الإطار المؤسسى
لنظام التأمين الاجتماعي المصرى
– للتأمين الاجتماعى طابع أمينى مزدوج
– نظام إجبارى ذو مجال قومى
– التأمين الاجتماعى حق دستورى
– الإلتزامات والحقوق مستمدة من القانون

إعــــداد
دكتور سامى نجيب
أستاذ ورئيس قسم الرياضة والتأمين
جامعة القاهرة فرع بنى سويف
خبير التأمين الاستشاري
كبير أخصائيين أول التأمينات الاجتماعية سابقا

فى الفترة من 13-15 أكتوبر 2002م

الموضوع الأول
للتأمين الاجتماعى طابع تأمينى مزدوج
إتفق الفقهاء على حله
(تأمين أس تأمين)

يتميز نظام التأمين الاجتماعى بقدر مضاعف من التضامن الاجتماعى لا يضحى معه باعتبارات العدالة الفردية فى توزيع أعباء التأمين وإنما يهتم بها بالنظر إلى مساهمات المؤمن عليهم، ثم يتجاوز هذا المفهوم الضيق للعدالة فى توزيع الأعباء إلى مفهوم أرحب وأكبر يتفق مع عموميته وإجباريته دون تضحيه بالعدالة التمويلية بين الأفراد وإنما من خلال مصادر تمويل لا يعرفها التأمين الخاص.

إن التحليل المتعمق لكل من طبيعة التأمين الخاص والتجارى وطبيعة التأمين الاجتماعى يكشف لنا عن تحقيق كل منهما لاعتبارات العدالة الفردية وكفاية المزايا معا باعتبار أن كفاية المزايا هدف عام للتأمين التجارى والاجتماعى وأن لنظم التأمين الاجتماعى آثارا غير مباشرة ومصادر تمويل متعددة وغير ذلك مما يوفر العدالة الفردية شأنه فى ذلك شأن التأمين التجارى أو الخاص.

إن التأمين وسيلة أو نظام لتعويض الخسائر المادية وبالتالى فإن فاعليته ترتبط بكفاية ذلك التعويض وكلما كان مبلغ التأمين كافيا لمواجهة الخسائر الناشئة عن تحقق الخطر المؤمن منه كلما أدركنا نجاح التأمين فى تحقيق مبررات نشأته وإزدهاره.

وهكذا فأن الأمر يكتسب أهميته فى تأكيد سمة أساسية للتأمين بفرعية التجارى والاجتماعى مع التعرف على طبيعة كل من هذين الفرعين مما يساهم فى وضع تعريف عام وشامل للتأمين مع تعدد أساليبه المتبعة لعلاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية سواء على مستوى الأسرة أو المشروع أو على المستوى القومى.

وإذا كانت كفاية وتعويضات التأمين هدفا عاما للتأمين فإن دورها يكون أكبر أثرا فى تأمينات الأشخاص سواء فى ذلك التأمين التجارى أو التأمين الاجتماعى فكلاهما يسعى ويهدف إلى كفاية مبالغ التأمين أو تعويضاته وإن كان أمر ذلك متروك فى التأمين التجارى إلى الأفراد ووسطاء التأمين بعكس التأمين الاجتماعى الذى يهتم بحكم إجباريته وقومية مجاله بإجراء البحوث والدراسات القومية للتعرف على مستويات المزايا التى تكفى للوفاء بإحتياجات المؤمن عليهم الذين يمثلون كافة أو أغلب قطاعات المجتمع .

وهكذا فإذا ما إتفقنا على أن التأمين وسيلة للتعويض وأن هذا التعويض يجب أن يكون كافيا للوفاء بالخسارة المادية الناتجة عن الخطر الذى نتعامل معه تأمينيا، فإن علينا أن نبحث فى كيفية قياس مدى كفاية مبالغ أو تعويضات تأمينات الأشخاص حيث يتبين لنا أن المعيار الذى يمكن أن نصل اليه هو ذلك الذى تقيس به نظم التأمين الاجتماعى كفاية مزاياها وهو ذات المعيار المفترض أن يسعى اليه الأفراد ووسطاء التأمين التجارى باعتباره المعيار الملائم لتقدير مدى كفاية مبالغ التأمين.

إن التأمين الخاص أو التجارى وهو يعمل على مستوى فردى أو فئوى وأساسه فى هذا إرادة الفرد أو الفئة يسعى إلى الانتشار وزيادة عدد الوحدات المؤمن عليها، وهو لهذا يهتم بأمرين معا هما : كفاية مزاياه من تعويضات ومبالغ تأمين وعدالة تحمل المؤمن عليهم أعباء أو أقساط التأمين فمن خلال مزاياه يمكنه الوفاء بوظيفته الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الخسائر المادية التى تتحقق فيقتنع المؤمن لهم بأهميته، ومن خلال عدالة توزيع أعبائه يشعرون بأنهم يحصلون من التأمين على مزايا تقابل ما يؤدونه من أقساط .

أما التأمين الاجتماعى فمحوره منذ البداية إرادة المجتمع ومن هنا فمنذ نشأة وانتشار نظم التأمين الاجتماعى كان إهتمامها بكفاية تعويضاتها ومزاياها خاصة بالنسبة لذوى الأعمار المتقدمة أو الدخول المنخفضة أو الأعداد الكبيرة من المعالين .

وتبين لنا الدراسة التحليلية كيف يقوم نظام التأمين الاجتماعى بمراعاة اعتبارات الكفاية الاجتماعية للمزايا إلى جانب العدالة فى توزيع أعباء تلك المزايا بين مصادر التمويل شأن التأمين التجارى. وكيف أصبحت التأمينات الاجتماعية الأسلوب التأمينى الملائم لمواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية على المستوى القومى حيث يكون التأمين هو الأسلوب الأمثل لمواجهة تلك المشاكل فى حين لا تكون لدى التأمين التجارى القدرة على مواجهتها أو يستلزم الأمر تدخل الدولة تشريعيا أو ماليا.

وحتى يتسنى لنا إدراك ماهية التأمين الاجتماعى والفهم الصحيح للتأمين عامة فإننا نتناول بالتحليل وجهات النظر التى حاولت فى إهتمامها بالشكل دون المضمون أن ترى فى سمات التأمين الاجتماعى ما يجعله أقرب لنظم المساعدات العامه منه إلى التأمين … وفى محاولتها هذه لم تدرك أنها لا تنفى عن التأمين الاجتماعى طابعه التأمينى وإنما تؤكد أن هذا الطابع التأمينى مضاعف فالتأمين عامة يقوم على توزيع الأخطار بين المجموع وله بالتالى طابعا إجتماعيا أصيلا يزداد وضوحه وتتعدد صوره وتطبيقاته فى التأمين الاجتماعى مع تعدد مصادره وإمتداده الإجبارى ومجاله القومى العام … ونتناول ذلك على النحو التالى :

أولا : إرتباط المزايا بالإحتياجات لا ينفى عن التأمين الاجتماعى مراعاة العدالة التمويلية:

يرى البعض إفتقاد التأمين الاجتماعى لاعتبارات العدالة الفردية التى تستلزم حصول المؤمن عليهم من نظام التأمين على ما يوازى أموالهم وهو ما يتحدد بحساب التكاليف والمزايا المتوقعة وفقا لكل مجموعة متماثلة من المؤمن عليهم فى حين لا يتحقق ذلك فى التأمين الاجتماعى فتتساوى المزايا لمختلف الأعمار وقد يحصل كبار السن على مزايا أكبر من القيمة الإكتوارية لاشتراكاتهم.

ولنا هنا أن نبين قصور حسابات التكاليف والمزايا المتوقعة فى هذا الشأن على النحو التالى:

1- إقتصار التحليل على المزايا النقدية المباشرة :
إهتمت الآراء التى أثيرت بالتعويضات أو المزايا النقدية للتأمين دون البحث فى الدور غير المادى للتأمين المتمثل فى تخفيض حالة عدم التأكد، وهو قصورواضح ففى كافة أنواع التأمين تكون المزايا النقدية المتوقعة بالنسبة لبعض المؤمن عليهم سلبية.

ومن هنا فيجب مراعاة أن قدرا من أعباء نظام التأمين الاجتماعى يوجه إلى المزايا المتوقعة للتحسين فى الأمان الاقتصادى الذى يوفره التأمين الاجتماعى للأفراد وللآباء المسنين كما أن انتشار هذا النظام يقلل من عدد الأفراد الذين يلجأون إلى نظم المساعدات الاجتماعية الممولة من الضرائب العامة وبالتالى فهو يقلل من ضرائب الدخل التى يؤديها ذوى الدخول المتوسط والعالية، بذلك فإنه يتعين أن تشمل حسابات التكاليف والمزايا المتوقعة للتأمينات الاجتماعية ما يقابل تلك المزايا المباشرة وغير المباشرة خاصة إذا ما إستخلص بعض المحللون أن العمال فى نظام التأمينات الاجتماعية هم المتحملون النهائيون للاشتراكات سواء فى ذلك حصتهم أو حصة أصحاب الأعمال.

وبمراعاة تلك الاعتبارات يمكن أن نقرر أن حسابات القيمة المتوقعة للمزايا والتكاليف بالطريقة التقليدية لا يعنى تلقائيا غياب العدالة التى يدافعون عنها حتى ولو أوضحت تلك الحسابات أن أعباء بعض الفئات أكبر من المزايا المقابلة .. ذلك أن التحليل النهائى يكشف حصول كل مؤمن على قيمة أمواله من نظام التأمين الاجتماعى.

2- القيمة المتوقعة على المستوى الفردى قيمة إحتمالية نظرية:
إن تعبير القيمة المتوقعة على المستوى الفردى يعتبر تطويرا لفكرة التحديد العلمى للعدالة الفردية فى نظم التأمين، وفى الواقع فإن العدالة الفردية لا يمكن أن تكون أمرا مطلقا إلا حيث يكون هناك تجانس بين الوحدات المؤمن عليها وتماثل فى ظروف تعرضها للخطر وأن تقع الخسائر بأسلوب عشوائى كامل وإذا ما إفترضنا توافر ذلك (وهو غير متصور عمليا) فإن قياس القيمة المتوقعة تأمينيا لا يمكن إلا حيث يتوافر عددا كبير من الوحدات المؤمن عليها .

