دراسة و بحث عن الأحكام العامة للوساطة في التشريع الجزائري

تعتبر الوساطة أسلوبا حديثا و مفهوما جديدا أدخله المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في المواد 994 إلى 1005 في الفصل الثاني تحت عنوان : في الوساطة من الباب الأول المتعلق بالصلح و الوساطة من الكتاب الخامس في الطرق البديلة لحل النزاعات، لذلك ينبغي في البداية تناول الموضوع بشكل عام عن طريق إعطاء بعض التعاريف للوساطة و توضيح و بيان خصائصهاو أنواعها وفقا لما ورد في التشريع الجزائري، و التشريعات المقارنة ، تـم التعريج على التمييز بين الوساطة و غيرها من الوسائل القضائية لفض النزاعات، و سنختم ببيان شروط الوسيط و الوساطة.

المبحث الأول: ماهية الوساطة

سنتطرق في هذا المبحث إلى بيان مفهوم الوساطة و ماهيتها، محاولة إزالة الغموض حول هذا الأسلوب الجديد، و لا يمكن ذلك إلا ببيان أنواع الوساطة و خصائصها التي ساهمت في الأخذ بها.

المطلب الأول: تعريف الوساطة

تعتبر الوساطة الأساس الذي يقوم عليه نظام الوسائل البديلة، فهي المحرك و السبيل لإيجاد حل توافقي بين المتنازعين،و أصبحت تبدو الوجه أو الصورة الأنسب للقضاء و العدالة الحديثة، إذ يكون القرار فيها من صنع الأطراف ، و يقتصر دور الوسيط في المساعدة على تحديد النزاع وإزالة العقبات.
ويقصد بالوساطة في الاصطلاح أنها مأخوذة من الوسط و هو ما بين طرفي الشيء و المعتدل من كل شيء ومن قوله تعالى :” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ” (سورة البقرة الآية 143 ) أي عدلا ، و في القاموس فالوسيط هو المتوسط بين المتخاصمين و الوساطة بهذا المعنى قد تظهر في عدة مجالات كالسياسة و التجارة و غيرها.
أما قانونا فان المشرع الجزائري عند سنه لقواعد الوساطة لم يقدم تعريفا لهاو إنما ترك أمر تعريفها للفقه، و عليه يمكن تعريفها أنها” وسيلة لحل النزاعات من خلال تدخل شخص ثالث نزيه و حيادي و مستقل يزيل الخلاف القائم، و ذلك باقتراح حلول عملية و منطقية تقرب وجهات نظر المتنازعين بهدف إيجاد صيغة توافقية و بدون أن يفرض عليهم حلا أو يصد ر قرارا ملزما ” .
كما يمكن تعريفها أنها “إحدى الطرق الفعالة لفض النزاعات بعيدا عن عملية التقاضي و ذلك من خلال إجراءات سرية تكفل الخصوصية بين أطراف النزاع من خلال استخدام وسائل و فنون مستحدثة في المفاوضات بغية الوصول إلى تسوية ودية مرضية لجميع الأطراف” .

كما تعرف أنها” تقنية إجرائية لحل النزاعات يستطيع من خلالها طرف محايد و مستقل و نزيه يدعي الوسيط مساعدة الخصوم على حل مشاكلهم عبر الحوار و التفاوض للوصول إلى اتفاق يلائمهم”.
و عليه، فإن فكرة الوساطة الجديدة على القانون الجزائري و ليس على مجتمعنا الإسلامي العربي و القبلي وسيلة اختيارية و رضائية، تستلزم حوارا مفتوحا على قدم المساواة والقرار فيها ذاتي ، فدور الوسيط يقتصر على تسهيل التواصل و الحوار بين الإطراف و هي مفيدة و عملية للمتنازعين الذين يريدون حلا سريعا للنزاع القائم بينهم.
و تضمن الوساطة نقل المتخاصمين من مقاعد المرتقب و المنتظر لمقاعد الحكم و تجعلهم يساهمون في بناء حيثيات حكمهم بمساعدة الوسيط،وهي تسعى للوصول لربح الجميع وبمعنى آخر حل متفق عليه وليس حل مفروض. و في حال الوصول إلى حل، فان أهم ما تضمنه الوساطة هو ربح جميع الأطراف، فلا يكون أحدهما خاسرا و الأخر رابحا و إنما الاثنان فائزان.

