بحث قانوني ودراسة هامة حول سلطات الإدارة في الصفقات العمومية

الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
المادة القانون الإداري
المحور العقود الإدارية

إنّ أبرز مظهر تتميّز به الصفقات العمومية عن غيرها من العقود وخاصة المدنية والتجارية أن الصفقة العمومية تخوّل جهة الإدارة ممارسة جملة من السلطات تتمثّل في سلطة الإشراف والرقابة وسلطة التعديل وتوقيع الجزاءات وسلطة إنهاء الصفقة. نفصل هذه السلطات فيما يلي:

المبحث الأول: سلطة الإشراف والرقابة.

يقصد بسلطة الإشراف تحقّق الإدارة من أنّ المتعاقد معها يقوم بتنفيذ التزاماته العقدية على النحو المتفق عليه. أمّا سلطة الرقابة فتتمثّل في حق الإدارة في التدخل لتنفيذ العقد وتوجيه الأعمال واختيار طريقة التنفيذ في حدود الشروط وضمن الكيفيات المتفق عليها في العقد.
وتجد هذه السلطة أساسها في فكرة المرفق العام، لا النصوص التعاقدية. فهي ثابتة للإدارة حتى ولو لم ينص عليها العقد. وهنا يبرز الفرق الواضح بين العقد الإداري والعقد المدني، إذ أنّ هذا الأخير لا يخوّل سلطة للمتعاقد إلا إذا تمّ النّص عليها في العقد أو قرّرها القانون، بينما العقد الإداري يخوّل للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه وإن لم ينص في العقد على ذلك وهذا بهدف ضمان تلبية الحاجات العامة وحسن أداء الخدمة العامة وضمان حسن سير المرافق العامة.

وتعتبر سلطة الإشراف والرقابة من النظام العام لا يمكن الاتفاق على مخالفتها لأنّها قررت للمصلحة العامة. كما لا يمكن لجهة الإدارة التنازل عنها. فهي ليست بالامتياز الممنوح للإدارة في حد ذاتها بوصفها سلطة عامة، بل قررت سلطة الإشراف والرقابة لحماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العامة. وغالبا ما تشترط الإدارة ضمن بنود صفقاتها أو في دفاتر الشروط العامة والخاصة حقّها في إصدار التعليمات.

ويتجسد ذلك أكثر في عقود الأشغال العامة بالنظر لطبيعته الخاصة وكون أنّ تنفيذه يستغرق مدة زمنية طويلة. غير أنّ سلطة الإشراف والرقابة وإن كانت ثابتة بالنسبة لجهة الإدارة ومقرّرة في سائر العقود الإدارية، إلا أنّ ممارستها تختلف من حيث المدى بين صفقة وأخرى فسلطة الإشراف والرقابة تبرز أكثر، ويتسع مجالها ومداها في عقود الأشغال وهذا بالنّظر لطابعها الخاص كونها تكلّف خزينة الدولة مبالغ ضخمة. ثمّ أنّها تحتاج إلى متابعة مستمرة ومتواصلة تفاديا لأيّ خروج عن ما تمّ التعاقد بشأنه من جانب المقاول أو مؤسسة التنفيذ.

وعلى ذلك فعقد الأشغال بطبيعته يفرض تدخل مندوب الإدارة للإشراف على التنفيذ فيكون بمثابة المدير الحقيقي للعمل والمشرف العام عليه. وينقلب المقاول إلى جهة تنفيذ التعليمات الصادرة عن مندوب الإدارة.