ومن هنا فنظرا لعدم التجانس فإن تساو المزايا والتكاليف المتوقعة بالنسبة لفرد معين لا يمكن تحقيقة على الإطلاق بحكم طبيعة الأمور وبالتالى فإن مبدأ العدالة الفردية يرتبط بشروط غير عملية … وإدراك ذلك يسير إذا ما أدركنا أن التأمين يقوم على فكرة التضامن فى تحمل الخسائر .

وفضلا عن ذلك فطالما أن السمات الشخصية كالحالة الاجتماعية وعدد المعالين وتدرج مستوى الدخل لا يمكن معرفتها إلا إفتراضا فانها لا تصلح كعوامل للتقسيم إلى مجموعات بغرض تقدير العدالة الفردية.

ثانيا : للتأمين الاجتماعى مصادر تمويل متعددة لا تقتصر على المؤمن عليهم وتراعى اعتبارات العدالة فى مساهمة كل منها :

تبرز الآراء محل المناقشة إتجاه التأمين الاجتماعى إلى توفير مزايا لفئات من المؤمن عليهم لم تساهم فى تمويل تلك المزايا بالقدر الذى يتناسب معها كذوى الأجور المنخفضة والأعمار المتقدمة ومدد الاشتراكات القصيرة … الخ وهو ما يعنى إهتمام التأمين الاجتماعى باعتبارات الكفاية الاجتماعية دون اعتبارات العدالة الفردية التى تستلزم تناسب المزايا مع تكاليفها على المستوى الفردى، ويتناسى الباحثون هنا أن للتأمين الاجتماعى مجاله القومى الإجبارى الذى يعرض أسلوبا متميزا لتمويل نفقاته يختلف عن ذلك الذى يتبع فى التأمين التجارى …

فإذا كان المؤمن عليهم هم المصدر الوحيد لتمويل نفقات مزايا التأمين التجارى فهناك العديد من المصادر الأخرى التى تشترك معهم فى تمويل نفقات التأمين الاجتماعى والتى يكون اشتراكها لتمويل المزايا لذوى الأجور المنخفضة والأعمار المتقدمة وغيرهم .

إن العدالة فى توزيع أية أعباء من الأمور المفترضة فى أى نظام سواء فى ذلك نظام التأمين بأنواعه أو أى نظام مالى أو اقتصادى آخر ولا تخرج عن ذلك نظم التأمين الاجتماعى وللباحث هنا حتى يدرك جوهر الأمر وحقيقته أن يعود إلى نشأة نظام التأمين الاجتماعى وتطوره ثم يتعرف على المبادئ الدولية التى تحكم توزيع نفقات التأمينات الاجتماعية بين مصادر التمويل .

أما عن نشأة التأمينات الاجتماعية فيتعين هنا أن نعود إلى أوائل القرن التاسع عشر حيث بداية الثورة الصناعية فى أوروبا وظهور “الطبقة العاملة” كطبقة كبيرة تعتمد فى معيشتها كل الإعتماد على أجورها وتعانى الكثير من توقف أو إنقطاع الأجر فى حالات التعطل والمرض وإصابات العمل وكبر السن، وقد سبق أن إستنبطت فى الفترة التى إنتهت فى حوالى سنة 1880 ثلاث وسائل لحماية الطبقة العاملة فى المدن من العوز، وهى المدخرات الصغيرة ومسئولية أصحاب الأعمال وصور شتى من التأمين الخاص.

وقد لمست بعض الحكومات الأوروبية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر أن جمعيات المعونات المشتركة التى يديرها العمال أنفسهم لا تستطيع أن تقوم بالـتأمين ضد الشيخوخة أو ضد الوفاة تأمينا يدعوا إلى الإطمئنان ولم يتمكن أبدا المشروع التجارى للتأمين على الحياة والفروع المتعلقة به من أن يحقق إحتياجات المؤمن عليهم.

ومن هنا تأكد أمام عدة دول أوروبية فى أواخر القرن التاسع عشر عدم قدرة العمال العاديين على ضمان معيشتهم بعد فقد دخلهم من العمل أو أثناء توقفه فقررت أن تنفق من الأموال العامة على إعانات للاقتصاد الإختيارى، فأعانت الدانمرك وسويسرا جمعيات المعونة المشتركة لحالات المرض، وقدمت الدانمرك والسويد إعانات كبيرة للنقابات لتنفيذ تأمين إختيارى ضد البطالة

وأخيرا كان إنشاء الحكومة الألمانية فيما بين سنتى 1883 و1889، وبتوجيه من بسمارك، أول نظام للتأمين الاجتماعى – ظل الوحيد فى ميدانه قرابة ثلاثين عاما- على مراحل ثلاث : التأمين ضد المرض فى سنة 1883 والتأمين ضد الإصابة الناشئة عن العمل فى سنة 1884 والتأمين ضد عدم اللياقة للخدمة وضد الشيخوخة فى سنة 1889 وكل منها نفذ تنفيذا إجباريا على العمال الصناعيين .. وقد أسند إلى صناديق المعونة المشتركة القائمة إدارة التأمين ضد المرض وإلى جمعيات أصحاب الأعمال الحرفية إدارة التأمين ضد الإصابة أثناء العمل وتم تكليف الأقاليم بإدارة تأمين المعاش.

وتحمل طريقة التأمين الاجتماعى، كما إستنبطت ألمانيا، سمات كل من الوسائل الأقدم منها عهدا فاشتراك العامل فى صندوق المعونة المشتركة وقسط صاحب العمل لشركة التأمين ضد الحوادث وإعانة الدولة للاقتصاد الإختبارى، كل له موضعه فى تمويل النظام الألمانى، ثم أن المعاش المترتب على عدم اللياقة يشتمل على جزء أساسى هو بمثابة تأمين بمعنى الكلمة، ويمنح لكل من يستوفى الشروط المؤهلة للمعاش كما يشتمل على جزء يتناسب فيه المعاش مع الاشتراكات ..

وتلعب جمعيات المعونة المشتركة دورها ومعنى هذا أن الفئات التى كان من المحتمل أن تصبح من المستحقين للمساعدات قد إمتد اليها نظام التأمين الاجتماعى، على أنه لم يكن من الممكن أن يوسع نطاق هذه الحالات حتى تشمل ذوى الحدود الدنيا من الأجور إلا بفضل إدخال مصادر إيراد إضافية تبلغ ضعف أو ثلاثة أمثال اشتراكات العمال.

وسرعان ما حذت النمسا حذو ألمانيا، ثم سارت فى أعقابها بعد ثلاثين أو أربعين عاما المملكة المتحدة وأوروبا الاتحاد السوفيتى واليابان، ثم إنتشر التأمين الاجتماعى بعد الكساد العظيم الذى حدث فى العقد الرابع إلى أمريكا اللاتينية بل إلى الولايات المتحدة وكندا، أما فى أقاليم أسيا فقد تراخى التأمين الاجتماعى ريثما يتحقق لها الإستقلال القومى.

أما عن المبادئ الدولية فإن هناك العديد من الإتفاقيات والتوصيات الدولية التى تقرر أهمية تحقيق العدالة فى توزيع نفقات مزاياه بين مصادر التمويل المختلفة وبحيث لا تتعدى اشتراكات المؤمن عليهم القيمة الحالية للمزايا بأى حال من الأحوال بل أن هناك من المبادئ الخاصة بتمويل التأمين الاجتماعى ما يهتم صراحة بتحمل أعباء ذوى الأجور المنخفضة والأعمار المتقدمة وغيرهم لمصادر تمويل أخرى غير المؤمن عليهم ونبين ذلك فيما يلى :

1- من المبادئ الدولية لتمويل التأمين الاجتماعى : عدم تحمل المؤمن عليهم بأعباء تزيد عن القيمة الحالية للمزايا بإستثناء مزايا تأمين إصابات العمل التى يتحملها صاحب العمل بالكامل، وقد إهتمت بذلك العديد من الإتفاقات والتوصيات الصادرة عن مؤتمرات العمل الدولية والتى تشكل المبادئ الدولية فى مجال تحديد مصادر نظم التأمين الاجتماعى وتوزيع نفقات مزاياها .

2- هناك مصادر لتمويل مزايا الأجور المنخفضة والأعمار المتقدمة عدا اشتراكات المؤمن عليهم فقد جاء بمقترحات تطبيق توصية ضمان الدخل (التوصية 67) أن على أصحاب المساهمة بما لا يقل عن نصف النفقات الكلية للمزايا المستحقة للعاملين، باستثناء نفقات تأمين إصابات العمل، خاصة بالنسبة لذوى الأجور المنخفضة.

وقد إهتمت كل من إتفاقيات وتوصيات التأمين الصحى الاجتماعى وتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بتحمل أصحاب الأعمال باشتراكات المؤمن عليهم الذين لا تجاوز دخولهم الحد الأدنى للمعيشة.

وفى مجال تحديد أوجه المساهمة العامة للدولة فى تمويل نفاقات التأمين الاجتماعى نصت الإتفاقات والتوصيات على تحمل الدولة للأعباء المالية التى يفترض تغطيتها من الاشتراكات ومن بينها العجز فى الاشتراكات نتيجة لإمتداد التأمين للمتقدمين فى الأعمار والأعباء المترتبة على توفير حد أدنى من المزايا فى حالات العجز والوفاة والمرض والأمومة.

ثالثا: للتأمين الاجتماعى بحكم مجاله وإجباريته مزاياه المادية غير المباشرة وأسلوبه المتميز فى تكوين الأموال اللازمة لمواجهة نفقاته:

أوضحنا فى البند السابق كيف تتعدد مصادر تمويل التأمينات الاجتماعية التى تشترك إلى جانب المؤمن عليهم فى تحمل نفقات هذه المزايا بل ويكون من مبررات اشتراكها تحمل نفقات مزايا ذوى الأجور المنخفضة والأعمار المتقدمة وضمان الحدود الدنيا للمزايا بوجه عام وهى أمور تفصح عنها تسمية تكاليف التأمينات الاجتماعية بالاشتراكات بعكس الأمر فى التأمين التجارى الذى يتحمل المؤمن عليهم أو المؤمن لهم بكافة تكاليف المزايا فى صورة أقساط.