المطلب الثاني: أنواع الوساطة

اكتفى المشرع الجزائري بالنص على الوساطة القضائية في حين أن التشريعات التي أخذت بالوساطة تعرف أنواعا أخرى لها، و تتمثل في:

الفرع الأول: الوساطة القضائية:
أخذت بها معظم التشريعات التي تأخذ بالوساطة كحل بديل للنزاعات كالقانون الأمريكي أو الفرنسي و عربيا اخذ بها القانون الأردني، و تتم هذه الوساطة وفقا لهذا التشريع، أمام جهات قضائية عبر قضاة الصلح و البداية الذين يتم اختيارهم من قبل رئيس محكمة البداية (أي المحكمة الابتدائية) و يكلفون بهذه المهمة ويطلق عليهم قضاة الوساطة ، و تم لأجل اعتماد هذا النوع من الوساطة إحداث مقر للوساطة في المحاكم، و يضم هذا المقر مؤهلين و مدربين على أعمال الوساطة، و تناط بهم مهمة الإشراف و متابعة الأمور ذات العلاقة بالوساطة، وتتم إحالة النزاع للوسطاء القضائيين من طرف القضاة .

الفرع الثاني: الوساطة الخاصة:
و هي الوساطة المعمول بها في تشريعنا و التشريع السوداني تحت اسم الوساطة القضائية فيما تدرجها اغلب التشريعات تحت اسم الوساطة الخاصة ، و هذا النوع من الوساطة يتم من خلال أشخاص خارجين عن مرفق القضاء يملكون الخبرة اللازمة و يتمتعون بالحيدة و النزاهة يتم تنصيبهم من طرف وزير العدل، و تعيينهم من طرف القضاة في النزاعات المطروحة أمام القضاء وفقا للقائمة المعتمدة و المعدة مسبقا على مستوى كل مجلس قضائي.

الفرع الثالث: الوساطة الاتفاقية:
في هذا النوع من الوساطة يتم اختيار الوسيط من قبل الأطراف أنفسهم باختيارهم ،حيث يجمعون على تسمية وسيط معين يجدون لديه القدرة الكافية و الكفاءة لحل النزاع ،و عند اختيار هذا الوسيط يتم التقدم بطلب للقاضي الذي ينظر في الدعوى، و يقوم هذا الأخير بإحالة النزاع لهذا الوسيط و قد أخذت بهذا النوع من الوساطة أغلب التشريعات و منها التشريع الأردني.
هذه هي الأنواع الأكثر رواجا للوساطة، إلى جانب بعض الأنواع التي تعرف تطبيقاتها في مختلف التشريعات، كالوساطة الاستشارية التي يطلب فيها الأطراف من محام أو خبير الاستشارة في موضوع النزاع، ثم يطلبون منه التدخل كوسيط .
و الوساطة التحكمية و هي بند في العقد يقضي بأنه في حال نشوب النزاع يتم عرضه على الوسيط و في حال فشل الوساطة يتحول الوسيط لمحكم.

المطلب الثاني: خصائص الوساطة:

ثمة مميزات و خصائص تتمتع بها الوساطة جعلتها متقدمة على الوسائل التقليدية لحل الخلافات، و هذه المميزات باتت مقبولة و فعالة في حسم النزاعات، إن كان ذلك من حيث تخفيف العبء عن القضاء ، أو مرونة و سرعتها للفصل في النزاعات أو سريتها أو ضمانها لاستمرار العلاقات الودية بين أطراف النزاع، و هو ما سنتناوله كالآتي:

الفرع الأول :تخفيف العبء على القضاء:
حيث أن الوساطة وسيلة لحل النزاعات خارج مرفق القضاء، فإنها بلا شك ستساهم بشكل كبير في تخفيف العبء عن القضاء، عن طريق حل نزاعات كانت ستحل بالتقاضي ، خاصة إذا علمنا أن حجم القضايا التي تنظر أمام المحاكم في تزايد مستمر مما يزيد في العبء، غير انه بإحالة النزاع للوساطة و حله عن طريقها سيؤدي لتفادي عرض هذه النزاعات على القضاء، ضف أن الوساطة تعطي حلا نهائيا للنزاع مما يؤدي كذلك إلى عدم عرض هذا النزاع على جهات الاستئناف و عليه فان تطبيقها يؤدي لتخفيف العبء عن القضاء.

