قضايا الحسبة وفق النظام القضائي السعودي

تعتبر المادة الخامسة من نظام المرافعات الشرعية الأصل الذي تنبني عليه قضايا الحسبة في المحاكم السعودية وقد جاء نص المادة على النحو التالي : ( تقبل الدعوى من ثلاثة على الأقل من المواطنين في كل ما فيه مصلحة عامة إذا لم يكن في البلد جهة رسمية مسئولة عن تلك المصلحة ) وقد وضحت اللائحة التنفيذية المراد بالمصلحة العامة وأنها : ” ما يتعلق بمنفعة البلد ” وجاءت الفقرة الثالثة للتأكيد ” أنه إذا كانت جهة الاختصاص في بلد * آخر فلا تسمع الدعوى إلا من جهتها ” .

ولا شك أن غالب المصالح العامة قد أُنيطت المطالبة بها بجهات رسمية لكن الشأن عندما تقصر هذه الجهة فى طلب هذه المنفعة فهل يسوغ بعد ذلك نظاما أن يعمل بهذه المادة لتحصيل هذه المصلحة أم لاً ؟!

الذى يظهر للباحث أن هناك اتجاهين في هذا الموضوع :

الأول:/ أن نقول إن رفع دعوى الحسبة لا يسوغ إلا في القضايا التي لم تنط مسؤوليتها بجهة حكومية إعمالا لنص المادة , وعلى من رأى تقصيراً في الجهة الحكومية أن يتقدم بالشكوى إلى الجهة نفسها أو إلى المسئول عنها طالبا محاسبة المقصر فى عمله .

وفي هذه الحالة هل يسوغ إقامة دعوى إدارية في المحكمة الإدارية لإلزام الجهة باتخاذ الإجراء اللازم ؟

الذي يظهر أنه لا يسوغ ذلك حيث إن الصفة أصل في قبول دعوى المحكمة الإدارية , ولابد لثبوتها أن يكون للمدعي في دعواه مصلحة مباشرة , فلا تقبل في المحكمة الإدارية دعاوى الحسبة ونحوها .

الثاني:/ أن نقول نعم يسوغ رفع دعوى الحسبة مباشرة إلى المحكمة المختصة وفقاً للمادة الخامسة من ثلاثة مواطنين , لكن على المحكمة ألا تنظر القضية إلا بعد استدعاء الجهة المختصة بهذه المصلحة لتكون مدعية في الدعوى .

كما يمكن للمحكمة المختصة أن تصدر أمراً إلى الجهة المسؤولية عن هذه المصلحة لمباشرة الدعوى والتحقيق فيها ثم رفع الدعوى في المحكمة حول الموضوع .

ولاشك أن الإتجاه الثاني أحق بالإتباع لأنه في حقيقة الأمر مبني على أصل عظيم وهو استقلال السلطة القضائية عن سائر السلطات , حيث إن الاتجاه الأول هو في حقيقته جعل للسلطات التنفيذية بمنزلة الفلتر الذي يختار القضايا التي تحال للمحكمة والقضايا التي لا تحال إليها , وهو نقص في استقلالية القضاء لا يقره الشرع ولا النظام .

ولا يقال أن معنى ذلك تسلط القضاء عن أمور خارج اختصاصه حيث إن التدرج القضائي ( محاكم ابتدائية – استئنافية – عليا ) كاف في وضع هذه الأمور في نصابها , ولا يوجد مجتمع يسعى للعدالة يخشى من تسلط القضاء , حيث إن تسلط القضاء هو في حقيقته العدالة التي ينشدها المجتمع , والله الموفق .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المراد بالبلد في المادة: هي المدينة أو القرية .