المزايا و الحوافز المؤثرة في تكوين مناخ الاستثمار
بالإشارة إلى بعض الاقتصاديات العربية: تونس و الجزائــر
إعداد الأستاذ : قويـدري محمد
أستاذ مساعد مكلف بالدروس ـ كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ـ جامعة الأغــواط

المقدمــــة:
لقد اقتضى التحول في جغرافية الإنتاج الصناعي إلى تحرير التجارة، و إزالة الحواجز الوطنية أمام المنتجات الأجنبية، وتمكين رأس المال الأجنبي المباشر من التدفق و الاتجاه إلى أكثر البيئات ملاءمة للإنتاج و التسويق، و الحصول على أكثر الامتيازات المقارنة التي يمكن أن يمنحها البلد المضيف، بغرض استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة، و القوى البشرية ذات الكفاءات العالية، مع التأكد من توفر عوامل الضمانات اللازمة.

و استنادا إلى العديد من الآراء النظرية و الشواهد التطبيقية، يمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يكون، في المدى الطويل ، عاملا مجزيا لتعزيز النمو القابل للاستمرار، وذلك لما يجسده من علاقات و روابط قوية بين البلد المضيف و الاقتصاد العالمي، كما يمكن أن تتجاوز هذه الروابط مجالات التكامل المالي و حركة عناصر الإنتاج، إلى فرص نقل التكنولوجيا من الدول المصدرة لرؤوس الأموال إلى الدول المضيفة.

و ضمن هذا السياق، شهد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول العربية تطورا ملحوظا حيث انتقلت من 0.25 مليار دولار عام 1995إلى نحو 6.03 مليار دولار عام 2001، وقد بلغ ذروته عام 1998، إذ وصل إلى حوالي 8.46 مليار دولار، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى القفزة النوعية التي شهدها حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة العربية السعودية الذي بلغ 4.29 مليار دولار.

وتراجع بعد ذلك خلال عامي 1999 و 2000 إذ بلغ 4.28 مليار دولار و 2.42 مليار دولار على التوالي، إلا أن حجم الاستثمار في الدول العربية قد تضاعف بشكل ملحوظ عام 2001 بزيادة نسبتها 149% عما كان عليه عام 2000. ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى الزيادة الملحوظة التي عرفتها الاستثمارات الأجنبية في كل المغرب عام 2001 ، إذ بلغ حجمها 2.66 مليار دولار مقابل 0.20 مليار دولار عام 2000، وكذلك الجزائر من 0.44 مليار دولار عام 2000 إلى 1.2 مليار دولار عام 2001 .

و على العموم فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية لم يتجاوز في أحسن أحواله 1.5% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم ( عام 1997 )، كما بلغ متوسط نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر من إجمالي الاستثمارات في العالم خلال الفترة 1995-2001 حوالي

65%، في حين قدر متوسط نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية خلال الفترة ذاتها حوالي 0.7% .

إن الأهمية النسبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تختزل في كونها آلية تمويلية فحسب، و إنما تتعدى ذلك للإسهام في زيادة الأصول غير المنظورة و المتمثلة أساسا في تعميق مفهوم تقليص نفقات الإنتاج عن طريق اقتصاديات الحجم، و تجسيد نظم التسيير المتقدمة، و ترقية أداء العنصر البشري، وتحفيز النشاط التصديري إلى الأسواق الأجنبية،ودعم القدرات التنافسية للاقتصاديات المضيفة. و لذلك ساد اتجاه تنافسي متصاعد بين الدول النامية، و منها الدول العربية ، بغرض تحسين بيئتها الاستثمارية و تقديم المزيد من الحوافز لرأس المال الأجنبي .

وعلى هذا الأساس من المفيد أن نتساءل :

عن مدى قدرة و فعالية الحوافز المعتمدة في الاقتصاديين محل الدراسة ، على اجتذاب رأس المال الوطني و الأجنبي ؟ وهل المزايا و الحوافز الممنوحة للاستثمارات الأجنبية كفيلة بتحسين وضع الدولتين ضمن المؤشرات الدولية؟

إن محاولة الإجابة على الإشكالية السابقة ، تقودنا إلى تحليل جوانب الموضوع من خلال المحورين التاليين :
أولا : مفهوم المناخ الاستثماري و مقوماته ، تحليل نظري ؛
ثانيا : مزايا و حوافز الاستثمار الأجنبي في الاقتصاديين محل الدراسة : تونس و الجزائر .

