تكمن أهمية التفتيش في كونه الجهاز الذي يتولى الإشراف على تطبيق قانون العمل ومراقبة تنفيذ إحكامه وهو يمثل بشكل واضح مظهرا من مظاهر تدخل الدولة في التنظيم الاجتماعي للعمل ونظرا لأهميته فقد أولته منظمة العمل الدولية عنايتها منذ نشأتها في سنة 1919 حيث نصت الفقرة (9)من المادة (41)من دستور المنظمة بأنه ((على كل دولة ان تنشئ جهازا للتفتيش تشترك فيه النساء لضمان تنفيذ الأنظمة والقوانين العمالية …)) كما أصدرت الاتفاقية رقم (81)حول نفس الموضوع وقد صادق العراق على الاتفاقية المذكورة بالقانون رقم (4)لسنة 1950 وقد تضمن الفصل الأول من الاتفاقية إحكاما خاصة بتفتيش العمل في الصناعة حيث نصت المادة الأولى على إلزام كل عضو في منظمة العمل الدولية يصادق على الاتفاقية بتطبيق أسلوب لتفتيش العمل في المشاريع الصناعية . كما قضت بتشكيل جهاز التفتيش من الموظفين عموميين تكفل لهم مراكزهم وشروط تعيينهم الاستقرار في وظائفهم والابتعاد عن اية مؤثرات خارجية سواء في الدول الاتحادية أم في الدول البسيطة . وقد أوضحت الفقرة (1)من المادة الثالثة من الاتفاقية مهام التفتيش كما يلي :

أ – مراقبة وضمان تطبيق الأحكام القانونية المتعلقة بالعمل وحماية العمال من المخاطر التي تلحق بهم أثناء عملهم كالأحكام الخاصة بساعات العمل والأجور وتشغيل الإحداث والمراهقين والصحة والسلامة المهنية وما إلى ذلك .

ب – أعطاء المعلومات الفنية وإسداء النصائح إلى أصحاب العمل والعمال حول أحسن الوسائل الفعالة لتنفيذ الأحكام القانونية .

ج – تنبيه السلطة المختصة إلى الأخطاء والمخالفات التي لا تشملها الإحكام القانونية النافذة .

د – يجب أن لا تعهد إلى مفتشي العمل أية واجبات أخرى تتداخل مع قيامهم بواجباتهم الأصلية.

أما التفتيش في القانون العمل النافذ فان هذا القانون قد خضع جميع أماكن العمل المشمولة به للتفتيش (1) وجاء بمبدأين جديدين هما :

1 – عهد بمهمة التفتيش إلى لجان ثلاثية تتألف كل لجنة من مفتش من وزارة العمل ويكون رئيسا للجنة وعضوية ممثل عن العمال يسميه الاتحاد العام لنقابات العمال وممثل عن أصحاب العمل يسميه الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية العراقية (2).

2- جعل القانون التفتيش تحت أشراف وزير العمل وتوجيهه المباشر (3).

وقد نص القانون على أن تستعين لجنة التفتيش بالخبراء والمختصين من أصحاب المؤهلات العلمية في الطب والهندسة والكيمياء والكهرباء وسائر الاختصاصات الأخرى (4).

أوضحنا فيما تقدم بان التفتيش يمارس من قبل لجنة ثلاثية الا انه يجوز في حالات الضرورة أو الحالات المستعجلة أن يباشر المفتش بصفته رئيس لجنة التفتيش العمل بمفرده بعد حصوله على موافقة رئيسه المباشر على أن يدعو العضوين الآخرين ليشتركا معه في التفتيش بأقرب فرصة (5).

إما مهام التفتيش فيمكن إجمالها بما يلي :

1 – مراقبة تطبيق أحكام قانون العمل وأنظمته وكذلك قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وكل ما صدر عن وزارة العمل تبعا لذلك من قرارات وتعليمات كما يشمل المراقبة كذلك عقود العمل الفردية وكل ما يتعلق بعلاقات العمل وحماية العمال (6). ان المراقبة تهدف بالأساس الى تحقيق فيما إذا كانت شروط العمل التي نص عليها قانون العمل وتعليماته منفذة بشكل يتفق وإحكام القانون فيجري التأكد من مدى تقيد صاحب العمل بالاحكام المتعلقة بساعات العمل وأوقات الراحة وشروط تشغيل النساء والإحداث وكذلك الاحكام المتعلقة بالأجور وشروط الصحة والسلامة التي يجب على صاحب العمل الالتزام بها . أن مراقبة تطبيق قانون العمل يتطلب التأكد من مدى توفر ظروف عمل ملائمة لحماية العمال من مخاطر العمل والوقاية من الإمراض المهنية وكل ما يتعلق بالسلامة والأمن الصناعي وهذا الواجب من الأهمية بمكان لأنه يتطلب السرعة في اتخاذ الإجراءات ولهذا فقد أعطى القانون اللجنة التفتيشية سلطة اتخاذ الإجراءات العاجلة في حالات الخطر الشديد الذي لا يتحمل إمهالا بما في ذلك توقيف العمل كليا او جزئيا او خلاء محل العمل (7).

