دعوى الحسبة و الحقوق المتعلقة بها في نظام المرافعات الشرعية السعودي

مقال حول: دعوى الحسبة و الحقوق المتعلقة بها في نظام المرافعات الشرعية السعودي

الحقوق المتعلقة بدعوى الحسبة

كتبه

عبد السلام عبد الجبار وفقه الله

تحت إشراف

أ.د/عبدالرحيم المغذوي حفظه الله

العام الجامعي 1432-1433هــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد !

 

دعوى الحسبة : هي الدعوى التي ترفع بحق من حقوق الله –تعالى- أو تكون مشتملة على حقين” حق الله، وحق العبد ، ولكن حق الله يكون فيها غالبا .

أما ما يكون خاصا بحقوق العباد ، أو مشتملا على الحقين “حق الله – تعالى – وحق العبد ” ولكن حق العبد فيه يكون غالبا ، فلا تجوز فيه الحسبة [1].

فدعوى الحسبة هي “دعوى الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله” ولذا فهي تدور في وجودها مع ظهور ترك المعروف ، وظهور فعل المنكر ، حيث تراقب النشاط الإنساني، سواء تعلق بأمور الحكم ، أو الإدارة ، أو الجرائم ، أو الأحوال الشخصية ، أو المعاملات المالية ، ما دام هذا النشاط يمس حقا من حقوق الله سبحانه وتعالى ، أو حقا مشتركا غلب فيه حق الله تعالى [2] .

بيان أمثلة لما تقبل فيه دعوى الحسبة :

دعوى التفريق بين الزوجين يمنع الدين الإسلامي الحنيف من زواجهما كما لو كانت بينهما قرابة محرمية ، أو كما لو كان الزوج أخا لزوجته في الرضاع ، أو كان الزوج مسيحيا ،والزوجة مسلمة ، أو أن يتم تزويج المرأة دون رضاها أو أن يتزوج الشخص من أخته الرضاع ، أو التزوج بأختين في وقت واحد [3].

فمن رأى رجلا يعيش مع امرأة عيشة الأزواج مع أنها لا تحل له لبطلان زواجهما وجب أن يرفع الأمر إلى القاضي ، ويشهد عنده بما رأى . والدعوى بإثبات طلاق الزوجة من زواجها طلاقا بائنا لما يترتب على إثبات الطلاق البائن من تحريم معيشة الزوجين ، والدعوى بطلب الحجر على شخص للسفه وغيره أو تعيين قيما عليه أو عزل ناظر على وقف الفقراء “وقف خيري ” أو طلب ثبوت نسب الصغير ، والدعوى بطلب بطلان زواج الأخ بالأخت من الرضاع سواء كان يعلم ، أو لا يعلم [4]

والدعاوى القضائية في حالة استمرار المعاشرة بين الرجل والمرأة رغم الطلاق للمرة الثانية ، وتقبل دعوى الحسبة في اثبات طلاق المرأة الحرة ، أو الأمة طلاقا بائنا.

وإذا كان الأصل أن دعوى الحسبة واجبة على كل مسلم ، فإنها تجب أصلا إذا كان الحق المراد اثباته بالشهادة حدا من الحدود كالزنا ففي هذه الحالة يكون الشاهد مخيرا بين أن يشهد أو لا يشهد بل وترك الشهادة أفضل ، تحصيلا للتستر ، فقد قال النبي r :”من ستر ستره الله “[5].

الحقوق المتعلقة بدعوى الحسبة :

قد قسم الأصوليون الحقوق إلى ثلاثة أقسام

1- حقوق لله تعالى .

2- حقوق للعبد .

3- وحقوق مشتركة غلب فيه حق الله تعالى وقد يغلب فيه حق العبد وحق الله تعالى أمره ونهيه ، وحق العبد صالحه .

