الدليل الكتابي ودوره في الاثبات في التشريع الجنائي المغربي

اعداد:
أفتيس ياسين
طالب باحث بماستر المنازعات والمهن القانونية

تقديم
يعد الإثبات من أهم الوسائل لتحقيق العدالة، ويتميز بخصوصية بالغة في الميدان الجنائي لكونه ينصب على وقائع مادية ونفسية يصعب إثباتها، بخلاف الإثبات في الميدان المدني، الذي ينصب على وقائع قانونية يسهل إعداد الدليل بشأنها سلفا. وعليه فالنزاع القضائي مدنيا كان أم جنائيا يقوم أساسا على عنصر الإثبات، ذلك أن المدعي وهو يقدم دعواه إلى أي جهة قضائية لابد أن يدلي بالحجج و الأدلة الكافية لتأييد إدعائه و مزاعمه، و إلا كانت عرضة للرفض مع ما يترتب على ذلك من نتائج قانونية[1].

ويقع عبء الإثبات في الدعوى العمومية على النيابة العامة التي يجب أن تقدم الدليل إلى المحكمة من أجل إدانة المتهم من عدمه، و لا يلزم المتهم بإثبات براءته، فقد يكتفي بالصمت من أجل دفع التهم الموجهة إليه.

ويقوم الإثبات في المادة الزجرية على مجموعة من المبادئ، ولعل أبرزها الحرية في إقامة الدليل أمام القضاء وهذا ما يستشف من الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربي حيث جاء فيه “يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات … ” أي أن الإثبات في الميدان الزجري- خلاف المدني – حر بمعنى أن كل وسائل الإثبات التي يقرها القانون يمكن الاستدلال بها أمام القضاء الزجري، الذي لا يجوز له أن يرفض لأحد الأطراف أي دليل يراه منتجا في تبيان الحقيقة.

ويتأسس هذا المبدأ كما ذكرنا سابقا على أن الإثبات في الشق الجنائي يرتكز على وقائع إجرامية مادية وليس على تصرفات قانونية تستلزم نوعا معينا من الأدلة، لذلك وجب السماح بإثباتها أي الوقائع الإجرامية بجميع وسائل الإثبات المعروفة.

وبالتالي فالأصل هو حرية الإثبات والذي يقابله الحرية في الاقتناع الذي يجب أن يكون مبررا، وهي مجموعة من المبادئ التي تطبق في المادة الجنائية على أنه يبقى لكل قاعدة استثناء والاستثناء حاضر وواضح في نفس الفصل المشار إليه أعلاه الذي أكد بقوله “… ما لم يقضي القانون فيها بخلاف ذلك” مما يعني أن المبدأ السابق له مستثنيات، عمل المشرع الجنائي الإجرائي من خلالها على التلطيف من القوة الإطلاقية لمبدأ الحرية في الإثبات، وهو ما يعرف بالإثبات المقيد.

حيث فرض في بعض الحالات المحدودة جدا الإثبات بوسائل محددة فقط و سنقوم بحصر نطاق دراستنا في وسيلة وحيدة من وسائل الإثبات في المادة الجنائية ألا وهي الدليل الكتابي – المحررات و الأوراق والمحاضر- إذ أن هذا الأخير أي الدليل الكتابي في المادة الجنائية قد يكون جسم الجريمة ذاتها، كالعقد المزور و الرسالة التي تتضمن تهديدا… كما قد يكون المحرر مجرد دليل من الأدلة في الدعوى، كمفكرة تتضمن سردا لوقائع جريمة القتل حيث يشكل ذلك اعترافا من المتهم بالجريمة، وقد يكون المحرر جامعا للأمرين معا أي للركن المادي للجريمة و الدليل عليها في نفس الوقت، كالشيك الذي يصدره صاحبه بدون مؤونة[2].

أما من حيث مصدر الدليل الكتابي فيكون من المتهم نفسه، أو من الغير وهذا الأخير قد يكون شخصا عاديا أو موظفا عموميا، غير مكلف بالتثبت من الجريمة وجمع الأدلة عنها وقد يكون موظفا عموميا، عهد إليه المشرع فعلا بالتحري عن الجرائم و استخلاص الأدلة على ارتكابها.

وعليه لقد عدد المشرع المغربي وسائل الإثبات في القسم الثالث من الكتاب الثاني من قانون المسطرة الجنائية، من المادة 286 إلى المادة 296 من اعتراف وخبرة وشهادة الشهود، ولم ينص على الكتابة كوسيلة بصفة ظاهرة ولم يخصها بمقتضيات واسعة في ظل هذا القانون، باستثناء ما يستشف عند تنظيمه للمحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية – والتي لن تكون محلا لدراستنا هاته على اعتبار أنها استغرقت بحثا –

وكذا بعض المواد الأخرى كالمادة 294 و 213 من نفس القانون بالإضافة إلى المادة 288 التي تستلزم سلوك المقتضيات المنصوص عليها في القانون المدني- والتي غالبا ما تتضمن الكتابة – من أجل ثبوت جريمة معينة، تسري عليها أحكام القانون المدني ثم بعض النصوص المتناثرة في قوانين أخرى،كالاستثناء المتعلق مثلا بجريمتي الفساد و الخيانة الزوجية، الذي ألزم المشرع لإثباتهما وجود محرر رسمي يحرره ضابط للشرطة بمناسبة التلبس، أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم، أو اعتراف قضائي ( الفصل 493 من القانون الجنائي )

وهكذا فللكتابة أهمية بالغة إذ تشكل في وقتنا الحاضر وبعد التطور العلمي الهائل، في شتى المجالات أساسا متينا لمعظم القضايا الجنائية،فلقد كانت ولازالت تعد من الأدلة القوية،التي يمكن أن يؤخذ بها في الدعوى لكونها تشكل عنصرا في حفظ الحق وتأكيده، وأصبح القضاء بالرغم من استقلاليته وانفراده بالحكم،لا يستطيع أن يتجاهل هذا الدليل في الحكم بالدعوى[3].

و يطرح موضوع الدليل الكتابي في المادة الجنائية إشكالية رئيسية تتجلى في مدى نجاعة هذه الوسيلة في إثبات بعض الجرائم و تحقيق العدالة الجنائية ؟ وما مدى قوة وحجية هذه الوسيلة وقيمتها أمام القضاء المغربي ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل :

– ما الدليل الكتابي وما هي مصادره وأنواعه؟

– ما هي الحجية المعترف بها لمختلف أصناف الأدلة الكتابية؟ وما الضوابط المستلزمة في الدليل الكتابي حتى يكون مقبولا أمام القضاء؟

– وما هي بعض الجرائم التي تسري عليها الكتابة كوسيلة للإثبات؟ وما هي أبرز القيود الواردة على هذه الوسيلة؟

و من أجل الإلمام بمختلف الجوانب التي يطرحها هذا الموضوع سنحاول تقسيمه إلى مبحثين وذلك وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: الأحكام العامة للدليل الكتابي في التشريع الجنائي المغربي

المبحث الثاني: القيود الواردة على الدليل الكتابي وتجلياته في بعض الجرائم

المبحث الأول: الأحكام العامة للدليل الكتابي في التشريع الجنائي المغربي
سنحاول من خلال هذا المبحث التطرق إلى بعض المقتضيات العامة التي تحكم الدليل الكتابي، ونعلم أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال التعريف و الكشف عن ماهيته، وتحديد أصنافه وملامسة حجيته أمام القضاء ( المطلب الأول ) مبرزين في نفس الآن بعضا من الضوابط اللازم توفرها في الدليل الكتابي حتى يكون مقبولا أمام القضاء ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم الدليل الكتابي أصنافه ومصادره و حجيته
فكما هو معلوم أن دراسة أي موضوع من المواضيع القانونية، و غيرها يستلزم بالضرورة تفكيك مفاهيمها الأساسية و توضيحها، وهذا ما سنقوم به من خلال (الفقرة الأولى) حيث سنقوم بتعريف الدليل الكتابي في إطارها لننتقل بعد ذلك في (فقرة ثانية) إلى الحديث عن أنواع الأدلة الكتابية ومصادرها كما سنعمل ضمنيا على إبراز حجيتها

الفقرة الأولى: مفهوم الدليل الكتابي:
لوضع مفهوم شامل للدليل لكتابي قررنا تقسيم هذه الفقرة إلى نقطتين، حيث سنتناول في نقطة أولى المقصود بالدليل ثم في نقطة ثانية مفهوم الكتابة.