وبهدف إجراء التوازن بين ممارسة الإدارة لسلطتها وضمان حقوق المتعاقد معها يجوز للمقاول المعني اللجوء للقضاء الإداري بهدف إلغاء قرار يتعلّق بتعليمة تخص تنفيذ عقد أشغال، أو أن يرفع دعوى تعويض عن الأعباء المالية الناتجة عن تنفيذ هذه التعليمات. لذلك ذهبت المحكمة العليا في مصر في قرار لها صدر بتاريخ 16-02-1978 إلى القول : ” وإن كانت المادتان 11-12 من عقد حفر أبار المبرم بين جهة الإدارة والمقاول تخولان الإدارة إصدار الأوامر والتعليمات، إلا أنه يشترط لذلك أن تكون هذه التعليمات لازمة لتنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فإن تبين أن هذه التعليمات تتضمن أمورا لا تتفق مع أصول الفن كان من حق المقاول أن يعترض على هذه التعليمات وأن يبيّن أنّها تخالف أصول الفن…”.
وهو ما يؤكد لنا أن سلطة الإشراف والتوجيه والرقابة ليست مطلقة لأن إطلاقها يؤدي إلى تعسف جهة الإدارة ومبالغتها في إصدار التعليمات والأوامر بما قد يضر بالمتعاقد معها خاصة من الناحية المالية.
أمّا التوريد فطبيعته تفرض أن تتخذ سلطة الإشراف مظهرا آخر أقل شدة من الأول. فالأمر يتعلق بمواد أو منقولات يلزم المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة.ومن حق مندوب الإدارة رفض استلام المواد أو المعدات التي لا تنطبق عليها المواصفات المتفق عليها في العقد.

وكذلك حق الامتياز يتخذ الإشراف فيه شكلا خاصا ومميزا. فالإدارة تراقب نشاط المرفق المسير بطريق الامتياز للتأكد عما إذا كان الملتزم يعمل وفقا للشروط الواردة في العقد أم أن هناك خرف من جانبه لأحد البنود العقدية فتتخذ الإجراءات القانونية.كأن يتعلق الأمر بإخلاله مثلا بالرسوم المتفق عليها وتجاوزه للحد المتفق عليه. أو يتعلق الأمر بتمييزه بين المنتفعين من خدمات المرفق وهكذا …

المبحث الثاني: سلطة التعديل.

تعد سلطة التعديل أحد أهم مظاهر تميّز العقد الإداري عن غيره من عقود القانون الخاص. فإذا كان أطراف العقد المدني لا يتمتع أيا منهم بسلطة انفرادية تجاه الآخر يمكنه من تعديل أحكام العقد بإرادة واحدة وإلزام الطرف الآخر بهذا التعديل. فإنّ العقد الإداري وخلاف القواعد المعمول بها في مجال القانون الخاص يمكن جهة الإدارة تعديله بإرادتها المنفردة.
ويكاد فقه القانون والقضاء المقارن يجمع على أن كل العقود الإدارية قابلة للتعديل من جانب الإدارة لوحدها. وتأصيل ذلك يعود لحسن سير المرافق العامة. فتستطيع الإدارة إذا اقتضت المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام أن تعدل في مقدار التزامات المتعاقد معها بالزيادة أو النقصان. وهذا الحق ثابت للإدارة ولو لم يتم النّص عليه في العقد.بل هو ثابت للإدارة وإن لم ينص عليه القانون صراحة. ذلك أنّ عقود القانون الخاص إذا كانت تقوم على فكرة المساواة بين طرفي العقد دون تمييز أو مفاضلة لطرف على طرف. فإنّ العقد الإداري وخلاف ذلك يقوم على فكرة تفضيل مصلحة على مصلحة .

ولما كانت الإدارة تمثّل جهة الطرف الّذي يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة وجب أن تتمتع بامتياز تجاه المتعاقد معها تمثل في أحقيتها في تعديل العقد بإرادتها المفردة دون أن يكون للمتعاقد معها حق الاحتجاج أو الاعتراض طالما كان التعديل ضمن الإطار العام للصفقة واستوجبته المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام .

وسلطة الإدارة في التعديل ليست مطلقة بل تمارس ضمن إطار محدد وضوابط دقيقة تتمثل فيما يلي:

1- أن لا يتعدى التعديل موضوع العقد:
لا شك أن الإدارة وهي تمارس سلطتها في التعديل تباشرها على نحو يراعي موضوع العقد الأصلي وان لا يتجاوزه. فلا يجوز لجهة الإدارة أن تتخذ من سلطة التعديل ذريعة أو مطية لتغيير موضوع العقد وإرهاق الطرف المتعاقد معها.
وعليه لا تستطيع الإدارة أن تعدل أحكام العقد على نحو يغير موضوعه. وإلا كنا أمام عقد جديد. ذلك أنّ المتعاقد مع الإدارة عندما قبل التعاقد معها، وألتزم بتنفيذ مضمون العقد في أجال محدّدة، فإنّه راعي في ذلك قدراته المالية والفنية. فإن أقبلت الإدارة على التغيير الموضوعي أو الهيكلي للعقد، فإنّ ذلك قد لا يناسب المتعاقد معها. ومن هنا وجب أن يكون التعديل من حيث المدى والأثر نسبيا بحيث لا يؤثر على العقد الأصلي.

