصاص المحاكم المصرية القائم على الجنسية المصرية للمدعي عليه :
تقرير القاعدة : تقضي المادة 28 مرافعات بأن ” تختص محاكم ” الجمهورية بنظر الدعوى التي ترفع على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك فيما عدا الدعوى العقارية المتعلقة بعقار واقع بالخارج ” ويبدو من هذا النص أن المشرع قد أخذ بضابط جنسية المدعي عليه لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية .
مبررات القاعدة وتقييم هذه المبررات :-
استند جانب من الفقه بقصد تبرير أخذ المشرع المصري بضابط جنسية المدعي عليه لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية على فكرة السيادة ، حيث يعد اختصاص المحاكم بالنسبة للوطنيين تعبيرا عن السيادة الشخصية للدولة وقد اكدت المذكرة الايضاحية لمشروع قانون المرافعات هذه الفكرة حيث جاء بها أن ولاية القضاء وإن كانت إقليمية في الأصل بالنسبة للوطنين والاجانب إلا أنها شخصية بالنسبة للأولين فتشملهم ولو كانوا متوطنين أو مقيمين خارج إقليم دولتهم .

ويذهب جانب من الفقه بقصد الدفاع عن الاختصاص المبني على جنسية المدعي عليه إلى القول بأن تقرير تلك الحالة من حالات الاختصاص من شأن تحقيق مصلحة المدعي عليه المصري استنادا إلى أن الموضع الغالب هو توطن المصريين في بلدهم مما يجعل اختصاص المحاكم المصرية قائما في اغلب الأحول على ضابط آخر خلاف الجنسية وهو ضابط الموطن .
ويضيف المؤيدون لضابط جنسية المدعي عليه في تحديد الاختصاص للمحاكم الوطنية أن هذا الاختصاص يؤمن للمدعي ( وقد يكون أجنبيا أو وطنيا ) محكمة يختصم لديها المدعي عليه المصري بدعوى قد لا يتوافر الاختصاص بنظرها لأي محكمة أجنبية .
وأخيرا يضيف أنصار عقد الاختصاص للمحاكم المصرية بناء على الجنسية المصرية للمدعي عليه أن تقرير هذا الاختصاص يتفق مع قاعدة عامة من قواعد الاختصاص في قانون المرافعات وهي ان المدعي يتبع المدعي عليه .

راينا الخاص :-
تأثر المشرع المصري عند اعتناقه لجنسية المدعي عليه المصري كضابط ينعقد وفقا له الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية بنهج المشرع الفرنسي حين عقد الاختصاص للمحاكم الفرنسية متى كان المدعي عليه فرنسيا إعمالا للنص المادة 15 من التفنين المدني الفرنسي وقد استندت تلك المادة في حينه إلى مبررات ترتكز على اعتبار القضاء مرفقا خاصاً بالوطنيين وعلى عدم الثقة في كفاءة قضاء الدول الأجنبية وعدالة احكامه ، وهي اعتبارات لا تتفق مع حاجة العلاقات ذات الطابع الدولي في المجتمع الدولي الحديث .

مجال إعمال القاعدة :-
فيما يتعلق بالأشخاص :ذهب جانب من الفقه المصري إلى أن تطبيق هذا الضابط00 يجب أن يقتصر على الحالة التي يكون فيها المدعي عليه شخصا طبيعيا ولا يمتد إلى الفرص الذي يكون فيه المدعي عليه شخصا اعتباريا وحجتهم في ذلك ، أن أساس القاعدة المذكورة هو سيادة الدولة الشخصية التي تباشرها على رعاياها والتي لا تحدها حدود إقليمية والشخص الاعتباري ليس عضو في شعب الدولة حتى يوسف بأنه من الوطنين بالنسبة للدولة ولانه لا يتمتع بأي جنسية بالمعنى الفني لهذا الاصطلاح ، وبالتالي فإن الدولة لا يمكن أن تباشر على الشخص الاعتباري أي سيادة شخصية بل أن سيادتها عليه لا يمكن أن تكون إلا سيادة إقليمية.
وقد ذهب جانب ثان من الفقه المصري بحق إلى أن نص المادة 28 قد جاء عاما خاليا من أي قيد مما يتعين معه عدم قصر اعمال ضابط الجنسية على الاشخاص الطبيعين دون الاشخاص المعنوية فالجنسية نظام قانوني يترتب عليه آثار هامة سواء تعلق الأمر بشخص طبيعي أو معنوي إذ إن معاملة الدولة للشخص المعنوي والحقوق التي تقرها له كالحق في التملك والحق في ممارسة النشاط المهني والاقتصادي تختلف وفقا لكونه من الوطنيين أو الأجانب بل أن أمعان النظر يمكن أن يظهر لنا أن اختصاص المحاكم المصرية بالدعوى المرفوعة على الشخص المعنوي لا تستهدف للنقد الذي وجهة الفقه لتلك القاعدة لتعارضها ، مع مبدأ قوة النفاذ والفاعلية الدولية للأحكام عندما يكون المدعي عليه شخصا طبيعيا غير متوطن أو مقيم في مصر أو لاتوجد له بها أموال يمكن التنفيذ عليها .