أولا:مفهوم الدليل

قيل أن الدليل هو الواقعة التي يستمد منها القاضي البرهان على إثبات اقتناعه بالحكم الذي ينتهي إليه ويمكن تعريف الدليل أيضا بأنه كل ما يوصل إلى الحقيقة، ويراد به في الميدان الجنائي إثبات وقوع الفعل واثبات ارتكابه من طرف المتهم، فهو إذن سعي العقل البشري للوصول للحقيقة في نطاق القواعد التي أجازها القانون، و لتحقيق هذه الغاية يجب أن يسير الفكر ضمن مناقشة منطقية تقود القاضي إلى نتيجة يقينية، مستقاة من الوقائع المبسوطة أمامه لبناء حكمه على الجزم و اليقين على اعتبار أن الأصل هو البراءة و الشك يفسر دائما لصالح المتهم.

ثانيا: مفهوم الكتابة

عرف البعض الكتابة بأنها تلك البيانات الرقمية و اللفظية التي تفيد مفرداتها منفصلة أو مجتمعة في السياق معنى قانونيا، أو تثبت واقعة أو تصرفا قانونيا كما أن الفقهاء لم يخصوها بتعريف يميزها و إنما أطلقوا عليها ألفاظا مختلفة باعتبارها دليلا للإثبات ومن تلك الألفاظ ( الصك ، المحضر ، السجل ، الوثيقة …)[4]

فالكتابة في التشريعات الجنائية يكون لها مفهوما واسعا، فيستوي أن يكون الدليل الكتابي مكتوبا على الورق أو على الحائط أو قطعة قماش أو الجلد أو الخشب أو غير ذلك، وكيفما كانت المادة و الوسيلة التي أنجز بها هذا الدليل سواء بالآلة الراقنة أو بخط اليد أو على الحاسوب أو الهاتف النقال… المهم أن يكون هذا الدليل منتجا في الدعوى.

وبخصوص المشرع المغربي نجده لم يعرف الحجة الكتابية، بل اكتفى بمقتضى الفصل 418 من ظهير الالتزامات و العقود بإيراد الشكليات التي يجب أن تتوفر في الورقة الرسمية، وكذا الفصل 426 من نفس الظهير على شكليات الورقة العرفية،أما الفصل 417 فلقد عدد المصادر التي يمكن أن ينتج عنها الدليل الكتابي، إذ جاء فيه “الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفيه، ويمكن أن ينتج أيضا من المراسلات و البرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة و المذكرات و الوثائق الخاصة أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالات واضحة كيفما كانت دعامتها وطريق إرسالها”[5]

ويعرف الدليل الكتابي عموما بأنه ” المحرر أو الورقة التي تعد دليلا كاملا و المثبتة لتصرف من التصرفات سواء أكانت رسمية أم عرفية أو غيرها ”

الفقرة الثانية: أصناف الأدلة الكتابة ومصادرها وحجيتها:
فالأوراق و المحررات التي تكون محل نظر المحكمة الجنائية كوسائل إثبات قد تكون حاملة للركن المادي للجريمة، مثل المحرر المزور، و الصحيفة أو الكتاب المنشور فيه مقال يتضمن قذفا أو سبا أو نشرا لأسرار أو إجراءات متابعة يعاقب القانون على نشرها و الكتاب أو الرسم أو الصورة المطبوعة خرقا لقوانين حماية الملكية الأدبية و الرسائل و الأوراق الشخصية المتضمنة لقذف أو سب[6] (أولا) وقد تكون الورقة أو المحرر متضمنا لاعتراف المتهم بارتكاب الجريمة أو لواقعة لها ارتباط بإثبات وقوع الجريمة أو نسبتها إلى المتهم. ( ثانيا)

أولا- الأوراق الحاملة للركن المادي للجريمة:

وهذا الصنف من الأوراق وإن كان يحمل الركن المادي للجريمة، فمن الضروري عرضها على المتهم من أجل إبداء دفاعه بشأنها،فيناقش أولا نسبة الورقة إليه سواء كانت أدلة إثبات هذه النسبة مستمدة من الورقة ذاتها كإمضائه عليها أو من وساءل إثبات مستقلة.

وإذا فشل في دحض أدلة النيابة العامة إليه المتعلقة بنسبة الفعل إليه أمكنه بعد ذلك أن يناقش توافر عناصر الجريمة فيما تحمله الورقة كتوافر عناصر جريمة التزوير في الورقة المغيرة و عناصر جريمة السب أو القذف العلني في الصحيفة مثلا و عناصر جريمة التقليد في طبع الكتاب أو الرسم أو الصورة.[7]

ثانيا: الأوراق المتضمنة للاعتراف أو لوقائع مرتبطة بارتكاب الجريمة:

حيث يمكن تقسيم هذا النوع من الأوراق إلى فئتين الأوراق الصادرة عن المتهم

( أ) و الأوراق الصادرة عن الغير( ب)

– الأوراق الصادرة عن المتهم نفسه: ” الأوراق الشخصية “

أي ما يحرره شخصيا من كتابة على الأوراق، كالرسائل التي يبعثها للغير والمذكرات الشخصية التي يكتبها الشخص لنفسه دون أن تكون له نية لإرسالها وكل رسائل التهديد و القذف… وسائر التقييدات و التضمينات التي قد تفيد نسبة الجريمة إليه، كالخطاب الذي يرسله المشارك في الخيانة الزوجية لشريكته يتضمن اعترافا منه بممارسة علاقة غير شرعية معها، ويحصل أن يقع هذا الخطاب في يد الزوج المجني عليه، أو كالخادمة التي تسلم لصديق لها معلومات مدونة بغرض تسهيل المأمورية له عند قيامه بالسرقة من خزانة صاحب المنزل الذي تعمل معه.

– الأوراق الصادرة عن الغير

تعد الأوراق الصادرة عن غير المتهم، وسيلة من وسائل الإثبات الكتابية بحيث يشترط فيها أن تكون منتجة في الوقائع التي تتضمنها.

والغير يمكن أن يكون شخصا عاديا بدون صفة ولو لم تكن له صلاحية جمع الأدلة عن الجريمة ولكن المحرر الذي يصدر عنه تكون له علاقة بالجريمة[8] كأن يقوم المحاسب أو مراقب الحسابات بإنجاز تقرير يتضمن قيام عضو الإدارة أو التسيير باختلاس أموال الشركة بشكل يتعارض مع مصالحها[9]، وعلى الرغم من ذلك فهذه التقارير المعدة مثلا من قبل جهات لم يكلفها المشرع الجنائي أصلا بإعدادها فهي لا يمكن أن ترقى بأي حال من الأحوال إلى المحاضر و التقارير التي يعدها ضباط الشرطة القضائية، إذ تبقى مجرد بيانات ومعلومات للمحكمة الاستئناس بها فقط

وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة الابتدائية لابن مسيك ما يلي: ” إن التقرير المستدل به أنجز من طرف الشركة المشتكية، وبالتالي لا يعتبر محضرا أو تقريرا وفقا لمقتضيات المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية بل هو مجرد بيان يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة لاستنباط مدلوله وفق مبدأ الاقتناع الوجداني“[10]

و قد يكون هذا الغير موظفا عموميا له صفة معينة دون أن يكون مؤهلا من الناحية القانونية بالتثبت من الجريمة و الاستدلال عنها ولكنه يحرر أثناء قيامه بوظيفته كتابة لها علاقة بالجريمة كأن يكون مثلا موظفا مكلف بتصحيح الإمضاءات بأحد الجماعات الحضرية فيتبين له أن نسخة بطاقة التعريف الوطنية موضوع المصادقة مزورة وبالتالي تكون هذه النسخة دليلا كتابيا على ارتكاب صاحب البطاقة أو غيره لجريمة التزوير.[11]

وبخصوص المحررات السالفة الذكر، سواء كانت رسمية أم عرفية ليس لها أية حجية قاطعة في مجال الإثبات الجنائي، فهي تخضع كلها لتقدير محكمة الموضوع و التي لها أن تأخذ بها وتبني عليها حكمها إذا ما رأت أنها كافية لتكوين قناعاتها أو أن تطرحها جانبا دون أن تكون ملزمة بتعليل طرحها لها.