ومن ناحية أخرى فاننا نضيف هنا الاعتبارين التاليين :

1- أن للتأمين الاجتماعى مزاياه النقدية غير المباشرة التى يحققها بحكم إجباريته وعموميته لقطاعات عريضة من المجتمع ونعنى بذلك تخفيض التزامات المؤمن عليهم صغار السن تجاه آبائهم والضمان الاقتصادى للعائلات وفضلا عن ذلك فانه بقليل من التحليل يمكن القول بأنه لولا انتشار نظم التأمين الاجتماعى وتطورها لتزايدت الضرائب المباشرة وغير المباشرة التى يتحملها ذوى الأجور المتوسطة والمرتفعة.

2- للتأمينات الاجتماعية أسلوبها المتميز فى تكوين الأموال اللازمة لمواجهة مزاياها:
يعيب بعض المحللون على التأمين الاجتماعى عدم قيامه بتكوين الإحتياطيات التى تكفى لمواجهة التزاماته على النحو المتبع بالتأمين التجارى فيما يسمى بالتمويل الكامل ..

وفى حقيقة الأمر فان أسلوب التمويل الكامل قد إتبع بكافة نظم التأمينات الاجتماعية المتقدمة فى مرحلة من مراحل التطور حيث تبينت عيوبه العديدة وعدم ملاءمته لنظم التأمين الإجبارية ذات المجال القومى – عكس التأمين الخاص والتجارى ذو المجال الفردى أو الفئوى الإختيارى – فتم العدول عنه إلى أساليب التمويل الجزئى والموازنة وهى أساليب تقوم على أسس علمية متفق عليها وتضمن وفاء نظم التأمين الاجتماعى بالتزاماتها.

وفضلا عن ذلك فان تكوين إحتياطيات التأمين الاجتماعى وفقا لأساليب التمويل الجزئى والموازنة المتبعة بالنظم الحديثة والمتقدمة إنما يحقق تداخلا محمودا بين الأجيال يتيح إمكانية تحقيق العدالة بالنسبة لكافة العمال حتى لو راعينا أن اشتراكات أصحاب الأعمال جزء من الأعباء التى يتحملها المؤمن عليهم .

رابعا: التأمين الاجتماعى أسلوب تأمينى لعلاج مشاكل اقتصادية أو إجتماعية قومية :

إن التأمين الاجتماعى يعتبر فرعا من فروع التأمين أما طبيعته وأهدافه فتتلازم مع مبرراته، وكما يعبر البعض فان التأمين الاجتماعى “نوعا من التأمين الحكومى وهو عادة ذو طبيعة إجبارية ويهدف إلى أداء مزايا تأمينية لمن ينقطع دخلهم نتيجة لأحد المشاكل أو الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو لمن يواجه بخسائر شخصية بسبب تلك الظروف ..

إن التأمين الاجتماعى خطة تقرر عندما توجد مشكلة إجتماعية تستلزم إجراءا قوميا لحلها ويكون التأمين هو الأسلوب المناسب لذلك (كمشاكل التعطل والأمراض العقلية والعجز وإعالة المسنين وإصابات العمل والطلاق) فاذا كان الخطر إحتماليا ويمكن التنبؤ به كان التأمين هو الحل الملائم له ويكون على الحكومات إدارة أو تمويل خطة التأمين حيث لا يكون لدى التأمين التجارى القدرة المالية على ذلك ومن هنا يكون التأمين الاجتماعى.”

وهكذا فإن مبرر نظام التأمين الاجتماعى أن بعض أعمال التأمين لا يمكن أن تتم من خلال التأمين الخاص (التجارى) دون معاونة الدولة وهذا يتعلق عادة بالمشاكل الاجتماعية أو الاقتصادية ذات المجال القومى أو حيث يكون للحدث طبيعة الكوارث (كالبطالة) والتى تستلزم لقيام التأمين بالتعامل معها إجراءا قانونيا أو تدعيما ماليا وتقرير إجبارية النظام وشموله.

على أنه نظرا للطابع الإختيارى للتأمين التجارى فإن كفاية مبالغه ترتبط بالوعى التأمينى للمؤمن عليه وقدرته المالية من ناحية وعلى قدرة وكفاءة مندوبو ووكلاء التأمين من ناحية أخرى أما فى نظم التأمين الاجتماعى فإن طبيعتها الإجبارية تيسر تحقيق الكفاية بإجراء تشريعى .. ومع انتشار تلك النظم وإمتدادها لقطاعات عريضة من المجتمع بل وللمجتمع ككل تزايد إهتمامها بفاعليتها وبالتالى بأهمية كفاية تعويضاتها خاصة بالنسبة لذوى الأعمار المتقدمة عند بدء التأمين وذوى الأعداد الكبيرة من المعالين.

ومن هنا ورغم أن كفاية مزايا التأمين تعتبر من أهدافه العامة فقد رأى بعض أساتذة التأمين والاقتصاد أن ما تتجه اليه نظم التأمين الاجتماعى فى هذا الشأن يتعارض مع العدالة الفردية التى يجب أن يتسم بها التأمين، وإنتهوا إلى أن الكفاية والعدالة الفردية لا يلتقيان إلا فى نظم التأمين التجارى حيث يمكن لكل فرد أن يحصل على قيمة أمواله إذ تتساوى القيمة المتوقعة للمزايا مع القيمة المتوقعة للأعباء أما فى التأمين الاجتماعى فتتم التضحية بالعدالة الفردية فى سبيل الكفاية الاجتماعية …

ويستفاد من الدراسة أن النتائج السابقة لا تتميز بالعمق اللازم للبحث العلمى فعلى صعيد التأمين التجارى فإن المقارنة تقتصر على المزايا النقدية المباشرة وتتناسى وظيفة التأمين فى مجال تخفيض حالة التأكد ومن ناحية أخرى فهى تتناسى أن العدالة الفردية لا تتحقق عمليا بالصورة التى تستخدم لقياسها، وعلى صعيد التأمين الاجتماعى فإن التحليل السابق يتناسى تعدد مصادر تمويل نفقات التأمين الاجتماعى فإلى جانب المؤمن عليهم فان أصحاب الأعمال والمجتمع ككل يساهمون أيضا فى التمويل، ومن ناحية ثالثة فان للتأمين الاجتماعى أساليبه الخاصة فى تكوين الأموال اللازمة لمواجهة نفقات المزايا والتى تختلف عن أسلوب تراكم الأموال المتبع فى التأمين التجارى والذى يسمح بمقارنة المزايا بالأقساط المتوقعة على مستوى كل فرد.

وهكذا فإن الكفاية والعدالة تتحققان معا خلال نظام التأمين الاجتماعى شأنه فى ذلك شأن التأمين التجارى فكلاهما نظام تأمينى وإن كان لكل منها طبيعته ووسائله الخاصة بمعنى أن المقارنة الصحيحة بين نوعى التأمين يجب أن تتم بمراعاة إختلاف مجال كل منهما فالتأمين التجارى يعالج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية على المستوى العائلى فى حين يعالجها نظام التأمين الاجتماعى على المستوى القومى حيث يكون التأمين هو الأسلوب المناسب لحلها ولكن يلزم تدخل حكومى أو تشريعى باصدار قانون يفرض الإلتزام أو بتدعيم مالى وتوفير المنظمات الإدارية.

وإذا كان لنا أن نبحث فى طبيعة وأسلوب كل من فرعى التأمين للتعرف على أساس إختلاف مفهوم الكفاية والعدالة بينهما فإن لنا أن نستعيد فى أذهاننا مجال كل منهما فالتأمين الاجتماعى مجاله المجتمع ككل أو قطاعا عريضا منه وبالتالى فان محوره هو القانون والإجبار ومن شأن إمتداده لكافة الفئات أن يحقق مزايا غير مباشرة لذوى الدخول المرتفعة إذ تقل أعباءها تجاه المعالين والمسنين والعجزه وذوى الدخول المنخفضة، وهو نموذج لوثيقة تأمين موحدة يلتزم بها المؤمن عليهم وتحقق لهم مزايا مباشرة، وغير مباشرة .. أما التأمين الخاص فمجاله الأسرة أو المشروع وبالتالى فإن محوره الإرادة الحرة ومزاياه إتفاقية مستمدة من التعاقد الحر بإختيار مدى التغطية ومستوى المزايا التى تتيحها وثائقه المتعددة والمتنوعة.

وتأسيسا على عمومية مجال التأمين الاجتماعى وإجباريته فإن وثيقته الموحدة تحاول أن تحقق كفاية التأمين ثم توفق بين اعتبارات الكفاية واعتبارات العدالة الفردية بمراعاة الآثار الناشئة عن التأمين لمختلف أو غالب قطاعات المجتمع فإذا تعارضت بعد ذلك اعتبارات الكفاية الاجتماعية مع اعتبارات العدالة الفردية جاء دور المساهمة العامة وغيرها من مصادر التمويل (عدا المؤمن عليهم) فى إعادة التوازن بين الكفاية والعدالة .

خامساًً: إتفاق الرأى على حل التأمين الاجتماعى:
عندما صدر قانون تطوير الأزهر رقم 103 لسنة 1961- تم إنشاء مجمع البحوث الإسلامية – الذى حل محل جماعة كبار العلماء – الذى قام ببحث موضوع التأمين فى مؤتمره الثانى المنعقد عام 1965 وصدر القرار التالى:

1- التأمين الذى تقوم به جمعيات تعاونية يشترك فيها جميع المستأمنين لتؤدى لأعضائها ما يحتاجون اليه من معونات وخدمات – أمر مشروع، وهو من التعاون على البر.

2- نظام المعاش الحكومى ونظام التأمينات الاجتماعية من الأعمال الجائزة .

3- الإستمرار فى دراسة أنواع التأمينات الأخرى.

