دراسة مميزه حول التعويض كجزاء للإخلال بالعقد و تطبيقاته في مصر و السودان

التعويض كجزاء للإخلال بالعقد
قواعده وعناصره وتطبيقاته في القانون المصري والشريعة الإسلاميـــة مقارنة بالوضع في القانون السوداني

مقدمة :

أولت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية أحكام العقود اهتماماً بالغاً لما لها من أهمية في حياة الناس فبالعقود تقضى مصالحهم وتدار شؤونهم , , ذلك أن الإنسان لا ينفك عن إبرام عقد من العقود , فجعلت للعقد قواعد تضبطه ومعايير تحفظه , بها يدرك العاقد ماله من حقوق فيطالب بها ولا يتجاوزها, وما عليه من التزامات فيؤديها ولا يمنعها.
ولأهمية أحكام العقد فقد اعتنى الفقهاء ببيان حقيقة العقد وتعريفاته اللغوية والإصطلاحية , وأركانه وشروطه وأقسامه المختلفة باعتبارات متعددة.
وجاء أيضاً الإهتمام بالمسئولية العقدية من حيث إفتراض وجود عقد صحيح بين المتعاقدين قابل للتنفيذ ، وفشل أو إخلال المدين بتنفيذ العقد وضعت له الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ضوابط وقواعد ليكون سبباً لتعويض الدائن .
ومن أحكام العقد التي سوف نتناولها في هذا البحث التعويض كجزاء للإخلال بالعقد قواعده وعناصره وتطبيقاته في القانون المصري والشريعة الإسلاميـــة مقارنة بالوضع في القانون السوداني .

التعويض كجزاء عن الإخلال بالعقد في القانون المصري :

المسئولية العقدية في القانون المصري :

للحديث عن الجزاءات المترتبة علي الإخلال بالعقد يستحسن إستعراض المسئولية العقدية أولاً ومن ثم الجزاءات المترتبة عن الإخلال، فالقانون المصري تناول المسئولية العقدية وأركانها وفصلها إلي ثلاثة ، ولكي يكون التعويض مستحقاً كجزاء عن الإخلال بالعقد لابد من وجود خطأ عقدي ويكون قد ترتب عليه ضرراً للمدين وتكون هنالك علاقة سببية بين الخطأ والضرر ، أي يكون الخطأ العقدي هو ماترتب عنه الضرر المعوض عنه وليس غيره ، ويمكن تناول هذه الأركان بشئ من التفصيل الآتي :
( الخطأ العقدي ــ الضرر ـ علاقة السببية بين الخطأ والضرر)

أ/ الخطــأ العقدي :

وقد قسم القانون المصري الخطأ العقدي إلي نوعين حيث المسئولية :
(1) الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن عمله الشخصي.
(2) والمسئولية العقدية عن الغير وعن الأشياء .
القانون المصري تناول أنواع الإلتزام العقدي ، وذهب إلي وجود نوعين من الإلتزامات ، هما الإلتزام ببذل عناية ، والإلتزام بتحقيق غاية .
* الإلتزام ببذل عناية ، هو إلتزام المتعاقد ببذل عناية الرجل العادي في تنفيذ الألتزام المترتب عليه بموجب العقد ولايكون ضامناً للنتيجة طالما بل العناية المطلوبة في التنفيذ ،كإلتزامه بعمل دون أن يضمن النتجية المترتبة عن هذا العمل .
وعلي الدائن عند الدفع بعدم قيام المدين بإلتزامه وفقاً لعناية الرجل العادي يقع عليه عبء إثبات ذلك ، ومتي مانجح في ذلك وأثبت الضرر فإنه يكون مستحقاً للتعويض .
• الإلتزام بتحقيق غاية ، وذلك أن يكون المدين قد إلتزم بتحقيق غاية معينة بموجب العقد ، مثلاً كإلتزامه بالإمتناع عن عمل ، ولايشترط في هذه الحالة أن يؤدي ذلك الإلتزام إلي نتيجة .
• فالمسئولية عن عمل المدين الشخصي ، وهي عدم قيام المدين بإلتزاماته بموجب العقد لأي سبب من الأسباب .
• والمسئولية العقدية عن الغير والأشياء ، تكون في حالة مايقوم المدين بإستخدام أشخاص آخرين لتنفيذ الإلتزام العقدي ، وتكون المسئولية هنا كالمسئولية الشخصية تحكمها نفس القواعد .