2- أن يكون للتعديل أسباب موضوعية:
لا شك أنّ الإدارة وهي تباشر سلطتها في تعديل العقود الإدارية لا تتحرك من فراغ بل هناك عوامل تدفعها لتعديل هذا العقد أو ذاك. بهدف ضمان حسن سير المرافق العامة وتلبية الخدمة العامة للجمهور في أحسن وجه.
إنّ الإدارة العامة تتعاقد في ظل ظروف معيّنة قد تتغير في مرحلة ما بعد توقيع العقد خاصة في العقود الإدارية التي تأخذ زمنا طويلا في تنفيذها كعقد الأشغال أو عقد التوريد. فإن تغيرت الظروف وجب الاعتراف للإدارة بحق تعديل العقد بما يتماشى والظروف الجديدة، وبما يراعي موضوع العقد الأصلي، ويلبي حاجات المنتفعين من خدمات المرفق العام.

3- أن يصدر قرار التعديل في حدود القواعد العامة للمشروعية:
إنّ الإدارة حين تقبل على تعديل صفقة ما، فإنّ وسيلتها في ذلك هي القرار الإداري. فتصدر السلطة المختصة قرارا إداريا بموجبه تعلن عن نيتها في تعديل صفقة عمومية. ووجب حينئذ أن تتوافر في هذا القرار سائر أركان القرار الإداري ليكون مشروعا. وهنا أيضا نسجل نقطة التقاء واقتران وتلازم أخرى بين نظرية القرار الإداري ونظرية الصفقات العمومية.
إنّ أعمال الإدارة وإن صنّفها الفقه إلى نوعين انفرادية من جهة، وتعاقدية من جهة ثانية، إلا أن العلاقة بينهما قائمة. إذ قد تصدر الإدارة قرارا إداريا له علاقة بصفقة عمومية. كالقرار المتعلق بأعمال جديدة واردة في صفقة عمومية فتصدر الإدارة قرارها ثم تبادر إلى الإعلان عن التعديل.

وكما مّر بنا بالنسبة لسلطة الإشراف أن الإدارة تصدر قرارات بموجبها تعلن عن تعليمات موجهة للمقاول تتعلق بتنفيذ موضوع صفقة عمومية. ومن المفيد الإشارة أنّ فقه القانون الإداري لم يسلم كله بسلطة التعديل. فهناك من الفقهاء من أنكرها على الإدارة. وهناك من قيدها وحصرها في نوع معين من العقود كعقد الأشغال العامة وعقد الامتياز. وتبرير ذلك أنّ عقد الامتياز مثلا يتضمن شروطا لائحية تسوغ للإدارة حق التدخل لتعديل بنود العقد.وكذلك الحال في عقد الأشغال . أمّا في غير العقدين المذكورين لا يجوز مباشرة حق التعديل، إلا إذا تمّ الاتفاق عليها في العقد.

والحقيقة أن مثل هذا الرأي من شأنه أن يجرّد الإدارة من أحد أهم مميزات ومظاهر العقد الإداري فطالما تميز العقد الإداري بموضوعه وبعلاقته بالمرفق العام وبخدمة الجمهور وبالمصلحة العامة. وجب أن يتميز بالمقابل بالسلطات الممنوحة للإدارة وعلى رأسها سلطة التعديل. وإلا فإن العقد الإداري سيقترب من العقد المدني وتختفي مظاهره المميزة وتذوب نتيجة لذلك امتيازات السلطة العامة في مجال التعاقد وهو من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء الأحكام المميزة للعقد الإداري.
وإذا كانت بعض الدراسات قد أشارت إلى أن مجلس الدولة الفرنسي طبق لأول مرة سلطة التعديل بتاريخ 21-02-1910 بمناسبة فصله في قضية ترام مرسيليا. .فإنّ هناك دراسات أخرى أكدت أنّ مجلس الدولة الفرنسي طبق سلطة التعديل لأول مرة بتاريخ 10 جانفي 1902 في قضية (غازدوفيل).