الموضوع الثانى
نظام إجبارى ذو مجال قومى
محوره إرادة المجتمع

التأمين الاجتماعى نظام إجبارى يحدد القانون مزاياه ومصادر تمويلها ويقررا أحكاما لحالات وشروط الإستحقاق ويبين مجال التطبيق رأسيا (أنواع ومستوى المزايا) وأفقيا (فئات المؤمن عليهم) حيث يمتد تدريجيا لمختلف فئات القوى العاملة ويتصف عندئذ بالقومية والعمومية فضلا عن الإجبارية.
وهكذا يعرف البعض التأمين الاجتماعى بأنه “نظام تقوم بمقتضاه الحكومة أو وكيل عنها بأداء مزايا حال تحقق أحد الأخطار التى يتعرض لها الأشخاص عموما (كالشيخوخة والمرض وإصابات العمل والوفاة والتعطل). وتمول المزايا أو جزء منها من اشتراكات يتحملها المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال وغالبا ما تكون عضوية النظام إجبارية.
ويعرف قاموس تأمين أمريكى التأمين الاجتماعى بانه “تدبيـر لتجميع الأخطار بتحويلها لهيئة، عادة حكومية ، تلتزم قانونا بتقديم مزايا نقدية أو خدمات إلى أو لحساب المؤمن عليهم حال وقوع خسائر معينة مسبقا وذلك بمراعاة الشروط التالية:
1- الحماية إجبارية فى جميع الحالات ووفقا لقانون.
2- فيما عدا الفترة الأولى لسريان التأمين فان إستحقاق المزايا يرتبط بالاشتراكات التى تؤدى للنظام (بمعرفة أو لحساب المؤمن عليهم والمستحقين عنهم) وذلك كحق دون أى إختبار للدخل.
3- يبين القانون طريقة تحديد المزايا.
4- لا يشترط أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المزايا المستحقة وحصة المؤمن عليه فى الاشتراكات إذ يعاد توزيع الدخل الإجمالى بما يوفر مزايا تأمينية مناسبة لذوى الأجور المنخفضة والأعداد الكبيرة من المعالين.
5- هناك خطة معينة لتمويل المزايا تحدد بحيث تكفى على المدى الطويل.
6- تمول النفقات أساسا من اشتراكات يتحملها عادة المؤمن عليهم أو أصحاب الأعمال أو كليهما.
7- تتولى الحكومة إدارة النظام أو على الأقل تشرف عليه.
والمفهوم السابق للتأمين الاجتماعى هو الذى أقرته لجنة التعريف التأمينية بالمنظمة الأمريكية للخطر والتأمين.
ولقد أصبح التأمين الاجتماعى نظام تأمين مقبول عالميا كتدبير شامل لمواجهة مختلف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ووفقا للوضع فى سنة 1995 فان هناك 133 – دولة بها نوعا أو أكثر من أنواع التأمينات الاجتماعية وهو أكثر من ضعف العدد سنة 1940 (57 دولة فقط)، وينتشر تأمين إصابات العمل بكافة هذه الدول كما تزايدت تأمينات الشيخوخة والعجز والوفاة فى ذات الفترة بحوالى 380% (فى 124 دولة فى عام 1992 مقابل 33 دولة عام 1940).
ولعل التطور السريع فى مجال أنواع التأمينات الاجتماعية كان أسرع من أن يلاحقه الكتاب المتمرسون فى التأمين ومقوماته ومبادئه فلم يطوروا كتاباتهم بما يستوعب هذا التطور السريع أفقيا ورأسيا فى التأمينات الاجتماعية فقادهم ذلك إلى كثير من المفارقات والمغالطات التى لا تستند إلى الفهم الصحيح لمجال التأمين الاجتماعى ومحوره والذى يختلف عن مجال ومحور التأمين الخاص ولكنه وفى ذات الوقت لا يحول دون إنتسابهم لأصل واحد مشترك.
إن مجال التأمين الاجتماعى هو المجتمع ككل أو قطاعا عريضا منه، أما مجال التأمين التجارى فهو أضيق بكثير فأساسه الأسرة أو المشروع وبالتالى فان محوره هو التعاقد والإرادة الفردية ومزاياه تقتصر على تلك المقرره بالعقد بعكس التأمين الاجتماعى فان السمة الأساسية له هو الإجبار وهو أمر طبيعى طالما تتقرر التأمينات الاجتماعية لمواجهة مشاكل اجتماعية لها صفة العمومية وتستلزم بالتالى إجبار الجميع على الإلتزام بها.
ومن هنا يحدد القانون الصادر بنظام التأمين الاجتماعى المشمولين بأحكامه وتدير هذا النظام إحدى الهيئات الحكومية أو على الأقل تشرف على تطبيقه إشرافا مباشرا ونظرا لكونه نظاما إجباريا ذو مجال عام يتعين معه إفتراض إستمراره وإمتداده للأجيال الجديدة ممن يسرى فى شأنهم بقوة القانون، فقد إتجه الإكتواريون إلى الإهتمام بموارد النظام والتزاماته ليس فقط بالنظر لمجموعة محدودة من المؤمن عليهم شأن الوضع بالنسبة للتأمين التجارى ولكن أيضا بالنسبة لفئات المؤمن عليهم المتوقع شموله لهم فى المستقبل.
وهكذا فرغم إهتمام كل من نظم التأمين التجارى ونظم التأمين الاجتماعى بالتحقق من كفاية أموالها لمواجهة التزاماتها، شأنهما فى ذلك شأن أى نظام آخر ، فإن نظام التأمين التجارى يتبع فى هذا المجال ما يسمى بالتمويل الكامل وهو ما يجب أن يتبعه بحكم نشأته وإتفاقا مع الإنضمام التعاقدى الإختيارى. أما نظام التأمين الاجتماعى فيتبع فى هذا المجال أما أحد أساليب التمويل الجزئى أو أسلوب الموازنة وهو ما يجب أن يتبعه بحكم نشأته وإتفاقا مع الإنضمام القانونى الإجبارى.
ومن ناحية أخرى فاذا كانت الأقساط هى المصدر الرئيسى لتمويل التزامات المؤمن فى التأمين التجارى فان تمويل مزايا التأمين الاجتماعى يعتمد أساسا على الاشتراكات التى سميت بهذا المسمى لأن من المعتاد اشتراك أكثر من مصدر فى أدائها فإلى جانب العامل المؤمن عليه هناك صاحب العمل الذى يشترك فى التمويل لمصلحة العامل وهناك أيضا الدولة كممثلة للمجتمع ككل وهو أمر طبيعى باعتبار أن المشكلة الاقتصادية التى يهتم التأمين الاجتماعى بحلها وإن كان مجالها هو المؤمن عليهم فان لها صفة العمومية وفى حلها مصلحة عامة لأصحاب الأعمال بل وللمجتمع ذاته.
وفى ضؤ ذلك فقد رأينا كيف أن فكرة التضامن والتعاون بين جماعة المؤمن عليهم المعرضين للخطر والتى تفترض مشاركة من لا يتحقق الخطر بالنسبة لهم فى تعويض خسائر الأقلية سيئة الحظ التى يتحقق الخطر بالنسبة لها، تأخذ مفهوما مزدوجا فى التأمين الاجتماعى، لعموميته وإجباريته وبالتالى للمصالح العامة التى تعود على الجميع من قيامه وانتشاره فلا تقتصر تلك الفكرة على تلك الصور الشائعة فى التأمين التجارى بل تمتد إلى حالات لا تؤدى فيها فئات من المؤمن عليهم كامل تكلفة المزايا التى يحصلون عليها ويغطى الفرق من خلال الموارد العامة للدولة أى من مجموع الشعب أو من أصحاب الأعمال أى من المشروعات أو من أكثر من مصدر من هذه المصادر.
وتأسيسا على عمومية التأمين الاجتماعى وإجباربته فان وثيقته الموحدة تهتم بتحقيق اعتبارات الكفاية الاجتماعية (دون تضحيه باعتبارات العدالة الفردية) بمراعاة الآثار الناشئة عن عمومية التأمين لمختلف قطاعات المجتمع أو القطاعات العريضه منه (وهذا أمر طبيعى فكلما إتسع مجال أى نظام كلما تداخلت فى إدارته الاعتبارات العامة وكلما إرتبط التطبيق بالاعتبارات المتعلقة بالمجتمع ككل).
وإذا كان على الفرد أن يحدد مبالغ التأمين لوثيقة التأمين التجارى عند المستوى الذى يكفى للوفاء بالهدف من التأمين وهو التعويض الكاف فى تحديد مزايا هذا النظام عند القدر المشترك من الحماية التأمينية الضرورية والذى يعتبر كافيا للوفاء بالإحتياجات الأساسية ولا يستلزم ذلك أن تكون المزايا التأمينية موحدة ففكرة العدالة هنا تقتضى تناسبها بإختلاف الدخول أو مدد الاشتراك وهو السائد فى نظم التأمين الاجتماعى.
ووفقا للنظام المصرى وفى ضوء إجبارية نظام التأمين الاجتماعى فإنه يمتد لجميع المجتمع من خلال خمسة قوانين للتأمين الاجتماعى : القانون 79 لسنة 1975 للعاملين بأجر لدى الغير والقانون 108 لسنة 1976 لأصحاب الأعمال ومن فى حكمهم والقانون 90 لسنة 1975 للقوات المسلحة والقانون 50 لسنة 1978 العاملين بعقود شخصية فى الخارج والقانون 112 لسنة 1980 لباقى فئات القوى العاملة التى لا تخضع لأى قانون آخر.
ونشير هنا إلى أن التأمين الاجتماعى نظاما قوميا فلا ننسى أنه أيضا نظاما عالميا يسرى فى مختلف الدول وإن إختلفت أحكامه من دولة لأخرى ولكن الأخطار واحدة والفكرة واحدة والمبادئ واحدة وأحيانا يسمى الضمان الاجتماعى ومع ذلك ينظر إليه أيضا باعتباره نظام اقتصادى يضمن استمرار الدخل ويتيح أموالا طائلة للاستثمار.