والتكاليف على ثلاثة أقسام: حق الله فقط كالإيمان ، وتحريم الكفر ، وحق العباد كالديون والأثمان ، وقسما من التكاليف قد اختلف فيه ، هل يغلب فيه حق الله تعالى أم حق للعبد ؟كحد القذف وما للعبد إسقاطه يكون هو المراد بحق العبد ، وكل ما ليس له إسقاطه فهو المقصود بحق الله تعالى وقد يوجد حق الله تعالى ومعه حق العبد لكن لا يكون للعبد إسقاطه كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات فإنه سبحانه وتعالى قد حرمها صونا لمال العبد عليه ، وصونا له عن الضياع ، فيحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه ، وتحريم السرقة صونا لماله ، والزنا صونا لنسبه ،والقذف صونا لعرضه ، والجرح صونا لمهجته وأعضائه ، ومنافعها عليه ، فلو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما يكون مشتملا على مصالح العباد حق الله تعالى لأنها لا تسقط إلا بالإسقاط ، على الرغم من اشتمالها علي حقوق العباد لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية من هذا القسم .[6]

ويعرف الأصوليون حق الله تعالى بأنه ما يتعلق به النفع العام للعالم ، فلا يختص به أحد ، ولكنه ينسب إلى الله سبحانه وتعالي وذالك على سبيل التعظيم لأنه سبحانه وتعالى يتعالى عن أن ينتفع بشيء بل الإضافة إليه سبحانه وتعالى بغرض تشريف ما عظم خطره ، وقوى نفعه ، وشاع فضله، لانتفاع الناس به كافة.

أما حق العبد فهو ما يتعلق به فلهذا فإنه يباح مال الغير باحة المالك ولا يباح الزنا بإباحة الزانية ، ولا بإباحة أهلها[7].

ونظرا لعدم وجود حقا خالصا للآدميين ، إذ لا بد وأن يكون فيه حق الله سبحانه وتعالى لذا تكلم الفقهاء الذين كتبوا عن الحسبة عن اختصاصات المحتسب بالنسبة لكل من حقوق الله سبحانه وتعالى حقوق الآدميين ، أو الحقوق المشتركة بينهما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي تتعلق بالنسبة لحقوق الآدميين بنظر الدعاوي المتعلقة بالمنكرات الظاهرة في الغالب _ كالحقوق المعترف بها إذا مطلت ، والديون إذا أخرت بشرط عدم جحدها وإنكارها كما يكلموا عن اختصاصات المحتسب في المواد الحسية ، وكلها أمور تدخل اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ، وقاضي التنفيذ والمحاكم الحسبية في عصرنا [8] .

والمحتسب لا يتصرف بالنسبة لحقوق العباد بوصفها حقوقا خالصة لهم ، بل يتصرف لأن فيها نسبة من حقوق الله سبحانه وتعالى ولأن وظيفتها ذاتها من حقوق الله تعالى ، فكان لا بد من التصدي لكل أمر يمس حقا لله تعالى حتى ولو اقترن به حق للعبد ، ليس بهدف رعاية حق العبد بالدرجة الأولى وإنما لرعاية حق الله تعالى الذي اقترن به حق العبد ، ولذا لا يستطيع إسقاط الحق وذلك إذا كان دائر بين حقه وحق الله تعالى إذا كان من شأن ذلك الإسقاط إسقاط حق الله تعالى .[9]

هذا ما تيسر لي جمعه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

المراجع والمصادر :

1- الأحكام السلطانية للماوردي.

2- دعوى الحسبة للدكتور محمود السيد التحيوي دار الفكر الجامعي الإسكندرية ط:2003هــ.

3- المصلحة في الدعوة لعبد المنعم الشرقاوي ، ط: الأولى،مؤسسة الرسالة ،1947م.

4- [1] نظام الحسبة في الإسلام لعبد العزيز المراغي.

5- دعاوي الحسبة لحسن اللبيدي.

[1] نظرية المصلحة في الدعوة لعبد المنعم الشرقاوي ص : 276 ،ط: الأولى،مؤسسة الرسالة ،1947
[2] دعاوي الحسبة لحسن اللبيدي ص : 51 ط : 1983
[3] دعوى الحسبة للدكتور محمود السيد التحيوي ص :174
[4] الدعوى وإجراءاتها لأمينة مصطفى النمر ص :79
[5] المصدر السابق
[6] دعاوى الحسبة لحسن اللبيدي ص:52
[7] نظام الحسبة في الإسلام لعبد العزيز المراغي ص: 32
[8] الأحكام السلطانية للماوردي ص : 240
[9] دعوى الحسبة للدكتور محمود السيد التحيوي ص : 161

شارك المقالة

1 تعليق

  1. جزاكم الله خيرا ، موضوع شيق ، وجمع مبارك طيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.