دراسة وبحث قانوني هام عن القيمة العادلة والابلاغ المالي

التوافق بين المحاسبة والاقتصاد

أضحى الاقتصاد وثيق الصلة بالمحاسبة فلا يمكن تصور دراسة عن العرض أو الطلب أو مدى الاستثمار أو حجم الإنفاق أو حجم الائتمان أو الدخل القومي أو السياسة النقدية وغير ذلك من المواضيع دون توفر معلومات مالية دقيقة وذات موثوقية ومكتملة من حيث النوعية أو الكمية ، ومقدمة في أوقاتها المناسبة .

وكانت هذه المعلومات المالية تقدم في السابق وفقا لمبادئ محاسبية لا تأخذ في القياس القيمة العادلة لها .إما اليوم فإنها تعد وفقا لمحاسبة القيمة العادلة .

إن الاقتصاد والمحاسبة علمان متداخلان ويكملان بعضهما البعض ، وذلك من حيث تحديد القيم العادلة أو التقديرات والفرضيات المحاسبية أو تقدير القيمة الحالية لصافي التدفقات النقدية المستقبلية.

كان لادخال محاسبة القيمة العادلة في الممارسات المحاسبية اثر كبير على عملية الإبلاغ المالي بشكل عام ، فقد أدى إتباعها إلى إظهار معظم الموجودات والمطلوبات في الميزانية العامة بموجب قيمتها الاقتصادية ، وكذلك الى إظهار النتائج
الشاملة للعمليات ، وللتغييرات الجارية على الموجودات والمطلوبات والناجمة من الإحداث الاقتصادية في حينها دون الانتظار لأخذها في الحسبان عند تحققها .

ان المآل النهائي للتغييرات الاقتصادية أعلاه تصب في حقوق الملكية وبالتالي فان الزيادة في حقوق الملكية يعتبر ربحاً، وفي حالة النقص يعتبر خسارة ، وهو أمر ينسجم مع المفاهيم الاقتصادية ، هذا بطبيعة الحال بعد استبعاد المعاملات بين الشركة ومالكيها.

في الإطار المحاسبي العام فان الموجودات تعتبر موارد لها منافع اقتصادية مستقبلية ،وتعتبر المطلوبات مصادر لالتزامات حالية ، وتستخدم الموارد لتأديتها ، بالتالي فان حقوق الملكية تمثل القيمة الاقتصادية المتبقية للموجودات بعد خصم المطلوبات. وتعتمد قيمة حقوق الملكية على الطريقة التي يتم فيها قياس الموجودات والمطلوبات ، وتتغير عادة تبعاً للأحداث الاقتصادية الحاصلة .

وأرى أن أبين هنا أهم المناحي التي ساهمت محاسبة القيمة العادلة في اظهار الحقائق الاقتصادية لها وهي:

-تحديد القيمة الاقتصادية للموجودات .
يتم قياس عدد كبير من الموجودات بموجب قيمتها الاقتصادية
(القيمة العادلة لها). وفي حالة تدني قيمتها يتم تخفيض مبالغ الموجودات إلى قيمتها الاقتصادية ، والاعتراف بهذا الانخفاض في البيانات المالية ، وتحدد القيمة الاقتصادية لها اما على اساس القيمة القابلة للاستيراد او على اساس صافي قيمة التدفقات النقدية المستقبلية المخصومة لها.

هذا بجانب أن المحاسبة تعترف بالموجودات غير الملموسة من شهرة وحقوق ملكية غيرها ضمن حالات محددة وهي موجودات معنوية اقتصادية.

الاعتراف بالآثار المترتبة عن الأحداث الاقتصادية عند وقوعها.

وهذا يعني أن الاعتراف بالإيراد يستند إلى قيمته العادلة ، وليس إلى كلفته، وان الآثار من إظهار القيمة العادلة الناجمة عن الأحداث الاقتصادية تنعكس في البيانات المالية عند حدوثها ، وهذا مفهوم اقتصادي يساعد على التحليل للاسباب من الناحية الاقتصادية.

تقدير القيمة الاقتصادية للوضع المالي للشركة.

بموجب محاسبة القيمة العادلة فان البيانات المالية للشركة تعتبر وسيلة هامة للتنبؤ بتقديرات القيمة الاقتصادية في المستقبل.