الفرع الثاني :الــمـرو نــة:
لعل أهم الأسباب التي استوجبت اللجوء إلى الطرق البديلة لحل النزاعات وجود الأساليب التقليدية و الشكليات الرسمية المعقدة، فحل النزاع عن طريق القضاء يحتوي و يشمل عدة أمور يجب إتباعها تحت طائلة البطلان مما يشكل قيودا على عاتق المتقاضين، ففي الوساطة لا يوجد أي إجراء يترتب عليه البطلان، فعكس ذلك تهدف الوساطة لإتباع أي إجراء يمكن أن يؤدي للتوصل لحل مرضي لأطراف النزاع، فالوسيط غير ملزم بإتباع إجراءات معينة ما دام الهدف هو إيصال الأطراف للحل الذي يرغبون فيه.

الفرع الثالث :السرعة و اختصار الوقت:
باتت السرعة تشكل سمة من سمات العصر الحديث، و لا شك أن العدالة البطيئة هي إنكار للعدالة، لذلك نجد أن عملية الوساطة تخدم ، و بشكل كبير هذا الاتجاه، أي سرعة الفصل في النزاعات، و يظهر ذلك من خلال تحديد المشرع للمدة التي تنجز في ظرفها الوساطة. و ذهب المشرع الأردني إلى أبعد من ذلك، إذ حدد المدة التي تقيد الأطراف لتزويد الوسيط بالوثائق المتعلقة بالنزاع ابتداء من تاريخ إحالة النزاع للوساطة كل ذلك لأجل ضمان سرعة حل النزاعات، لأن التأخير في حسم النزاعات يذهب بحقوق الأطراف المتنازعين و يفوت عليهم فرصا قد لا تعوض خاصة في المجال التجاري لاسيما إذا لم تحسم منازعتهم بعد أمد طويل تتوالى فيه المتغيرات الاقتصادية .

الفرع الرابع :استمرار العلاقات الودية بين أطراف النزاع :
توفر الوساطة للمتخاصمين الفرصة للالتقاء و عرض وجهات النظر ومحاولة إزالة الإشكالات بين الأطراف و التوصل لحل يرضي الأطراف عن طريق تقريب وجهات النظر المتباعدة و الخروج بمصالحة تزيل كافة الخلافات، خلافا للقضاء الذي يفصل في نهاية الدعوى بانتصار طرف و خسارة الآخر بصدور قرار متولد عن قناعة
و رؤية المحكمة بالنزاع مما يؤدي لفقدان العلاقات الودية بين الأطراف وتولد التشاحن و البغضاء.

الفرع الخامس :سرية إجراءات الوسائل البديلة :
إذا كانت علنية الجلسة من الخصائص المميزة للقضاء و من ضماناته الأساسية، فإن السرية تعد أهم الركائز الأساسية للوسائل البديلة و منها الوساطة، فالمتنازعين يرحبون بعدم معرفة النزاعات الناشئة بينهم و أسبابها و دوافعها، نظرا لما قد تؤدي إليه هذه المعرفة بالمساس بمراكزهم وهذه السرية المطلقة تحيط بكافة جوانب و إجراءات الوسائل البديلة، حيث أن الشخص الثالث أي الوسيط المكلف بالنزاع يحظر عليه إفشاء المعلومات التي حصل عليها في جلسات الوساطة لأشخاص آخرين إلا بموافقة المتنازعين ،و مخالفته لهذه الالتزامات يترتب عليه قيام مسؤولياته وشطبه من قائمة الوسطاء المعتمدين.