2 – تقديم المعلومات الموضوعية والإرشادات الفنية اللازمة الى أطراف علاقة العمل حول الوسائل والأساليب الكفيلة بتنفيذ الأحكام القانونية (8).

3 – أعداد تقرير مفصل عن حصيلة كل زيارة تفتيشية مع بيان الرأي والمقترحات ترفع نسخة منه الى دائرة العمل وتحال الثانية الى اتحاد العام لنقابات العمال (9).

يتولى مدير عام دائرة العمل دراسة تقريرا شاملا كل ثلاثة اشهر مرة واحدة يضمنه استنتاجاته ومقترحاته ويرفعه الى وزير العمل والشؤون الاجتماعية . يتولى الاتحاد العام لنقابات العمال بنفس الدراسة المذكورة وتقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدراسة التقارير العامة المشار أليها وما تضمنته من استنتاجات ومقترحات أو تعليمات تغني التفتيش وتطور أساليبه . كما تقوم الوزارة المذكورة بنشر تقرير سنوي حول إعمال التفتيش يتناول المواضع التي يحددها وزير العمل والشؤون الاجتماعية بتعليمات يصدرها لهذا الغرض (10) .

يحظر على مفتش العمل وممثلي العمال في لجان التفتيش ما يلي :

أ – تحقيق أية فائدة مباشرة أو غير مباشرة مادية أو معنوي في المشاريع التي تحت رقابتهم .

ب – إفشاء الأسرار الصناعية والتجارية او الأساليب الصناعية التي يقفون عليها خلال قيامهم بواجباتهم (11)

صلاحيات لجان التفتيش:

1 – دخول أماكن العمل بدون سابق انذرا أثناء وقت العمل .

2 – الدخول خارج أوقات العمل في إي مشروع أو معمل آذ كان هناك من الأسباب ما يدعو لتفتيشه في ذلك الوقت بعد موافقة مدير عام دائرة العمل (12).

أن لجنة التفتيش يحق لها الدخول إلى مكان العمل بدون سابق إنذار للاطلاع على ظروف العمل ولها الاتصال باللجنة النقابية للاستيضاح منها عما تريد معرفته كما لها أن تنفرد بمن تشاء من العمال أو غيرهم من ذوي العلاقة بالمشروع (13) . كما يحق للجنة تدقيق السجلات والوثائق والعقود وغيرها من المستندات التي يجب على صاحب العمل تنظيمها أو مسكها للتثبت من مدى مطابقتها للقانون واخذ صور أو مستخرجات منها . ان السجلات و المستندات التي يجب تقديمها للتفتيش هي تلك التي يستلزم القانون مسكها وهي :سجل أسماء العمال ،سجل الأجور ،سجل العمال الأحداث ،سجل الإجازات ،سجل الزيارات التفتيشية (14). كما أن للمفتش التثبت من تعليق البيانات والإعلانات المنصوص على وجوب تعليقها وله الحق في اخذ او فصل عينات من المواد المستعملة او المتداولة لغرض التحليل وكذلك القيام بأجراء أي فحص يكون ضروريا للتأكد من عدم وجود مخالفة (15) ، كفحص الآلات والتركيبات المختلفة للتأكد من وجود وسائل كافية وفعالة لتوفير أسباب الوقاية والصحة للعمال . لقد أوضحنا بأنه يجوز للجنة الدخول إلى مكان العمل في إي وقت أثناء ساعات العمل او خارج هذه الأوقات ألا انه بالنسبة للحالة الأخيرة فان هذا الأجراء لا يمكن اللجوء اليه بصورة مطلقة دون تقييد بل في حالة ما إذا كان هناك من الأسباب ما يدعو لتفتيشه في ذلك الوقت بعد موافقة مدير عام دائرة العمل . وقد ذهب القضاء الفرنسي في هذا الصدد الى التمييز بين حالتين :

حالة ما إذا كان العمل في المشروع يجري في الليل او يستمر ليلا بالإضافة جريانه نهارا ففي هذه الحالة يجوز التفتيش ليلا .