تحديد الربح أو الخسارة وفقا للمفهوم الاقتصادي

ان الدخل من الناحية الاقتصادية هو الزيادة الناجمة في القيمة المتبقية للموجودات أي في حقوق الملكية. ومن المنظور الاستثماري فان الزيادة في قيمة الموجودات المالية يرافقها زيادة في حقوق الملكية وأن رأس المال وأموال الشركة الأخرى مستثمرة في موجودات لجني عائد عليها من الاستثمار في السوق ، نظراً لان القيمة العادلة تمثل

القيمة الحالية لتوقعات المستثمرين للتدفقات النقدية المستقبلية المتأتية من الموجودات مخصومة بالأسعار الجارية للعائد على الاستثمار.

المطلوبات التأمينية

كما تعتمد محاسبة القيمة العادلة على اظهار الموجودات المالية والدخول الناجمة عنها فانها ايضاً تتناول كيفية معالجة المطلوبات المالية ، واشير هنا على وجه الخصوص الى محاسبة المطلوبات التأمينية الناجمة عن عقود التأمين ، فقد اوجبت معايير المحاسبة الدولية اجراء فحص لكفاية المطلوبات المذكورة على اساس صافي التدفقات النقدية المستقبلية المخصومة ، حتى اذا كان هنالك عجز في قيمتها (العادلة) فانه يحمل على بيان الدخل.

أثر القيمة العادلة على الاقتصاد الوطني:

تعكس القيمة العادلة تقديرات الأسواق للأوضاع الاقتصادية السائدة ، تماماً كما تعكس التغييرات في القيمة العادلة الآثار الناجمة عن التغييرات الاقتصادية عند حدوثها.ذلك لان القيمة العادلة تحدد عادة في سوق مفتوح ومنافس يعكس الحقائق الاقتصادية ، في حين أن الكلفة التاريخية لا تعكس سوى الأوضاع الاقتصادية عند الاقتناء ولا تعكس التغييرات في القيمة العادلة إلا عند تحقيقها.

ويمكن تحديد الجوانب الاقتصادية التالية التي تأثرت بشكل أو بآخر من إتباع محاسبة القيمة العادلة وهي:

أولاً:الحسابات القومية:

تعتبر ارباح الشركات والمؤسسات بنداً مهماً في حسابات الدخل القومي وتؤثر على الزيادة في مجموع الدخل القومي من سنة الى أخرى . وقد كانت الأرباح في السنوات التي سبقت تبني محاسبة القيمة العادلة تعتمد على مفهوم أن الإيرادات من الموجودات المالية والاستثمارات العقارية والموجودات الزراعية تتحقق عند بيعها ، أما في ظل محاسبة القيمة العادلة المتبعة حالياً فان الإرباح تتحقق عند حدوثها.

كما أن التغيير في القيمة العادلة للموجودات المالية المتوفرة للبيع أصبح يزيد أو ينقص من قيمة الدخل القومي حسب الحالة وتؤثر على النسبة السنوية لنمو الاقتصاد أو تراجعه.

وهذا دليل على مدى تأثير محاسبة القيمة العادلة على الحسابات القومية ومعدلات النمو الاقتصادي.

فان ارتفعت الاسعار في الاسواق المالية في سنة ما ، فان هذا ينعكس في نتائج اعمال الشركات او في حقوق الملكية فيها . وسوف يدخل كأرباح في تقدير قيمة الدخل القومي، وفي حالة هبوط الاسعار في الاسواق مالية فان الانخفاض في قيمة الاسهم سوف تؤثر على احتساب قيمة الدخل القومي.

ثانياً:الاعتراف بالحقائق الاقتصادية وإظهارها:

بينت فيما سبق مدى مساهمة محاسبة القيمة العادلة في إظهار الحقائق الاقتصادية وارغب ان اسلط الضوء فيما يلي على البنود الهامة التي تمسها محاسبة القيمة العادلة:

-الموجودات المالية:

وتشمل هذه الموجودات الأسهم في الشركات والسندات المالية وغيرها وكانت في السابق تظهر بسعر الكلفة التاريخية أو السوق أيهما اقل ، وبالرغم من قابليتها للتداول ، إلا أنها كانت تصنف استثمارات طويلة الأجل واستثمارات قصيرة الأجل ، ولذلك لم تكن المحاسبة تعكس التغيير الاقتصادي في قيمتها خلال السنوات اللاحقة لتاريخ اقتناءها . والأدهى من ذلك أن الهدف من شرائها لم يكن محدداً وفقاً لنية الشركة وقدراتها المالية ، وهي حقائق اقتصادية اغفلتها الممارسات المحاسبية في السابق قبل ان يتم إدخال محاسبة القيمة العادلة.