ب/ الضرر:

ليكي يكون هناك تترتب المسئولية العقدية علي المدين وبالتالي يكون الدائن مستحقاً للتعويض لابد من وجود الضرر ، والذي يقع عبء إثباته علي الدائن .
وقد إستثني القانون المصري فوائد التأخير (قانونية ـ أو ـ إتفاقية ) وذلك وفقاً لنص المادة (228) من القانون المدني المصري التي تنص علي الآتي :((لايشترط لأستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت او اتفاقية ان يثبت الدائن ضررا لحقه من هذا التأخير . )) .
ـ أما في حالة وجود الشرط الجزائي في العقد فأن عبء إثبات الضرر ينتقل إلي المدين ، حسبما ورد بنص المادة (224) من القانون المدني كالآتي (( 1. لايكون التعويض الأتفاقى مستحقا اذا اثبت المدين ان الدائن لم يلحقه اى ضرر )) (( 2. ويجوز للقاضى ان يخفض هذا التعويض اذا اثبت المدين ان التقدير كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة ، او ان الألتزام الأصلى قد نفذ في جزء منه .)) ((3 . ويقع باطلا كل اتفاق يخالف احكام الفقرتين السابقتين ))
(ـ) وبالتالي فأن القانون المصري يذهب إلي أن التعويض عن الإخلال بالعقد لايكون إلا عن الضرر المباشر المتوقع .
وقسم الضر ر إلي نوعين : ضرر مادي ـ وضرر أدبي .

الضرر المادي :
الضرر المادي قد يكون ضرراً حلاً ، أو ضرراً مستقبلياً ، أو ضرراًً محتملاً .
*الضرر الحال وهو الضرر الذي وقع وتحقق فعلياً علي الدائن ويوجب التعويض .
* الضرر المستقبلي هو الضرر المحقق الوقوع ، وهو مايكون نتيجة راجحة ستقع حتماً جراء الإخلال بالعق ، ويعوض الدائن عنه .
* الضرر المحتمل الوقوع لايوجب التعويض إلا إذا تحقق فعلاً .
الضرر الأدبي :
وهو نادراً مايقع في المسئولية العقدية ، ولكن القانون المصري جوز التعويض عنه حسبما ورد بنص المادة (222) من القانون المدني المصري :
((1- يشمل التعويض الضرر الأدبى ايضا ، ولكن لا يجوز في هذه الحالة ان ينتقل إلى الغير الا اذا تحدد بقتضى اتفاق ،او طالب الدائن به امام القضاء ))
((2- ومع ذلك لايجوز الحكم بتعويض الا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب . ))
وقد إستثني القانون من التعويض الأقارب إلي الدرجة الثانية والأزواج عما يصيبهم من ألم جراء موت المصاب .
_ والتعويض عن الضرر الأدبي في المسئولية العقدية يعوض فقط عن الضرر المباشر المتوقع . (( ومع ذلك اذا كان الألتزام مصدره العقد ، فلا يلتزم المدين الذى لم يرتكب غشا او خطأ جسيما الا بتعويض الضرر الذى كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد )) مادة (221/2) من القانون المدني المصري.
3. علاقة السببية بين الخطأ و الضرر:

لكي يكون هنالك تعويض لابد من وجو علاقة سببية بين الخطأ والضرر ، أي أن يكون الخطأ العقدي هو سبباً مباشراً للضرر ، وهو أمر مفترض لايكلف الدائن بإثباته ، ولكن للمدين أن ينفيه بأن الخطأ ليس سبباً في الضرر الذي وقع علي الدائن. وهو المر الذي يصعب إثباته إلا بإثبات تدخل سبب أجنبي كالقوة القاهرة أو خطأ الدائن نفسه أو فعل الغير .