أما إذا كان العمل في المشروع يجري في النهار فقط فانه في هذه الحالة لا يجوز التفتيش ليلا ألا إذا كان لدى المفتش من الدلائل والأسباب ما يجعله يعتقد بان عملا ما ينجز في الليل (كضجيج المكائن ،الاضوية ،حركة الناس )(16). أن تطبيق مبدآ حق الدخول يشمل كذلك حسب ما ترى أماكن السكن التي يؤدي فيها العمل لمصلحة صاحب العمل فإذا كان هناك عمال يؤدون عملا لمصلحة صاحب العمل في مسكنه الخاص فيقتضي اعتبار هذا المسكن كمكان عمل طالما انه يضم عمالا يعملون بصورة معتادة حتى ولو أدى هؤلاء العمال بصورة خفية في المسكن الخاص بصاحب العمل فيكون من حق مفتش العمل الدخول الى هذا المسكن (17). الا انه يلاحظ بان بعض القوانين العربية لا تجيز الدخول الى محل العمل اذا كان من الأماكن المشغولة بالسكن فعندما ((يقع القيام بأشغال في محلات مسكونة لا يجوز للأعوان المكلفين بتفقد الشغل دخول هذه المحلات الا بعد أن يأذن لهم بذلك شاغلوها ))(18) . أن مبدأ الدخول الى مكان العمل دون سابق إنذار لم يجر تطبيقه دون تقييد في فرنسا فقد رفضت محكمة النقض هناك في قرار لها إعطاء الحق الى المفتش في ظل القانون الصادر سنة 1906 الخاص بالاستراحة الأسبوعية بدخول محلات بيع الخبز دون موافقة اصحابها (19).

أداء اليمين :

يؤدي مفتشو العمل وممثلو العمال في لجان التفتيش عند تعيينهم اليمين التالية إمام وزير العمل والشؤون الاجتماعية ((اقسم بالله وبشرفي أن أقوم بواجبي بأمانة وحياد وان لا افشي سرا من إسرار المهنة التي اطلع عليها بحكم وظيفتي هذه حتى بعد تركي لها ))(20).

اتخاذ الإجراءات :

ان من صلاحيات لجان التفتيش تسجيل المخالفات التي تقف عليها وتنظيم محضر أصولي بها ولوزير العمل والشؤون الاجتماعية او من يخوله استنادا الى تقرير لجنة التفتيش ان يقرر أحالة صاحب العمل الذي سجلت على مشروعه مخالفة الى محكمة العمل المختصة (21) وقد أوضحنا بأنه في حالات الخطر الشديد الذي لا يحتمل إمهالا يحق للجنة اتخاذ الإجراءات الاحتياطية العاجلة للمحافظة على صحة وسلامة العمال بما في ذلك توقيف العمل كليا أو جزئيا أو خلاء محل العمل . ويلاحظ بان القانون لم ينص على وجوب توجيه إنذار الى صاحب العمل كإجراء يتخذ بالنسبة للمخالفات التي يمكن تلافيها قبل تنظيم إي محضر وهو إجراء نرى انه الضروري اتخاذه في الحالات المذكورة . في حالة وقوف اللجنة على أية مخالفة فيقتضي في هذه الحالة إنذار صاحب العمل بضرورة تلافي النواقص التي لا حظتها في موقع العمل خلال مدة مناسبة على إن تدون هذه النواقص في سجل التفتيش الذي يحتفظ به صاحب العمل .

شروط الإنذار :

يجب ان يكون الإنذار خطيا مواجها الى صاحب العمال ومعنيا المخالفة بشكل واضح وان يكون مؤرخا وموقعا من المفتش .

في حالة عدم تحديد المخالفة فان ذلك يعتبر نقصا يشوب المحضر الذي ينظمه المفتش فيما بعد فجعله باطلا لاستناده إلى إنذار معيب (22) . كما يقتضي إن يتضمن الإنذار مهلة محددة حتى يتسنى لصاحب العمل تلافي المخالفة ضمنها ويترك للمفتش تقدير هذه المهلة بما يتناسب مع طبيعة المخالفة .

يجب على المفتش ان يقوم بزيارة تفتيشية لاحقة وذلك للتثبت من قيام صاحب العمل بتلافي النواقص أو إزالة المخالفة وفي حالة ما إذا وجد المفتش عدم إزالة المخالفة ضمن المهلة المحددة فيكون من حقه تنظيم محضر بالمخالفة (23) .

ان هناك حالات لا يمكن تلافي المخالفة فيها ولذلك فان توجيه الإنذار لا يحقق اي اثر ، اي في هذه الحالة يكون من صلاحية المفتش تنظيم محضر بالمخالفة فورا ومثال على ذلك تشغيل عاملة حامل ساعات عمل أضافية خلافا لأحكام القانون على خلاف ماهو عليه الحال بالنسبة لصاحب عمل لم ينظم سجلا خاصا بالعمال الأحداث فيمكن في هذه الحالة تلافي المخالفة بتنظيم هذا السجل . أن المحضر يعني الإعلان عن وجود مخالفة مرتكبة من قبل صاحب العمل فيجب أن يكون هذا المحضر متضمنا العناصر المادية للمخالفة وصفة المخالف .

