بحث قانوني في مسؤولية الحكومة عن أعمال الخفراء

أي قانون يجب تطبيقه
الخلاف بين دوائر محكمة الاستئناف العالي
رأي محكمة النقض الأخير

كثر الخلاف بين دوائر القضاء في مسؤولية الحكومة عن أعمال الخفراء، وقد طرحت أمام محكمة النقض والإبرام المصرية الوقائع الآتية:
استلم خفير سلاحه ليلاً من دار العمدة وذهب إلى محل خفارته، ثم ترك دركه إلى محل آخر بعيد عن دركه ليشرب وقد وضع مقذوفًا في البندقية حينئذٍ، وعند عودته وقبل أن يصل إلى دائرة خفارته لاحظ أشخاصًا يتكلمون في الطريق، فناداهم وكانت بندقيته معمرة، وقد بدت من الخفير حركة عن رعونة وعدم تبصر كانت سببًا في انطلاق العيار فأودت بحياة أحد الواقفين:
– فهل الخفير مسؤول جنائيًا عن الوفاة؟
– وهل الحكومة مسؤولة مدنيًا؟
لقد دفعت الحكومة الدعوى بما يأتي:
1 – لم تقع الحادثة في درك الخفير ولا في أثناء تأدية وظيفته.
2 – أن وضع الخفير المقذوف في البندقية كان لسبب غير متعلق بأعمال الخفارة، بل كان وضع المقذوف مخالفًا للتعليمات الصريحة الصادرة إليه.
3 – أن التشريع الخاص بمسؤولية الخفراء مستمد من القانون الصادر في سنة 1884 وهذا لا يجعل الحكومة مسؤولة مطلقًا في حالة خطأ الخفير.
4 – أن القانون الصادر في سنة 1909 المعروف بلائحة الخفراء لم يمس المبادئ العامة المبينة في القانون السابق وإنما وضع لبيان طريقة انتخاب الخفراء وطريقة محاكمتهم ولم يذكر في مواده إلغاء القانون السابق.
5 – أن الحكومة باعتبارها سلطة عامة لها حق الإشراف على ما يتعلق بالنظام العام ليست مسؤولة عن خطأ الخفراء.
6 – أن الحادثة على كل حال وقعت في غير درك الخفير، وفضلاً عن هذا فقد خالف الخفير الأوامر الملقاة عليه – والقانون المدني ينص على أن مسؤولية السيد عن أعمال خدمته تترتب متى كانت أثناء تأدية وظائفهم.

وقررت محكمة جنايات أسيوط رئاسة حضرة صاحب العزة عطية بك حسني بتاريخ 11 أغسطس سنة 1923 نمرة (452) المبدأ الآتي:
الحكومة غير مسؤولة لأن الخفير طبقًا للتعليمات مكلف بالبقاء في دركه المعين في المدة المقررة له ليلاً، ومكلف بأن لا يبرح منه إلا بإذن في أحوال معينة، وأن لا يحمل بندقية معمرة إلا في ظروف خاصة، فإذا لم يتبع هذه التعليمات الصريحة وخرج عن حدودها وارتكب أمرًا ما في نقطة أخرى كان هو المسؤول وحده جنائيًا ومدنيًا وكان هذا نافيًا لكل مسؤولية تقع على الحكومة لمخالفته أوامرها وعدم اتباعه لوائحها، لأن المسؤولية المدنية مفروض فيها ليس فقط سوء اختيار السيد لخادمه بل خضوع الخادم لتنفيذ أوامر سيده فيما يتعلق بالطريقة التي يؤدي بها أعمال وظيفته وبدون ذلك لا تكون هناك مسؤولية على الحكومة لأن ما ارتكبه المتهم كان خارجًا عن أعمال وظيفته.
وقد ارتكنت المحكمة على ما جاء بكتاب بودري لاكنتري جزء (4) صـ (617) بند (912).
وقد دار البحث أمام محكمة النقض في تقرير المسؤولية المدنية على النقطتين التاليتين:
أولاً: أي قانون يجب تطبيقه في مثل هذه الحوادث، هل القانون العام أو القانون الخاص فإن كان الثاني فأي قانون هو المعمول به؟ هل هو قانون سنة 1884 أو قانون سنة 1909؟
ثانيًا: هل الحكومة مسؤولة مدنيًا في مثل هذه الحالة، وهل تطورت قواعد المسؤولية المدنية اليوم في القضاء بحيث يجب أن يوفق بين الآراء القديمة والحديثة.