المبحث الثاني: التمييز بين الوساطة و الأنظمة المشابهة لها:

لقد تطرق المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية للطرق البديلة لحل النزاعات و تتمثل في الصلح و الوساطة و التحكيم، و نظرا لأن كل هذه الوسائل تهدف إلى التقريب بين أطراف النزاع و مساعدتهم على الوصول إلى اتفاق مشترك بمساعدة طرف ثالث، يجب الوقوف على التمييز بين كل من الوساطة و الصلح و التحكيم لتجنب الخلط بين المفاهيم :

المطلب الأول: التمييز بين الوساطة و التحكيم :

إذا كان التحكيم هو وسيلة تقليدية و معروفة في مختلف التشريعات كحل بديل لتسوية النزاعات، فإن الوساطة مفهوم جديد دخل على تشريعنا الوطني، على خلاف العديد من التشريعات التي عرفته وأثبتت نجا عته كحل بديل للتقاضي، و من خلال المقارنة بينهما سنحاول توضيح هاتين الوسيلتين:

الفرع الأول : إحالة النزاع للوساطة و التحكيم :
إحالة النزاع للتحكيم يكون قبل اللجوء للقضاء، فإما أن يكون بندا في الاتفاقية المبرمة و هو ما يعرف بشرط التحكيم ، أنه إذا وقع نزاع يتم عرضه على التحكيم أو أنه بعد وقوع النزاع يتم الاتفاق على عرضه على محكمة تحكيمية وهو ما يعرف باتفاقية التحكيم، و في حال تجاوز هذا الاتفاق من طرفي النزاع فإنه يحق للطرف الأخر تقديم دفع أمام المحكمة التي تقضي برفض الدعوى و يلزم الأطراف بنظرها أمام هيئة تحكيمية، أما الوساطة القضائية التي جاء بها المشرع الجزائري فإنها
لا تعرض إلا بعد طرح النزاع أمام القضاء و يكون الأطراف بعدها أحرارا إما إتباع إجراءات التقاضي أو الوساطة.

الفرع الثاني: مهمة الوسيط و مهمة المحكم:
مهمة الوسيط تختلف عن مهمة المحكم، فمهمة الوسيط لا تتجاوز تقريب وجهات النظر و اتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل ذلك، إضافة إلى أن رأي الوسيط غير ملزم للأطراف و ليس له سلطة عليهم، و إن وجدت هذه السلطة فهي أدبية تتجسد في حث المتنازعين على قبول اقتراحاته و توصياته التي تشكل مدخلا و سبيلا لحل النزاع القائم.
أما المحكم فمهمته تكمن في إصدار قرار بموضوع النزاع المعروض عليه، بعد معاينة و تدقيق الأدلة و الوقائع تماما كالقاضي، و هذا القرار يكون ملزما شأنه شأن الحكم القضائي.

الفرع الثالث : مجال الوساطة و التحكيم.
التحكيم شأنه شأن الوساطة مقيد بمجال محدد فإذا كانت الوساطة غير جائزة في مواد شؤون الأسرة و المواد الاجتماعية و كل ما من شأنه المساس بالنظام العام فإن التحكيم القاعدة هي جواز اللجوء له لكن الاستثناء عدم جوازه في المسائل التالية:
1-الحقوق التي لا يملك الأشخاص مطلق التصرف فيها ،أي غير القابلة للتفاوض بشأنها .على هذا الأساس هناك معادلة بين الحقوق القابلة للتصرف و جوازية اللجوء الى التحكيم.
2- المسائل المتعلقة بالنظام العام.
3-حالة الأشخاص و أهليتهم .

الفرع الرابع :تكلفة الوساطة و التحكيم:
إن الوساطة شأنها شأن التحكيم يكون تلقي الأتعاب فيها من الأطراف، وإذا سكت المشرع الجزائري عن تحد يد أتعاب المحكم مما يجعل تكلفة التحكيم في بعض الأحيان باهظة، و هي من الانتقادات الموجهة لهذا الأسلوب من حل النزاعات ، فان الوساطة القضائية نص عليها المرسوم التنفيذي بان القاضي يتولى تحديد أتعاب الوسيط القضائي

الفرع الخامس: الطعن في القرار:
تكون أحكام التحكيم الفاصلة في النزاع قابلة للطعن بالاستئناف أمام المجلس القضائي الذي صدر بدائرة اختصاصه حكم التحكيم في أجل شهر من النطق به.و يجوز للأطراف التنازل عن هذا الطعن من خلال الإتفاقية التي تربطهم أما الأمر الذي يتضمن المصادقة على اتفاقية الوساطة لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.