قواعد التعويض في القانون المصري :

من الجزاءات التي رتبها القانون المصري كجزاء للإخلال بالعقد التنفيذ العيني متي كان ممكناً وطالب به الدائن وليس فيه إرهاق للمدين .
لذا فأن التعويض يحل محل التنفيذ العيني إذا إذا كان التنفيذ العيني مستحيلاً ، والتنفيذ العيني قد يكون إلتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر ، وقد يكون إلتزاماً بعمل ، أو إلتزام ببذل عناية ، أو إلتزام بالتسليم ، أو إلتزام بالقيام بعمل أو الإمتناع عن عمل .
(( اذا التزم المدين بالأمتناع عن عمل واخل بالألتزام ،جاز للدائن ان يطلب ازالة ما وقع مخالفا للألتزام . وله ان يطلب من القضاء ترخيصا في ان يقوم بهذة الأزالة على نفقة المدين .)) المادة (212 ) من القانون المدني المصري .

أنواع التعويض :
هناك ثلاثة انواع للتعويض عن الإخلال بالعقد : ( التعويض القضائي ) (التعويض القانوني ) (التعويض الإتفاقي ـ الشرط الجزائي)
1/التعويض القضائي : رد في المادة (218) من القانون المدني المصري (( لايستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين مالم ينص علي غير ذلك ))
ولكن هناك إستثناءات لايشترط فيها إعذارالمدين . والتعويض في حالة عدم التنفيذ له حالتان :
أ/ تعويض عن عدم التنفيذ .
ب/ تعويض تعويض عن التأخر في التنفيذ .
2/التعويض الإتفاقي ( الشرط الجزائي):
تنص المادة 224 من القانون المدني :
1. لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.
2. ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة ، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
3. ويقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين
.ونشير في هذا الصدد إلي سابقة:

طعن 889 سنة 72 ق جلسة 8/3/2003 – مشار إليه بموسوعة الدعاوى د / محمد المنجي.
كما قضت محكمة النقض في ذات الموضوع اتفاق الطرفين مقدما – في عقد العمل – علي التعويض الذي يستحقه المطعون ضده إذا تقاعست الطاعنة عن تنفيذ العقد أو ألغته قبل نهاية مدته ، فإن تحقق هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعادين فلا يكلف المطعون ضده بإثباته ويتعين علي الطاعنة إذا ادعت أن المطعون ضده لم يلحقه أي ضرر أو أن التقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة أن تثبت ادعاءها إعمالا لأحكام الشرط الجزائي.
وأيضاً سابقة :

طعن 11 سنة 37 ق- جلسة 21/4/1973
الهيئة الموقرة : ثابت مما سبـق أن التزام المدعي عليه بأداء الشرط الجزائي –
التعويض الاتفاقي الثابت بالعقد – يرتكن إلى أساس قانوني وتواترت عليه أحكام النقض تطبيقاً له وتنفيذاً .

3/التعويض القانوني (الفوائد):
في القانون المصري إذا كان محل العقد مبلغ مالي وكان معلوم المقدار عند الطلب وتأخر المدين في سداده فأنه يدفع للدائن علي سبيل التعويض فوائد قدرها (4%) عن التأخير ، كما يجوز لطرفي العقد الإتفاق علي نسبة أخري علي ألا تتجاوز (7%) ، ولإستحقاق الفوائد لايشترط أن يثبت الدائن الضرر.