و فيما يلي تحليل لكل محور على حده .
أولا: مفهوم المناخ الاستثماري ومقوماته

I-التعريف : لقد تطور مفهوم المناخ الاستثماري تدريجيا إلى أن أصبح يشتمل على توليفة مركبة من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي تسعى من خلالها الجهات الوصية إلى الترويج للقطر و للفرص الاستثمارية.

هناك أكثر من تعريف للمناخ الاستثماري، يمكننا الإشارة إلى تعريفين فقط ، هما:
التعريف الأول: يقصد بالمناخ الاستثماري » مجمل الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية المؤثرة على توجهات حركة رؤوس الأموال، ذلك أن رأس المال عادة ما يتسم بالجبن و يتحرك من الأوضاع السيئة إلى الأوضاع الأحسن حالا « .

التعريف الثاني: يقصد بالمناخ الاستثماري » مجمل الأوضاع و الظروف المؤثرة في اتجاه تدفق رأس المال و توظيفه ، و تشمل هذه الظروف الأبعاد السياسية ، و الاقتصادية ، و كفاءة و فعالية التنظيمات الإدارية ، التي يجب أن تكون ملائمة و مناسبة لجذب و تشجيع الاستثمارات المحلية و الأجنبية « .

II – مقاومات المناخ الاستثماري : يرتكز المناخ الاستثماري الجاذب لرؤوس الأموال الوطنية و الأجنبية على عدة مقومات، نوجز أهمها فيما يلي:

1 – المناخ السياسي و الأمني:
هناك مجموعة من العوامل تؤثر على مدى ملاءمة المناخ الاستثماري، حيث عدم توافر الاستقرار السياسي و الأمني،يؤدي إلى خفض معدلات الادخار و بالتالي خفض معدلات الاستثمار. و بذلك يفقد المستثمر الثقة في استقرار الجهاز الحاكم،الأمر الذي يدفعه إلى توطين أصوله الاستثمارية في المناطق الأكثر استقرارا و أمنا.

و يتأثر المناخ السياسي و الأمني بمجموعة من العوامل، نوجزها فيما يلي :
أ – النمط السياسي المتبع من حيث كونه نظاما ديموقراطيا أو دكتاتوريا؛
ب – موقف الأحزاب السياسية تجاه الاستثمارات الأجنبية؛
ج – درجة الوعي السياسي من حيث الرغبة في السماح للاستثمارات الأجنبية للمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؛
د – دور المؤسسة العسكرية في إدارة شؤون البلد المضيف و درجة الوعي السياسي لديها و مدى تفهمها لمشاكل التنمية الاقتصادية.

2 – المناخ الثقافي و الاجتماعي:

يشتمل هذا المناخ على مجموعة من العوامل المؤثرة على نشاط المشروع و إمكانية تكامله و مقدار التعاون المطلوب، و يبرز ذلك من خلال:
أ – دور السياسة التعليمية و التدريبية و التكوينية المعتمدة؛
ب – درجة الوعي بعناصر و مقومات التقدم الاقتصادي، و درجة تفهم و تعاون أفراد المجتمع لنشاط الشركات الأجنبية؛
ج – دور الجمعيات و النقابات العمالية في تنظيم و تحسين القوى العاملة ؛
د – درجة الوعي الصحي، و مقدار التأمينات الاجتماعية المتبعة.

3 – المناخ الاقتصادي: ويمكن إجمال أهم العوامل المؤثر في المناخ الاقتصادي ضمن الآتي:
أ – مقدار الموارد الطبيعية المتاحة داخل البلد ؛
ب – مقدار البنية التحتية و مدى صلاحيتها؛
ج – درجة المنافسة المتاحة داخل الدول و القدرة على مواجهة المنافسة الخارجية؛

د – مرونة السياسة المالية و النقدية، و ما تحتويه من تحفيزات ؛
هـ – درجة وضوح و استقرار قوانين الاستثمار و مقدار القيود المفروضة على رأس المال المستثمر؛

و – مدى كفاءة البنوك و قدرتها على توفير المعلومات للمستثمر و معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية، و مدى كفاءة سوق المال داخل الدولة ؛
ز – مدى استقرار السياسات السعرية و معدلات التضخم ؛
ح – درجة الحماية المتبعة داخل الدولة ، من حيث ضمان حقوق المستثمرين في تحويل رأس المال و الأرباح.