على خلاف ما اتجه إليه البعض، الذي اعتبر الورقة الرسمية لا يمكن تصور خضوعها لتقدير القاضي الزجري، لأنها داخلة في نظام الإثبات القانوني المقيد، و لأنها حجة مدنية محضة لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور حسب الفصل 419 من ظهير الالتزامات و العقود، أما الأوراق العرفية فتبقى خاضعة لتقدير القاضي في الأخذ بها من عدمه[12] على اعتبار أن إنكار الخط أو التوقيع فيها من قبل من وجهت إليه كحجة ضده يبقيها خاضعة لسلطة القاضي في تقييم و تقدير قيمتها التبوثية.[13]

و بهذا الصدد نجد قرار صادر عن المجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا- جاء فيه ما يلي ” للمحكمة سلطة في تقدير المستندات العرفية، ولكنه اشترط عدم تحريفها ( أي الإعمال بمضمونها ) أو إهمالها دون زيادة أو نقصان لأن ذلك التحريف ينزل بمنزلة عدم التعليل “[14]

كما يطرح التساؤل حول قيمة الورقة، والتي لا تعتبر رسمية و لا عرفية بمعنى غير صادرة عن جهة لها صلاحية التوثيق، و خالية من أي توقيع فهل يمكن الإعمال بها كوسيلة للإثبات أم ينبغي استبعادها بالمرة ؟

نعتقد أن الورقة حتى و لو كانت خالية من أي توقيع، يمكن للقاضي اعتمادها من أجل تكوين قناعاته إذ اقتنع فعلا أنها صادرة من المتهم فالرسائل أو البرقيات و المذكرات ليس بالضرورة أن تكون متضمنة لتوقيع كاتبها حتى يتمكن القاضي من توجيهها ضده، حيث ذهبت محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها إلى مايلي :

” إن القانون إذ جعل المكاتيب من الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا لم يستوجب أن تكون هذه المكاتيب موقعة من المتهم بل كل ما استوجبه هو ثبوت صدورها منه وعليه فالمحكمة لا تكون قد جانبت الصواب، إن هي استندت في إثبات الزنا إلى مسودات مكاتيب بينه وبين المتهم، ولو كانت غير موقعة مادام قد ثبت صدورها عنه “[15]

كما يمكن أن يكون هذا الغير الصادرة عنه هذه الأوراق موظفا عموميا عهد إليه المشرع فعلا بالتحري عن الجرائم وجمع الأدلة عنها ومثال على ذلك المحاضر التي يحررها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة قيامهم بالبحث التمهيدي.

المطلب الثاني : الضوابط المتطلبة في الدليل الكتابي من أجل الأخذ بها كوسيلة إثبات
إن القاضي الجنائي من أجل تكوين قناعاته عملا بنظام الاقتناع الذاتي عليه مراعاة مجموعة من الضوابط المعينة التي على أساسها يتأسس حكمه ولعل أهمها عرض الدليل الكتابي في جلسة علنية – من حيث المبدأ – من أجل مناقشته ( الفقرة الأولى ) ثم أن يبني القاضي الجنائي حكمه على اليقين و أن يبين الأسباب القانونية و الموضوعية التي بني عليها حكمه ( الفقرة الثانية ) كما يجب أن يكون الدليل الكتابي قد حصل عليه بطري مشروع ( الفقرة الثالثة ) ثم ضرورة الأخذ بمبدأ تعاضد الأدلة و تساندها ( الفقرة الرابعة )

الفقرة الأولى : طرح الأدلة في الجلسة

وهذا يعني أن القاضي ملزم بطرح الدليل الكتابي ومناقشته في الجلسة[16] شفهيا و بحضور الأطراف، حتى يدلي كل واحد برأيه فيه ومن ثم لا يجوز للقاضي الفصل في الدعوى اعتمادا على دليل وصل إلى علمه الشخصي من غير أن يطرح للمناقشة في جلسة المحاكمة[17] إذ قد يدفع المتهم مثلا بأن الورقة لا تعود إليه أو ينازع في مضمونها كونها مزورة وبالتالي فمن حقه إبداء دفاعه بشأنها حيث جاء في أحد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – ما يلي:

” إنه بمقتضى الفصل 289 من قانون المسطرة الجنائية فإن القاضي لا يمكنه أن يبني مقرره إلا على حجج عرضت أثناء الإجراءات ونقوشت شفهيا و حضوريا أمامه ولهذا يتعرض للنقض المقرر الذي بني على علم رئيس الجلسة عندما قام بالتحقيق في قضية سالفة”[18]

الفقرة الثانية : بناء الحكم على اليقين

في حالة الإدانة فلا بد من بناء الحكم الجنائي على الجزم و اليقين لا على مجرد الترجيح و التخمين وإلا وقع نقض الحكم المشوب بهذا العيب. فالمحكمة إذا ارتأت أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته[19]

فالحكم يجب أن تخلو حيثياته من الغموض و الإبهام، كما ينبغي ألا يتم الإشارة في أسباب الحكم إلى الدليل الكتابي بصورة مجملة ومقتضبة،و إنما يجب توضيح وجه الاقتناع بهذا الدليل بشكل يفصح أن المحكمة لم تصدر حكمها الإدانة أو البراءة، إلا بعد أن ألمت بواقعة الدعوى ومحصت أدلة الثبوت تمحيصا كافيا.

الفقرة الثالثة : أن تكون الأدلة صحيحة ومشروعة

يشترط لقبول الدليل أن يكون مشروعا في ذاته غير مخالف للقانون، وأن يكون وليد إجراءات صحيحة فلا يمكن للقاضي أن يبني عقيدته على دليل غير مشروع أي غير مستوف لشروط صحته وعناصرها الجوهرية أو كان وليد دليل باطل[20]ومن ثم فالدليل المحصل عليها بطريق غير مشروع، كالنصب أو السرقة مثلا أو كانت ثمرة لإجراءات باطلة كورقة مستمدة من تفتيش باطل فإن على القاضي مراعاة عدم المشروعية هذه[21]. وكل ذلك تطبيقا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل، فإذا تقرر بطلان إجراء ما فإنه يمتد إلى الدليل المستمد منه وقد أقرت محكمة العدل الخاصة بطلان الدليل الناتج عن إجراءات باطلة في حكمها عدد 773 الصادر بتاريخ 13 أبريل 1779 بقولها ” إنه لا يعتد بالمحاضر التي تنجزها الضابطة القضائية على إثر وضع تحت الحراسة غير قانوني، و إن المحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية في الحالة التي يكون فيها قاضي التحقيق واضعا يده على النازلة،ولم ينتدبهم للقيام ببعض أعمالهم لا يعتد بها “[22]

الفقرة الرابعة : تعزيز الأدلة لبعضها

إن القاضي وهو بصدد إقامة اقتناعه الذاتي عليه ألا ينسى بأن الأدلة تعزز بعضها، بمعنى أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة و متآزرة يكمل بعضها البعض، تتكون عقيدة القاضي،منها مجتمعة وتشكل بنيانا متكاملا.[23] لذلك فالحكم الذي مع قوله بطلان التفتيش يأخذ بما تتضمنه ورقة وقع حجزها بمناسبة التفتيش الباطل لتكملة الدليل المستنتج من أقوال المتهم في التحقيق الإعدادي بقصد إدانته يعتبر حكما معيبا مما يستوجب النقض[24]

