التكييف القانوني لعقد الوساطة المالية

المؤلف : رائد احمد خليل القرغولي
الكتاب أو المصدر : عقد الوساطة التجارية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ان سوق الاوراق المالية باعتباره سوقاً منظماً تتدخل الدولة في تنظيمه وتحدد اجراءات وقواعد التعامل فيه لذلك فإن تسجيل الاوراق المالية وقواعد تداولها لايتم اعتباطا بل انه يتم حسب شكلية معينة نصت عليها القوانين المختلفة. ويلاحظ ان الاتجاه السائد في سوق الاوراق المالية وطبيعة العمل في هذه الاسواق يميل الى حصر التعامل بالاوراق المالية المسجلة فيه بالوسطاء الماليين فقط ووكلائهم المسجلين بعد حصولهم على الاجازة بممارسة هذه المهنة وتوافر الشروط القانونية التي يتطلبها السوق فيهم (1).

اذ يعتبر ذلك من الامور المشتركة في جميع بورصات العالم اذ يتم التداول في قاعات هذه الاسواق المالية بواسطة وسطاء مرخصين بهذه الاعمال فكل مستثمر يختار وسيطا عنه ليقوم بتنفيذ اوامر البيع والشراء الخاصة به ويحصل مقابل ذلك على عمولة محددة بموجب قانون السوق الذي يعمل به (2). وسبب حصر التعامل في الاسواق المالية بالوسطاء هو طبيعة التعامل في السوق المالي الذي يحتاج الى خبرة كبيرة ومهارة في ممارسة هذه المهنة .

وان حصر التعامل في السوق بالوسطاء امر ضروري لانه اذا تم اجازة بيع الاسهم اصالة داخل السوق المالية مع تزايد التعامل بالاسهم سوف يؤدي الى اشاعة الفوضى والاضطراب داخل السوق المالية وكذلك صعوبة السيطرة على اسعارها السوقية ويلاحظ ان الجمهور قد ازداد اقباله على التعامل بالاسهم مما يشكل ضرورة حصر التعامل بالاسهم داخل السوق بين الوسطاء فقط دون غيرهم (3). كما ان جانباً من الفقه يذهب الى ان حصر التعامل داخل السوق بالوسطاء يقصد منه حسن تنظيم التعامل بالاوراق المالية ويجنب الغش الذي يحصل فيما لو ترك التعامل مباشرة بين البائع والمشتري (4).

اذا كان الاصل في ابرام العقد ان يتم اصالة الا ان ذلك لايمنع من ابرامه وكالة خاصة عندما تمنع ظروف معينة الاصيل من ابرام العقود بنفسه كالمرض او السفر او النقص في الاهلية او نص القانون (5)، وعليه فإن عقد بيع الاسهم في سوق الاوراق المالية لايبرم الا وكالة وذلك استنادا الى نص القانون الذي حصر التعامل بالاسهم على الوسطاء ووكلائهم فقط اذ لا يسمح للمستثمر القيام بإبرام عقد البيع والشراء اصالة بل عن طريق وسيط مالي مجاز من قبل ادارة السوق مسموح له بممارسة مهنة الوساطة المالية في سوق الاوراق المالية (6).

اذ يتم تكليف الوسيط من قبل عميله ( المستثمر ) بان يجري له عملية بيع او شراء للاسهم في السوق المالي في هذه الحالة اذا ذكر اسم عميله في عقد البيع او الشراء كان وكيلا عنه اذ يتصرف الوسيط بالنيابة عن عميله بموجب تفويض تحريري مصادق عليه من مجلس ادارة السوق (7).ولكن الصورة الغالبة للعمل في الاسواق المالية هي ان الوسيط المالي يعمل باسمه الخاص على حساب عميله دون ذكر اسم هذا العميل اذ يعتبر في هذه الحالة وكيلا بالعمولة ويصبح مسؤولا امام الوسيط الاخر بحيث لايذكر للعميل اسم ولايشار اليه بأية اشارة ما (8).

ان العميل عندما يصدر الامر للوسيط بعقد صفقة ما لايعرف من امر الطرف الثاني في هذه الصفقة شيئا ولايرجع في صددها الا على الوسيط وحده لان الوسيط قد اصبح ضامنا للوفاء بصفته الشخصية ومسؤولا تجاه العميل عن اعسار الوسيط الاخر الذي قام مقام الطرف الثاني وهذه المسؤولية ناشئة عن ان الوسيط يعتبر متعاقدا باسمه الخاص مادام اسم عميله لم يذكر في العقد (9).

مما تقدم يتبين ان الوسيط ضامن نفسه بنفسه مادام لم يذكر اسم عميله بحيث يعتبر كل من الوسيطين بائعا او مشتريا ويظل اسم البائع في عالم الخفاء وكذلك اسم المشتري اذ يعتبر هذا التكتم من اسرار الحرفة فإن كان يجوز للعملاء ان يبيحوا ذكر اسمائهم الا ان هناك من يهمه عدم ذكر اسمه نظرا لمركزه الاجتماعي وانه ربما يكون عدم ذكر اسمه نجاحا للعملية في السوق المالي (10).