ثانيا: مزايا وحوافز الاستثمار في الاقتصاديين محل الدراسة ، الاقتصاد التونسي و الاقتصاد الجزائري :
بغرض تشجيع الاستثمار الوطني و استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ،دأبت الاقتصاديات العربية – و بشكل متسارع – في اعتماد جملة الإجراءات و التدابير الكفيلة بتهيئة مناخ الاستثمار و تقديم مختلف أشكال الحوافز .

و ذلك عن طريق :
• إزالة القيود الضريبية و الجمركية على راس المال المستثمر ؛
• منح رؤوس الأموال المستثمرة والإعفاءات الضريبية الملائمة ؛
• تشجيع المشروعات الأجنبية على إعادة استثمار أربحها في الدول المضيفة ، وذاك بإعفاء ما قد يعاد استثماره منها من الضرائب ؛
• القضاء على الإزدواج الضريبي الدولي الذي قد تتعرض له رؤوس الأموال الأجنبية .

وضمن هذا السياق ،سنتناول أهم الحوافز التي تضمنتها تشريعات الدولتين محل الدراسة وهما تونس ، و الجزائر .

I ـ مزايا وحوافز الاستثمار في تونس :
بغرض تحفيز الاستثمار ودفع المسار التنموي ، اعتمدت تونس خلال السنوات العشرة الأخيرة ، عددا من الإجراءات و التدابير كان من أبرزها إصدار قانون موحد للاستثمار سنة 1993 . و الذي غطى معظم القطاعات بإستثناء أنشطة الخدمات المالية ، والطاقة والمناجم والتجارة الداخلية . وقد اشتمل هذا القانون على العديد من الحوافز حسب عدد من الأولويات ، نذكر منها :
التصدير ، والتنمية الجهوية ، والتنمية الزراعية ، وحماية البيئة ، وتطوير التكنولوجيا ، ومساندة التنمية في ميادين التربية والتعليم العالي، والتكوين المهني ، والصحة ، والثقافة .
و فيما يلي نتناول أهم المزايا و الحوافز المعتمدة :
I ـ1 / الحوافز الممنوحة للتنمية الجهوية : حيث اشتملت على ما يلي

أ ـ الطرح الكلي للمداخيل والأرباح من أساس الضريبة خلال العشر سنوات الأولى، وطرح نسبة 50 % منها خلال العشر سنوات الموالية ؛
ب ـ مساهمة الدولة في تحمل المصاريف الناتجة عن أشغال البنية الأساسية ؛
ج ـ طرح الأرباح و المداخيل التي يقع استثمارها ؛
د ـ تتراوح منحة الاستثمار بين 15 و25 % من تكاليف المشروع حسب موقعه ؛
هـ ـ تتكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للنظام الاجتماعي لمدة خمس سنوات ابتداء من الدخول في طور الإنتاج .

I ـ2/ الحوافز الممنوحة للنهوض بالتصدير : وقد اشتملت على ما يلي :
أ ـ إعفاء التاجر من الرسوم و الضرائب الموظفة على المواد الأولية و المواد النصف مصنعه و الخدمات الضرورية الإنتاج ؛
ب ـ الطرح الكلي للأرباح من الضريبة خلال العشر (10)سنوات الأولى ، ويصبح هذا الطرح 50 % ابتداء من السنة 11 ولمدة غير محددة ؛
ج ـ الإعفاء الكلي للمداخيل والأرباح التي يقع استثمارها من أساس الضريبة ؛
د ـ إمكانية التسويق في تونس 20 % من رقم المعاملات التصدير.

I ـ 3 / الحوافز الممنوحة للتنمية الفلاحية : وتتمثل أساسا فيما يلي :

أ ـ طرح كل المداخيل و الأرباح المتأتية من هذه الاستثمارات من أساس الضريبة خلال العشر (10)سنوات الأولى ابتداء من تاريخ الدخول في طور الإنتاج ؛
ب ـ يستفيد الاستثمار من منحة قدرها 7 % من تكاليف المشروع ؛
ج ـ تتحمل الدولة مصاريف البنية الأساسية بالنسبة للاستثمارات المنجزة لتهيئة مناطق تربية الأسماك و الأحياء المائية ، أو لتهيئة مناطق الري بالمياه الساخنة؛
د ـ منح 8 % لفائدة المشاريع المنجزة بالمناطق ذات الظروف الصعبة .

I ـ4 / الحوافز لمساندة التنمية :

أ ـ الإعفاء من الرسوم الجمركية ومعلوم الاستهلاك و توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة بالنسبة للتجهيزات ؛
ب ـ طرح الأرباح من أساس الضريبة على الدخل في حدود 50 % ؛
ج ـ تخفيض الأداء إلى نسبة 10 % فيما يتعلق بالمداخيل و الأرباح .