ورجوعا للمرسوم الرئاســـي 02-250 وتحديدا للمواد 89 إلى 93 نجدها وردت تحت عنوان الملحق (L’avenant) فأجازت المادة 89 للإدارة المتعاقد إبرام ملاحق وفسرت المادة 90 المقصود بالملحق بأنه” وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات أو تقليلها و/أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة الأصلية”.

ومن النص أعلاه نستنتج أن سلطة التعديل تجد أساسها القانوني في التشريع الجزائري في المادة 90 من المرسوم الرئاسي والّتي أجازت للإدارة وفي جميع الصفقات العمومية أن تعدل بندا أو بنود إن بالزيادة أو النقصان.غير أن هذا التعديل مشروطا بما يلي:
1- أن يكون مكتوبا طالما كانت الصفقة الأصلية مكتوبة فعنصر الكتابة أمر لازم في حال ممارسة الإدارة لسلطة التعديل وهذا شرط طبيعي فالتعديل فرع أو جزء من الصفقة
وجب أن يخضع لما تخضع له شكلا بتوافر عنصر الكتابة
2- أن لا يؤدي التعديل إلى المساس الجوهري بالصفقة وهذا ما أشارت إليه الفقرة الأخيرة من المادة 90 . وهذا شرط طبيعي ولازم أيضا إذ أن التعديل الجوهري من شأنه أن يجعلنا أمام صفقة جديدة.
3- أن يتعلّق التعديل بالزيادة أو النقصان على أن يراعي فيه السقف المالي المحدّد في المادة 93 من المرسوم الرئاسي المعدلة سنة 2008 وقدره20 % من الصفقة الأصلية بالنسبة إلى الصفقات التي هي من اختصاص لجنة الصفقات التابعة للمصلحة المتعاقدة. و10% من الصفقة الأصلية بالنسبة إلى الصفقات التي هي من اختصاص اللجنتين الوطنيتين للصفقات وفق ما سنبينه في الفصل الخاص بالرقابة.
وحتى يبعث المشرع بساطه ومرونة على إجراء أو سلطة التعديل نص في المادة 93 من المرسوم الرئاسي على عدم إخضاع الملحق لفحص هيئات الرقابة القبلية.
ومن البديهي القول أن سلطة التعديل تخضع لرقابة القاضي الإداري الذي إذا رفعت الدعوى أمامه من الطرف المعني صاحب المصلحة سعى إلى التأكد من مدى تناسب موضوع التعديل مع مقتضيات حسن سير المرفق العام. والتأكد من مدى علاقته بالصفقة الأصلية وبالحدود المالية المنصوص عنها تشريعا وعلى ضوء ذالك يقدر عما إذا هناك تعسف في ممارسة سلطة التعديل من عدمه.

المبحث الثالث: سلطة توقيع الجزاء.

تملك الإدارة المتعاقدة باعتبارها سلطة عامة توقيع جزاءات على المتعاقد معها إذا ثبت إهماله أو تقصيره في تنفيذ أحكام العقد، أو عدم مراعاته آجال التنفيذ. ولم يحترم شروط التعاقد أو تنازل عن التنفيذ لشخص آخر وغيرها من صور الإخلال المختلفة.
ويعود تأسيس سلطة توقيع الجزاء إلى فكرة تأمين سير المرافق العامة بانتظام واطراد. فهذه الأخيرة تفرض تزويد جهة الإدارة والاعتراف لها في مجال التعاقد بممارسة جملة من السلطات من بينها سلطة توقيع الجزاءات للضغط أكثر على المتعاقد معها وإجباره على احترام شروط العقد والتقيد بالآجال وكيفيات التنفيذ دون حاجة للجوء للقضاء. بل دون حاجة للنص عليها قانونا. ويمكن تصنيف هذه الجزاءات إلى :
أولا: جزاءات مالية
ثانيا: وسائل الضغط
أولا: الجزاءات المالية:
تتخذ الجزاءات المالية إما صورة الغرامات أو صورة مصادرة مبالغ الضمان.