المبحث الثاني: القيود الواردة على الدليل الكتابي وتجلياته في بعض الجرائم
سنحاول من خلال هذا المبحث التطرق إلى بعض القيود التي ترد على الدليل الكتابي في الميدان الجنائي والتي تحد من سلطة القاضي التقديرية عند نظره في الدعوى ( المطلب الأول ) على اعتبار أن هناك جرائم عديدة تتجلى فيها الكتابة بشكل واضح حيث سنعمل على توضيح أمثلة عنها من خلال ( المطلب الثاني)

المطلب الأول : بعض القيود الواردة على الدليل الكتابي في المادة لجنائية
إن الدليل الكتابي يمكن أن ترد عليه بعض الاستثناءات إذ بوجودها تمتنع المحكمة في اعتماده كوسيلة للإثبات وذلك يرجع إما لعدم الحصول على هذا الدليل بطريق مشروع و قانوني (الفقرة الأولى ) أو حينما يتم الاعتماد على وثائق أو أوراق ,, صرح ببطلانها في مرحلة من مراحل الدعوى العمومية ( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى : عدم إمكانية اعتماد الدليل الكتابي الناتج بين المراسلات الدائرة بين المتهم ودفاعه
لا يمكن أن تنجم عن هذا النوع من الرسائل أي حجية كتابية فإذا كتب المعتقل بالسجن مثلا رسالة إلى محاميه يعترف فيها بارتكابه الجريمة وتم التقاط هذه الرسالة و إضافتها إلى الملف غير أن المتهم أنكر التهمة الموجهة إليه في جميع أطوار البحث و التحقيق ولم تستطع النيابة العامة و الضحية إثبات عكس ذلك فإن المحكمة لا يمكنها الاعتماد على المراسلة بين المتهم و المحامي [25] لإصدار حكم بالإدانة و السند في هذا هو أن المراسلة بين المتهم و محاميه تدخل ليس فقط في إطار سرية المراسلة بل كذلك في إطار السر المهني للمحامي وفي إطار الشرعية الواجبة في وسائل الإثبات.

ولقد أوضح المشرع المصري في نص المادة 96 من قانون الإجراءات الجنائية على انه: ” لا يجوز لقاضى التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليهما بها ، ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية”

والحظر الوارد على ضبط هذه الأوراق يمتد إلى أي مكان توجد فيه سواء مكتب المدافع عن المتهم أو لدى المتهم أو غيرهما، أو في مكتب البريد ويمتد أيضا هذا الحظر إلى التسجيلات الخاصة والتسجيلات التليفونية .

ونعتقد أن في ذلك نوعا من الحصانة والضمانة للدفاع للإقبال على مؤازرة المشتبه فيهم بكل حرية، وهو ضمانة للعدالة نفسها.

الفقرة الثانية: عدم إمكانية الاعتماد على الأوراق و المستندات الباطلة خلال مرحلة التحقيق
إذا اقتصرت المحكمة على إبطال بعض الإجراءات فقط، فيجب أن تصرح بسحبها من المناقشات، وتأمر بحفظها في كتابة الضبط. وتطبق عندئذ مقتضيات المادة 213 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي : ” تسحب من ملف التحقيق وثائق الإجراءات التي أبطلت و تحفظ في كتابة الضبط و يمنع الرجوع إليها لاستخلاص أدلة ضد الأطراف في الدعوى تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة و المحامين”

وفي هذا الإطار صدر قرار عن المجلس الأعلى جاء فيه ما يلي ” لئن كان تقدير الأدلة لاستنباط الحكم هو من شأن محكمة الموضوع فإنه ليس لها أن تعتمد على مرجع غير صحيح من مستندات الدعوى و البحوث التي أجريت فيها “[26]

ويشترط في سحب هذه الوثائق و المستندات غير الصحيحة أن يصدر قرار يقضي بإبطالها ففي حالة عدم وجوده تبقى قائمة وبهذا الخصوص صدر قرار عن جميع غرف المجلس الأعلى بتاريخ 01-07-08ورد فيه ما يلي ” لما كان سحب محاضر التحقيق المتحدث عنها في المادة 213 من قانون المسطرة الجنائية يشترط فيه صدور قرار يقضي بإبطالها فإن عدم وجود هذا القرار يستدعي عدم سحب هذه المحاضر “[27]

كما أن المحكمة ملزمة بمناقشة الأدلة و المستندات الواردة في الملف دون تغيير أو تحريف في مضمونها وهذا التقييد أكدته إحدى القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والتي جاء فيها ما يلي:

” لئن كان لقضاة الموضوع سلطة تقديرية فيما يهم تقدير وقائع الدعوى وتقييم حجج إثبات الجريمة فإن ليس لهم – تجنبا للتحريف – أن يغيروا مضامين الوثائق و معانيها ويجعلوها تنتج آثارا لا تتضمنها في الحقيقة “[28]

المطلب الثاني: الدليل الكتابي ودوره في إثبات بعض الجرائم
تجدر الإشارة في البداية أن القاضي الجنائي يعتمد في تكوين قناعاته على مختلف وسائل الإثبات،وهذا المقتضى منصوص عليه قانونا[29] كما زكاه القضاء المغربي في أكثر من قرار حيت جاء بهذا الصدد قرار عن المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – ينص على ما يلي:

” تكون المحكمة قناعاتها من كل وسائل الإثبات والنفي المعروضة عليها وترجح كفة وسيلة إثبات على أخرى “[30]

وهذا ما ذهبت إليه مجلة الإجراءات الجزائية التونسية حيث نصت في المادة 150 على أنه ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويقضي الحاكم حسب وجدانه الخالص.”

ومن هذا المنطلق يجب أن لا يفهم أن المشرع المغربي قد قيد القاضي الجنائي في جميع الجرائم بأن تكون الكتابة هي الوسيلة الوحيدة المقبولة للإثبات، بل إن هذا القيد مرتبط فقط بجرائم معينة ذات طبيعة خاصة حددها المشرع بدقة بين دفتي القانون الجنائي و قوانين زجرية أخرى وهذا ما نصت عليه إحدى القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والتي جاء فيها ما يلي :

” يكتفي القاضي الجنائي في إثبات الوقائع المادية المكونة للجريمة بوسائل الإثبات العادية من شهود أو قرائن ويحكم حسب اعتقاده الصميم وليس من الضروري أن يحصر الإثبات بالكتابة و المحكمة كانت على صواب عندما اعتمدت في إثبات الواقعة على شهادة الشاهدين المستمع إليهم بصفة قانونية “[31]

وعليه سنقسم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات نتناول في ( الفقرة الأولى ) تمظهرات الدليل الكتابي في بعض الجرائم التي يسري عليها أحكام القانون المدني ثم في(الفقرة الثانية ) سنتناول دور الدليل الكتابي في إثبات جريمتي الخيانة الزوجية و الفساد أما (الفقرة الثالثة) سنخصصها لتجليات الدليل الكتابي في جريمتي التزوير و الجريمة الصحفية.

الفقرة الأولى: تجليات الدليل الكتابي في الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون المدني
إن قاعدة الإثبات في المسائل الجنائية ، تخضع لتقدير القاضي الجنائي غير أن إعمال هذه القاعدة مقصورة على هذه المسائل فقط دون المسائل المدنية حيث جاء في المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي ” إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الإحكام المذكورة “

والمثال الشائع و المتداول لتوضيح هذا الاستثناء، الحالة التي تقام فيها الدعوى العمومية على شخص باعتباره خائنا للأمانة[32] حيث لا يجوز و الحالة هذه إثبات هذه الجريمة إلا بمقتضى قواعد القانون المدني التي تستلزم التأكد من قيام عقد من عقود الأمانة كالوكالة أو الوديعة أو الحراسة بحسب قواعد القانون المدني التي غالبا ما توجب بأن يكون مكتوبا، حيث لا تكفي و الحالة هذه الشهادة في إثبات قيامه.