فيما يتعلق بالدعاوى :- استثنى المشرع من اختصاص المحاكم المصرية القائم على جنسية المدعي عليه ” الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج فهذه الدعوى لا تختص بها المحاكم المصرية ولو كان المدعي عليه مصري الجنسية ويدخل في نطاق هذا الاستثناء ثلاثة انواع من الدعاوى الأولى هي الدعاوى العينية العقارية وهي التي تهدف إلى حماية حق عيني عقاري كحق الملكية وحق الانتفاع بالنسبة لعقار موجود في الخارج .

والنوع الثاني من هذه الدعاوى هو الدعاوى الشخصية العقارية00 وهي التي ترفع بناء على التزام شخص بنقل حق عيني على عقار ويكون الهدف منها تقرير هذا الحق العيني في مواجهة من يلتزم بنقله ومن امثلة هذه الدعاوى التي يرفعها المشتري للعقار بعقد غير مسجل طالبا فيها الحكم على البائع بصحة التعاقد واعتبار الحكم ناقلا للملكية من وقت تسجيل صحيفة الدعوى .
أما النوع الثالث فهي الدعاوى المختلطة ومثالها الدعوى التي يرفعها المشتري بعقد مسجل يطالب فيها تسليمه العقار المبيع اليه ودعوى البائع على المشتري بفسخ عقد البيع ورد العقار اليه . .

وقت الاعتداد بجنسية المدعي عليه :-
يتم الاعتداد بجنسية المدعي عليه وقت رفع الدعوى لتحديد اختصاص المحاكم المصرية فإذا كان مصريا وقت رفع الدعوى انعقد الاختصاص للمحاكم المصرية وتظل هذه المحاكم مختصة حتى ولو غير المدعي عليه جنسية بعد رفع الدعوى باعتبار أن للمدعي حقا مكتسبا في استمرار نظر الدعوى .

المطلب الثاني : اختصاص المحاكم المصرية القائم على وجود موطن أو محل إقامة للأجنبي المدعي عليه في مصر :-
تقرير القاعدة :-
تنص المادة 29 من قانون المرافعات المصري على تختص محاكم الجمهورية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك فيما عدا الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج . ولا يعد حكم المادة 29 مرافعات حكما مستحدثا في القانون المصري فقد كانت المادة 14 من القانون المدني المختلط تقضي بان ” وتكون الحال كذلك ( أي تجوز اقامة الدعوى امام المحاكم المصرية ) بالنسبة للأجانب الموجودين في البلد ( أي في مصر ) ” كذلك كانت المادة 22 في مشروع القانون المدني الحالي تقضي بجواز مقاضاة الأجانب أمام محاكم البلاد في الأحوال الآتية :-
إذا وجد الأجنبي في مصر ” ولكن هذا النص لم يظهر في التقنين المدني إذ أثر المشرع أن يتخذ موضعه الطبيعي في قانون المرافعات ، إلا أن هذا القانون صدر سنة 1949 خاليا منه .