الموضوع الثالث
التأمين الاجتماعى
حق دستورى

لبيان ذلك نشير هنا إلى قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية إحدى مواد قانون التأمين الاجتماعى (م40) والتى تنص على عدم الجمع بين المعاش المبكر والأجر من عمل جديد بعد المدة التى استحق عنها المعاش :

أولاً: حيث يكون العمل الجديد بجهة ذات نظام بديل لقانون التأمين الاجتماعى للعاملين:

قضت المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 14 يناير سنة 1995 الموافق 13 شعبان 1415 هـ فى القضية المقيدة بجدولها برقم16 لسنة15 قضائية “دستور”.- نشر الحكم بالعدد 6 من الجريدة الرسمية الصادر فى 9 فبراير سنة 1995 – والمقامة أمامها من بعض العاملين بعد أن تركوا الخدمة بالجهات التى كانوا يعملون بها واستحقوا المعاش المبكر وفقا للقانون، عينوا بشركة الاتحاد العربى للنقل البحرى ” فامكو” واستمروا يجمعون بين معاشاتهم هذه، وأجورهم عن عملهم الجديد بالشركة، إلى أن تقرر حرمانهم من معاشاتهم وذلك بوقف صرفها ومطالبتهم برد ما سبق أن دفع لهم منها، إعمالا لنص المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بعد تعديلها بالقانونين رقمى 93 لسنة 1980، 107 لسنة 1987والذى ينص على عدم جواز الجمع بين المعاش والأجر فى الحدود التى بينتها المادة مما ،يقيم تمييزا يناقض مبدأ المساواة أمام القانون بين المخاطبين بها من ناحية، والمعاملين بأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 من ناحية أخرى.

وقد ذهبت هيئة قضايا الدولة إلى أن النزاع الموضوعى ينحصر فى أحقية المدعين فى الجمع بين معاشاتهم عن مدد خدمتهم السابقة، وأجورهم التى يتقاضونها من شركة الإتحاد العربى للنقل البحرى، وهى إحدى الجهات التى خرجت من مجال تطبيق قانون التأمين الاجتماعى، لوجود نظام بديل مقرر وفقا للقانون .

وحيث إن البين من الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى أنها تقضى بما يأتى “إذا عاد صاحب المعاش إلى عمل يخضعه لأحكام هذا التأمين أو لإحدى الجهات التى خرجت من مجال تطبيق هذا القانون لوجود نظام بديل مقرر وفقا لقانون، يوقف صرف معاشه اعتبارا من أول الشهر التالى، وذلك حتى تاريخ إنتهاء خدمته بالجهات المشار إليها، أو بلوغه السن المنصوص عليها بالبند 1 من المادة 18 أيهما أسبق”.

كما تنص فقرتها الثانية على أنه “إذا كان الأجر الذى سوى عليه المعاش أو مجموع ما كان يتقاضاه من أجر فى نهاية مدة خدمته السابقة أيهما أكبر، يجاوز الأجر المستحق له عن العمل المعاد إليه، يؤدى إليه من المعاش الفرق بينهما، على أن يخفض الجزء الذى يصرف من المعاش المقرر بمقدار ما يحصل عليه من زيادات فى أجره”.

وقد بينت المحكمة الآتى :
1- حيث إن البين من أحكام الدستور – بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض فى إطار الوحدة العضوية التى تجمعها، وتصون ترابطها – أنه فى مجال حق العمل والتأمين الاجتماعى، كفل الدستور – بنص مادته الثالثة عشر – أمرين :

أولهما: أن العمل ليس ترفا يمكن النزول عنه. ولا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون منها، ولا هو إكراه للعامل على عمل لا يقبل عليه باختياره، أو يقع التمييز فيه بينه وبين غيره من المواطنين لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل وغير ذلك من شروطه الموضوعية. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 13 من الدستور تنظم العمل بوصفه حقا لكل مواطن لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، وواجبا يلتزم بمسئوليته والنهوض بتبعاته، وشرفا يرنو إليه.

وهو باعتباره كذلك، ولأهميته فى تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولصلته الوثيقة بالحق فى التنمية بمختلف جوانبها، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته، ولحرياته الأساسية، وكذلك لإعمال ما يتكامل معها من الحقوق، توليه الدولة اهتمامها، وتزيل العوائق من طريقه وفقا لإمكاناتها، وبوجه خاص إذا امتاز العامل فى أدائه وقام بتطويره .

ولا يجوز بالتالى أن يتدخل المشرع ليعطل حق العمل، ولا أن يتذرع إعتسافا بضرورة صون أخلاق العامل أو سلامته أو صحته، للتعديل فى شروط العمل، بل يتعين أن يكون تنظيم هذا الحق غير مناقض لجوهره، وفى الحدود التى يكون فيها هذا التنظيم منصفا ومبررا.

ثانيهما: أن الأصل فى العمل أن يكون إراديا قائما على الإختيار الحر، ذلك أن علائق العمل قوامها شراء الجهة التى تقوم باستخدام العامل لقوة العمل بعد عرضها عليها فلا يحمل المواطن على العمل حملا بأن يدفع إليه قسرا، أو يفرض عليه عنوة، إلا أن يكون ذلك وفق القانون – وبوصفة تدبيرا إستثنائيا لإشباع غرض عام – وبمقابل عادل.

وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى، وقيد المشرع بمراعاتها فى مجال تنظيمة كى لا يتخذ شكلا من أشكال السخرة المنافية فى جوهرها للحق فى العمل باعتباره شرفا، والمجافية للمادة 13 من الدستور بفقرتيها.

2- حيث أنه متى كان ذلك، وكان إقتضاء الأجر العادل مشروطا بالفقرة الثانية من المادة 13 من الدستور كمقابل لعمل تحمل الدولة مواطنيها عليه قسرا إستيفاء من جانبها لدواعى الخدمة العامة ونزولا على مقتضياتها، فإن الوفاء بهذا الأجر توكيدا للعدل الاجتماعى،

وإعلاء لقدر الإنسان وقيمته وإعترافا بشخصيته المتنامية وما يتصل بها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يكون بالضرورة التزاما أحق بالحماية الدستورية وأكفل لموجباتها كلما كان مقابل العمل تم اداؤه فى نطاق رابطة عقدية أو علاقة تنظيمية إرتبط طرفاها بها، وتحدد الأجر من خلالها، وذلك إنطلاقا من ضرورة التمكين للقيم الأصيلة الخلقية والاجتماعية التى يلتزم المجتمع بالتحلى بها، والتماس الطرق اليها والعمل على إرسائها على ما تقضى به المادة 12 من الدستور،

ونزولا على حقيقة أن الأجر وفرص العمل وربطها معا بالإنتاجية، تمثل جميعا ملامح أساسية لخطة التنمية الشاملة التى تنظم اقتصاد الدولة، وتتوخى زيادة الدخل القومى، وتضمن عدالة توزيعه وفقا لحكم المادة 23 من الدستور، ولأن الأجر- محددا وفق شروط مرضية – ضمانة جوهرية لإسهام المواطن فى الحياة العامة بمختلف صورها، وهو إسهام غدا واجبا وطنيا طبقا لنص المادة 62 من الدستور .

3- حيث إن الدستور إذ عهد بنص المادة 122 منه إلى المشرع بصوغ القواعد القانونية التى تقرر بموجبها على خزانة الدولة، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم على أن ينظم أحوال الاستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها فذلك لتهيئة الظروف التى تفى باحتياجاتهم الضرورية، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها، بما مؤداه أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق، يكون مجانبا أحكام الدستور، منافيا لمقاصدة، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها .

ولازم ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل إستحقاقه وفقا للقانون- إنما ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها. وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى -على تعاقبها – إذ يبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط إقتضائه عند إنتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم المعمول بها، يعتبر التزاما مترتبا بنص القانون فى ذمة الجهة المدنية.

وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى إتجاه دعم التأمين الاجتماعى، حين ناط بالدولة، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية الاجتماعية منها والصحية – بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبنيها القانون فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها – هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها، مقوماتها، بما يؤكد إنتماءه اليها. وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تعتبر المادة 7 من الدستور مدخلا إليها.

4- حيث إن البين من الأوراق أن المدعين كانوا قد عينوا-بعد إنتهاء خدمتهم بجهاتهم الأصلية التى إستحقوا عنها قبل بلوغهم سن التقاعد، المعاش المقرر وفقا لنظمها – بشركة الإتحاد العربى للنقل البحرى، وإستمروا خلال عملهم بها يجمعون بين أجورهم عن هذا العمل ومعاشاتهم تلك، إلى أن تقرر حرمانهم منها إعمالا لنص الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى السالف بيانها، باعتبار أنهم عادوا – بعد إستحقاقهم المعاش – للعمل فى جهة تقرر لها نظام بديل للتأمين، وكان الحق فى معاشاتهم تلك لا يعتبر منافيا للحق فى أجورهم،

ولا يحول دون إجتماعهما باعتبارهما مختلفين مصدرا وسببا، ذلك أنه بينما يعتبر نص القانون مصدرا مباشرا للحق فى معاشاتهم، فإن أجورهم مرجعها إلى قيام رابطة العمل التعاقدية، وترتد إليها فى مصدرها المباشر كذلك يعتبر المعاش مستحقا عن مدد خدمتهم الأصلية بالجهات التى كانوا يعملون بها وأدوا عنها حصصهم فى التأمين الاجتماعى وفقا للقواعد التى تقرر المعاش بموجبها وتحدد مقداره على ضوئها وذلك خلافا للأجور التى يستحقونها من الجهة التى عادوا للعمل بها،

إذ تعتبر مقابلا مشروعا لعملهم فيها، وباعثا دفعهم إلى التعاقد معها، ليكون القيام بهذا العمل سببا لاستحقاقها، وكانت الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى، تدل بعباراتها على أن المشرع عامل أجور المدعين باعتبارها بديلا عن معاشاتهم، حال أن الإلتزام لا يكون بديلا إلا إذا قام المحل البديل فيه مقام المحل الأصلى،

وهو بذلك يفترض مدينا واحدا تقرر البدل لمصلحته، إذ تبرأ ذمته إذا أداه بدل المحل الأصلى ولا كذلك حق المدعين فى الجمع بين المعاش والأجر، ذلك أن الإلتزام بهما ليس مترتبا فى ذمة مدين واحد، ولا يقوم ثانيهما مقام أولهما، فضلا عن اختلافهما مصدرا. ومن ثم ينحل العدوان على أيهما إلى إخلال بالملكية الخاصة التى كفل الدستور فى المادة 34 منه أصل الحق فيها، وأحاطها بالحماية اللازمة لصونها، والتى جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على إنصرافها إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، وإتساعها بالتالى للأموال بوجه عام.

وحيث أنه متى كان ما تقدم فإن النص المطعون عليه – بالتحديد السالف البيان – يكون قد خالف أحكام المواد 7 و12 و13 و34 و62 و122 من الدستور، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستوريته .

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 40 المشار إليها تقضى بأنه إذا كان الأجر الذى سوى عليه المعاش، أو مجموع ما كان يتقاضاه من أجر فى نهاية مدة خدمته السابقة أيهما أكبر، يجاوز الأجر المستحق له عن العمل المعاد إليه، يؤدى إليه من المعاش الفرق بينهما، على أن يخفض الجزء الذى يصرف من المعاش بمقدار ما يحصل عليه من زيادات فى أجره،

وكانت هذه الفقرة تتناول بحكمها فئتين من أصحاب المعاش، أولاهما من عاد منهم إلى عمل يخضعه لأحكام قانون التأمين الاجتماعى، ثانيهما من عاد منهم إلى عمل بإحدى الجهات التى تخرج من مجال تطبيق هذا القانون لوجود نظام تأمين بديل مقرر لها، وكان نطاق الطعن الماثل قد إنحصر فى الفئة الثانية، وكان ما يتصل من أحكام الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى بتلك الفئة التى إقتصر عليها مجال الطعن، يرتبط بأجزاء الفقرة الأولى من المادة 40 المشار إليها – والتى إنتهت المحكمة على ما سلف إلى عدم دستوريتها – إرتباطا لا يقبل التجزئة ولا يمكن فصلها عنها فإنها تسقط تبعا لإبطالها.

فلهذه الأسباب حكمت المحكمة أولا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 40من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وذلك فيما نصت عليه من أنه إذا عاد صاحب المعاش إلى عمل بإحدى الجهات التى خرجت من مجال تطبيق قانون التأمين الاجتماعى لوجود نظام بديل مقرر وفقا للقانون، يوقف صرف معاشه اعتبارا من أول الشهر التالى وذلك حتى تاريخ إنتهاء خدمته بالجهات المشار اليها، أو بلوغه السن المنصوص عليها بالبند 1 من المادة 18 إيهما أسبق. ثانيا بسقوط ما يتصل بها من أحكام الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى.

ثانيا : حيث يكون العمل الجديد بجهة تخضع لقانون التأمين الاجتماعى:
قضت المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 /6 1997- برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر – فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 52 لسنة 18 قضائية “دستورية” بمناسبة الدعوى رقم 1190 لسنة 1995 مدنى كلى بنها حيث طلب المدعى الحكم بعدم دستورية نص المادة (40) من قانون التأمين الاجتماعى،

وكذلك المادة (7) من القانون رقم 108 لسنة 1976 فى شأن التأمين الاجتماعى على أصحاب الأعمال ومن فى حكمهم حتى يتسنى له صرف معاشه الذى كان يتقاضاه شهريا اعتبارا من أول أغسطس سنة 1995؛ عن مدة تأمين سابقة ثم أوقف صرفه بدعوى إلتحاقه بعمل آخر كسائق سيارة نقل واشتراكه عنه فى نظام التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 108 لسنة 1976 فى شأن التأمين الاجتماعى على أصحاب الأعمال وقد دفع بعدم دستورية نص المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون 79 لسنة 1975 وكذلك نص المادة السابعة من القانون 108 لسنة 1976.

وحيث أن البين من أحكام الدستور- بما يحقق تكاملها ويؤمن الوحدة العضوية التى تجمعها ويصون ترابطها – أنه فى مجال حق العمل والتأمين الاجتماعى كفل الدستور – بنص مادته الثالثة عشرة- أمرين:

أولهما : إن العمل ليس ترفا ولا يمنح تفضلا وما نص عليه الدستور فى الفقرة الأولى من المادة (13) من اعتبار العمل حقا، مؤداه ألا يكون تنظيم ذا الحق مناقضا لفحواه وأن يكون فوق هذا إختيارا حرا، والطريق إليه محددا وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازما لإنجازه ولأهمية العمل فى تقدم الجماعة وإشباع إحتياجاتها ولصلته الوثيقة كذلك بالحق فى التنمية بمختلف جوانبها تولية الدولة تقديرها وتزيل عوائقه وفقا لإمكاناتها وبوجه خاص إذا إمتاز أداء العامل وقام بتطوير عمله.

ثانيهما : أن الأصل فى العمل أن يكون إراديا، ولا يجوز بالتالى أن يحمل عليه المواطن، إلا وفقا لقانون، وبوصفه تدبيرا إستثنائيا ولتحقيق غرض عام، وبمقابل عادل. وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى، وقيد المشرع بمراعاتها فى مجال تنظيمه كى لا يتخذ شكلا من أشكال السخرة المنافية فى جوهرها للحق فى العمل باعتباره شرفا، والمجافية للمادة (13) من الدستور بفقرتيها.

وحيث إن الدستور وقد إشترط – بالفقرة الثانية من المادة (13) – إقتضاء الأجر العادل فى الأحوال التى يفرض فيها العمل جبرا لأداء خدمة عامة؛ وكان الإسهام فى الحياة العامة قد غدا واجبا وطنيا وفقا لنص المادة (62) من الدستور؛ وكان على الجماعة كذلك – وعملا بنص المادة (12) منه – أن تعمل على التمكين لقيمها الخلقية والوطنية وفق مستوياتها الرفيعة؛ فإن الوفاء بالأجر عن عمل تم أداؤه فى نطاق رابطة عقدية أو علاقة تنظيمية أرتبط طرفاها بها، وحدد الأجر من خلالها، يكون بالضرورة أحق بالحماية الدستورية.

وحيث إن المادة (122) من الدستور تخول المشرع – ومن أجل أن يوفر للمواطنين إحتياجاتهم الضرورية التى يتحررون بها من العوز، وينهضون معها بمسئوليتهم قبل أسرهم – صوغ القواعد القانونية التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم، مع بيان أحوال الإستثناء منها، والجهات التى تتولى تطبيقها،

إلا أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق، يكون مجافيا أحكام الدستور، ومنافيا لمقاصده، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها.

ولازم ذلك أن الحق فى المعاش – إذا توافر أصل إستحقاقه وفقا للقانون – إنما ينهض إلتزاما على الجهة التى تقرر عليها.

وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى – على تعاقبها – إذ يبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط إقتضائه عند إنتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم المعمول بها. يعتبر التزاما مترتبا بنص القانون فى ذمة الجهة المدنية، وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى إتجاه دعم التأمين الاجتماعى،

حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية – الاجتماعية منها والصحية – بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها – هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته،

والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانه الحق فى الحياة أهم روافدها وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها، مقوماتها بما يؤكد إنتماءه إليها، وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى يعتبر التضامن الاجتماعى وفقا لنص المادة (7) من الدستور مدخلا إليها.

وحيث إن الحق فى المعاش – بالنسبة لمن قام به سبب إستحقاقه – لا يعتبر منافيا للحق فى الأجر؛ وليس ثمة ما يحول دون إجتماعهما باعتبارهما مختلفين مصدرا وسببا: فبينما يعتبر نص القانون مصدرا للحق فى المعاش؛ فإن الحق فى الأجر يرتد فى مصدره المباشر إلى رابطة العمل ذاتها.

كذلك يقوم الحق فى المعاش وفقا للقواعد التى تقرر بموجبها، وتحدد مقداره على ضوئها، عن مدد قضاها أصحابها فى الجهات التى كانوا يعملون بها، وأدوا عنها حصصهم فى التأمين الاجتماعى، وذلك خلافا لأجورهم التى يستحقونها من الجهة التى عادوا للعمل بها، إذ تعتبر مقابلا مشروعا لجهدهم فيها، وباعثا دفعهم إلى التعاقد معها؛ ليكون القيام بهذا العمل سببا لإقتضائها.

وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة (40) من قانون التأمين الاجتماعى؛ تدل بعباراتها على أن المشرع عامل الأجر باعتباره بديلا عن المعاش، حال أن الإلتزام لايكون بديلا إلا إذا قام المحل البديل فيه مقام المحل الأصلى، وهو بذلك يفترض مدينا واحدا تقرر البدل لمصلحته، إذ تبرأ ذمته إذا أداه بدل المحل الأصلى ولا كذلك حق الجمع بين المعاش والأجر؛ ذلك أن الإلتزام بهما ليس مترتبا فى ذمة مدين واحد؛

ولا يقوم ثانيهما مقام أولهما، فضلا عن إختلافهما مصدرا؛ ومن ثم ينحل العدوان على أيهما إخلالا بالملكية الخاصة التى كفل الدستور أصل الحق فيها بنص المادة (34)؛ وأحاطها بالحماية اللازمة لصونها؛ والتى جرى قضاء هذه المحكمة على إنصرافها إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء؛ وإتساعها بالتالى للأموال بوجه عام.

وحيث إن المحكمة كانت قد قضت بحكمها الصادر بجلسة الرابع عشر من يناير سنة 1995 فى الطعن رقم 16 لسنة 15 قضائية “دستورية” بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (40) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وذلك فيما نصت عليه من أنه إذا عاد صاحب المعاش إلى عمل بإحدى الجهات التى خرجت من مجال تطبيق قانون التأمين الاجتماعى لوجود نظام بديل مقرر وفقا لقانون، يوقف صرف معاشه اعتبارا من أول الشهر التالى وذلك حتى تاريخ إنتهاء خدمته بالجهات المشار اليها؛ وبالسقوط ما يتصل بها من أحكام الفقرة الثانية من المادة ذاتها.

كما قضت بحكمها الصادر بجلسة الرابع من فبراير 1995 فى الطعن رقم 3 لسنة 16 قضائية “دستورية” بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 99 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 من حظر الجمع بين معاش المخاطبين بها ومرتباتهم؛ وكان هذان الحكمان قد كفلا لفئتين من المؤمن عليهم، حق الجمع بين معاشاتهم وأجورهم؛ وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة.

أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقه أو تقييد أو تفضيل أو إستبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للإنتفاع بها؛

وكان التكافؤ فى المراكز القانونية بين المشمولين بنظم التأمين الاجتماعى، يقتضى ألا تكون معاشاتهم التى يستحقونها وفقا لأحكامها، سببا لحرمانهم من الأجور التى يقتضونها مقابل أعمال التحقوا بها بعد إنتهاء خدمتهم؛ وكان المخاطبون بالنص المطعون فيه – دون غيرهم من نظرائهم – قد حرموا من حق الجمع بين معاشاتهم وأجورهم، فإن هذا النص يكون متبينا تمييزا تحكميا منهيا عنه بنص المادة (40) من الدستور.

وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون عليه مخالفا أحكام المواد (7 و12 و13 و34 و40 و62 و122) من الدستور؛ ومن ثم يتعين الحكم بعدم دستوريته

ولهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (40) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975؛ وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

وقد إنتهت اللجنة العليا للتخطيط والتشريع التأمينى بمذكرتها رقم 370 بتاريخ 5/8/1997 تنفيذا للحكم المشار إليه إستئناف صرف المعاشات الموقوفة اعتبارا من اليوم التالى لنشر الحكم ووقف إستقطاع الأقساط المتعلقة بإسترداد ما صرف لصاحب المعاش دون وجه حق بالمخالفه لأحكام الحكم بعدم الدستورية مع صرف المعاشات الشهرية الموقوفه بأثر رجعى عن المدة السابقة على نشر الحكم0

الموضوع الرابع
الإلتزامات والحقوق مستمدة من القانون

أشرنا فيما سبق إلى إجبارية نظام التأمين الاجتماعى ووفقا لذلك نفهم كيف ينص القانون المصرى على:

أولا: الحقوق مستمدة من القانون وليس من الوفاء بالاشتراكات التى يجوز للهيئة التأمينية إقتضائها جبرا بأساليب السلطة العامة (الحجز الإدارى):

يستمد الحق فى المزايا من القانون فتلتزم الهيئة التأمينية بالوفاء بالحقوق المقررة فى مواعيد مقررة وإلا إلتزمت بمبالغ إضافية .. كما تلتزم بالوفاء بالحقوق وفقا للمدد غـير المتنازع عليها ولو لم يقم صاحب العمل بالاشتراك لذا فإن لدى الهيئة مفتشون لهم صفة الضبطية القضائية.

وفى هذا ينص قانون التأمين الاجتماعى المصرى على الآتى:
1- تنص المادة 150 على الآتى : تلتزم الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بالوفاء بالتزاماتها المقررة كاملة بالنسبة للمؤمن عليهم والمستحقين حتى ولو لم يقم صاحب العمل بالاشتراك عنه فى الهيئة المختصة، وتقدر الحقوق وفقا للأحكام المنصوص عليه فى هذا القانون.

وإذا لم تتثبت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى من صحة البيانات الخاصة بمدة الاشتراك فى التأمين أو الأجر ربط المعاش أو التعويض على أساس مدة الخدمة والأجر غير المتنازع عليهما.

ويؤدى المعاش أو التعويض على أساس الحد الأدنى المقرر قانونا للأجر فى حالة عدم إمكان التثبت من قيمة الأجر.

ويكون الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى حق مطالبة صاحب العمل بجميع الاشتراكات المقررة بهذا القانون والمبلغ الإضافى وكذلك المبالغ المنصوص عليها بالمادة (130) المستحقة عنها.

2- يحدد القانون المستندات والنماذج اللازمة للمطالبة بالمستحقات ويتيح مدة مناسبة (5 سنوات) لإستيفائها :
وفى هذا تنص المادتين 139 و140 من القانون على الآتى:
مادة 139- يحدد بقرار من وزير التأمينات بناء على إقتراح مجلس الإدارة الـمختص الشروط والأوضاع والمستندات اللازمة لتسوية وصرف الحقوق المقررة بهذا القانون وذلك مع عدم التقيد بأحكام لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وقانون الولاية على المال( ).
مادة 140( ) – يجب تقديم طلب صرف المعاش أو التعويض أو أى مبالغ مستحقة طبقا لأحكام هذا القانون فى ميعاد أقصاه خمس سنوات من التاريخ الذى نشأ فيه سبب الإستحقاق وإلا إنقضى الحق فى المطالبه بها . وتعتبر المطالبة بأى من المبالغ المتقدمة شاملة المطالبة بباقى المبالغ المستحقة .
وينقطع سريان الميعاد المشار اليه بالنسبة إلى المستحقين جميعا إذا تقدم أحدهم بطلب فى الموعد المحدد .
وإذا قدم طلب الصرف بعد إنتهاء الميعاد المشار اليه يقتصر الصرف على المعاش وحده، ويتم الصرف اعتبارا من أول الشهر الذى قدم فيه الطلب .
ويجوز لوزير التأمينات أن يتجاوز عن عدم تقديم الطلب فى الميعاد المشار اليه اذا قامت أسباب تبرر ذلك . وفى هذه الحالة تصرف الحقوق كاملة من تاريخ الإستحقاق( ).
ويقف أداء المعاش الذى لا يتم صـرفه لمدة سنتين على أن يعاد الصرف بالكامل عند تقديم طلب من صاحب الشأن.
3- تأسيسا على إجبارية نظام التأمين الاجتماعى فى إلتزامه بالمزايا فقد نص القانون على أنه أيضا إجبارى فى تمويله، وفى هذا جاء نص المادة 128 من القانون 79 لسنة 1975:
مادة 128- يلتزم صاحب العمل فى القطاع الخاص بأن يقدم للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بيانات العاملين وأجورهم واشتراكاتهم وذلك وفق النماذج التى تعدها الهيئة وبالشروط والأوضاع المنصوص عليها فى المادة (151).
وتحسب الاشتراكات على أساس البيانات الواردة فى هذه النماذج فإذا لم يقدم صاحب العمل البيانات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى حسبت الاشتراكات الواجبة الأداء على أساس آخر بيان قدم منه للهيئة وذلك إلى حين حساب الاشتراكات المستحقة فعلا ( ).
وفى حالة عدم تقديم تلك البيانات أو عدم وجود السجلات والمستندات المشار اليها بالمادة (151)، يكون حساب الاشتراكات المستحقة طبقا لما تسفر عنه تحريات الهيئة فى تحديد حجم الإلتزام وذلك طبقا للقواعد التى يصدر بهـا قرار من وزير التأمينات بناء على إقتراح مجلس الإدارة( ).
وعلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى إخطار صاحب العمل بقيمة الاشتراكات المحسوبة وفقا للفقرة السابقة وكذلك المبالغ الأخرى المستحقة للهيئة بخطاب موصى عليه مع علم الوصول( ).
ويجوز لصاحب العمل الإعتراض على هذه المطالبة بخطاب موصى عليه مع علم الوصول خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه الإخطار مع أداء مبلغ مقداره خمسة جنيهات رسم إعتراض( ) يرحل إلى الحساب المنصوص عليه فى المادة 160.
وعلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى أن ترد على هذا الإعتراض خلال ثلاثين يوما من تاريخ وروده اليها ولصاحب العمل فى حالة رفض الهيئة إعتراضه أن يطلب منها عرض النزاع على اللجان المشار اليها فى المادة (157) ( ).
وتصدر اللجنة قرارها فى حدود تقرير الهيئة وطلبات صاحب العمل وتعلن الهيئة صاحب العمل بالقرار بخطاب موصى عليه مع علم الوصول وتعدل المستحقات وفقا لهذا القرار .
وتكون المستحقات واجبة الأداء بإنقضاء موعد الطعـن دون حدوثه أو صدور قرار اللجنة أو برفض الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لإعتراض صاحب العمل أو عدم قيامه بطلب عرض النزاع على لجنة فحص المنازعات خلال ثلاثين يوما من تاريخ إستلامه الإخطار بالرفض.
ولصاحب العمل الطعن فى قرار اللجنة أمام المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوما التالية لصدوره، ويصبح الحساب نهائيا فى حالة فوات ميعاد الطعن دون حدوثه.
4- يحدد القانون مصادر ونسب ووعاء التمويل وكيف تحسب الاشتراكات والمبالغ الأخرى المستحقة للهيئة التأمينية ومتى ولمن تؤدى. ثم ينص فى المادة 143 على الآتى :
مادة 143 : “يكون للمبالغ المستحقة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بمقتضى أحكام هذا القانون إمتياز على جميع أموال المدين من منقول وعقار وتستوفى مباشرة بعد المصروفات القضائية، وللهيئة القومية للتأمين الاجتماعى حق تحصيل هذه المبالغ بطريق الحجز الإدارى، ويجوز لها تقسيط المبالغ المستحقة على صاحب العمل وذلك بالشروط والأوضاع التى يصدر بها قرار من وزير التأمينات”( ).
وهكذا قرر القانون لهيئة التأمينات الحق فى إقتضاء مستحقاتها جبرا فيكون لمديرو مكاتب التأمينات الأمر بتوقيع الحجز الإدارى ويكون لهم أساليب السلطة الجبرية، كما قرر للمستحقات التأمينية للهيئة إمتيازا على أموال المدين .
5- فى تأمين إصابات العمل نصت المادتين 66 و67 على الآتى:
مادة 66- تلتزم الجهة المختصة بجميع الحقوق المقررة وفقا لأحكام هذا الباب حتى ولو كانت الإصابة تقتضى مسئولية شخص آخر خلاف صاحب العمل دون إخلال بما يكون للمؤمن عليه من حق قبل الشخص المسئول( ).
مادة 67- تلتزم الجهة المختصة بالحقوق التى يكفلها هذا الباب لمدة سنة ميلادية من تاريخ إنتهاء خدمة المؤمن عليه وذلك إذا ظهرت عليه أعراض مرض مهنى خلالها( )، سواء أكان بلا عمل أو كان يعمل فى صناعة لا ينشأ عنها هذا المرض.

ثانيا : ضمان الوفاء الفورى بالحقوق كاملة وتمتعها بذات الحماية المقررة للأجور:
وفى هذا ينص قانون التأمين الاجتماعى المصرى على أنه:
1- تلتزم الهيئة التأمينية بتقدير وأداء المعاشات والتعويضات خلال مواعيد قررها القانون وإلا كان لصاحب الحق مبالغ إضافية يحددها القانون، وفى هذا تنص المادة 141 على الآتى:

على الهيئة المختصة أن تتخذ من الوسائل ما يكفل تقدير المعاشات أو التعويضات وصرفها خلال أربعة أسابيع من تاريخ تقديم المؤمن عليه أو المستحقين طلبا بذلك مشفوعا بكافة المستندات المطلوبة.

ويحدد وزير التأمينات بقرار منه بناء على إقتراح مجلس الإدارة المستندات المطلوبة من كل من المؤمن عليه والمستفيدين وصاحب العمل فى كل حالة.