I ـ 5 / الحوافز الممنوحة لحماية البيئة :
أ ـالاعفاء الكلي من الرسوم الجمركية، وتوقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة ومعلوم الاستهلاك ؛
للضريبة ؛
ج ـ تخفيض الأداء إلى نسبة 10 % فيما يتعلق بالمداخيل و الأرباح ؛
د ـ منحة استثمار بنسبة 20 % من تكاليف المشروع .

بالإضافة إلى ما سبق عملت الجهات الوصية في تونس على منح العديد من التسهيلات والضمانات للمستثمر الأجنبي، تتلخص أساسا في :

أ – حرية تحويل الأرباح وقيمة بيع الأصول بما في ذلك فائض القيمة ؛
ب ـ حماية حقوق الملكية الصناعية ؛
ج ـ عدم الازدواج الضريبي ؛
د – الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها ؛
هـ- تغطية المخاطر غير التجارية .

إن سلسلة الإجراءات والتدابير المعتمدة في تونس، مكنت من زيادة تدفق حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث قفز من 668 مليون دولار عام 1998 إلى نحو 821 مليون دولار عام 2002 . كما تطورت الاستثمارات العربية في تونس بمعدلات معتبرة، حيث بلغت عام 1995 54.7 مليون دولار فيما وصلت عام 2002 نحو 75 مليون دولار .

لقد مكنت هذه الاستثمارات من إحداث أزيد من 154 مؤسسة برأس مال عربي ، حيث تنقسم إلى 50 مؤسسة مصدرة كليا ، و104 مؤسسة مصدر جزئيا . ويستقطب قطاع السياحة أهم قسط من الاستثمارات بنسبة 68 % ، يليه قطاع الصناعة بنسبة 28 % ، ثم قطاع الفلاحة 6% .

لقد استطاعت هذه الاستثمارات من توفير نحو14612 منصب شغل ، يساهم قطاع السياحة بأوفر قسط فيها . كما تساهم الاستثمارات العربية في تنشيط السوق المالية ، حيث بلغت هذه الاستثمارات في هذا المجال 30.6 مليون دولار عام 1998 .

بالإضافة إلى الدور الهام الذي تقوم به المؤسسات البنكية المشتركة التونسية العربية في تطوير الاستثمارات الأجنبية و العربية بتونس ، عن طريق تشخيص المشاريع وعرضها على المستثمرين العرب والأجانب للإنجاز في شكل شراكة . وتجدر الإشارة هنا إلى أن القطاعات التي يمكن أن تحظى باهتمام المستثمر الأجنبي والعربي ، تعتبر قطاعات واعدة ، تتوزع على الصناعة، والزراعة، والخدمات ، والسياحة .

كما أن انفتاح تونس على محيطها الإقليمي في إطار الشراكة الأورومتوسطية و ارتباطها بعدد من الاتفاقيات التجارية التفاضلية مع الدول المغاربية و العربية ، فضلا على انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة ، قد مكنها من تحقيق مناخ ودي اتجاه المستثمرين الأجانب ، حيث جاء في التقرير الذي أعدته الندوة الاقتصادية العالمية بدافوس (DAVOS) لسنة 1998 حول القدرة التنافسية في إفريقيا، أن تونس تحتل المرتبة الثانية في هذا المجال بعد جزر الموريس باعتبار النمو الاقتصادي ، ومستوى الدخل ومؤهلات الموارد البشرية .

علاوة على هذا ، صنفت تونس كأفضل بلد ، استنادا إلى أربعة وعشرين مؤشرا من مجموع ستة وثمانين تم اعتمادها في التقرير المذكور، تخص أساسا الانفتاح الاقتصادي ومستوى البنية الأساسية و مؤهلات الموارد البشرية بالإضافة إلى الإطار القانوني و المؤسساتي .

و بشهادة المؤسسة الأمريكية The Heritage Foundation صنفت تونس خلال عام 2002 ضمن الدول ذات الاقتصاد الحر شبه الكامل ،حيث رتبت الأولى في إفريقيا ، والسابعة عربيا، و الثامنة والستون عالميا .

و على العموم ، فإن مناخ الاستثمار في تونس يتسم بالجاذبية و الملائمة ، و يبقى على الجهات الوصية العمل على تطويره و تكييفه مع مقتضيات الاستراتيجية التنموية للبلد من جهة ، و تطلعات المستثمرين من جهة أخرى .