مبررات القاعدة :- انقسم الفقه المصري في نظرته للاعتبارات التي عقد المشرع بمقتضاها الاختصاص للمحاكم المصرية بناء على موطن المدعي عليه الأجنبي أو إقامته في مصر .
فذهب جانب من الفقه إلى أن تقرير هذا الاختصاص يرجع إلى أن كلا من الموطن ومحل الإقامة هو صلة بين الشخص وإقليم الدولة من ثم فهو يصل المنازعة بسيادة الدولة وبالتالي يصلها بولاية القضاء فيها . وذهب جانب آخر من الفقة المصري إلى أن الأساس الحقيقي لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بناء على ضابط موطن الأجنبي وإقامته بمصر هو مبدا الفعالية وقوة النفاذ والتي يجب أن تتوافر للأحكام الصادرة من القضاء الوطني .

وهذا هو الرأي الذي نرجحه فالصحيح بالنسبة لنا هو تبرير هذا الضابط بفكرة الفعالية وقوة النفاذ وعلى اساس افتراض براءة ذمة المدعي عليه المتوطن أو المقيم في مصر .

مجال أعمال القاعدة :-
من حيث الأشخاص : يثبت الاختصاص للمحاكم المصرية أعمال لهذه القاعدة في حالتين الأولى أن يكون المدعي عليه أجنبيا له موطن محل أقامة بمصر عمالا تصريح نص المادة 29 والثانية يكون المدعي عليه مصريا له موطن أو محل إقامة بمصر ولا ينبغي أن يثور الشك حول اختصاص المحاكم المصرية في الحالة الثانية تأسيسا على ان مجرد ثبوت الجنسية المصرية للمدعي عليه يكفي لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية لأن هذا الاختصاص يستهدف – كما سبق أن بينا لاوجه نقد عديدة .

من حيث الدعاوى : استثنى المشرع من المادة 29 من قانون المرافعات من اختصاص المحاكم المصرية بصدد الدعاوى المرفوعة على أجنبي له موطن أو محل إقامة في مصر الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج وعلى ذلك فإن المحاكم المصرية تختص بكافة الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في مصر حتى ولو كانت جميع عناصر النزاع الأخرى غير مرتبطة بمصر كما كان المال محل النزاع الخارج ـ أو كان الواقعة مصدر الالتزام أو محل تنفيذ الالتزام بالخارج وذلك باستثناء الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار كان خارج الإقليم المصري .

كيفية تحديد كل من الموطن ومحل الإقامة :- ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية إذا كان للمدعي عليه الأجنبي موطنا أو محل إقامة في مصر وفقا لنص المادة 29 مرافعات فما هو المرجع في تحديد المقصود بهذين المصطلحين ؟ الواقع أن تحديد معنى هذين المصطلحين يتم وفقا لمفهوم القانون المصري لهما بوصفه المرجع في التكييف لا سيما وأن الأمر يتعلق بتفسير قاعدة من قواعد الاختصاص القضائي المصري وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية حين قررت أنه في تحديد الاختصاص الخارجي يطبق قاض الموضوع قانونه الداخلي بشأن الموطن المشرع المصري بين الموطن ومحل الإقامة الإمر الذي يقتضي تحديد المقصود بكل منهما .

الموطن : يعرف القانون المصري عدة أنواع للموطن :-
الموطن العام : عرفت المادة 40 من القانون المدني المصري الموطن بأنه هو المكان الذين يقيم فيه الشخص عادة ويمكن أن نطلق على الموطن الذي تشير إليه هذه المادة اصطلاح الموطن العام وهو يقوم على عنصرين عنصر مادي مفادة الإقامة في مصر على وجه الاستمرار وعنصر معنوي مفاده اتجاه نية الشخص إلى اتخاذها مقرا دائما .

وينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بناء على ضابط الموطن00 سواء كان المدعي عليه شخصا طبيعيا أم شخصا اعتباريا وتقضي المادة 53 من القانون المدني المصري باعتبار الشخص المعنوي متوطنا في مصر إذا كان فيها مركز إدارته الرئيسي أو إذا مارس نشاطه كله أو بعضه في مضر عن طريق فرع له فيها حتى ولو كان مركز إدارته الرئيسي بالخارج .

الموطن الخاص : ويقصد به المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة وهو لا يعد موطنا إلا بالنسبة لإدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة وعلى ذلك إذا باشر المدعي عليه الأجنبي تجارة أو حرفة في مصر ثبت الاختصاص للمحاكم المصرية بالدعاوى المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة ولو كان الموطن العام لهذا الأجنبي موجود بالخارج .