فإذا تأخر صرف المبالغ المستحقة عن المواعيد المقررة لها التزمت الهيئة المختصة بناء على طلب صاحب الشأن بدفعها مضافا اليها 1% من قيمتها عن كل شهر يتأخر فيه الصرف عن الميعاد المحدد بما لا يجاوز قيمة أصل المستحقات وذلك من تاريخ إستيفاء المؤمن عليه أو المستفيدين المستندات المطلوبة منهم .

وترجع الهيئة المختصة على المتسبب فى تأخير الصرف بقيمة المبالغ الإضافية المشار إليها التى التزمت بها، ما لم يثبت لمجلس الإدارة أن التأخير راجع لخطأ مرفقى .

ولا تستحق المبالغ الإضافية المشار اليها فى حالات المنازعات إلا من تاريخ رفع الدعوى القضائية، كما لا تستحق هذه المبالغ فى الحالات التى نص فيها هذا القانون على إعادة تسوية مستحقات أصحاب المعاشات والمستحقين الذين كانوا معاملين بالقوانين التى حل محلها وفقا لأحكامه .

2- لا يجوز الحجز أو النزول عن مستحقات المؤمن عليه أو المستحقين عنه إلا لدين الهيئة التى تقوم بإدارة النظام ودين النفقة وفى حدود معينة ولا توجد فى الأصل عقوبة الحرمان من المعاش.

وفى هذا تنص المادة 44 على أنه “لا يجوز حرمان المؤمن عليه أو صاحب المعاش من المعاش أو تعويض الدفعة الواحدة كليا أو جزئيا لأى سبب من الأسباب”.

كما تنص المادة 144 على أنه “لا يجوز الحجز أو النزول عن مستحقات المؤمن عليه أو صاحب المعاش أو المستفيدين لدى الهيئة المختصة.

وإستثناء من حكم الفقرة السابقة يجوز الحجز أو النزول عن المستحقات المشار اليها لسداد الحقوق الآتية:
أ – النفقات.

ب – ما تجمد للهيئة من مبالغ على صاحب الشأن .
ومع مراعاة أحكام القانون رقم 62 لسنة 1976 بشأن تعديل أحكام بعض النفقات يكون الحجز للوفاء بالمبالغ الموضحة بالبندين السابقين بما لا يجاوز الربع ، وعنـد التزاحم يبدأ بخصم دين النفقة فى حدود الجزء الجائز الحجز عليه مخصوما منه الثمن للوفاء بدين الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى.

جـ- أقساط قروض بنك ناصر الاجتماعى.

د – الأقساط المستحقة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى.
وللهيئة القومية للتأمين الاجتماعى حجز ما يكون قد إستحق على المؤمن عليه أو صاحب المعاش قبل وفاته من مبالغ خصما من مستحقات المستفيدين فى حدود ربع هذه المستحقات تقسم بينهم بنسبة المنصرف من أنصبتهم.

ويجوز للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى قبول أداء المبالغ المستحقة لها على المؤمن عليه أو صاحب المعاش وفقا للجدول رقم (6) المرافق ، ويوقف إقتطاع الأقساط فى حالة الوفاة أو إستحقاق المعاش فى حالة إنهاء الخدمة بسبب العجز.

كما يجوز للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى قبول أداء المبالغ المستحقة لها على المؤمن عليهم أو أصحاب المعاشات بطريق الإستبدال وفقا للجدول رقم (7) المرافق مع الإعفاء من الكشف الطبى دون التقيد بأحكام الفقرات 2،3،4 من المادة (123)  وتحصل أقساط الإستبدال إبتداء من أجر أو معاش الشهـر التالـى لقـبول الرغبة فى إجراء الإستبدال.

ويقف سداد الأقساط المستحقة على المؤمن عليه فى جميع الحالات التى لا يستحق عنها أجرا أو تعويضا عن الأجر بما فى ذلك أقساط الإستبدال ويستأنف السداد فور إستحقاق الأجر وتزاد مدة التقسيط بقدر المدة التى أوقف فيها سداد الأقساط .

وفى حالة صرف تعويض الدفعة الواحدة مع عدم إستحقاق معاش تخصم القيمة الحالية للأقساط المستحقة على المؤمن عليه من التعويض والمكافأة.

ويجوز للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى قبول تقسيط المبالغ المستحقة لها قبل المستفيدين على خمس سنوات .

كما يكون للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى الحجز على أجر المؤمن عليه لسداد متجمد الاشتراكات ومتجمد المبالغ المستحقة لها وذلك مع مراعاة الحدود والقواعد المنصوص عليها فى الفقرة الثانية.

6- تنص المادة 142 على ضمان إستقرار الحقوق :
مادة 142- مع عدم الإخلال بأحكام المادتين (56 و59) لا يجوز رفع الدعوى بطلب تعديل الحقوق المقررة بهذا القانون بعد إنقضاء سنتين من تاريخ الإخطار بربط المعاش بصفة نهائية أو من تاريخ الصرف بالنسبة لباقى الحقوق وذلك فيما عدا حالات طلب إعادة تسوية هذه الحقوق بالزيادة نتيجة تسوية تمت بناء على قانون أو حكم قضائى نهائى وكذلك الأخطاء المادية التى تقع فى الحساب عند التسوية.

كما لا يجوز للهيئة المختصة المنازعـة فى قيمة الحقوق المشار اليها بالفقرة السابقة فى حالة صدور قرارات إدارية أو تسويات لاحقـة لتاريخ ترك الخدمة بالنسبة للعاملين المشار اليهم بالبند (1) من المادة (2)  يترتب عليها خفض الأجور أو المدد التى إتخذت أساسا لتقدير قيمة تلك الحقوق .

ثالثا : القانون يحدد أسس وعناصر تسوية المستحقات:
وفى هذا جاءت الأحكام التالية بالقانون المصرى للعاملين :
المادة 19:
أ – يسوى معاش الأجر الأساسى فى غير حالات العجز والوفاة على أساس المتوسـط الشهرى لأجور المؤمن علـيه التى أديت على أساسها الاشتراكات خلال السنتين الأخيرتين مــن مدة اشتراكه فى التأمين أو خلال مدة اشتراكه فى التأمين إن قلت عن ذلك.

ب- وفى حالات طلب صرف المعاش عن الأجر المشار اليه للعجز أو الوفاة يسوى المعاش على أساس المتوسط الشهرى للأجور التى أديت على أساسها الاشتراكات خلال السنة الأخيرة من مدة الاشتراك فى التأمين أو مدة الاشتراك فى التأمين إن قلت عن ذلك.

ج – ويسوى معاش الأجر المتغير على أساس المتوسط الشهرى للأجور التى أديت على أساسها الاشتراكات خلال مدة الاشتراك عن هذا الأجر.
ويراعى فى حساب المتوسط الشهرى ما يأتى :
1- يعتبر الشهر الذى إنتهت فيه الخدمة شهرا كاملا .

2- إذا تخللت فترة متوسط حساب المعاش عن الأجر الأساسى مدد لم يحصل فيها المؤمن عليه على أجره عنها كله أو بعضه حسب المتوسط على أساس كامل الأجر.

3- يزاد المتوسط الذى يحسب على أساسه معاش الأجر المتغير بواقع 2% عن كل سنة كاملة من سنوات مدة الاشتراك الفعلية عن هذا الأجر بشرط ألا يزيد المتوسط بعد إضافة هذه الزيادة على الحد الأقصى لأجر الاشتراك المتغير.

4- بالنسبة إلى المؤمن عليهم ممن تنتهى مدة اشتراكهم فى التأمين وكانوا فى هذا التاريخ من العاملين المنصوص عليهم فى البندين ب وجـ من المادة 2 يراعى عدم تجاوز متوسط الأجر الأساسى الذى يربط على أساسه المعاش 140% من متوسط الأجور فى الخمس سنوات السابقة على مدة المتوسط، وإذا قلت المدة السابقة عن خمس سنوات يراعى عدم تجاوز المتوسط الذى يربط على أساسه المعاش متوسط السنوات السابقة مضافا إليه 8% عن كل سنة،

ويستثنى من حكم هذا البند المؤمن عليهم بجهات خاضعة للوائح توظف صادرة بناء على قانون أو حددت أجورهم وعلاواتهم وترقياتهم بمقتضى إتفاقات جماعية أبرمت وفقا لقانون العمل متى وافق وزير التأمينات على هذه اللوائح أو الإتفاقات بناء على عرض الهيئة المختصة … كما يستثنى حالات طلب صرف المعاش للعجز أو الوفاة .

مادة 138- نقدر الحقوق المقررة وفقا لهذا القانــون على أساس البيانات والمستندات الواردة فى الملف المنصوص عليه بالبند (1) من المادة (151) دون الرجوع إلى ملف الخدمة.

رابعا : قيام الدولة بضمان القيمة الحقيقية للمعاشات الدورية بملاءمتها مع التغير فى الأسعار بذات أسلوب العلاوات الخاصة التى تقررها للعاملين بها:
جرت الدولة منذ 1987 على منح علاوات خاصة للعاملين بها فى أول يوليو من كل سنة لمواجهة زيادة الأسعار، وفى ذات الإتجاه تقوم الدولة برفع المعاشات فتزاد بذات النسبة إلتى تزاد بها الأجور وتمول الخزانة العامة نفقات رفع المعاشات، وتصـدر سنويـا ومنـذ 1/7/1987 القوانين المقررة لذلك.

خامسا : تشكيل لجان خاصة لفحص المنازعات :
مادة 157 – تنشأ الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لجان لفحص المنازعات الناشئـة عن تطبيق أحكام هذا القانون يصدر بتشكيلها وإجراءات عملها ومكافآت أعضائهـا قرار من الوزير المختص.

وعلى أصحاب الأعمال والمؤمن عليهم وأصحاب المعاشات والمستحقين وغيرهم من المستفيدين ، قبل اللجوء إلى القضاء تقديم طلب إلى الهيئة المختصة لعرض النزاع على اللجان المشار اليها لتسويته بالطرق الودية .
ومع عدم الإخلال بأحكام المادة (128) لا يجوز رفع الدعوى قبل مضى ستين يوما من تاريخ تقديم الطلب المشار إليه .