ففي الجريمة المذكورة أعلاه -خيانة الأمانة – مثلا إذا كانت قيمة العقد تتجاوز عشرة ألاف درهم فلا يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات و إنما يجب إثباتها بحجة كتابية سواء كانت رسمية أو عرفية أو معدة بشكل إلكتروني.[33]

وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 433 من قانون الالتزامات و العقود على أنه :” الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكومن من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي تتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوزا ثباتها بشهادة الشهود ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، و إذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية “

فالقاضي الجنائي الذي ينظر في جريمة خيانة الأمانة يختص بالبحث وإثبات وجود العقد الذي سلم الشيء بمقتضاه إلى المتهم طبقا لقاعدة “قاضي الأصل هو قاضي الفرع”

حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – ما يلي ” المحكمة لما اعتبرت شهادة الشهود لإثبات تسلم المتهم مبلغ 140000 درهم – وهو ما لا يجوز إثباته بغير الكتابة – الذي نازع فيه هذا الأخير لم تراع قواعد الإثبات المدنية وعرضت بذلك قرارها للنقض “[34]

وعليه فإثبات الجريمة، لا يمكن فصله عن إثبات العقد فاختصاص القاضي بالنظر في الجريمة التي هي موضوع الدعوى الأصلية، يترتب عليه حتما اختصاصه في البحث في وجود العقد من عدمه ومن مقررات المجلس الأعلى في ذلك أيضا ما جاء في أحد حيثيات قرارها “يكون ناقص التعليل و معرضا للنقض الحكم الجنحي القاضي بالمؤاخذة على جنحة جارية عليها أحكام القانون المدني دون أن يراعى في ذلك قواعد القانون المذكور”[35]

كما قررت محكمة النقض السورية على أنه: ” يجب في جريمة إساءة الأمانة إثبات عقد الأمانة بالوسائل المدنية، ذلك أن طريقة الإثبات أمام المحاكم الجزائية تتبع جوهر الخلاف مدنيا كان أم جزائيا “[36]

الفقرة الثانية: الدليل الكتابي ودوره في إثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية
يعتبر المشرع المغربي من بين التشريعات التي قيدت من حرية القاضي في اختيار الأدلة التي يستمد منها قناعته في إثبات بعض الجرائم، كجريمتي الفساد[37] و الخيانة الزوجية[38]هاتين الجريمتين التي تشكلان استثناء بارزا من المبدأ العام المنصوص عليه في المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية، ألا وهو مبدأ الحرية في إقامة الدليل أمام القضاء الزجري وبالرجوع إلى الفصل 493 من القانون الجنائي نجده قد حدد وسائل إثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية، حيث نص عل أن: ” الجرائم المعاقب عليها في الفصل 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”

ولعل تشدد المشرع في إثبات هذه الجرائم، راجع بالأساس إلى الطبيعة الخاصة التي تتميز بها عن غيرها، فهي مرتبطة بمؤسسة الأسرة والتي تعتبر عماد المجتمع فاتجه المشرع إلى حصر هذه الوسائل الاثباتية، حماية لها من التفكك و التصدع الناجم بالأساس عن فقدان الثقة و الاحترام.

وعليه سنتناول كل وسيلة على حدى على النحو التالي:

محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس:
وتستمد مرجعية تحرير هذا الدليل من المادة 18 من ق.م.ج التي أحالت عليها المادة 21، التي يعهد بمقتضاها إلى ضباط الشرطة القضائية بالعمل على التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها، والبحث عن مرتكبيها، في حالة التلبس بجناية أو جنحة، كما خول لهم صلاحية تحرير المحاضر بمقتضى المادة 24 من ق.م.ج أثناء ممارسة مهامهم يضمنوها ما عاينوه أو ما قاموا به من عمليات ترجع لاختصاصهم.

وعليه فالتلبس بجريمتي الفساد و الخيانة الزوجية حسب الفصل 493 من ق.ج لا يشمل كل حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج لأن هذه الأخيرة لها مفهوما واسع، بينما الأول – أي الفصل 493 – يقتصر فقط على الفقرة الأولى من المادة 56 من ق.م.ج و التي جاء فيها ” إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو على إثر ارتكابها ”

وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار لها إذ جاء فيه ” إن اللحظة التي دخلت عليه فيها – أي الشرطة القضائية – إلى غرفة الفندق كانا مرتديين لباسهما، ومتباعدين داخلها، وليست هناك أي شبهة أو حالة تِؤكد ثبوت التهمة”[39]

كما جاء في قرار آخر: ” حيث ورد في معاينة الضابطة القضائية أن المتهمين ضبطا داخل بيت المرأة ف.. التي كانت تنتظرهما بفناء المنزل في حين وجد المتهمان داخل غرفة بمفردهما، وحيث يستفاد مما ذكر أنهما كانا في خلوة تامة وهذا ما تؤكده تصريحات المتهمة …م، وهذا ما أكده الحكم الابتدائي حيث قضى بمؤاخذتها، في حين أن محضر الضابطة القضائية لم يشر بتاتا إلى معاينة المتهمين وهما في حالة التلبس المنصوص عليها بمفهوم المادة 56 من ق.م.ج بل يستفاد من تصريحات المتهمة ..م نفسها أنها فوجئا بمداهمة الشرطة بمجرد دخولها البيت، فقضى المجلس بنقض الحكم لعدم ارتكازه على أساس قانوني صحيح”[40]

وهذا ما تم تأكيده من خلال أحد القرارات الصادرة عن المحكمة العليا الليبية بأنه : ” من طرق الإثبات المنصوص عليها في المادة 341 من قانون العقوبات و التي تدل على وقوع الجريمة معاينة ضابط الشرطة القضائية حالة التلبس بالزنا و إثبات ذلك في محضر.

ولما كان يتعذر على ضابط الشرطة القضائية وأعوانهم في أغلب الحالات مشاهدة المتهمين متلبسين بالزنا قضي بأنه يكفي أن تقع مشاهدتهما عقب ارتكاب الجريمة بقليل في وضعية أو ظروف أو حالة لا تترك مجالا للشك في أنهما باشرا العلاقة الجنسية”[41]

اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم
إن الاعتراف الكتابي المتطلب من أجل إثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية، هو ذلك الاعتراف الصادر عن المتهم بعيدا عن الانفعالات النفسية، وبمعزل عن الشرطة القضائية،أي ذلك الاعتراف الذي حرره المتهم بمحض إرادته في رسالة أو مذكرة… وبعث بها إلى شريكه أو غيره، ويجب أن يكون الإقرار واضحا دون لبس أو غموض، كما يجب أن يتناول مضمونه ذكر الوقائع المكونة لهاتين الجريمتين.

وقد قضت المحكمة العليا الليبية في هذا الصدد على انه: من أدلة الإثبات في جريمة الزنا، الإقرار الوارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم غير أنه لا يكفي للحكم بالبراءة القول بأن العبارات الواردة في الرسائل المضبوطة أثناء التحقيق لا تعتبر إقرارا بل لابد على قضاة الاستئناف أن يتطرقوا إلى هذه العبارات في قرارهم،وأن يتمحصوها ويبحثون عن معناها الحقيقي، وإلا كان قضاؤهم مشوبا بالقصور مما يستوجب نقضه[42]“

وفي نفس الإطار نجد أن للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- قرارات شاذة حول الخلط بين المكاتيب و الأوراق المتضمنة لاعترافات المتهم، الصادرة أمام ضباط الشرطة القضائية وحول منح السلطة التقديرية للقاضي في تقييمها، إذ غالبا ما تنزل الأخيرة منزلة الأولى، مع العلم أن كل وسيلة مستقلة عن الأخرى وبهذا الصدد نصت في أحد قراراتها على ما يلي ” إن توقيع المتهم على المحضر الصحيح الشكل يعتر بمثابة الاعتراف الذي تضمنته مكاتيب أوأوراق صادرة عن المتهم دون اشتراط التلبس وأناط المجلس الأعلى ذلك باقتناع المحكمة بما ورد في المحضر “[43]

حيث نلاحظ في هذا القرار أن المجلس الأعلى أنزل الاعتراف، أمام ضباط الشرطة القضائية، منزلة الاعترافات المضمنة بالأوراق و المكاتيب الصادرة عن المتهم كما أنها منحت للمحكمة السلطة التقديرية في تقدير هذا التنزيل و تقييم هذا الاعتراف، غير أن السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي في هذا الإطار نجدها قد تم سلبها في قرار آخر صادر عن نفس المجلس.

و الذي جاء فيه ما يلي ” يلي “ لا تثبت جرائم الفساد و الخيانة الزوجية إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي وأن المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار الاعتراف الوارد في محضر الضابطة القضائية و الموقع من المتهمين باقتراف جريمة الخيانة الزوجية و المنزل منزلة اعترافات أو مكاتيب صادرة عن المتهم تكون قد أخطأت في التأويل الصحيح لنهوض المتابعة وعرضت قرارها للنقض”[44]

ولرفع هذا اللبس يرى أستاذنا إدريس الحياني في تعليقه على هذا القرار أن ” كل وسيلة مستقلة عن الأخرى، فالأوراق و المكاتيب شيء، و الاعترافات أمام ضباط الشرطة القضائية و الاعتراف القضائي شيء آخر، إذ يجب أن تتوفر إحدى هذه الوسائل على الأقل من أجل قيام الجريمة، وبالتالي لا يجوز أن نعمل القياس على وسيلة معينة من هذه الوسائل ونسقطها على الأخرى، أو ننزلها منزلتها، فإذا سرنا على هذا النحو وأنزلنا الإعتراف أمام ضباط الشرطة القضائية منزلة المكاتيب و الأوراق، ستصبح السلطة التقديرية للقاضي و الحالة هذه مقيدة من حيث الأخذ بهذا الاعتراف من عدمه، وبعبارة أوضح سيكون هذا الاعتراف ملزما للقاضي، الشيء الذي يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي فماذا لو أنزلنا الاعتراف منزلة الأوراق و المكاتيب، و دفع المتهم أن هذا الاعتراف قد انتزع منه تحت وطأة الإكراه و التعذيب؟ فالقاضي هنا سيكون ملزما به على أساس أن قيمته – أي الاعتراف – تتساوى والأوراق و المكاتيب، و بالتالي فلا مجال لإعمال سلطته التقديرية في البحث والتنقيب وتقدير ما إذا كان هذا الاعتراف، قد انتزع فعلا بالإكراه و التهديد أم صدر عن طواعية واختيار وهذا بطبيعة الحال فيه إهدار لحقوق المتهم.”[45]

ويطرح التساؤل حول إمكانية الاعتماد، على الاعتراف المضمن بالمواقع الإلكترونية في إثبات جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية، وكذلك بالنسبة للرسائل النصية للهاتف المحمول ؟

وكذلك قيمة الصور الفوتوغرافية ومدى إمكانية اعتمادها و إدراجها ضمن الأوراق و المكاتيب الصادرة عن المتهم؟

برجوعنا إلى مجموعة القانون الجنائي وكذا قانون المسطرة الجنائية لم نجد أي مقتضى قانوني يعالج المسألة. لكن القضاء المغربي بالضبط المحكمة الابتدائية بمراكش،قد أدانت امرأة بجريمة الخيانة الزوجية بناء على مكاتيب على الموقع الإلكتروني(Facebook )[46]

كما يطرح التساؤل حول معايير إسناد الرسالة النصية لمرسلها، للإثبات في المادة الجنائية فمعرفة مصدر الرسالة النصية الهاتفية ليس بالدقة و السهولة التي يمكن تصورها، كون معرفة كاتبها أو مرسلها يطرح تعقيدا خصوصا في الحالة التي تكون مجهولة المصدر، فالمنطق السليم يفرض أنها قد صدرت من شخص، هذا الأخير لقد لجأ في البداية إلى الشركة التي منحت لها الجهة الوصية توفير خدمة الخطوط الخلوية، و اقتنى منها أو اشترك في خط الهاتف الذي من خلاله تم إرسال الرسالة النصية.

إلا أن هناك إشكالات تطرح في هذا الصدد، وهي الحالة التي يكون فيها رقم الهاتف مسجل في اسم شخص ما، و يرتضي هذا الأخير أن يمنح الشريحة لشخص آخر ويقوم باستخدامها، أو كمن يقوم بسرقة الهاتف لشخص معين ويقوم باستخدام شريحته ويرسل عبارات التهديد والوعيد لشخص معين أو يقوم بإرسال رسائل يتجه مضمونها إلى الإقرار بأفعال مادية مكونة لجريمة الخيانة الزوجية وما إلى ذلك…فهل تنسب للمستعمل المادي لها ؟ أم للمستعمل القانوني الذي تعاقد منذ البداية مع مشغل الخطوط الخلوية ؟

إذ اعتبر القضاء الفرنسي أن الرسائل المسجلة على المجيب الآلي للهاتف لا يمكن أن تعتبر أنها تمت بطريقة غير شرعية لان من قام باستخدامها أو استخراجها لا يمكنه أن يجهل بان مضمون هذه الرسائل ستحفظ داخل الجهاز

أما القضاء المغربي وفي نفس السياق صدر حكم عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء نصت القاعدة فيه على ما يلي ” رسائل الهاتف المحمول المحرضة على الفساد، حجة على باعثها خصوصا و أنه أقر بأن رقم الهاتف الباعث لهذه الرسائل يخصه”[47]

وهذا ما يستشف من حيثيات هذا القرار إذ جاء فيه ” وحيث استمعت المحكمة إلى المشتكية المسماة ع… ح.. التي أكدت شكايتها وأضافت أن المشتكى به ع…م… يبعث إليها برسائل من هاتفه المحمول إلى هاتفها، ملتمسة بواسطة دفاعها من المحكمة الإطلاع على الرسائل المذكورة المبعوثة إليها من الهاتف الحامل لرقم… … ، وبعد إقرار الضنين المذكور بكون أن رقم الهاتف المذكور يخصه اطلعت المحكمة على مضمون تلك الرسائل…

وحيث انه وتبعا لذلك فإن إنكار الضنين ع…م…لجنحة التحريض على الفساد تكذبه معاينة المحكمة للعبارات الصادرة عن رقم هاتفه المحمول الذي اعترف أمامها أنه يخصه و المدونة بجذاذة هاتف المشتكية والتي تبين من خلالها تحريضها على الفساد … ”

وبخصوص الصور الفوتوغرافية من المتفق عليه أن هذه الصور ، لا تعد من المكاتبات التي يتطلبها المشرع الجنائي كدليل للإدانة في جرائم الخيانة الزوجية و الفساد ولو دلت على الفعل الممنوع،ذلك أنه لا يمكن قياسها على المكاتيب و الأوراق الوارد ذكرها و لان المشترط في هذه المكاتيب و الأوراق أن تكون كتابة محررة من طرف المتهم نفسه[48].

وقد يقول قائل إلى أن عدم الأخذ بالصورة الفوتوغرافية، على اعتبار أنها لا تعد من قبيل الأوراق و المكاتبات الصادرة من المتهم، فيه شيء من المغالاة و التضييق في الإثبات.

غير أننا نجيب ونقول أن الأدلة الواجب توافرها في مواجهة المتهم جاءت في التشريع على سبيل الحصر لا المثال وهي حالة استثنائية من قواعد الإثبات بوجه عام و لا يجوز التوسع فيها.

ج- الاعتراف القضائي:

ويقصد به الاعتراف الذي يصدر عن المتهم أمام إحدى الجهات القضائية التي تمر بها الدعوى العمومية سواء أكانت هذه الجهات نيابة أوجهة التحقيق أو الحكم.