الموطن المختار : وهو المكان الذي يختاره الفرد لتنفيذ عمل قانوني معين وتنص المادة 30 /1 من قانون المرافعات على أن تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل اقامة في الجمهورية إذا كان له في جمهورية موطن مختار ” لذلك ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية اعمالا لهذا النص بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي والتي تتعلق بعمل قانوني معين اختار من مصر موطنا مختارا له حتى ولو لم يكن لهذا المدعي عليه بمصر موطنا عاما أو خاصا .
محل الإقامة : لم يقتصر المشرع على الأخذ بضابط الموطن لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بل جعل مجرد وجود محل إقامة للمدعي عليه الأجنبي في مصر كافيا لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للدعاوى التي ترفع على هذا الأجنبي وتختلف الإقامة عن الموطن في قيامها على العنصر المادي دون العنصر المعنوي أي دون أن يكون لدى الشخص نية الاستقرار فيعد إقليم الدولة محل لإقامة الشخص لمجرد إقامته المادية بهذا الإقليم .

بعض المشكلات التي يثيرها أعمال القاعدة :-
تعدد موطن المدعي عليه : قد يترتب على اختلاف النظم القانونية في تكييف الموطن أن يعتبر الفرد متوطنا في أكثر من دولة وفقا لقانون كل منها وفي هذه الحالة تعد محاكم كل دولة منها مختصة وفقا للقاعدة العامة المتعلقة باختصاص محكمة موطن المدعي عليه وللمدعي أن يقيم الدعوى أمام أي منها .

حالة تعدد المدعي عليهم :-
ما هو الحكم لو تعدد المدعي عليهم في الدعوى وكان لأحدهم فقط موطنا أو محل إقامة بمصر00 بينما كان موطن أو محل إقامة المدعي عليهم الآخرين في الخارج لاشك أن اعتبارات وحدة الخصومة وضرورة تجنب تضارب الأحكام تحتم عقد الاختصاص لمحاكم الدولة بالنسبة لسائر المدعي عليهم طالما توافر الاختصاص بالنسبة لاحدهم .
نص المشرع ، وهو بصدد تحديد مجال ولاية المحاكم المصرية00 بنظر المنازعات ذات الطابع الدولي على اختصاص تلك المحاكم بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في مصر إذا كان لأحد المدعي عليهم موطن أو محل إقامة في مصر أي أن المحاكم المصرية تختص بالنسبة للمدعي عليه الأجنبي الذي لم يكن ليخضع اصلا لولايتها وذلك بالتبعية للمدعي عليه الذي له موطن أو محل إقامة في مصر .

ولكن يشترط لانعقاد المحاكم المصرية في تلك الحالة توافر الشروط الاتية :
1- أن يكون المدعي الذي له موطن أو محل إقامة بمصر قد اختصم الدعوى بصفة أصلية وليس بصفة تبعية .
2- وحدة الطلبات الموجهة إلى كل من المدعي عليهم بما يبرر جمع تلك الطلبات في دعوى واحدة يمكن رفعها أمام المحكمة المصرية بوصفها محكمة موطن أو محل إقامة إحدهم كما لو تعلقت جميع الطلبات بفعل ضار واحد .
أن يكون اختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لأحد المدعي عليهم قائما على وجود موطن أو محل أقامته في مصر إذا لو كان هذا الاختصاص قائما على اساس آخر غير الموطن أو محل الإقامة كما لو كان قائما على قبول لهذا الاختصاص لما انعقد اختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لبقية المدعي عليهم .

وقت الاعتداد بالموطن أو محل الإقامة :-
يشترط لاختصاص المحاكم المصرية القائم على هذا الضابط أن يكون المدعي عليه موطن أو محل أقامة بمصر وقت رفع الدعوى فإذا غير موطن أو محل اقامته بعد رفع الدعوى ظلت المحكمة المصرية مختصة رغم هذا التغيير .