أ-الغرامات:
تملك الإدارة المتعاقدة طبقا للمرسوم الرئاسي ممارسة سلطة الجزاءات المالية. وتجد هذه السلطة أساسها القانوني في المادة 8 من المرسوم الرئاسي والتي جاء فيها:” يمكن أن ينجر عن عدم تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها في الآجال المقررة أو تنفيذها غير المطابق فرض عقوبات مالية دون الإخلال بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في التشريع المعمول به.
تحدد الأحكام التعاقدية للصفقة نسبة العقوبات وكيفيات فرضها أو الإعفاء منها طبقا لدفتر الشروط…”.
وهكذا خوّل المشرّع الجزائري بموجب النص أعلاه للإدارة المتعاقدة حق توقيع الجزاءات المالية في شكل غرامة وقيد مجال ممارستها في حالتين بمنطوق النص:

1- في حالة عدم تنفيذ الالتزامات محل التعاقد في الأجل المتفق عليه :
لا شك أن الإدارة المتعاقدة عندما تتعاقد تضع بعين الاعتبار عنصر الزمن الذي ينبغي خلاله تنفيذ العقد. حتى يتسنى لها الانتهاء من عملية تعاقدية والدخول في علاقة جديدة.أو تنفيذ جزء أو شطر من البرنامج المسطر والانتقال إلى جزء أخر وهكذا. فلا يمكن من حيث الأصل إغفال عنصر الزمن أو عدم ايلائه الأهمية التي تليق به. والأمر يتعلق بمرفق عام وبخدمات عامة وبمصلحة عامة.
ومن هذا المنطق وجب تسليط جزاء مالي على كل متعاقد ثبت إخلاله بالقيد الزمني أو المدة المقررة لتنفيذ العقد. خاصة وأن هذه المدة هي من اقتراح المتعهد أو المتعاقد مع الإدارة.حينما أقبل على إيداع ملف المناقصة و تعهد باحترام المدة المتفق عليها.

إنّ المتعاقد مع الإدارة حينما يتعهّد بتنفيذ موضوع العقد خلال مدة زمنية معيّنة متفق عليها في العقد، فإنّ العقد الإداري هنا يقترب مع العقد المدني في المبدأ الذي يحكمه أن ” العقد شريعة المتعاقدين”. فالمتعاقد مع الإدارة التزم بالتنفيذ خلال مدة ذكرت في العقد ثم أخل بهذا الالتزام. فالوضع الطبيعي أن يخضع لجزاء. وهذا الأخير تسلطه الإدارة دون حاجة للجوء للقضاء.وهو أحد مظاهر ممارسة السلطة العامة. ومظهر تميز للعقد الإداري عن العقد المدني.

2- في حالة التنفيذ الغير مطابق:
هنا يفترض أنّ المتعاقد مع الإدارة أخل بالشروط المتفق عليها وكيفيات التنفيذ. فخرج عن الالتزامات الّتي تعهّد بها. فالوضع الطبيعي أيضا في الحالة هو خضوعه لجزاء مالي.

وينبغي الإشارة أنّ الجزاء المالي وإن كان مقررا بموجب أحكام المرسوم الرئاسي 02-250 (المادة 8منه). إلا أنّ له أيضا أساس عقدي. ذلك أنّ المادة 8 المذكورة في فقرتها الثانية ورد فيها أن نسبة الجزاء المالي تحدد في الصفقة. وهذا ما أكدته المادة 50 من المرسوم الرئاسي التي أوجبت ذكر نسب العقوبات المالية وكيفيات حسابها وشروط تطبيقها أو النص على حالات الإعفاء منها في الصفقة.

ب-مصادرة مبلغ الضمان:
لما كان للصفقة العمومية صلة بالخزينة العامة من جهة، وبحسن سير المرفق العام بانتظام واطراد من جهة ثانية، وبالجمهور المنتفع من خدمات المرفق من جهة ثالثة وجب أخذ الاحتياطات اللازمة لتأمين الإدارة والضغط أكثر على المتعاقد معها وجبره على تنفيذ التزاماته في الآجال المتفق عليها وبالشروط والمواصفات والكيفيات الواردة في عقد الصفقة.
ولقد أوجب قانون الصفقات العمومية الجزائري في المادة 80 منه (المرسوم الرئاسي02-250) على المصلحة المتعاقدة أن تحرص في كل الحالات على إيجاد الضمانات الضرورية التي تضمن وجودها في وضعية مالية حسنة بما يكفل حسن تنفيذ الصفقة ولا يكون ذلك إلا بفرض ضمانات مالية بعنوان كفالة حسن التنفيذ.

وأكدت نصوص المرسوم الرئاسي أن كفالة حسن التنفيذ تخص المتعامل المتعاقد الوطني كما تخص المتعامل المتعاقد الأجنبي إذا لم يدعم عن طريق حكومة دولته وفي هذه الحالة وجب أن يعتمد البنك الأجنبي عن تغطيته لمبلغ كفالة مصرفية من قبل البنك الجزائري المختص. أمّا عن مبلغ الكفالة فحددته المادة 87 من المرسوم الرئاسي بين 5% و10% من مبلغ الصفقة. كما يلزم المتعامل المتعاقد بتقديم كفالة رد التسبيقات المنصوص عنها في المادة 63 من المرسوم وهي كلّها مبالغ يلزم المتعامل المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة بواسطة بنك لتمارس عن طريقها الجزاء المالي في الإطار الّذي حدده القانون.

ثانيا: وسائل الضغط.
من وسائل الضغط المكرّسة قضاء والمعتمدة فقها أنّ تعهّد الإدارة المتعاقدة تنفيذ العقد في عقد التوريد مثلا لشخص آخر على حساب المتعامل المتعاقد الذي أخل بالتزامه. وتأسيس ذلك أنّ لموضوع الصفقة صلة وثيقة كما رأينا بفكرة استمرارية المرفق العام وخدمة الجمهور. فلا يمكن التسليم بتوقّف نشاط المرفق، وتأثر حركته ومردوده، بسبب تقصير المتعاقد مع الإدارة، بل ينبغي الاعتراف لها (الإدارة) ولضمان أداء الخدمة وعدم توقفها باللّجوء لشخص آخر تختاره فيزوّدها بالمادة موضوع الصفقة ويتحمّل الطرف المقصر النتائج المالية الناجمة عن هذا التنفيذ.
كما لو أخلّ المتعهّد مع إدارة الخدمات الجامعية تزويدها بالمادة محل التعاقد في المدّة الزمنية المتفق عليها في العقد. فللإدارة المعنية حق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرارية المرفق وأداء الخدمة للطلبة.
وتملك الإدارة أيضا في عقد الأشغال توقيف الأشغال وسحب العمل من المقاول وإسناده لشخص آخر. وهذا بعد استيفاء جملة من الإجراءات و توافر جملة من الشروط.

وهكذا ملكت الإدارة عند تنفيذها لصفقة عمومية وسائل التنفيذ العيني فإن لم يقم المتعامل المتعاقد بالوفاء بما تعهّد به، تحركت جهة الإدارة المعنية ولجأت لأسلوب الضغط على المتعاقد معها وجبره على التقيّد بالتزاماته.

غير أنّ هذه السلطة، وبالنظر لخطورتها وآثارها، فإنّ الإدارة لا تلجأ إليها إلا في حالات الإخلال الجسيم بالأحكام التعاقدية وبكيفية تنفيذ موضوع الصفقة. وعادة ما توجه الإدارة قبل ممارستها لهذه
السلطة إعذارا ينشر في الصحف لتنذر به الطرف المخل وتمارس بعد إصداره الإجراءات القانونية اللازمة في هذه الحالة .