وقد قضت المحكمة العليا الليبية في هذا الشأن بأن ” من بين الأدلة المحددة قانونا على سبيل الحصر الإقرار القضائي الذي يحصل أمام القضاة كالاعتراف أثناء استجوابه من طرف وكيل الجمهورية بأنه زنا بالمتهمة “[49]

وهكذا نجد بأن الاعتراف الصادر عن المتهم يعتبر حجة و دليلا قاطعا قد يغني عن اللجوء إلى وسائل إثبات أخرى لاسيما إذا ورد صريحا وواضحا لا لبس فيه ولم يطله أي ارتياب في مدى صحته وتطابقه مع الوقائع محل المتابعة إضافة إلى أنه يتعين أن يصدر عن اختيار و إدراك لا عن ضغط أو إكراه، وهو كغيره من وسائل الثبات يخضع لتقييم المحكمة وسلطتها التقديرية في النازلة[50] و إلى ذلك أشارت المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية حيث جاء فيها بأنه ” يخضع الاعتراف كغيره من وسائل الإثبات للسلطة التقديرية للقضاة.لا يعتمد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف و الإكراه…”

الفقرة الثالثة: تجليات الدليل الكتابي في جريمتي التزوير و الجريمة الصحفية
من المحررات التي تكون حاملة للركن المادي للجريمة نجد مثلا المحرر المزور والصحيفة التي قد تكون مكتوبة أو إلكترونية…

أولا: بعض تجليات الدليل الكتابي في قانون الصحافة

فالصحافة تمارس بواسطة مطبوع دوري مكتوب تنشر فيه كيفما كانت لغته المستعملة أخبار، أفكار،وأراء أو معلومات،أو صور أو رسوم تتخذ شكل نص أو رمز ويصدر عن فترات زمنية منتظمة[51] وقد يكون أيضا الكتروني

وعليه فالصحيفة كجسم للجريمة قد تحمل مجموعة من الأفعال المجرمة قانونا، كالتحريض المباشر على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالقتل أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للإنسان، أو الإرهاب و السرقة أو التخريب وقد تتضمن أيضا إشهارا كاذبا أو تضليليا[52] أو أفعال تمس بالنظام العام[53] أو تضم نشرا للقضايا المتعلقة بقضايا الأطفال، أو نشرا للمرافعات التي تقع في الجلسات السرية، كما قد تتضمن عبارات القذف[54] أو السب[55] وغيرها من الأفعال المجرمة إذ في هذه الحالة تعتبر الخطابات و المطبوعات و الملصقات الحاملة لهذه الأركان المادية للجريمة جسما للجريمة يمكن للمتضرر و النيابة العامة اعتمادها كوسيلة للإثبات أمام المحكمة من أجل اقتضاء الحقوق و تنزيل العقاب[56]

ثانيا: بعض تجليات الدليل الكتابي في المحررات المزورة

تحضر الكتابة أيضا بقوة في إطار جرائم التزوير حيث نظم القانون الجنائي هذه الجريمة في الفصول من 352 إلى 367

حيث نص الفصل 351 من ق.ج على أن ” تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة يها بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع ي محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون “

ولقد ميز القانون الجنائي بين خمسة أنواع من التزوير:

فهناك التزوير الذي يرتكبه قاض أو موظف عمومي موثق أو عدل و التزوير الذي يرتكبه أي شخص في الأوراق الرسمية ثم التزوير في محرر تجاري أو بنكي وأيضا التزوير في الأوراق العرفية وأخيرا تزوير أنواع خاصة من الوثائق الإدارية و الشهادات فمثلا في جريمة التزوير المرتكبة من طرف موظف عمومي نجد أن المشرع المغربي نص على مجموعة من الوسائل في الفصل 352 تقوم بها الجريمة وهي:

– وضع توقيعات مزورة أي أن يضع الفاعل على المحرر الرسمي توقيعا منتحلا لشخص آخر.

– تغيير المحرر أو الكتابة فيه وهي تفيد كل أساليب التشويه المادي التي تتصور بالنسبة للمحرر بعد الفراغ من تحريره كتغييره بأكمله أو تغيير في الكلمات أو مجرد التغيير في التوقيع. [57]

– وضع أشخاص وهميين أو استبدال أسماء أشخاص بأسماء آخرين.

– كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات و المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اختتامها وهذه الوسيلة تكون بعد الانتهاء من التحرير.

ولتمام قيام هذه الجريمة اشترط المشرع حصول ضرر جراء تغيير الحقيقة في المحرر كما اشترط توفر القصد الجنائي الخاص و العام.

وقد يكون المحرر جامعا لمسألتين اثنتين بمعنى أنه يكون الركن المادي للجريمة و الدليل عليها في نفس الوقت كالشيك[58] المزور بدون مؤونة أو بمؤونة غير كافية[59] وعليه كانت تلك بعض الجرائم التي يظهر فيها الدليل الكتابي بشكل جلي ولقد اقتصرنا على البعض منها فقط.

خاتمة

إن الكتابة تعتبر دليلا من أدلة لإثبات فهي ثابتة بالكتابة و السنة وهي إحدى طرق الإثبات في القانون الوضعي ، ولقد حاولنا من خلال هذا المقال التطرق إلى الدليل الكتابي كوسيلة من وسائل الإثبات في المادة الجنائية وذلك من خلال تعريفه و إبراز أصنافه و مصادره و حجيته أما القضاء وكذا ضوابطه والقيود الواردة عليه بالإضافة إلى تجلياته من خلال بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي و نصوص زجرية أخرى.

كما حاولنا إبراز جرأة بعض الأحكام القضائية في الأخذ ببعض المكاتيب و المحررات المكتوبة على وسائل تقنية حديثة وذلك من أجل التقدم نحو الأمام و التحرر من بعض الوسائل التقليدية الجامدة على اعتبار أن الجريمة في تطور ملحوظ وذلك عبر استعمال وسائل تكنولوجية حديثة فمن الأهمية بمكان أيضا تطوير المنظومة القانونية و كذا القضائية من أجل مواكبة هذه التغييرات و التحولات الملحوظة التي شهدها العصر في الآونة الأخيرة.

فإذا كان القاضي المدني ليس له أية سلطة تقديرية في تقييم و تقدير للدليل الكتابي إذا لم يطعن فيه بالتزوير أو ثم إنكاره فالأمر مختلف بالنسبة للقاضي الجنائي فله قبول أو ترك هذا الدليل مهما كانت طبيعته ونرى من جانبنا أن هذه السلطة مبالغ فيها حيث أنه إذا ثبت صحة الدليل الكتابي وعدم تزويره أو إنكاره لا ينبغي تركه و تجاهله ويجب إعماله و الأخذ به فحتى و لو كان المبدأ هو حرية الإثبات فلا ينبغي أن نحمل هذا المبدأ أكثر مما ينبغي.

[1]– أستاذنا إدريس الشبلي، مسطرة تحقيق الخطوط في القانون المغربي – دراسة مقارنة – الطبعة الأولى، المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش، السنة 2016، الصفحة 13.

[2]– عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، طبعة 2012، ص 400.

[3]– شمس الدين عبد الله ألفرساني،الدليل الكتابي ودوره في إثبات الجريمة،رسالة لنيل دبلوم الماستر في العدالة الجنائية،جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، سنة 2008، ص 1

[4]– شمس الدين عبد الله ألفرساني،الدليل الكتابي ودوره في إثبات الجريمة،رسالة لنيل دبلوم الماستر في العدالة الجنائية،جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، سنة 2008، ص 27.

[5]– تم تغيير أحكام هذا الفصل، بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 53.05، المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات.

[6]– أحمد الخمليشي شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 1987، الصفحة 181.

[7]– أحمد الخمليشي شرح قانون المسطرة المرجع السابق ص 181.

[8]– أحمد الخمليشي شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني، الطبعة الثانية، الصفحة 125

[9]– يوسف أعبودو، النظام القانوني لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص المقاولة و القانون، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، السنة الجامعية 2012-2013، ص 105.