المطلب الثالث : اختصاص المحاكم المصرية القائم على جنسية المدعي المصري أو توطنه بمصر إذا كان اجنبيا بالدعاوى المرتبية بمسائل الأحوال الشخصية بصفة عامة :-
تنص المادة 30/7 مرافعات على أن تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في جمهورية وذلك في الأحوال الآتية :

إذا كانت الدعوى متعلقة بمسالة من مسائل الأحوال الشخصية وكان المدعي وطنيا أو كان أجنبيا له موطن في جمهورية وذلك إذا لم يكن للمدعي عليه موطن معروف في الخارج أو إذا كان القانون الوطني واجب التطبيق في الدعوى .
وقد هدف المشرع من تقرير اختصاص المحاكم المصرية00 في الحالة الأولى التي تجنب انكار العدالة أما عقد الاختصاص للمحاكم المصرية في الحالة الثانية فيرجع إلى كون القانون المصري هو الواجب التطبيق في الدعوى .

الحالة الأولى : عقد الاختصاص للمحاكم المصرية بقصد تجنب انكار العدالة :
شروط عقد الاختصاص تقضي المادة 30/7 من قانون المرافعات باختصاص المحاكم المصرية إذا لم يكن للمدعي عليه موطنا معروفا بالخارج وكان المدعي مصريا أو أجنبيا متوطنا بمصر متى كانت الدعوى متعلقة بمسالة من مسائل الأحوال الشخصية مع ذلك يتضح ضرورة توافر ثلاثة شروط لإنعقاد الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية :
1- ان يكون المدعي مصريا سواء كان متوطنا في مصر أو في الخارج أو أن يكون اجنبيا متوطنا في مصر فلا يكفي في شأنه أن يكون مقيما فيها .
2- إلا يكون للأجنبي المدعي عليه موطن معروف في الخارج .
3- ان تكون الدعوى المتعلقة بمسالة من مسائل الأحوال الشخصية ويرجع في تحديد المقصود بالأحوال الشخصية الى القانون المصري باعتبار ان الأمر يتعلق بتفسير قاعدة من قواعد الاختصاص المصرية .

الحكمة من تقرير الاختصاص :-
يهدف المشرع المصري من عقد الاختصاص للمحاكم المصرية في هذه الحالة إلى تلافي انكار العدالة الذي قد يتعرض له المدعي الوطني أو الأجنبي المتوطن بمصر والناجم عن عدم إمكانية تحديد المحكمة المختصة لجهالة موطن المدعي عليه بالخارج باعتبار ان هذا المدعي يكون جدير بالرعاية في تلك الحالة وخصوصا ان هذه الرعاية لا تتعارض مع الرعاية الواجبة للمدعي عليه بمقاضاته أمام محكمة موطنه إذا المفروض في هذه الحالة أن المدعي عليه ليس له موطن معروف في الخارج .

نطاق الاختصاص :- لم يجعل المشرع المصري من تجنب انكار العدالة سببا عاما لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية ولكنه قصر هذا الاختصاص على الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحول الشخصية شريطة توافر صلة بين النزاع والإقليم المصري تلك الصلة التي تجسدها الجنسية المصرية للمدعي أو توطن هذا الأخير بمصر إذا كان أجنبيا .

الحالة الثانية : الاختصاص القائم على اساس أن القانون المصري هو الواجب التطبيق على الدعوى
قدر المشرع المصري أن المحاكم المصرية ستكون اقدر من أي محكمة أخرى على تطبيق القانون المصري لا سيما المدعي مصري أو أجنبي متوطن بها هذا فضلا عن انه من المستحسن ان تكفل محاكم الدولة تطبيق قانونها بنفسها كلمة امكنها ذلك ومما لاشك فيه ان المشرع المصري وهو يقرر هذا الاختصاص للمحاكم المصرية كان يضع نصب عينهيم المادة 14 مدني والتي تقضي بتطبيق القانون المصري في مسائل الزواج والتطليق والانفصال إذا كان أحد الزوجين مصريا وقت انعقاد الزواج وذلك فيما عدا شرط الأهلية للزواج .

ويشترط لانعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية في تلك الحالة توافر ثلاثة شروط :
1- ان يكون المدعي مصريا أو أجنبيا متوطنا في مصر .
2- ان تتعلق الدعوى المرفوعة بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية باستثناء الدعاوى المتعلقة بعقار كان في الخارج .
3- إلا يكون للمدعي عليه موطن أو محل إقامة في مصر وان يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق على الدعوى .

المطلب الرابع : اختصاص المحاكم المصرية القائم على جنسية المدعي المصرية أو على وجوب موطنه أو محل إقامته بمصر إذا كان أجنبيا ببعض الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية :
أورد المشرع في المادة 30 بجانب الحالتين العامتين المتقدمتين للاختصاص الدولي للمحاكم المصرية حالات أخرى لهذا الاختصاص تقوم على ضوابط مستمدة من المدعي وتقع تلك الحالات بدورها في مجال الأحوال الشخصية ولكنها مقيدة بنوع الدعوى وذلك على النحو التالي :

أولا : الدعاوى المتعلقة بالزواج والانفصال والتطليق :
عقد المشرع المصري الاختصاص للمحاكم المصرية ببعض المنازعات المتعلقة بالزواج أو الانفصال او التطبيق بالرغم من عدم وجود موطن للمدعي عليه أو محل إقامة في مصر وذلك من أجل تحقيق اعتبارات معينة كما سيتضح مما يلي ويتقيد اختصاص المحاكم المصرية بانواعها بعينها من الدعاوى وهي :
أ – دعوى المعارضة في ابرام الزواج : تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية إذا كانت الدعوى معارضة في عقد زواج وكان العقد يبرم أبرامه ندى موثق مصري .
يقصد بالاعتراف وقف توثيق العقد الوجود مانع من موانع الزواج00 فإذا شرع الموثق في توثيق الزواج فقد يحدث أن يعترض عليه من له الحق في ذلك ولا يكون الاعتراض بسبب عيب في الشكل ولكن لتخلف احد الشروط الموضوعية .
ب- دعوى فسخ الزواج والتطليق أو الانفصال : جاء النص على اختصاص المحاكم المصرية بهذه الدعاوى في الفقرة الرابعة من المادة 30 مرافعات والتي تقضي بان تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية .

إذا كانت الدعوى متعلقة بطلب فسخ الزواج بالتطليق أو بالانفصال وكانت مرفوعة من زوجة فقدت جنسية الجمهورية بالزواج متى كان لها موطن في الجمهورية وكانت الدعوى مرفوعة من زوجه لها موطن في الجمهورية على زوجها الذي كان له موطن فيها متى كان الزواج قد هجر زوجته وتوطن في الخارج بعد قيام سبب الفسخ أو التطبيق أو الانفصال أو كان قد ابعد عن الجمهورية يتضح من هذا النص أن المشرع قد قصد به حماية ثلاثة طوائف من الزوجة عن طريق السماح لهن برفع دعواهن المتعلقة بفسخ الزواج أو التطليق أو الانفصال أمام المحاكم المصرية وذلك بالرغم من عدم وجود موطن أو محل إقامة للزوج في مصر أما الطائفة الأولى فهي طائفة الزوجات اللاتي كن يتمتعن بالجنسية المصرية وفقدن هذه الجنسية بالزواج وقد سمح المشرع لهذه الطائفة برفع دعوى البطلان او التطليق أو الفسخ على ازواجن امام محاكم الجمهورية إذا كان متوطنا في مصر .

أما الطائفة الثانية فهي طائفة الزوجات اللاتي هجرهن ازواجهن وتوطنوا خارج الجمهورية فقد رأى المشرع في المادة 30/4 السماح لهؤلاء الزوجات برفع الدعاوى المتعلقة بفسخ الزواج أو الانفصال او التطليق امام محاكم الجمهورية حتى بالرغم من توطن المدعي عليه بالخارج ولكن يشترط لأعمال هذا النص أن يكون الزوج الأجنبي قد سبق له التوطن في مصر وأن تكون الزوجة متوطنة بها وذلك دون الاعتداد بجنسيتها فينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية في هذه الحالة سواء كانت الزوجة مصرية أو أجنبية ويهدف المشرع من عقد الاختصاص للمحاك المصرية في هذه الحالة التيسير على الزوجة التي هجرت زوجها ورعاية مصلحتها إذا قد تحول ظروفها الاقتصادية والاجتماعية عن امكان التجائها لمحكمة دولة موطن الزوج المدعي عليه ومقضاته امامها .