واذا كان الوسيط يعتبر مسؤولاً عن الوفاء عندما لايذكر اسم عميله لذلك فمن الضروري ان يحمي الوسيط نفسه من اعسار عميله ففي التعاقد الآجل يستولي الوسيط على الثمن والصكوك قبل ابرام الصفقة اما في التعاقد الاجل فلا يستولي الوسيط على شيء وقت التعاقد لذلك اعتاد الوسطاء طلب التغطية( *) من عملائهم أي مبلغ من النقود بصفة تأمين لمواجهة تغيرات الاسواق واحتمالات اعسار عميله ويحدد مبلغ التغطية وفقا لما تتطلبه الصفقة(11).

من كل ماتقدم يتبين ان الوسيط التجاري يعتبر وكيلا في حالة ذكراسم عميله في العقد الذي يبرمه عند بيع وشراء الاسهم والسندات في سوق الاوراق المالية ويخضع في هذه الحالة للأحكام العامة للوكالة اما اذا لم يذكر اسم العميل ( المستثمر ) في عقد البيع والشراء فيعتبر وكيلا بالعمولة ويخضع للاحكام العامة في الوكالة بالعمولة ويلتزم بالتزامات الوكيل بالعمولة الضامن .
______________________
[1]- تنص الفقرة الثالثة / أ من القسم الثالث للقانون المؤقت لاسواق الاوراق المالية على (( تنحصر كافة التعاملات في سوق الاوراق المالية للوسطاء المخولين من قبل السوق للتعاطي بمثل هذه التعاملات )) . وتنص المادة 45/1 من قانون التجارة المصري على (( لايجوز التعامل مع سوق الاوراق المالية بالنسبة إلى الصكوك المدرجة بجدول اسعارها الا بواسطة سمسار مقبول للعمل فيها والا كان التصرف باطلا )) وتنص المادة 24/أ من قانون الاوراق المالية الاردني المرقم 23 لسنة 1997 على (( يتم التداول بالاوراق المالية المدرجة بالبورصة من خلال صفقات تبرم بين الوسطاء الماليين كل لصالح عميله تثبت بموجب قيود تدون في سجلات البورصة) .
2- ينظر : د. محمد صالح جبر ، المصدر السابق ، ص 49 .
3- ينظر : عباس مرزوك فليح ، المصدر السابق ، ص 117 .
4- ينظر : د. طعمة الشمري ، شرح قانون الشركات التجارية الكويتي ، ص 245 . اشار اليه : عباس مرزوك فليح ، المصدر نفسه ، ص 117 .
5- ينظر : د. مصطفى محمد الجمال ، ود. عبدالحميد محمد الجمال ، القانون والمعاملات ، مطبعة الدار الجامعية ، 1987، بند 119 ، ص 212 .
6- ينظر : الفقرة الثالثة / أ من القسم الثالث للقانون المؤقت لا سواق الاوراق المالية فضلا عن نص الفقرة التاسعة من القسم الثالث للقانون المؤقت لاسواق الاوراق المالية التي تنص ( على الوسيط ان يعمل نيابة عن بائع او مشتري السندات بطريقة تتماشى مع القواعد المتخذة من قبل مجلس المحافظين والمادة 45/أ من قانون التجارة المصري والمادة 24/أ من قانون الاوراق المالية الاردني التي حصرت ممارسة المهنة بالوسطاء فقط .
7- ينظر : الفقرة التاسعة من القسم الثالث للقانون المؤقت لاسواق الاوراق المالية .
8- ينظر : د. عبدالسلام ذهني ، القانون التجاري ، مطبعة الاعتماد مصر ، ص 347 .
9- ينظر : صادق حنين ، المصدر السابق ، ص 552 .
0[1]- لاكورج ص 218 – ن 11544 . اشار اليه : د. عبدالسلام ذهني ، المصدر السابق ، ص348 .
* تعرف التغطية بانها عبارة عن مبلغ من النقود او اوراق مالية يسهل تحويلها الى نقود يتسلمه الوسيط من العميل ليستطيع القيام بتعهداته المتعلقة بالصفقة الاجلة وثار التساؤل عن الوصف القانوني للتغطية وهل تعتبر وفاءا مبتسرا ام هي رهن مقرر للوسيط ؟ يرى العلامة ليون كان ان الوصف القانوني للتغطية لايمكن تقريره سلفا وان العبرة بنية المتعاقدين فإن كانت التغطية مبلغا من النقود او اوراقاً تجارية فيفترض هنا ان المتعاقدين قد قصدوا حصول وفاء مبتسر اما اذا كانت التغطية صكوكا اسمية او ديونا على اشخاص معينيين فيفترض هنا ان المتعاقدين قد قصدوا تقرير رهن ( ليون كان المطول ج4 بند 970 . اشار اليه : د. محمد صالح ، القانون التجاري ، شرح قانون التجارة المصري ، الجزء الاول ، الطبعة الثالثة ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، 1933 ، ص 345 .
1[1]- ينظر : د. محمد صالح ، المصدر نفسه ، ص 344 .