عناصر التعويض في القانون المصري :

(ـ) وقد أورد المادة (221) من القانون المصري العناصر التي يجب توفرها في التعويض عن الإخلال ، نص المادة :
((1- اذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد او بنص في القانون ، فالقاضى هو الذى يقدره ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، بشرط ان يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالألتزام او للتأخر في الوفاء به .ويعتبر الضرر نتيجة طبيعيه اذا لم يكن في استطاعة الدائن ان يتوقاه ببذل جهد معقول . ))
((2- ومع ذلك اذا كان الألتزام مصدره العقد ، فلا يلتزم المدين الذى لم يرتكب غشا او خطأ جسيما الا بتعويض الضرر الذى كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد . ))
ويمكن قراءة عناصر التعويض في القانون المصري كلآتي:
1. التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب .
2. ان يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالألتزام او للتأخر في الوفاء به .
3. أن الضرر نتيجة طبيعيه اذا لم يكن في استطاعة الدائن ان يتوقاه ببذل جهد معقول.
4. في حالة لم يرتكب المدين غشاً أو خطأً جسيماً يعوض عن الضرر المتوقع .

التعويض عن الإخلال بالعقد في الشريعة الإسلامية :

التعويض عن أضرار المماطلة في الديون ، هو أهم المسائل التي أثارها الفقهاء المعاصرين وأهم الموضوعات المتعلقة بـهذا البحث ، وذلك لأنـها هي الصيغة المطبقة عالمياً في معالجة الديون المتعثرة، سواء كان هذا التعثر في السداد بسبب المطل أو غيره، وقد نصت القوانين الوضعية على مشروعية التعويض المالي ضد التأخر في وفاء الديون، ونظراً لانتشار البنوك الإسلامية وتضررها من المماطلة في الديون بشكل أوضح من البنوك الربوية، لكونـها تحرم الربا في معاملاتـها فقد أثيرت هذه المسألة في محيط هذه البنوك الإسلامية، وحصل فيها خلاف بين المعاصرين.

وقبل الشروع في تفصيل الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون، تجدر الإشارة إلى تحرير محل النزاع في المسألة، وبيان أحكام اتفق عليها الفقهاء المعاصرون بمن فيهم القائلون بجواز التعويض، وهي كما يلي :
أولاً: اتفق الفقهاء المعاصرون على أن المدين المعسر لا يجوز إلزامه بدفع تعويض مقابل تأخيره في الوفاء؛ لأن المعسر مستحق للإنظار إلى الميسرة، والإلزام بالتعويض ينافي الإنظار المأمور به شرعاً.
وقد نص على هذا القائلون بجواز التعويض المالي عن ضرر مماطلة المدين:
قال الشيخ مصطفى الزرقاء: “واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأن لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئاً مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب” .
وقال الشيخ عبد الله بن منيع:” الغرامة لا يجوز الحكم بـها، إلا بثلاثة شروط هي: ثبوت المطل واللي، وثبوت القدرة على السداد، وانتفاء ضمان السداد لدى الدائن كالرهن والكفالة المليئة” .
وقال العلامة الضرير: ” لا يجوز أن يطالب البنك المدين المعسر بتعويض، وعليه أن ينتظره حتى يوسر ” .
ثانياً: اتفق الفقهاء المعاصرون على منع اشتراط التعويض المالي عن التأخر في سداد الدَّين مع تحديد نسبة معينةٍ أو مبلغٍ محددٍ؛ لأن ذلك صورة من صور ربا الجاهلية المحرم .

ثالثاً: يخرج من النزاع ما يحكم به الحاكم من عقوبة تعزيرية مالية إذا رأى المصلحة في ذلك، موردها بيت المال، ومصرفها مصالح المسلمين؛ لأن المال المأخوذ من باب الزواجر لا من باب الجوابر .