[10]– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية لابن مسيك، بتاريخ 01-04-19، في الملف 5403، منشور بدراسات قضائية لمحمد بفقير الجزء الثاني الصفحة 161 وما يليها.

[11]– عبد الواحد العلمي،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية،الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، سنة 2012،الصفحة 401.

[12]– إدريس لكريني، السلطة التقديرية للقاضي الزجري، الطبعة الأولى، سنة 2004، ص 133

[13]– عبد الكريم نعومي، السلطة التقديرية للقاضي في المادة الجنائية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2013- 2012، ص 27

[14]– أورده عبد الكريم نعومي، السلطة التقديرية للقاضي في المادة الجنائية، المرجع السابق ص 27.

[15]– محكمة النقض المصرية، نقض 11 يناير 1943 ، أورده شمس الدين عبد الله ألفرساني،الدليل الكتابي ودوره في إثبات الجريمة، المرجع السابق ص 49.

[16]– جاء في المادة 294 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي ” لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفويا و حضوريا أمامها ”

[17]– لطيفة الداودي،دراسة في قانون المسطرة الجنائية الجديد، رقم 01-22، المطبعة و الوراقة الوطنية، طبعة 2005.ص 369.

[18]– قرار عدد 49، الصادر في 1970-11-19، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 20 الصفحة 36

[19]– وهذا ما يستفاد من المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية.

[20]– هيئة المحامين بسطات، الرقابة القضائية على سلامة تقدير الأدلة،مجلة المحاماة العدد السابع و الثلاثون، الصفحة 17.

[21]– عبد الواحد العلمي، شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة، الجزء الثاني، الطبعة الخامسة 2017، مطبعة النجاح الجديدة، ص 378.

[22]– المنشور بمجلة المحاماة العدد 15 ص 87.

[23]– الرقابة القضائية على سلامة تقدير الأدلة، مجلة المحاماة، المرجع السابق 37، ص 20.

[24]– عبد الواحد العلمي، شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة، المرجع السابق، ص 387.

[25] – تنص المادة 294 من ق م ج على ما يلي ” لا يمكن أن ينتج الدليل الكتابي من الرسائل المتبادلة بين المتهم و محاميه “

[26] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ، 2000-02 -16، تحت عدد 380/6، منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى، سنة 2000،ص 163

[27] – قرار صادر عن جميع غرف المجلس الأعلى، بتاريخ 01/ 07 / 2008، في الملف الجنائي عدد 8679 / 08، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 69 ص 303، وما يليها.

[28] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ، 03-01-16، تحت عدد 167 في الملف الجنحي عدد 18548/ 02، منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 59، ص 60 وما يليها

[29]– الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية.

[30]– قرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ28-04-1999، تحت عدد 1139، في الملف الجنحي 27679/ 97 منشور بمجلة المحامي عدد 39 ص 155.

[31]– قرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ07-04-1999، تحت عدد 610، في الملف عدد 19878/ 98 منشور بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 1999، ص 144.

[32]– نص عليها المشرع المغربي، بمقتضى الفصل 547 من القانون الجنائي .

[33]– عبد الكريم نعومي، السلطة التقديرية للقاضي في المادة الجنائية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2013- 2012، ص 42

[34]– قرار رقم 248 في 1982-06-03، أورده عبد الواحد العلمي شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية الجزء الثاني 2012 ص382.

[35]– قرار صادر بتاريخ، 12/ 5/ 1980، رقم405 ، مجلة المحاكم المغربية، عدد26،الصفحة.

[36]– نقض سوري، جلسة 78-4-78، أورده عبد الكريم نعومي، المرجع السابق، ص 43.

[37]– عرفها المشرع المغربي في الفصل 490، من القانون الجنائي حيث نص على ما يلي : ” كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة ”

[38]– ينص الفصل 491 من القانون الجنائي، ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه.

غير أنه في حالة أحد الزوجين خارج تراب المملكة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الأخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة “.

[39]– قرار محكمة النقض، عدد 223، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 13،ص76

[40]– قرار محكمة النقض، رقم 633 الصادر بتاريخ 12 أبريل، 1979 في الملف الجنحي عدد 65461، أشار إليه عبد الكريم نعومي، المرجع السابق ص، 46.

[41]– قرار صادر بتاريخ 1984-03-20، رقم 34051،أشار إليه عبد الكريم نعومي، المرجع،ص 46

[42]– المحكمة العليا، قرار صادر بتاريخ 1988/09/20،أشار إليه عبد الكريم نعومي، المرجع السابق ص، 47.

[43]– فرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ 95/05/04، تحت عدد 962، في الملف الجنحي عدد 25815/95، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 50-49

[44]– قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 11-12-26، تحت عدد 8717، في الملف الجنائي عدد 85 /16801، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 40، ص245، وما يليها.

[45]– محاضرة ، ألقاها أستاذنا إدريس الحياني، على طلبة ماستر المنازعات والمهن القانونية الفوج الثاني، بتاريخ 29-11-2017، جامعة ابن زهر اكادير، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية

[46]– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش، أشار إليه عبد الكريم نعومي، المرجع السابق ص، 47.

[47]– حكم ابتدائي عدد 10781، بتاريخ 14/12/2007، ملف جنحي رقم 2007/28434، منشور بمجلة المقال ، العدد الأول ، سنة 2009، الصفحة 97 وما يليها.

[48]– شمس الدين عبد الله الفرساني الدليل الكتابي، الدليل الكتابي ودوره في إثبات الجريمة في النظام السعودي. المرجع السابق، ص 67

[49]– قرار صادر عن المحكمة العليا، سنة 1984-06-12،أشار إليه لولهي مراد، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجزائي في تقدير الأدلة، رسالة ماستر العلوم الجنائية،جامعة الحاج لخضر باتنة، السنة الدراسية 2010-2011

[50]– مجلة المرافعة، عدد مزدوج 18- 19، نونبر 2008

[51]– المادة 2 من القانون رقم 88.03، المتعلق بالصحافة و النشر

[52]– المادة 65 من نفس القانون

[53]– المادة 71 من نفس القانون

[54]– وهو إدعاء واقعة أو نسبتها إلى شخص أو هيئة إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو اعتبار الشخص أو الهيئة التي نسبت إليه أو إليها

[55]– ويفيد كل تعبير شائن أو مشين أو عبارة تحقير حاطة من الكرامة أو قدح لا تتضمن نسبة أية واقعة معينة

[56]– تجدر الإشارة في هذا المقام أن القانون الجديد المنظم للصحافة و النشر ألغى العقوبات السالبة للحرية و اكتفى بالغرامات المالية و بعض العقوبات الأخرى كوقف المطبوع وحجب الصفحة…

[57]– أستاذنا إدريس الحياني، دروس مختصرة في القانون الجنائي الخاص، الطبعة الأولى 2015، مطبعة قرطبة ، ص 64.

[58]– قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 1515/10 بتاريخ 2004-05-26 ملف جنحي عدد 03/1117 منشور بمركز الدراسات والأبحاث الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو سلسلة الاجتهادات القضائية – العدد 3
إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما أدانت العارض من أجل المنسوب إليه، اعتمدت لإثبات توقيع العارض على الشيكات موضوع المتابعة نتيجة الخبرة الخطية المأمور بها من طرفها والتي خلص فيها الخبير إلى أن التوقيعات المضمنة
بالشيكات هي للعارض، وذلك بما للمحكمة من سلطة في تقدير الأدلة المعروضة عليها والأخذ بما تراه منها كافيا في تكوين اقتناعها، مما تكون معه مناقشة العارض فحوى التقرير مجادلة موضوعية في شأن تقدير أدلة الإثبات التي لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى، الأمر الذي يكون معه القرار عندما صدر على النحو مرتكزا على أساس سليم

[59]– لطيفة الداودي، دراسة في قانون المسطرة الجنائية، المرجع السابق، ص 384

إعادة نشر بواسطة محاماة نت