-الاستثمارات العقارية:

في ظل إتباع طريقة الكلفة فان الاستثمارات العقارية تظهر بكلفتها التاريخية بعد الاستهلاك ، دون اخذ الزيادة أو النقص في قيمة الاستثمارات العقارية بسبب الأحداث الاقتصادية في بيان الدخل ، أما بموجب طريقة القيمة العادلة فاته يتم الاعتراف بالأحداث الاقتصادية وإظهار الاستثمارات العقارية بموجب قيمتها العادلة واخذ الفائض أو النقص ضمن نتائج الأعمال ، مما يعكس الحقائق الاقتصادية لهذا الاستثمارات.

-الموجودات الزراعية البيولوجية والمحصول الزراعي.
بموجب محاسبة القيمة العادلة يتم إظهار الموجودات الزراعية البيولوجية وفقاً لقيمتها العادلة وعلى هذا الأساس نفسه يتم إظهار المحاصيل الزراعية ايضا ، ويتم الاعتراف بالفرق بين القيمة العادلة وكلفة البيع في بيان الدخل ، وبذلك تعكس محاسبة القيمة العادلة الحقائق الاقتصادية للنشاط الزراعي.

ثالثاً : الاعتراف بالمخاطر الاقتصادية:

لا شك أن المعايير المحاسبية الجديدة المتعلقة بالقيمة العادلة للأدوات المالية قد عنيت لأول مرة بموضوع المخاطر المالية وإدارتها ، فلم تعد المحاسبة تقتصر على تسجيل وتبويب وعرض المعلومات المالية ، بل أصبحت المحاسبة أداة لتقييم المخاطر
وإدارتها ، بحيث أن أي حدث اقتصادي ناجم عن قرار استثماري في الشركة يأخذ في الاعتبار المخاطر المالية لهذا القرار، وليس فقط مجرد عكس هذا الحدث الاقتصادي في الحسابات.

مما تقدم نلاحظ أن محاسبة القيمة العادلة لا تتناول فقط تسجيل اقتناء الموجودات بل تبحث في ابعد من ذلك ، وهي المخاطر المالية الناجمة عن الاحتفاظ بها، وهي مخاطر اقتصادية ناشئة عن التقلبات في القيمة السوقية ، وفي أسعار الفوائد ، وفي أسعار العملات الأجنبية وفي مقدرة المدينين على الدفع ، وتركزات الديون ، ومقدرة الشركة على تسديد التزاماتها الجارية ، وهذه المخاطر ذات جذور اقتصادية بحته.

رابعا: تعزيز الأسواق المالية:

لا نقاش من أن إعداد البيانات المالية وفقاً لمحاسبة القيمة العادلة تحقق منفعة رئيسية للمستثمرين ، لتقدير استثماراتهم واستنباط توقعاتهم المستقبلية ، واتخاذ قراراتهم الاقتصادية المناسبة. ومن جهة أخرى فان المستثمرين يتطلعون إلى المعلومات المالية من منظور استثماري عالمي واسع ولهذا السبب كان من المهم استخدام معايير محاسبية متعارف عليها دولياً في إعدادها، وحيث أن الأسواق المالية تعتبر آلية هامة في تطوير الاقتصاد الوطني ، فانه يمكن الوقوف على أهمية العلاقات المتداخلة بين محاسبة القيمة العادلة والأسواق المالية.

بجانب ان الاسواق المالية تعمل على حماية المستثمرين وتوفر لجميع المتعاملين فيها الشفافية الكاملة على قدم المساواة فانها تعتبر اداة هامة لقوى السوق فهي تساعد على جذب الاستثمارات المناسبة كما انها توفر السيولة في الاقتصاد .

وقد تطورت الرقابة الحكومية على الاسواق المالية ، واتسعت لتشمل الاشراف على تكوين مجلس الادارة في الشركات ، وعلى التقارير المالية ، ومعايير المحاسبة والتدقيق

وعلى جودة عمل المحاسبين وقدراتهم ، وعلى الرقابة على المعلومات الداخلية والسرية في التعامل والى غير ذلك ، ويعكس هذا مدى اهمية الاسواق المالية في الاقتصاد.

تعتبر الموجودات المالية من اسهم الشركات والسندات المالية التي تتداول فيها جزءاً من ثروة المستثمرين.