عن القانون الواجب التطبيق

إن قانون سنة 1884 الذي يجعل أهل الخفير ومشايخ البلدة متضامنين في المسؤولية التي تترتب على أعمال الخفراء قد أصبح بلا جدال معطلاً في كل نصوصه lettre, morte سواء من جهة العمل أو من جهة الإلغاء الضمني لصدور قانون ولوائح أخرى في موضوعه تتنافى بصراحة في معناها مع القواعد والإجراءات المرسومة فيه – فطريقة تعيين الخفراء وطريقة عزلهم ومحاكماتهم والإشراف على تعليمهم كل هذا يختلف بالمرة في قانون الخفر الصادر في سنة 1909 عن القانون القديم.
وقد حكمت محكمة طنطا الابتدائية في 18 إبريل سنة 1922 الحكم المنشور في المحاماة السنة الثالثة صـ 79 رئاسة حضرة صاحب العزة لبيب بك عطية بهذا المبدأ.
وقررت محكمة الاستئناف العليا في 17 يناير سنة 1922 دائرة سعادة الوكيل أنه بصرف النظر عن البحث فيما إذا كان هذا القانون معطلاً أو غير معطل فإنه لا يجوز تطبيقه إلا على الخفراء المعينين طبقًا لأحكامه أي المعينين من سنة 1884 لغاية سنة 1909، أما القانون نمرة (19) الصادر في 13 يوليو سنة 1909 فواضح فيه المبادئ الآتية:
1 – يعين الخفراء بنظام التطوع وتنتخب الحكومة الخفراء – انظر المواد من 1 – 5 بخلاف القانون الصادر سنة 1884 فإن مجلس القرية المكون من العمدة والمشايخ والمأذون ينتخب شيخ الخفراء والخفراء ويتحتم على من وقع عليه الاختيار القبول بطريق الإجبار وإلا يُسجن – قابل المادة (1) – (4) من القانون الجديد والمادة (65) من القديم.
2 – لا يقدم الخفراء بحسب النظام الحالي ضمانًا ماليًا بل كل الضمان هو حسن الاختيار والتعليم والإشراف عليهم والجزاء بخلاف القانون الصادر في سنة 1884 فيلزم الخفير ووالده وأهله متضامنين بتقديم الضمان المالي عن الخفير ومن يتأخر من أهله وأقاربه عن تحرير الضمانة يجازى بالسجن فضلاً عن كونه يعد ضامنًا غارمًا بمقتضى القانون وإن لم يقدم الضمان – انظر المادة (66) من القانون القديم.
3 – الحكومة بحسب القانون الحالي تتولى تعليم الخفراء طبقًا للنظام العسكري ولها حق الإشراف المباشر طبقًا لهذا النظام.
4 – وتدفع لهم الحكومة المرتبات من خزائنها ولو لم تفِ الضريبة – انظر المادة (15) الفصل الخامس والمادة (78) وما يليها.
5 – للحكومة وحدها حق مجازاة الخفراء – الفصل السادس والمادة (21) من القانون وهي التي تعين لهم واجباتهم – المادة (26) من القانون.
ولما كان المعروف أن علاقة السيد بالخادم تتوفر متى كان السيد قد انتخب الخادم ومتى كان الخادم تابعًا له وله عليه سلطة الجزاء وليس أظهر في تعيين هذه العلاقة بين الحكومة والخفراء من القانون نمرة (19).
ولهذا يجب النظر إلى مسؤولية الحكومة عن أعمال الخفراء على ضوء هذا المبدأ مبدأ مسؤولية السيد عن أعمال خادمه طبقًا للقانون الحديث لا طبقًا لقانون سنة 1884.
وإذا تقرر هذا كانت المبادئ الآتية التي تقررت من كثير من المحاكم الابتدائية والاستئنافية مخالفة للقانون:
1 – ذكرت محكمة الزقازيق الابتدائية في حكمها الصادر في 21 يناير سنة 1912 (أن الخفراء ليسو في عداد موظفي الحكومة بالمعنى المراد في القانون المالي وباقي اللوائح المختصة بالموظفين لأن مجلس الخفراء المشكل من بعض سكان البلد هو الذي يعينهم ويقرر أجورهم ويوزعها عليهم بحسب مقدرة السكان ويفصل في المنازعات المتعلقة بهم والحكومة إنما تشرف على أعمال هذا المجلس من باب المساعدة فقط سعيًا وراء حفظ النظام واستتباب الأمن ومراعاة المصلحة العامة فلا مسؤولية عليها).