المسئولية العقدية في الفقه الإسلامي :

الفقه الإسلامي يشترط في المال لكي يكون مضموناً أن يكون مالاً متقوماً في ذاته ، فلا تعويض عن المنافع والعمل الا في إستثناءات محددة ، وكذلك لاتعويض عن أي خسارة تحملها الدائن أو أي ربح فاته إذا لم يكن هناك مالا متقوماً ضاع عليه.
في الفقه الحنفي توجد إستثناءات يعوض عنها في المنافع :
(أ‌) إذا أستخدم شخص صغير دون إذن وليه ، ومتي مابلغ له أن يأخذ أجر المثل .
(ب‌) في حالة مايكون المال مال وقف أو مال صغير.
(ت‌) إذا كان المال معداً للإستغلال ويكون المدين عالماً بذلك وألا يكون أستولي عليه بتأويل ملك أو عقد .
وكذلك يري الحنفية أنه لاضمن في حالة الغصب .
ولكن الشافعية يرون أن المنافع مضمونة في الغصب .

الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون:

المماطلة في الديون تعود بالضرر على أهل الحقوق من جهة تأخر ديونهم، ومنعهم من الانتفاع بها تلك المدة وعدم تمكنهم من التصرف فيها، وهذا التأخر في سداد الديون هو في نفسه ضرر، وقد يترتب عليه ضرر آخر من جهة فوات أرباح متوقعة أو متيقنة، وقد يكون الضرر فعلياً كأن يحمله هذا التأخر والمماطلة إلى تكبد الخسائر المادية لأجل استخلاص حقه والظفر به أو ببعضه فضلاً عن الضرر المعنوي الذي قد يتكبده الدائن من الحزن والابتذال بالمرافعة والمخاصمة وكثرة التردد، الأمر الذي يتنـزه عن مثله أهل المروءات.

لذا فإن بحث التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون ، من جهة جواز التعويض المالي عنها أو عدمه، يعد من أهم مسائل هذا البحث، وهي من المسائل المعاصرة الملحة في كثير من الجهات ذات العلاقة، وقبل الشروع في بيان هذه الأضرار، يجدر بيان معنى الضرر، وشروط التعويض المالي عنه، وتحرير محل النزاع في التعويض عن أضرار المماطلة في الديون، والكلام في ذلك ينتظم في ثلاثة مباحث:

تعريف الضرر.

والضُّر في اللغة: ضد النفع، ويطلق على سوء الحال، والفقر، والشدة في البدن والمرض(1)، ومنه قوله _تعالى_: “مَسَّنِيَ الضُّرُّ”(2).

والضرر في الاصطلاح: يطلق على”كل أذى يَلحقُ الشخص، سواء أكان في مال متقوم محترم، أو جسم معصوم، أو عرض مصون”(3).

قواعد التعويض عن الضرر:

نص العلماء على قاعدة هي من القواعد الكبرى في الشريعة، وهي أن الضرر يزال، وقد يكون زوال هذا الضرر بالتعويض المالي، إلا أن التعويض أخص من الضرر، فليس كل ضرر يعوض بالمال كي يزول، وقد ذكر الفقهاء شروطاً لاستحقاق الضرر للتعويض المالي، وهي ما يلي:

الشرط الأول: أن يكون الضرر في مال.
فلا ضمان على ما ليس مالاً كالكلب والميتة والدم المسفوح.(5)
الشرط الثاني : أن يكون المال متقوماً مملوكاً للمتلف عليه.
وهذا يشمل المباح، فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم؛ لسقوط تقوم الخمر والخنزير على حق المسلم(6).
الشرط الثالث: أن يكون في إيجاب التعويض فائدة.

بمعنى إمكان الوصول إلى الحق ودفع الضرر حتى لا يكون إيجاب التعويض عبثاً؛ لعدم القدرة على الوصول إلى الحق، فلا يضمن المسلم بإتلاف مال الحربي، ولا العكس.
الشرط الرابع: أن يكون المتلف من أهل الضمان.
وذلك بأن يكون له أهلية وجوب، وأهلية الوجوب تثبت لكل إنسان بدون قيد ولا شرط (7).
الشرط الخامس: أن يكون الضرر محقق الوقوع بصفة دائمة.
فلا يضمن بمجرد الفعل الضار دون حصول الضرر واستمراره، كمن حفر حفرةً في طريق، فسقط فيها إنسان، فلم يصب بشيء، أو قلع سناً فنبتت أخرى مكانـها(8)، وكذا لا يضمن الضرر المحتمل وقوعه، أو ضرر تفويت الفرصة، أو الضرر المعنوي.

أراء الفقهاء المعاصرون في التعويض عن المماطلة في الديون:

الخلاف الذي دار بين الفقهاء المعاصرون حول المماطلة في سداد الديون كان يدور حول ماإذا كان التعويض في حالة المماطلة في الديون ربا أم لا؟
ولكنهم أتفقوا علي الآتي :
(أ‌) عدم جواز إلزام المدين المعسر بدفع تعويض مقابل تأخيره في الوفاء .
(ب‌) عدم جواز إشتراط التعويض المالي في شكل نسبة معينة أو مبلغ محدد في حالة التأخير في السداد.
(ت‌) يجوز الحكم بعقوبة تعزيرية مالية علي أن تصرف في مصالح المسلمين أو لبيت المال .
الفقهاء الذين أجازوا التعويض المالي للدائن عن الضرر الذي يسببه المدين المماطل أشترطوا الآتي :
1. أن يكون المدين موسرا وليس معسراً.
2. أن يكون التأخير من المدين بدون عذر أو سبب.
3. أن يكون الدائن قد طالب المدين بالسداد ولكنه ماطل وأمتنع عن السداد.
4. أن أن يصيب الدائن ضرر من جراء هذا التأخير وأن يكون الضرر مادياً وفعلياً .
5. أن لايكون هناك ضمان لسداد الدين من المدين كالرهن والكفالة المليئة.
6. أن لايكون هناك إشتراط مسبق علي التعويض.
7. أن يكون تعويضاً عن المنفعة التي فاتت علي الدائن بحرمانه الإنتفاع بماله فترة حبسه في يد المدين خلال فترة التأخير .
(( ولذلك فقد فضل الشيخ مصطفي الزرقا في الحديث عن البنوك الإسلامية أن يكون التعويض للبنك المتضرر من التأخير في الغرض الذي كان يستخدم فيه هذا المال ))

الشرط الجزائي في الشريعة الإسلامية :

إن الشرط الجزائي غير معروف في كتب اللغة القديمة، ولكنه معروف في القوانين الغربية، مثل القانون الفرنسي، والقانون الانجليزي، وغيرها من القوانين الغربية، وقد أخذت القوانين في البلاد العربية هذا التعبير عن القوانين الغربية وادخلت عليه بعض التعديلات، وأول قانون عربي أخذ به هو القانون المصري عن القانون الفرنسي، ومن ثم تبعت قوانين الدول العربية الأخرى القانون المصري.
وتحت عنوان الشرط الجزائي في القانون المصري ، أورد الباحث أمثلة للشرط الجزائي، وشروط استحقاق الشرط الجزائي والتعويض، ثم شرح كيفية تخفيض مبلغ التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي، وكذلك كيفية زيادة مبلغ التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي، بعد ذلك تناول الباحث بتفصيل الشرط الجزائي في القانون المدني الأردني، وانتهى في هذا الصدد الى شرح حكم الشرط الجزائي في الفقه الاسلامي، مبينا تحت عنوان الشرط الجزائي شبيه بالعربون ، حيث عرف الباحث العربون والفرق بينه وبين الشرط الجزائي، كما بين تحت عنوان الشرط الجزائي شبيه بالرهن والكفيل أن من مصلحة العقد شرط صحيح يلزم الوفاء به، ومن أمثلته اشتراط الرهن والكفيل في عقد البيع.
ورأى الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير أن الشرط الجزائي الذي يجري عليه العمل في البلاد الاسلامية بأنه معاملة مستحدثة تحكمها قاعدة يكاد الفقهاء المعاصرون يجمعون على الأخذ بها هي: الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وابطالها نصا وقياسا,,وبين الباحث أن قول الله تعالى:(أوفوا بالعقود) اقتضى الوفاء بعقود البياعات والاجارات والنكاحات وجميع ما يتناوله اسم العقد، فمتى اختلفنا في جواز عقد أو فساده صح الاحتجاج بقوله تعالى:(أوفوا بالعقود) لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والاجارات والبيوع وغيرها، وقوله صلى الله عليه وسلم:المسلمون عند شروطهم في معنى قول الله تعالى:(أوفوا بالعقود)، وهو عموم في ايجاب الوفاء بجميع ما يشترطه الانسان على نفسه مالم تقم دلالة تخصصه.

وحول تساؤل فيما اذا كان هناك دليل على تحريم الشرط الجزائي أوضح الباحث أن اعتبار الشرط الجزائي شرطا مستحدثا، تطبيق قاعدة الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم منها، ويبطل إلا ما دل عليه الشرع على تحريمه وابطاله نصا أو قياسا، مستعرضا الباحث العقود التي يجوز فيها الشرط الجزائي، والعقود التي لا يجوز فيها اشتراطه، أولا: العقود التي أجازها مجمع الفقه الاسلامي هي: عقد الاستصناع، عقد بيع التقسيط، عقود منع مجمع الفقه الاسلامي اشتراط الجزائي فيها هي: عقد البيع بالتقسيط، عقد السلم.
وأورد الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير في بحثه قرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول الشرط الجزائي القائل:

ان الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، مالم يكن هناك عذر في الاخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا، فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول، واذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك الى العدل والانصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من ضرر، ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف الى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر، مستعرضا بعد ذلك الأحكام التي تضمنها قرار مجلس هيئة كبار العلماء في ذلك الصدد,, كذلك شرح الباحث ضابط العقود التي يجوز اشتراط الشرط الجزائي فيها والعقود التي لا يجوز اشتراطه فيها، فقال: يجوز اشتراط الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينا، أما العقود التي يكون الالتزام فيها دينا ثلاثة هي: القرض، والبيع بثمن مؤجل، وعقد المال في حالة تأخره في السداد.

وأيضا تحدث الباحث في بحثه عن غرامات التأخير غير الشرط الجزائي، فأبان أن المتعاقد مع الدولة يخضع لغرامة تأخير لا تزيد في مجموعها على 4% من قيمة عقد التوريد، و10% من قيمة عقد الأشغال العامة والصيانة، مشيرا الى أن كثيرا من الباحثين يخلطون بين غرامات التأخير هذه والشرط الجزائي، يعتبرونهما شيئا واحدا، وهذا غير صحيح، فغرامات التأخير تفرضها الحكومة على التعامل معها في المناقصات الحكومية، وهي أقرب الى العقوبة المالية، أما الشرط الجزائي فهو تقدير اتفق عليه المتعاقدان لقيمة التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الاخلال بالعقد,
وخلص الدكتور الصديق الضرير الى القول: الشرط الجزائي المعمول به في البلاد العربية والبلاد الاسلامية هو تقدير اتفاقي للتعويض عن الضرر الذي يلحق الدائن اذا لم ينفذ المدين التزامه أو إذا تأخر في تنفيذ التزامه، يشترط عند العقد الأصلي، أو بعده، وقبل حدوث الضرر، فهو التزام تابع لعقد أصلي، ويكثر اشتراطه في عقد المقاولة وعقد التوريد,,واقترح الضرير مشروع القرار التالي بشأن الشرط الجزائي:
1 الشرط الجزائي هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه، اذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.
2 يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
3 يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينا.
4 الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي، وما لحق المضرور من خسارة، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
5 لا يعمل بالشرط الجزائي اذا ثبت من شرط عليه ان اخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن ارادته، أو اثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الاخلال بالعقد.
6 يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين، ان تعدل في مقدار التعويض، إذا وجدت مبررا لذلك.
” أما السنهوري فقد شبه الشرط الجزائي ببعض الصور القانونية الأخرى، مثل العربون، والتهديد المالي”