وتعتمد الموجودات الاقتصادية الحقيقية على مقدار انتاجية الاقتصاد للسلع والخدمات، وتتأتى هذه الانتاجية من التوظيفات للموجودات الحقيقية من اراض ومبان ومعدات ومعرفة وغيرها وذلك لانتاج السلع والخدمات وبطبيعة الحال يضاف الى ذلك العماله لان مهارة العاملين ضرورية لاستخدام هذه الموارد الاقتصادية.

ولذلك فان الاسواق المالية التي تتداول فيها الموجودات المالية تلعب دوراً هاماً في الاقتصاديات المتطورة والنامية على السواء لأنها تساعد على خلق موجودات اقتصادية حقيقية. وتعمل على قياس انتاجيتها وادائها.

خامساً:تدعيم الشفافية في الاقتصاد:

تحدد معايير محاسبة القيمة العادلة متطلبات ضرورية للإفصاح والعرض للمعلومات المالية، تماماً كما تضع متطلبات محددة للاعتراف والقياس للمعلومات المالية.
وتعتبر الشفافية عنصراً هاماً من عناصر الحاكمية المؤسسية كما تستجيب لحق الجمهور في الاطلاع والمعرفة عن المعلومات العامة.

إن البيانات المالية للوحدات الاقتصادية هي وسائل هامة لتوصيل المعلومات المالية إلى جميع أنحاء القطاعات الاقتصادية سواء لاغراض الاقتصاد الكلي أو الاقتصاد الجزئي . ويمكن دراسة ومعالجة عدد من الظواهر والمشاكل الاقتصادية من خلالها. ولذلك يجب أن تتضمن البيانات المالية معلومات كاملة ودقيقة يركن إليها وتقدم في أوقاتها.

ومن هنا فان الشفافية والاقتصاد متلازمان ، فبدون الشفافية يستشري الفساد والتلاعب وتمنع المساءلة ، وبدون الحصول على معلومات مناسبة لا يمكن دراسة اتجاهات الاقتصاد وإجراء الإصلاحات الاقتصادية ، ولذلك فان متطلبات الافصاح في محاسبة القيمة العادلة تلعب دوراً مهماً في دراسة الاقتصاد والوقوف على اتجاهاته.

خاتمة:

هنالك تأثير لمحاسبة القيمة العادلة على الاقتصاد ، واستقراره أو نموه ، لأنها محاسبة تعتمد على الحقائق الاقتصادية ، وليس على الفرضيات المحاسبية التقليدية، وقد ساهمت المحاسبة الجديدة في تقريب مفهوم القيمة من المنظور الاقتصادي مع مفهوم القيمة من المنظور المحاسبي.

ويستطيع الباحث لهذا الموضوع أن يتلمس الجوانب الاقتصادية التي كان لها مساس بمحاسبة القيمة العادلة ، وهي الحسابات القومية ، والاعتراف بالحقائق الاقتصادية وادارة المخاطر المالية ، وتعزيز وتعميق الأسواق المالية، وتدعيم الشفافية في الاقتصاد.

إن من سمات الاقتصاد الناجح انفتاحه في المعلومات وإشاعته للمعرفة ، لان الشفافية في المعلومات هي قوة لتطوير الاقتصاد ، وتحديد مواطن الوهن أو القوة فيه وحائل دون تفاقم الفساد ، ولا يمكن للمعرفة أن تتوفر إلا من خلال المعلومات المالية ، ولا يمكن للمعلومات المالية أن تكون ذات فائدة إلا إذا توفرت معايير محاسبية مناسبة لاعدادها، لتكون مكتملة ودقيقة .

ولا شك ان محاسبة القيمة العادلة تنهض من مستوى الابلاغ المالي من مجرد معلومات مالية تاريخية لا تغني ولا تسمن من جوع الى معلومات مالية حديثة تعكس الوقائع الاقتصادية وتستشرف المستقبل بدلاً من تسجيل الماضي.

ان هذا المستوى الرفيع من الابلاغ يتيح لمستخدمي البيانات المالية في المجتمع من اتخاذ قراراتهم الاستثمارية على هدى من معلومات موضوعية تستند الى الحقائق ، ويساعد هذا الامر على ان يحقق الابلاغ المالي العام اهدافه وهي تلبية حاجات ومتطلبات الاطياف العديدة في المجتمع بشكل عام والمشاركين في الاسواق المالية بشكل خاص.