2 – وذكرت محكمة جنايات طنطا في حكمها الصادر بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1919 أن الحكومة لا تكون ضامنة لتعويض الضرر الذي يحصل بسبب جناية ارتكبها أحد الخفراء ما دام أنها أخذت عند انتخابه كل الاحتياطات اللازمة لمعرفة أنه حسن السير فيتعين رفض الدعوى.
وليس اتخاذ الاحتياطات من شأنه سقوط المسؤولية إن كانت الجريمة وقعت في أثناء تأدية عمله أو بسبب عمله.
3 – وقد حكمت محكمة الزقازيق الابتدائية في 10 إبريل سنة 1920:
(أنه لا يمكن اعتبار الحكومة ولا مجلس المديرية مسؤولاً بمقتضى النصوص العامة للقانون المدني، لأن الخفراء ليسو في التبعية للحكومة أو المجلس كتابعية الخادم للمخدوم، لأن انتخابهم منوط بمجلس كل قرية ومرتباتهم تدفعها الأهالي ومجلس المديرية ليس له إلا الإشراف على العدد المقرر منه لكل بلدة ومرتباتهم وتوزيع رسوم الخفر على الأهالي والتصديق على ذلك من وزارة الداخلية).
4 – وقد تأيد هذا الحكم من محكمة الاستئناف العليا في 7 ديسمبر سنة 1921.
5 – وقضت محكمة الاستئناف العليا أيضًا في حكم آخر في سنة 1922:
(وحيث إنه لا مسؤولية على الحكومة في مثل هذه الحالة أيضًا لأنها إنما تتدخل في مسائل الخفر لما لها من الولاية العامة والرقابة على شؤون الأمن العام).
كل هذه الأحكام تضع أمامها نظريتين:
الأولى: ما في قانون سنة 1884 من أن مجلس البلدة هو الذي يعين الخفراء وأن مرتباتهم تدفعها الأهالي ولكن الرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة (2) من القانون نمرة (19) سنة 1909 ونصها صريح في أن (يعين خفراء البلاد بأمر المدير بناءً على طلب المأمور على الأورنيك نمرة (16) حفر ( أ ) بمصادقة وزارة الداخلية والمادة الرابعة من أن المدير هو الذي يرفت الخفراء) – وكذلك إلى آخر ما ذكرناه سابقًا.
وكيف لا نقطع بعد هذا أن الحكومة هي صاحبة الأمر والإشراف على الخفير ومتى كانت هي صاحبة الأمر وهو تابعها ترتبت على أثر هذه العلاقة القانونية.
ولا يمكن إسناد ما يخالف هذا الرأي إلى مبدأ قانوني واضح.
وأن مسؤولية الحكومة عن حفظ النظام واستتباب الأمن لا يخليها عن المسؤولية المدنية التي تترتب على خطأ موظفيها.
إذا تقرر هذا يجب أن نرجع إلى نظرية مسؤولية السيد عن أعمال خدمته ولدى تطبيقها في الخطأ والجرائم التي تقع من الخفراء.
إن المادة (152) مدني نصت على أن السيد يلزم بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمه متى كان واقعًا منهم في حال تأدية وظيفتهم.
والخلاف بين الشراح قد استقر في السنين الأخيرة على معنى الجملة (متى كان واقعًا في حال تأدية وظيفتهم).
وهنا يجب البحث في معنى (حال تأدية وظيفتهم) وهل المقصود بها أن يكون الخادم ملازمًا للعمل ملتصقًا به حين ارتكاب الجريمة.
وكذلك بحث هل إذا أهمل الخادم الأوامر الصادرة إليه يترتب عليه مسؤولية السيد أيضًا؟
فالواقعة محل الخلاف: أن الخفير ترك دركه ليشرب ثم إنه أهمل في طريقه ووضع الظرف في البندقية وهو محرم عليه إلا في الأحوال المبينة في القانون وهذه ليست منها.
لقد ذكر المسيو سوردا في كتابه عن المسؤولية المدنية الجزء الثاني في الفقرتين (900)، (901) ما يأتي:

par l’effet même du principe d’oú elle part la responsabilité du commettant est limitée aux actes commis par le préposé dans l’exercice de ses fonctions,
car l’on ne peut présumer que le commettant ait donné à ses préposés l’ordre de délinquer dans des actes étrangers aux fonctions auxquelles il les emploie; dès lors il n’y a aucune relation entre son propre fait et le dommage causé. D’ailleurs en dehors de ces fonctions il n’y a plus d’ordre à donner, ni de surveillance à exercer, il n’aurait à cet égard ni autorité, ni intérêt.
Mais dés l’instant oú l’acte dommageable quel qu’il soit se rattache par un lien direct à l’objet de la fonction confiée au préposé et se produit dans l’exécution de cette fonction, le commetant en est responsable, peu importe que cet acte constitue un abus de la fonction, que les ordres du maître aient pu être même méconnus. Cour de cass 23 mars 1909 D, 1908 – 351.

وقد أورد المسيو سوردا أمثلة كثيرة على هذا:
– أن مالكًا أرسل أحد العمال ليقطع جذور الأشجار من قطعة أرض مملوكة إليه ومجاورة إلى غابة، ولكن هذا العامل عوضًا عن أن يقلع الجذور أشعل فيها النار حتى يسهل استئصالها فاتصلت النار بالغابة المجاورة.
– المالك مسؤول عن تعويض الضرر ولو أنه لم يأذن العامل مطلقًا في أن يشعل النار في الجذور.
– والمالك أيضًا مسؤول عن الحريق الذي يشتعل في مواد ملتهبة نشأت عن سيجارة كان يشربها العامل الذي استأجره هذا المالك ليشتغل بجوار هذه المواد الملتهبة.
– وكذلك مصلحة السكة الحديد مسؤولة عن الضرر الذي يلحق الغير عن جريمة تهريب البضاعة التي يرتكبها أحد مستخدمي المصلحة.
– وقد قضت المحكمة أيضًا بالتعويضات على السيد في حادثة ارتكب فيها الخادم خطأ غير متعلق بالعمل الذي يعمله ولا علاقة للسيد به، بل كل ما في الأمر وقعت الجريمة في الوقت الذي كان يعمل الخادم فيه عند سيده وذكرت المحكمة أنه ولو أن الخطأ الذي ارتكب لا علاقة له بالعمل

N’avait eu pour objet, ni pour but les fonctions du serviteur; il suffit qu’il s’y rattache d’une manière quelconque par des circonstances de temps, de lieu, et de service.

وأيضًا المسيو دي هيلتز في كتابه تحت كلمة responsabilité الفقرة (122) الجزء الرابع:

comme tous les préposés, les domestiques n’engagent, par leurs actes. la responsabilité de leurs maîtres que lorsqu’ils agissent dans l’exercice de leurs fonctions.
Cette condition ne se rapporte pas seulement au temps pendant lequel ils sont en service, c’est à diretant que dure leur engagement, mais encore au fait même qui doit être commis au moment où ils faisaient effectivement un acte de service.
Cependant l’acte dommageable même ne doit pas être un acte commandé par ce service, car il est probable que les maîtres ne veulent point que leurs domestiques fassent du mal à autrui, mais il faut cependant que l’acte se rattache à ce service d’une facon plus ou moins dirécte et étroite que les tribunaux ont à apprécier.

قد يقال إن مجرد خروج الخفير عن دركه عمل مخالف للتعليمات، وكذلك كونه عمر البندقية في غير الظروف المصرح بها، ولكن الجريمة لا تقع في الغالب إلا إذا أهمل الخادم اتباع التعليمات، والقول إن الخفير خالف التعليمات ليس كافيًا لإخلاء الحكومة ما دامت الجريمة ليست جريمة شخصية بين الخفير والمجني عليه مباشرةً.
وقد ذكر المسيو والتمن في كتابه عن المسؤولية:

The Egyptian code says “En exercant leurs fonctions’ the French code says “dans les fonctions dans lesquelles ils sont employés”
It is universally agreed that the liability of the commettant is not limited to cases where the damage was caused by doing in a careless unskilfull manner an act which the préposé was employed to do.
The liability is much wider than this. It is not essential that the wrong act should be in the performance of his fonctions. It is enough that it was on the occasion of the performance of the work and was connected with it. Dalloz supp. Resp. no 764 cass. 6 Août 1907 8 1908 – 1 – 281.
The act causing the damage must be connected with the prepose and not entirely foreign to him. But an act which is done in the abuse of the authority is in this sense, done in the course of the employment. D. 1908 – 1351.

إن عاملاً في أثناء عمله بمخزن فيه أشياء يسهل التهابها كان يشرب سيجارة فاحترقت، اعتبرت المحاكم الفرنسية صاحب العمل أو السيد مسؤولاً، وقالت إن جريمة الخادم مرتبطة ارتباطًا كافيًا بالعمل المكلف به من السيد.
أكثر من هذا:
لقد حكمت محكمة النقض بحكم منشور في دالوز D. 1909 5 75 والحكم صادر في 24 فبراير سنة 1909.
– سائق عربة سرق أشياء كانت مع راكب في العربة فاعتبر مالك العربة الذي يخدّم هذا السائق مسؤولاً.
والحكم الصادر في سنة 1917 ومنشور في صحيفة 133 Revue Trimestrielle عن مقاول تعهد بنقل براميل مملوءة من النبيذ من محل الشركة إلى الجمرك فقط، ولكن مدير الشركة طلب إلى رئيس العمال المباشر لهذا العمل مكان المقاول نقل أحد البراميل إلى البدروم مقابل pourboire خصوصي له وقد سقط البرميل على آخر فقتله وقضت المحكمة بمسؤولية شركة النقل

parce que cet acte se rattache à l’objet de la fonction confiée au préposé.

وأكثر من هذا قضت على دكتور تغيب عن عيادته وترك فيها طبيبًا آخر يباشر عمله وترك له أتومبيله وسائقه وهذا الدكتور المساعد خرج للرياضة بالأتومبيل يسوقه سائق الأتوموبيل الأصلي وداس رجلاً، وقد اعتبرت المحكمة الطبيب الأصلي مسؤولاً باعتباره سيدًا لهذا السائق، ولو أن الطبيب دافع في الدعوى بأن السائق في هذا الوقت يعمل تحت أمر الطبيب المساعد لا تحت أمره، وقد ذكر المسيو والتمن هذا الحكم في كتابه عن المسؤولية وحبذه قائلاً:

But the act of the chauffeur in taking out the substitute for a holiday was sufficent connected with his fonctions.

وفي إنكلترا

An accident was caused by the act of an omnibus driver who pulled his horses sharply across the road in order to obstruct a rival omnibus. It was held that it was no defence that the company had given special orders to him and to all drivers not to race with or obstrcut other omnibus case of Simpus and London Omnibus.

وقد قضت محكمة بني سويف الابتدائية بتاريخ 31 يناير سنة 1921 الحكم المنشور في المجموعة الرسمية ونصه (يُسأل السيد عن فعل خادمه وإن لم يقع هذا الفعل أثناء عمله إذا تبين أن بين الجريمة وبين علاقة السيد بخادمه ارتباط يقوم).
إن من الخطورة بمكان أن يقال إن العلاقة بين الخفير والحكومة ليست علاقة الخادم بالسيد – إن هذا القول فيه خطر كبير ويقلل ثقة الناس بأعمال الخفارة – وإنه ليس من العدل أن موظفًا يخرج من داره فيطلق عليه خفير عيارًا ناريًا عن رعونة وعدم تبصر فيُقضَى عليه وعلى بيت برمته.
لقد قضت محكمة النقض أخيرًا في حكمها الصادر في فبراير سنة 1925 على الخلاف في المبادئ السالفة.
وهذا هو الحكم:

محكمة النقض والإبرام

المشكلة علنًا تحت رئاسة حضرة صاحب المعالي أحمد طلعت باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات مستر برسيفال وكيل المحكمة والمستر كرشو وأحمد عرفان باشا وعلي سالم بك المستشارين ومحمود المرجوشي بك رئيس نيابة الاستئناف.
أصدرت الحكم الآتي:
في النقض والإبرام المقدم من الست حنة بنت خليل عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين ضد محمد جاد الرب خفير نظامي سكنه أبنوب ووزارة الداخلية الواردة بجدول المحكمة نمرة (704) سنة (41) قضائية.

المحكمة

بعد سماع أقوال النيابة العمومية والمرافعة الشفهية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونًا،
حيث إن طلب النقض صحيح شكلاً،
وحيث إنه ثابت أن الحادثة التي أصيب فيها المجني عليهما نشأت عن إهمال الخفير محمد جاد الرب الذي أطلق العيار الناري من بندقيته (الميري) ليلاً وكان في ذلك الوقت موجودًا في درك خفير آخر إذ أنه كان ترك دركه وذهب ليشرب بدلاً من بقائه في دركه لحراسته ولذا قضت عليه محكمة الجنايات بالحبس سنة مع الشغل وبدفع مبلغ 230 جنيهًا تعويضًا للمدعين بالحق المدني فالمسألة التي يتعين البحث فيها هي معرفة ما إذا كانت وزارة الداخلية مسؤولة مدنيًا بصفة ضامنة.
وحيث إن الوزارة تدفع المسؤولية مستندة إلى أسباب وهي:
أولاً: أن المسؤول عن أعمال الخفراء هو مجلس المديرية والأهالي أنفسهم.
وثانيًا: بفرض أن الخفراء يعتبرون من مستخدمي الحكومة فإن العلاقة بينها وبينهم ليست هي العلاقة القانونية بين السيد والخادم.
وثالثًا: لأن وقت الحادثة لم يكن الخفير يؤدي أعمال وظيفته وقد خالف تعليمات وأوامر الحكومة.
وحيث فيما يختص بالوجه الأول فإن الحكومة ترتكن على قانون سنة 1884 ولكن هذا القانون ليس نافذ المفعول الآن إلا فيما يتعلق بالخفراء الذين كانوا معينين في ذلك الوقت وأما نظام الخفراء الحالي فإنه خاضع لأحكام القانونين الصادرين في سنة 1909.
وبما أن وزارة الداخلية هي التي تصادق على تعيينهم وتدفع مرتباتهم ولها حق تأديبهم وتوقيع الجزاءات عليهم فليس هناك شك في أنها المسؤولة عن أعمالهم لا مجلس المديرية ولا الأهالي.
وحيث عن الوجه الثاني فإن الحكومة لم يمكنها إقامة الدليل على صحة ما تتمسك به من وجود فرق بين علاقتها مع الخفراء والعلاقة العادية بين السيد والخادم وفي هذه الحالة يجب تطبيق القواعد العامة الخاصة بالمسؤولية عن أعمال الغير.
وحيث عن الوجه الثالث فإنه من الثابت أن الحادثة وقعت بسبب à l’occasion تأدية الخفير لأعمال وظيفته ومن المبادئ المقررة التي جرى عليها القضاء المصري وفي فرنسا وإنكلترا أيضًا أن السيد مسؤول عن عمل خادمه ولو لم يكن الغرض من هذا العمل شؤون وظيفته ولكن بشرط أن يكون فعله مرتبطًا مباشرةً بالعمل الذي يقوم به. (راجع كتاب المسيو سوردا عن المسؤولية جزء ثانٍ فقرة (927) وحكم محكمة الاستئناف نانس 5 إبريل سنة 1873 دالوز 1874 – 2 – 252).
وحيث إنه فضلاً عن ذلك فإن السيد لا تزول مسؤوليته ولو كان الخادم قد ارتكب الفعل المسند إليه رغمًا من أوامر سيده.
راجع سوردا الجزء السابق ذكره فقرة (901) حكم نقض وإبرام فرنسا 23 مارس سنة 1907 دالوز 1908 – 1 – 315.
وحيث إن محكمة النقض والإبرام ترى بناءً على ما تقدم أن أوجه الدفاع التي تمسكت بها الحكومة وأخذت بها محكمة الجنايات بحكمها المطعون فيه ليست على أساس قانوني ولذا يتعين قبول النقض وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يختص برفض طلب التعويض المرفوع ضد الوزارة وإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع بالتضامن مع محمد جاد الرب المبلغ المحكوم به للمدعي بالحق المدني.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول النقض وتعديل الحكم المطعون فيه وإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع بالتضامن مع محمد جاد الرب التعويض المحكوم به عليه للمدعين بالحق المدني مع المصاريف.
هذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة في يوم الاثنين 2 فبراير سنة 1925.
هذا ما عنَّ لنا في هذا الموضوع.
نصيف زكي
المحامي