القوة الثبوتية للمحضر :

ان للمحضر قوة ثبوتية حتى إثبات العكس اي يعتبر سندا قانونيا إلى ان يثبت ما يخالفه (24). ان المحضر يمكن إثبات عكسه بالبينة على ما يخالفه ولا يشترط في هذا الإثبات إن يكون كتابيا إلا إذا كانت الوقائع مؤيدة بوثائق خطية مرفقة بالمحضر صادرة عن صاحب العلاقة ففي هذه الحالة لا يقبل منه إثبات العكس إلا بدليل خطي أخر .

ان المحضر يعتبر بينة قانونية كذلك فان قوته الثبوتية تخضع للقواعد العامة ومن ثم فيمكن إثبات العكس كذلك عن طريق الشهود او الخبرة (25) . إن القوة الثبوتية لمحضر التفتيش تشكل حجة في الوقائع التي استوثق منها مفتش العمل عن طريق الإطلاع على المستندات وإجراء الاستجوابات والتثبت من الوقائع ولذلك فانه من الأفضل اعتبار ما ورد في المحضر صحيحا ألا إن يثبت تزويره أسوة بمحاضر رجال الشرطة (26) لأنه يخشى أن يصبح إثبات العكس سهلا إذ ((يكفي الضغط على العامل للإفادة إمام القاضي بحصوله على ميع حقوقه موضوع الضبط)) . وهذا ما اخذ به القانون الجزائري حيث تعتبر بموجب هذا القانون محاضر مفتشي العمل أدلة الإثبات إلا إن يدعي تزويرها (27) .

التزامات أصحاب العمل والجهات الحكومية الأخرى :

1 – على أصحاب العمل ان يسهلوا مهمة لجان التفتيش ويمكنوها من الإطلاع على ما تروم الإطلاع عليه بما في ذلك السجلات والوثائق والأضابير الشخصية وماسوها وعليهم إن يجيبوا على الاستنتاجات والاستفسارات التي توجه إليهم (28) وكل من منع مفتش العمل أو اللجنة التفتيشية من دخول أماكن العمل لغرض التفتيش او عرقل عمله او عملها بأي شكل كان يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر لو بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار (29)

2 – على قوى الأمن الداخلي كافة أن تلبي طلب لجان التفتيش بالموازرة والمساندة إذا طلب أليها ذلك (30).

_________________

1- م 27 من القانون .

2- م116 اولا من القانون .

3-نفس المادة .

4- م116 ثالثا من القانون .

5- م 114 ثانيا من القانون .

6- م 114 من القانون .

7- م 117 من القانون .

8- م 114 من القانون .

9- م 120 اولا من القانون .

10- م 115 من القانون .

11- م 119 -ثالثا -من القانون ويلاحظ بان النص قد اغفل ذكر ممثلي أصحاب العمل الذين يحظر عليهم القيام بما ذكرته المادة المذكورة وهذا نقص في التشريع لا مبرر له .

12- م 117 من القانون .

13- م 117 – ثانيا – من القانون .

14- م 149 – اولا – من القانون .

15- م 117 من القانون .

16- أنضر برن وكالان ، قانون العمل ، باريس سنة 1958 ،ص 120 .

17- د. عصام القيسي ،قانون العمل اللبناني ، عشتار للطباعة والنشر 1998، ص 232 .

18- الفصل 174 – ج – من القانون التونسي ، الفصل 56 من المغربي (ظهير 2 تموز 1947 )

19- برن وكالان ، نفس المرجع السابق .

20- م119 ثانيا من القانون ويلا حظ بان النص قد اغفل ذكر ممثلي أصحاب العمل الذين عم أعضاء في لجان التفتيش من ضمن الأشخاص الذين يؤدون اليمين .

21- م 120 ثانيا من القانون .

22- د. عصام القيسي ، المرجع السابق ص 260 ن .

23- د.عصام القيسي ،المرجع السابق 216.

24- الفصل 177 من القانون التونسي ، م 212 من القانون السوري ،م 6 من اللبناني م 121 من العراقي ، م 10 من الاردني ، م 26 من الكتاب الرابع من الموريتاني ،م 110 من الليبي .

25- دوران وجوسو رقم 297 .

26- الحلقة الدراسية لتشريعات العمل في الجمهورية العربية السورية ،من منشورات منظمة العمل العربي ، القاهرة 1978 ص 158

27- م 12 من القانون الجزائري (الأمر رقم 75-33).

28- م 118 اولا من القانون .

29- م118 ثانيا من القانون .

30- م 118 ثالثا من القانون .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .