دراسة وبحث قانوني هام عن الجنسية الأصلية الجزائرية

مقدمــــــــة:

1*- موقع وطبيعة النص:

*. طبيعة النص: النص هو قانوني تشريعي

*. موقعه:

النص المزمع تحليله هو المادة06و07 من الأمر رقم 70-86 المؤرخ في 17 شوال عام 1390 الموافق لـ 15 ديسمبر سنة 1970، المتضمن قانون الجنسية جزائرية المعدل والمتمم بالأمر رقم 05-01 المؤرخ في 27 فبراير 2005 ، وقد وردت هتان المادتان في الفصل الثاني الذي نص على الجنسية الأصلية.

وقد كرست هتان المادتان على اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق حق الدم على أساس المساواة بين دم الأب ودم الأم صراحة على عكس قانون 1970 . كما ألغت طريقة اكتساب الجنسية الجزائرية المبنية عن حق الإقليم عن طريق الميلاد المضاعف والذي أخذ به المشرع الجزائري في المادة 07 من الأمر رقم 70-86 (قبل التعديل).وهذا التطور كان نتاجا لبعض الظروف الداخلية والدولية.

فعلى الصعيد الداخلي أو الوطني، نجد أن الجزائر تبنت الديمقراطية واختيار إيديولوجية وطنية قوامها المصالحة الوطنية، مع التاريخ والذات، دون تمييز بسبب المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو العقيدة، وفسحت مجال للحريات الفردية والجماعية.

كل هذه التحولات إلى نشؤ علاقات فيما بين الجزائريين أنفسهم، أو فيما بين الأجانب في الداخل أو الخارج، هذا التطور أبرز فئات في المجتمع الجزائري، لها حق على الجزائر في منح أفرادها جنسيتها الجزائرية.

أما على الصعيد الدولي، في العقود الثلاث التي خلت فقد حدث تغير في التوجهات الإيديولوجية والسياسية والإقتصادية فيما بين الدول ما أدى إلى التفتح والتكامل مع الآخر في إطار العولمة، وذلك عن طريق مراجعة الدول لقوانينها، ومطابقتها مع المعايير والأسس الموحدة للقيم الإنسانية المشتركة، لاسيما ما يتعلق منها بحقوق الإنسان، وكرسته المواثيق والإتفاقيات الدولية.

لذلك فالأمر رقم 05-01 المعدل والمتمم للأمر رقم 70-86 المتضمن قانون الجنسية جزائرية جاء بهدف مسايرة التطور الذي عرفه المجتمع الجزائري وما طرأ عليه من تغيرات في شتى المجالات، تماشيا مع الأنظمة التقدمية في مجال الجنسية لإستيعاب حالات الأشخاص، والتكفل بها.

2*- التحليل الشكلي:

أ/: البناء اللغوي:

جاءت المادتان بعبارات سهلة واضحة محددة ودقيقة مشتملة على ألفاظ ومصطلحات قانونية وسياسية متنوعة، وهذا لخصوصية وحساسية الموضوع الذي تعالجه، مثل جزائري، الجنسية، شهادة ميلاده…إلخ.

ب/: البناء المطبعي:

جاءت المادة 06 محتوية على فقرةواحدة تبدأ من [يعتبر جزائريا …. إلى غاية….أم جزائرية] أما المادة الثانية فجاءت محتوية على فقرتين تبدأ من [يعتبر من الجنسية جزائرية …. إلى غاية…. ما لم يثبت خلاف ذلك] .

المادتان مكتوبتان بالنص العربي ولهما ترجمة رسمية بالنص الفرنسي.

ج/: البناء المنطقي:

المادة السادسة/ جاءت على نحو تأكيد لمساواة بين دم الأب ودم الأم من أجل اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق حق الدم .

المادة السابعة/ وضعت حدودا لحق اكتساب الجنسية الجزائرية المبنية عن طريق الميلاد فوق الإقليم من خلال تضييق ووضع الشروط .

3*- التحليل الموضوعي:

أ/ الأفكار الأساسية:

الفكرة الأولى: والتي تضمنتها المادة السادسة من الأمر 05-01

الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم أو النسب، والتي تفرعت عنها فكرتين فرعيتين أساسيتين هما:

– حالة الولد المولود من أب جزائري.

– حالة الولد المولود من أم جزائرية.

الفكرة الثانية: والتي تضمنتها المادة السابعة من الأمر 05-01

الجنسيةالأصلية المبنية على حق الإقليم، والتي تفرعت عنها فكرتين فرعيتين أساسيتين هما:

– حالة الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين.

– حالة الولد المولود في الجزائر من أب مجهول وأم مسماة في شهادة الميلاد.

ب/الفكرة العامة:

طرق التمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية.

ج/ تحليل المضمون العام:

الإشكالية:

على أي أساس يمكن التمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية؟

أويمكن طرحالإشكال بصيغة أخرى

فيما تتمثل الطرق التمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية؟

الخطة:

مطلب تمهيدي:الجنسية الجزائرية الأصلية والتطور التاريخي لنظامها.

الفرع الأول: تعريف الجنسية الأصلية

الفرع الثاني: التطور التاريخيلنظام الجنسية الجزائرية.

المبحث الأول: الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم أو النسب

المطلب الأول: حالة الولد المولود من أب جزائري.

الفرع الأول: تمتع الأب بالجنسية الجزائرية وقت ميلاد الطفل

الفرع الثاني: ثبوت النسب للأب

المطلب الثاني: حالة الولد المولود من أم جزائرية.

الفرع الأول: تمتع الأم بالجنسية الجزائرية وقت ميلاد الطفل

الفرع الثاني: ثبوت الولادة بيولوجيا

المبحث الثاني: الجنسية الأصلية المبنية على حق الإقليم

المطلب الأول: حالة الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين.

الفرع الأول: تعريف اللقيط

الفرع الثاني: شروط الحصول اللقيط على الجنسية الجزائرية الأصلية

المطلب الثاني: حالة الولد المولود في الجزائر من أب مجهول وأم مسماة في شهادة الميلاده.

خاتـــــــــمة

مطلب تمهيدي:الجنسية الجزائرية الأصلية والتطور التاريخي لنظامها.

الفرع الأول: تعريف الجنسية الأصلية

الجنسية الأصلية هي التى تثبت للفرد بمجرد ميلاده و تسمي جنسية الميلاد و بالتالي تفرضعلى الشخص بغض النظر عن إرادته لذلك تعتبر جنسية مفروضة.

تثبت للشخص(1) إما عن طريق الدم أو بالميلاد فوق إقليم الدولة(2).

الفرع الثاني: التطور التاريخيلنظام الجنسية الجزائرية.

أولاً: الجنسية الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر

كانت الجزائر بحكم الاسلام لا تفرق بين الدين والجنسية لأن الاسلام دين وجنسية، فالمسلمون متساوون في الحقوق مهما كانت أحوالهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم أما الذميون الذين ارتظوا الإقامة بالجزائر ولم يرحلوا لدار من ديار الكفار (من اليهود والنصارى) وقاموا بدفع ضريبة الرؤوس في سبيل حمايتهم في أموالهم وأرواحهم وأعراضهمفهم وإن كانوا من غير المسلمين إلا أنهم مقيمون بدار الإسلام إقامة دائمة ينعمون بتلك الحماية ويعدون من رعاياها(3).

يتضح من خلال ما سبق أن الجزائر كانت تتمتع بجنسيتها الإسلامية وذاتيتها الدولية وكيانها الأممي الخاص.

ثانياً :الجنسية الجزائرية في عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر

بعد دخول الإستعمار الفرنسي إلى الجزائر فقدت إستقلالها وسيادتها، كما لا يخفى لنا الأمر أن الإستعمار يهدف قبل كل شيئ إلى القضاء على الدولة ومقوماتها ثم القضاء على الشخصية الوطنية وهو ما فعله منذ الإحتلال.

وبموجب ذلك وخلال سنة 1865 صدر قانون المؤرخ في 14/07/1865 المعنون بــ ” في حالة الأشخاص” ونص الفصل الأول منه ” الأهالي المسلمون هم فرنسيين ينطبق عليهم القانون الإسلامي”(4).

من خلال هذا القانون اعتبرت فرنسا الجزائر بلاد فرنسية، وبالتالي فجنسية الجزائريين أصبحت فرنسية مع سماح لهم بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في أموالهم الشخصية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). أ. العمراني شفيقة، اثبات الجنسية والمنازعات والأحكام المتعلقة بها (دراسة مقارنة)، مذكرة لنيل درجة الماجيستير في العقود والمسؤولية، كلية الحقوق بن عكنون، الجزائر، 1994، ص 43.

(2). وقداختلف الفقهاءفي الأساس الذي تبني عليه جنسيتها فهناك من تأخذ بحق الدم وهناك من تأخذ بحقالإقليم.

(3). أ. طيبة محمد، الجديد في قانون الجنسية الجزائري والمركز القانوني لمتعدد الجنسيات، دار هومه، الجزائر، ط2، 2006، ص12.

(4). أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص13.

باعتبار أن يهود الجزائر كانوا متعاونين مع فرنسا وتقبلهم الإحتلال أصدر رئيس الحكومة الفرنسية (قامبيطا ” Gambitta “) مرسوما يقضي بموجبه أن كل يهود الجزائر هم مواطنينفرنسيين، أما الجزائريين المسلمون فقد اتخذ في شأنهم نصوصاً جديدة تقضي بوضعهم تحت القيود والتصرفات المطلقة تحت حاكم الجزائر العام، وعدم تدخل حكومة باريس في شأنهم.

في 01/08/1919 أصدر المشرع قانون الذي نص على اكتساب الجزائريين المواطنة الفرنسية بمجرد قرار من الحكومة الفرنسية. وفي 1972 صدر أول قانون للجنسية الفرنسية وجاء فيه: ” يسري مفعوله أيضا على الجزائريين الذين هم أصبحوا رعايا فرنسيين. . . .

تضمن القانون الذي صدر في 19/10/ 1945 المنظم للجنسية الفرنسية من خلال مادته السادسة على أنه تطلق عبارةفي فرنسا على ما يشمله التراب الجزائري(1).

ثالثاً:الجنسية الجزائرية في عهد الحكومة المؤقتة الجزائرية

بعد تأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية، وقد اعتراف الرسمي لبعض الدول بدأت الجنسية الجزائرية تظهر.حيث بدأت الحكومة المؤقتة الجزائرية بإصدار عدة نصوص إدارية وقرارات حكومية تحدد جنسية أعضاء الجبهة والمجاهدين واللاجئين الجزائريين، كما قامت بإصدار جوازات السفر تحمل جنسية جزائرية.

رابعاً: الجنسية الجزائرية في عهد الاستقلال

بعد الاستقلال وبتاريخ 27/03/1963 أصدرت الجزائر تشريع خاص بالجنسية بغية إعادة سيادتها وشخصيتها الوطنيتين، ونظرا لظروف الإنتقالية التي مرت بها الجزائر، فإن قانون الجنسية الصادر في تلك الفترة قد تضمن قواعد التشريعات المقارنة خاصة التشريع التونسي، المغربي، وبطبيعة الحال الفرنسي.

امتاز هذا القانون بفتح الأبواب لاكتسابالجنسيةالجزائرية، إلاُ أن هذا الوضع بصدور قانون 70-86 المتضمن لقانونالجنسيةالجزائرية، حيث أصبح أكثر ملاءمة للوضع.

من خلال استقرائنا لقانون 70-86 نلمس صبغة حضارية اسلامية خاصة في المادة 32 والمتعلقة باثبات الجنسيةالجزائرية الأصلية. كما ارتكز المشرع الجزائري في منح الجنسيةالجزائرية الأصلية على معيار الدم واعتبره الأصل ، وأخذ بمعيار الإقليم استثناءاً من الأصل عملا بأحكام المادتين 07و09 منه.

ألغي هذا القانون (70-86) بموجب الأمر 05-01 لأسباب عدة على الصعيد الدولي و الصعيد الوطني والتي تم ذكرها سبقاً. فقانون 05-01 تضمن تعديلين هامين :

التعديل الأول: إلغاء المادة 03 من القانون 70-86 التي تشترط من طالب الجنسية الجزائرية تقديم تصريح بالتخلي عن الجنسية الأصلية(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1).أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص14.

(2).أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص25.

التعديل الثاني :هو إرجاع سن الرشد من إحدى وعشرين سنة إلى سن الرشد المدني أي تسعة عشر سنة، و هذا لتوحيده مع سائر القوانين الأخرى.

إن قانون الجنسيةالجزائرية يتضمن نوعين من الجنسية الجزائرية هما الجنسية الأصلية والجنسية المكتسبة.

غير أنه ستقتصر دراستنا على الجنسية الجزائرية الأصلية وهذا من خلال مبحثين، المبحث الأول سنتناول فيه الجنسية الجزائرية الأصلية المبنية على حق الدم أو النسب، والبحث الثاني فسنتناول فيه الجنسية الجزائرية الأصلية المبنية على حق الإقليم.

المبحث الأول: الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم أو النسب

اتجهت كثير من الدول إلى الأخذ بحق الدم(1) كأساس الجنسية فيها والمقصود هنا بحق الدم(2) من ناحية الأب على أنه قد تعتد الدولة أحيانا بحق الدم من ناحية الأم وغالبا ما يكون بالنسبة للولد غير شرعي من أب مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو بالنسبة للولد غير الشرعي(3)،وهذا أخذ به المشرع الجزائري قبل التعديل.

بموجب المادة 06 من قانونالجنسية الجزائرية الجديد تثبت الجنسية الجزائرية الأصلية لكل ولد مولود من أب جزائري أو أم جزائرية. وعليه سنتناول في حالة الولد المولود من أب جزائري من خلال المطلب الأول وحالة الولد المولود من أم جزائري من خلال المطلب الثاني.

المطلب الأول: حالة الولد المولود من أب جزائري.

الفرع الأول: تمتع الأب بالجنسية الجزائرية وقت ميلاد الطفل

من خلال استقرائنا للمادة السادسة من الأمر 05-01 المتعلق بقانون الجنسية الأصلية الجزائرية تثبت الجنسية الجزائرية الأصلية للمولود من أب جزائري بغض النظر عن(4) :

– مكان الميلاد سواء داخل إقليم الجزائري أو خارجه.

– طبيعة جنسية الأب إذا كان المولود يحمل أو لا يحمل جنسية دولة أخرى طبقا لقانونها.

– بغض النظر أيضا، إذا كانت وفاة الأب قبل ميلاد الطفل فالعبرة بطبيعة الحال بجنسية الطفل وقت وفاة الأب.

الفرع الثاني: ثبوت النسب للأب

إذا كان أساس الجنسية الجزائرية الأصلية هو البنوة لأب جزائري فيجب ثبوت النسب للأب، حيث ذكرت المادة 32 من ق.ج.ج وسيلتين لإثباتها(5)، ولا يتطلب في ثبوت النسب أن يكون النسب شرعيا، أي لا يشترط أن يكون الولد نتيجة زواج صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). أ. العمراني شفيقة، المرجع السابق، ص43.

(2).المقصود من حق الدم في هذا المجال أن الفرد له الحق في اكتساب جنسية الدولة التي ينتمي إليها آباؤه بمجرد ميلاده، اعتمادا على أصله العائلي أي صلة الدم بين المولود الجديد وعائلته التي ترتبط بهذه الدولة قبل ميلاده وحين ميلاده.

(3). راجع المادة 06 من قانون 70-10 المتعلق بقانون الجنسية الجزائرية (قبل التعديل).

(4). أ. د. زيروتي الطيب، القانون الدولي الخاص الجزائري، مطبعة الفسيلة، الجزائر، ط(1)، 2010، ص38.

(5). راجع المادة 32 من الأمر 05-01 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المتعلق بقانون الجنسية الجزائرية.

المطلب الثاني: حالة الولد المولود من أم جزائرية.

الفرع الأول: تمتع الأم بالجنسية الجزائرية وقت ميلاد الطفل

تثبت الجنسية الأصلية لطفل المولود من أم ما دامت متمتعة بالجنسية الجزائرية وقت ميلاده بغض النظر عن مكان ميلاده، طبيعة جنسية الأم (طبيعية أو مكتسبة) وما إذا كان المولود يحمل أو يحمل جنسية دولة أخرى طبقا لقانونها(1) ، مما ينجر عنه إزدواج في الجنسية.

الفرع الثاني: ثبوت الولادة بيولوجيا

تثبت الجنسية الجزائرية الأصلية لطفل إذا كان دم الأم، بثبوت الولادة بيولوجيا للأم الجزائرية، مع توفر شروط المنصوص عليها في المادة 32 من ق.ج.ج.

وعلى ضوء ما سبق نقول بأن المشرع الجزائري في تعديل الأخير لقانون الجنسية قد سوى(2) بين دم الأب ودم الأم بالنسبة للحصول على الجنسية عن طريق الدم، خلافاً على ما كان عليه قبل التعديل، بحيث كان أساس حق الدم يعمل به بالنسبة إلى النسب الذي يعود إلى الأب أو الذي بعود إلى الأم في الحالات التي بكون الأب مجهولاً أو عديم الجنسية.

وبالتالي فالجديد في محتوى المادة السادسة أنه يكفي أن يكون أحد الوالدين جزائريا لإعتبار الولد جزائريا لإعتبار الولد جزائري الجنسية، وهو بمثابة إعتراف بحق الأم في نقل الجنسية إلى أبنائها.

المبحث الثاني: الجنسية الأصلية المبنية على حق الإقليم

قد يحصل الفرد في حالات معينة على جنسية دولة ما ليس بناءا على أساس حق الدم، إنما على أساس ميلاده فوق إقليم تلك الدولة، وذلك اعتمادا على الصلة التي تربطه بهذا الإقليم الذي ولد فيه بالنظر إلى الوسط الذي سيعيش فيه مستقبلا ويصرف النظر عن العائلي فالعبرة للأرض التي ولد فيها، وعادة ما تكون الدولة التي ولد بها هي الدولة التي يقيم فيها الأب والأم في حالة وجودهما لأنه قد يكون مجهول الأبوين ومما لا شك فيه أن الولد المولود فوق إقليم الدولة سوف يندمج في مجتمعها ويولد فيه شعور وولاء نحو الدولة من جهة ونحو المجتمع من جهة أخرى .

غير أنه لابد من الإشارة أن بعض الدول لا تكتفي في تشريعها بالميلاد المجرد فوق إقليمها، بل تشترط إلى جانب ذلك شروطا أخرى كميلاد الأب مثلا هو أيضا فوق إقليم تلك الدولة وهو ما يسمى بالميلاد المضاعف الذي أخذ به المشرع الجزائري في المادة السابعة من قانون الجنسية الجزائرية لسنة 1970(3).

إن المادة 07 من أمر 05-01 منحت الجنسية الجزائرية على أساس حق الإقليم في حالتين سنتناولهما كالآتي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). أ. د زيروتي الطيب، المرجع السابق، ص 98.

(2). أ. بلعيور عبد الكريم، محاضرات في قانون الجنسية، ألقيت على طلبة السنة الرابعة ليسانس، جامعة الجزائر، كلية الحقوق –بن عكنون- ،2011/2012، ص31.

(3). أ. بلعيور عبد الكريم، المرجع السابق، ص 32،31.

المطلب الأول: حالة الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين.

تعتبر هذه الحالة حالة اللقيط الذي وجد بالجزائر، تعطى له الجنسية الجزائرية الأصلية تفاديا لانعدام الجنسية ومسايرة للقانون الدولي الذي ينص أن تمنح الدولة جنسيتها لمن يولد في إقليمها من أبوين مجهولين وكذلك المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والطفل(1).

الفرع الأول: تعريف اللقيط

هو الطفل الذي يعثر عليه في الاقليم الجزائري وهو حديث العهد بالولادة ولكن لم تتأكد فعلا ولادته في الجزائر، وهو مجهول الأبوين فهناك قرينة على أنه مولود في الجزائر فتثبت له بذلك الجنسية الجزائرية ولكن إذا ثبت أنه غير مولود في الجزائر وإنما نقل إليها بعد ميلاده، فلا يأخذ الجنسية الجزائرية ولو كان الأبوان مجهولين(2).

الفرع الثاني: شروط الحصول اللقيط على الجنسية الجزائرية الأصلية

ويشترط للحصول على الجنسية في هذه الحالة(3):

أ‌- الثبوت الفعلي لميلاد الطفل في الجزائر.

ب‌- جهالة الأبوين قانونا، بمعنى عدم اعتراف الأبوين أو أحدهما به، ولو كان قد تمت الولادة في المستشفى، من غير أن تترك الأم أي بيانات عنها.

وهذه الجنسية مؤقتة لغاية بلوغ سن الرشد، لأنه إذا تبين خلال قصر الطفل:

– انتسابه إلى أحد اللأبوين الأجنبيين.

– وقانون من ثبت النسب إليه من والديه يكسبه جنسيته، فتسقط عنه الجنسية الجزائرية على أساس اليلاد في الجزائر بأثر رجعي، أما إذا ثبت نسب الطفل لأحد الأبوين الوطنيين خلال قصره أو حتى بعد رشده، فيتغير فقط أساس الحصول عليها من الميلاد في الجزائر إلى النسب لأب أو أم جزائرية.

نص قانون الجنسية الجزائرية قبل تعديله على حالة الولد المولود بالجزائر من أم جزائرية ومن أب أجنبي هو نفسه مولود بالجزائر هذه الحالة قائمة على مبدأ الميلاد المضاعف إذ أن هناك مزج قاعدة الدم بقاعدة الإقليم.

هناك فرق بين هذه الحالة والحالة الثالثة في المادة 06 قبل التعديل التي تعني الأب الأجنبي عديم الجنسية بينما هنا الأجنبي له جنسية معروفة. هذه الحالة مرتبطة باستثناء(4) وهو أن المشرع أعطى حق لهذا الولد متمثل، بإمكان رفضه الجنسية الجزائرية في أجل مدته عام قبل بلوغه سن الرشد . فقانون الجنسية الصادر في 27/02/2005 المعدل والمتمم الأمر 70-86 احتفظ بالفقرة الأولى للمادة 07 من قانون الجنسية الجزائرية وعدل الفقرة الثانية من نفس المادة وجاء بحالة جديدة سنتعرض لها في المطلب الموالي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1).أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص33.

(2). أ. د زيروتي الطيب، المرجع السابق، ص 99.

(3).أ. د زيروتي الطيب، المرجع السابق، ص 99.

(4).أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص33.

المطلب الثاني: حالة الولد المولود في الجزائرمن أب مجهول وأم مسماة في شهادة ميلاده ولكن لا تعرف جنسيتها

ما يلاحظ أن الحالة الثانية المنصوصعليها في المادة 07 من قانون الجنسية الجزائري المؤرخ في 17/12/1970 قد حذفت وذلك لأن المادة 0607 من قانون الجنسية الجزائري الصادر في 27/02/2005 قد اعتبرت الولد المولود من أم جزائرية جزائرياً وبالتالي فالفقرة الثانية من المادة 07 من قانون الجنسية الجزائري الصادرفي 17/12/1970 أصبحت بدون جدوى مما تم تعديلها واستبدالها بحالة اعتبرها الولد المولود بالجزائر من أب مجهول وأم مسماة في شهادة ميلاده دون بيانات أخرى تمكن من إثبات جنسيتها(1) . والمعني بهذه الحالة المستحدثة أن كل حالات ولادة الأطفال مجهولي الأب قانونا ومجهولي جنسية الأم قانونا، فالأم معروفة، ولكن تجهل جنسيتها . لذلك لم تدرج ضمن حالات التمتع بالجنسية الجزائرية على أساس النسب للأم، ومن المحتمل أنه يتغير أساس التمتع بالجنسية الجزائرية، إذا ثبت أن أمه المسماة في شهادة ميلاده جزائرية، أو اعتراف أب جزائري بنسبه إليه. أما إذا ثبت الإنتساب لأبوين أجنبيين، فتسقط عنه الجنسية الجزائرية(2).

خاتمة:

يمكن القول في الأخير بأن وراء حق الدم التربية الفكرية والإجتماعية زيادة على أن حق الدم تتحق به وحدة الجنس في شعب الدولة وبالتالي يتمنع دخول الأجانب في شب الدولة فضلاً عن احتفاظ الدولة بالوطنيين ولو ولدوا في الخارج .

على أن حق الإقليم يحقق التزايد المنشود في شعب الدولة بالنسبة للدول قليلة السكان فضلاً عن أن إعتداد بأثر البيئة على المولود لوكان أبوه أجنبياً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1).أ. طيبة محمد، المرجع السابق، ص34.

(2). أ. د زيروتي الطيب، المرجع السابق، ص 100.

قائمة المراجع

*. أ. العمراني شفيقة، اثبات الجنسية والمنازعات والأحكام المتعلقة بها (دراسة مقارنة)، مذكرةلنيل درجة الماجيستير في العقود والمسؤولية، كلية الحقوق بن عكنون، الجزائر، 1994.

*. أ. طيبة محمد، الجديد في قانون الجنسية الجزائري والمركز القانوني لمتعدد الجنسيات، دار هومه، الجزائر، ط2، 2006.

*.أ. بلعيور عبد الكريم، محاضرات في قانون الجنسية، ألقيت على طلبة السنة الرابعة ليسانس، جامعة الجزائر، كلية الحقوق –بن عكنون- ،2011/2012.

*.د. زيروتي الطيب، القانون الدولي الخاص الجزائري، مطبعة الفسيلة، الجزائر، ط(1)، 2010.