التعويض كجزاء للإخلال في القانون السوداني :

لم يورد القانون السوداني ـ قانون المعاملات المدنية 1984م ـ أحكاماً خاصة بالتعويض عن الإخلال بالعقد .
في حالة إخلال أحد المتعاقدين بإلتزامه في العقد يمكن أن تترتب ثلاثة أنواع من الجزاءات وي :
1. إلزام المتعاقد المخل بدفع تعويض عن الإخلال بالعقد للطرف المضرور .
2. إجبار الطرف المخل علي تنفيذ العقد تنفيذ عيني .
3. سقوط الإلتزام عن الطرف المضرور بتنفيذ ماعليه من إلتزام .
والجزاء المنصوص عله أولاً هو الذي سوف نتناوله في موضوع هذا البحث .

التعويض هو مبلغ مبلغ مالي يدفعه الطرف المخل للطرف المضرور يهدف إلي جبر الضرر ، وقد وضع قانون المعاملات المدنية 1984م موجهات عامة للتعويض في المادة (6) كالآتي :
عند إصدار أي حكم تطبيقاً لأحكام هذا القانون يجب أن تتقيد المحاكم بالقواعد الأساسية الآتية :
(أ‌) رد الحقوق إلى أهلها ورفع المظالم،
(ب) إزالة الأضرار الناتجةعن إجراءات استرداد الحقوق والمظالم،
وهذه النصوص قاعدة عامة لاتحوي أي تفصيل تفيد الفصل في النزاعات عند الإخلال بالعقد . ولكن المحاكم السودانية إعتمدت عدة قواعد للتعويض وهي :
1. التعويض ليس عقاباً :
أخذت المحاكم السودانية بأن التعويض ليس عقاباَ علي الطرف المخل ولايمكن أن يكون سبب لإثراء غير عادل للطرف المضرور وإنما يدفع لإزالة الضرر الذي أصابه .
سابقة : مصطفي حسن الكردفاني / ضد/ صالح إدريس / مراجعة / 2000م
2. توافر علاقة السببية بين الضرر والإخلال بالعقد :
يجب أن يكون الضرر نتيجة للإخلال بالعقد أما إذا إنعدمت العلاقة بينهما فإن المحكمة لاتحكم به . وقد أقرت المحكمة العليا هذا الفهوم في سابقة :
محمد عمر الأمين /ضد/ عوض أحمد النعيم /مجلة الأحكام 1972م

3. الضرر المعوض عنه :

نوع الأضرار التي يعوض عنها من أهم النقاط التي ناقشتها المحاكم السودانية ، وقد وضعت سابقة :
إدريس الهادي /ضد/ حكومة السودان وزارة الأشغال

القواعد الساسية للأضرار التي يعوض عنها كالآتي :

أ / النتائج التي تنشأ مباشرة نتيجة للإخلال بالعقد حسب المجري العادي للإمور .
ب/ الخسائر التي كانت متوقعة للطرفين نتيجة الإخلال بالعقد .
تقدير التعويض :
دائماً ماتسعي المحاكم عند تقدير التعويض لوضع الطرف المضرور في الحالة التي سيكون عليها لو تم الوفاء بالعقد ، وفي سبيل هذه القاعدة فقد وضعت المحاكم أسس لتقديره في بيوع العقارات والمنقولات والأنشاءات ، كما وضعت قواعد لتغير سعر العملة ، وأثر مرور الزمن علي التعويض .