المبحث الرابع: سلطة إنهاء العقد:

يستهدف هذا الامتياز أو السلطة المخوّلة للإدارة إنهاء الرابطة التعاقدية وقطع العلاقة بينها وبين المتعامل المتعاقد. ويفترض هنا في هذه الحالة أن يقدم المتعامل المتعاقد على ارتكاب خطأ جسيم يخول للإدارة ممارسة هذه السلطة.
فإذا وضعنا بعين الاعتبار أنّ العقد الذي يربط الإدارة بالمتعامل معها هو عقد امتياز. فإنّنا نتصور في هذه الحالة أن يلجأ الملتزم إلى خرق بنود العقد المتعلقة بالرسوم التي يلزم المنتفعون من خدمات المرفق بدفعها، فيبادر إلى رفعها دون علم الإدارة وموافقتها أو يميّز بين المنتفعين اعتمادا على أسس تتعلق بجنس المنتفع أو معتقده. فهذا الفعل من جانبه يخوّل للإدارة فسخ الرابطة العقدية. وقد أطلق مجلس الدولة الفرنسي على هذه الحالة مصطلح إسقاط الالتزام.
غير أن سلطة فسخ العقد، وبالنظر لخطورتها وأثارها، فإن الإدارة قبل ممارستها تلزم بإعذار المعني بالأمر، الملتزم مثلا في عقد الامتياز وهذا ما أقره القضاء المقارن.

ولقد أحسن المشرّع الجزائري صنعا عندما نص في المادة 99 من المرسوم الرئاسي 02-250 على وجوب توجيه إعذار للمتعامل المتعاقد بهدف الوفاء بالتزاماته خلال مدة معيّنة. كأن نتصوّر أنّنا أمام عقد أشغال عامة وأنّ المتعامل المتعاقد توقف عن الأشغال مدة طويلة بما سينعكس سلبا على مدّة إنجاز العقد وبما سيؤثر على نشاط المرفق. وفي هذه الحالة توجه الإدارة المعنية إعذارا للمعني وتمنحه

أجلا للوفاء بما تعهد به. وإن كان المرسوم لم يبيّن شكل الإعذار إلا أنّه في عقد الأشغال العامة بالذّات نجد أنّ الإدارة كثيرا ما تستعمل وسائل الإعلام المكتوبة (الجرائد) لتنبيه المعني قبل ممارسة سلطة الفسخ. وهذا ما تؤكده الإعذارات الكثيرة المنشورة يوميا في الجرائد.
وإذا كان العقد المدني هو الآخر وطبقا للمادة 119 من القانون المدني يخول المتعاقد توجيه إعذار في حال عدم الوفاء بالالتزامات العقدية وبذلك يقترب العقد المدني بالصفقة العمومية. إلا أن مظهر تميز الصفقة يظل واضحا. فعدم الوفاء بالالتزامات بعد انتهاء مدة الإعذار يخول للطرف المدني ( في العقد المدني) أحقية اللّجوء للقضاء للمطالبة بالفسخ والتعويض. فالمتعاقد في ظل القانون المدني لا يملك أحقية الفسخ المنفرد بل يلجأ للقاضي. بينما الإدارة مخوّل لها سلطة الفسخ بإرادة منفردة ودون حاجة اللجوء للقضاء.

وجاء المرسوم الرئاسي 02-250 موضحا أكثر في المادة 99 منه سلطة الفسخ فنصت على أنها تتم من جانب واحد (إرادة الإدارة لوحدها) ودون حاجة للجوء للقضاء.
وهذا مظهرا آخر تميّزت به الصفقات العمومية عن العقود المدنية. هذه الأخيرة التي تأخذ طابع الفسخ القضائي ولا تزوّد أي طرف بممارسة سلطة اتجاه الطرف الآخر.
ولم يكتف المرسوم بالإعلان عن الفسخ من جانب واحد، بل نص على عدم قابلية الفسخ للاعتراض إذا لجأت الإدارة إلى تطبيق البنود الواردة في الصفقة. والحكمة الّتي أراد المشرّع تحقيقها هي الاستمرار في فرض الضغوط المعنوية والقانونية على المتعامل المتعاقد حتى يتقيّد أكثر بالالتزامات التعاقدية بما يضمن حقوق الإدارة ويكرس مبدأ حسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد . ويكفل حقوق الجمهور المنتفع من خدمات المرفق العام.
وإلى جانب الفسخ الأحادي (من جانب واحد) أجازت المادة 100 من المرسوم اللّجوء للفسخ التعاقدي حسب الشروط المدرجة في الصفقة. وهنا تقترب الصفقة من العقد المدني. الّذي يخوّل أطرافه أحقية الفسخ التعاقدي طبقا للمادة 120من القانون المدني.