أما الطائفة الثالثة فهي طائفة الزوجات المتوطنات بمصر واللاتي بات من المتعذر عليهن الاستمرار في حياتهن الزوجية سبب أبعاد أزواجهن عن الإقليم المصري فقد ر اى المشرع حماية لمصالحهن أن يعقد اختصاص محاكم الجمهورية إذا كان الزوج قد ابعد عن إقليم الجمهورية ويشترط للاختصاص في هذه الحالة أيضا ان تكون الدعوى متعلقة بفسخ زواج او انفصال او تطليق وان تكون الزواج متوطنة باقليم الجمهورية وذلك دون النظر إلى جنسيتها .

ثانيا : الدعاوى المتعلقة بالنفقات :-
تنص الفقرة الخامسة من المادة 30 مرافعات على أن تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية 5000 – إذا كانت الدعوى متعلقة بطلب نفقة للأم أو الزوجة متى كان لها موطن في الجمهورية أم للصغير المقيم فيها .

ويشترط لاختصاص المحاكم المصرية بهذه الدعاوى ما يأتي :
أ – أن يكون المدعي عليه أجنبيا ليس له موطن أو محل إقامة في مصر .
ب- ان تكون الدعوى متعلقة بطلب نفقة للأم أو الزوجة أو الصغير.
ج- أن تكون الأم أو الزوجة المدعية متوطنة في مصر ولا يكفي لانعقاد الاختصاص أن يكون لها مجرد إقامة فيها ولكن إذا كانت دعوى النفقة قد إقيمت من قبل الصغير فإنه يكفي أن يكون مقيما في مصر .
وقد اكتفى المشرع بالإقامة في هذه الحالة دون الموطن تقديرا منه لأن موطن الصغير هو موطن نائبه وقد لا يكون لهذا الأخير موطن في مصر .

ثالثا : الدعاوى المتعلقة بنسب الصغيرة والولاية على النفس :
تقضي الفقرة السادسة من الماد\ة 30 من قانون المرافعات باختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي ولو لم يكن متوطنا أو مقيما في الجمهورية وذلك إذا كانت الدعوى بشأن نسب صغير يقيم في الجمهورية أو بسلب الولاية على نفسه أو الحد منها وقفها أو استردادها يتضح من هذا النص ضرورة توافر الشروط الآتية لانعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية :-
1- أن يكون الصغير مقيما في مصر ولا يشترط أن يكون متوطنا فيها فالإقامة تكفي كما لا يلزم أن يكون الصغير مصريا .
2- ان يكون المدعي عليه أجنبيا ليس له موطن أو محل إقامة في مصر .
3- ان تتعلق الدعوى بنسب الصغير إثباتا أو انكارا أو بالولاية على نفسه .

رابعا : الدعاوى المتعلقة بمسائل الولاية على المال :
تنص الفقرة الثامنة من المادة 30 من قانون المرافعات باختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى المتعلقة بالولاية على المال متى كان للقاصر أو المطلوب الحجر عليه أو مساعدته قضائيا موطن أو محل إقامة في الجمهورية أو إذا كان بها آخر موطن أو محل إقامة للغائب .
ومن ذلك يتضح أنه لكي ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية 00بهذه الدعاوى يجب توافر الشروط الآتية:-
1- ان يكون للقاصر او المطلوب الحجر عليه أو مساعدته قضائيا موطن أو محل اقامة في مصر أو كان بها آخر موطن أو محل أقامة بالنسبة للغائب .

2- أن يكون المدعي عليه أجنبيا ليس له موطن أو محل إقامة في مصر ويذهب جانب من الفقه المصري إلى القول بانعقاد الاختصاص للمحاكم المصرية بتلك الدعاوى سواء كان ناقص الأهلية أو الغائب مدعيا أو مدعي عليه .

3- أن يتعلق الدعوى بمسألة من مسائل الولاية على المال والمرجع في تحديد ما إذا كان مسالة معينة تعد من مسائل الولاية على المال هو القانون المصري بوصفه قانون القاضي الذي يخضع له التكييف .

خامسا : : الدعاوى المتعلقة بالأرث والتركات :-
تقضي المادة 31 من قانون المرافعات على ان تختص محاكم الجمهورية بمسائل الآرث والدعاوى المتعلقة بالتركة متى كانت التركة قد فاتتحت في الجمهورية أو كان المورث مصريا أو كانت التركة كلها أو بعضها في الجمهورية .