الفرع السادس : تعيين الوسيط و المحكم:.
يتم تعيين المحكمين من الأطراف المتنازعة سواء في شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم و إذا تعذر ذلك يتم تعيينه من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها محل إبرام العقد أو محل تنفيذه.
أما الوسيط فانه يتم تعينه من طرف القاضي من قائمة الوسطاء القضائيين المعتمدة لدى المجالس القضائية.

المطلب الثاني: التمييز بين الوساطة و الصلح:

-رغم أن الصلح إجراء يقره التشريع الجزائري قبل صدور قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.إلا أن تطرقه للصلح في القانون الجديد يأخذ طابعا إجرائيا و استدرك الفراغ الذي كان موجودا سابقا و نظم إجراءاته و آثاره، و عليه فالصلح شأنه شأن الوساطة إجراءان جديدان، و سنحاول إعطاء مقارنة بينهما كالتالي:

الفرع الأول :عرض الوساطة و الصلح:
-إن عرض الوساطة وجوبي, على القاضي القيام به قبل أي إجراء آخر طبقا لنص المادة 994 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
– أما عرض الصلح فهو إجراء جوازي إما يعرضه القاضي أو يتصالح الأطراف تلقائيا و ذلك طبقا لنص المادة 990 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

الفرع الثاني : مدة الوساطة و الصلح :
-قيد المشرع الجزائري مدة الوساطة بثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، و على القاضي عرضها في أول جلسة.
– غير أن الصلح لم يقيده المشرع بمدة معينة، كما يمكن اللجوء إليه في آي مرحلة كانت فيها الدعوى وذلك حسب نص المادة 990 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .

الفرع الثالث : مجال كل من الوساطة و الصلح:
– إذا قيد المشرع الجزائري الوساطة و استثناها في مادة الأحوال الشخصية والمادة الاجتماعية و ذلك لطبيعة هذين النزاعين و إجراءاتهما الخاصة، و كذا كل ما من شانه المساس بالنظام العام. فإنه لم يقيد الصلح بمادة معينة و جعله جائزا في جميع النزاعات.

الفرع الرابع : محاضر الوساطة و الصلح كسند تنفيذي:
– يصبح الاتفاق الذي وقعه الوسيط و الخصوم سندا تنفيذيا بمجرد المصادقة عليه بأمر قضائي غير قابل لأي طعن.
– أما الصلح فيثبت في محضر يوقعه القاضي و الخصوم و أمين الضبط، و يصبح سندا تنفيذيا بمجرد إيداعه و التأشير عليه دون الحاجة لصدور حكم يصادق عليه.

المبحث الثالث : شروط الوساطة:

إن المشرع الجزائري اخذ بالوساطة القضائية دون الأنواع الأخرى للوساطة، و من خلال نص المادة 994 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يتضح أن أهم شرط لإحالة النزاع للوسيط هو تسجيل الدعوى أمام القضاء، ثم يقوم القاضي بعرض الوساطة على الأطراف، إلى جانب هذا الشرط فان المشرع الجزائري حدد شروط الوسيط القضائي وفقا لنص المادة 998 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المرسوم التنفيذي 09-100 المتضمن كيفية تعيين الوسيط القضائي و حدد في المادة 999 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية شروط الأمر القاضي بتعيين الوسيط، و سنعرضها كما يلي:

المطلب الأول: شروط اختيار الوسيط :

يعتبر شخص الوسيط من أهم عناصر الوساطة، ذلك لما له من دور لإنجاح عملية الوساطة و المشرع لم يعط تعريفا للوسيط في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و كذا في المرسوم التنفيذي 09- 100و اكتفى بتحديد شروطه وعموما فالوسيط هو شخص من الغير ليس له علاقة بالنزاع غير انه له القدرة على المناقشة مع الأطراف.
و ألزم المشرع أن يكون شخصا طبيعيا و في حال أسندت الوساطة لجمعية فان على رئيسها أن يعين احد أعضائها لتنفيذ الإجراء باسمها و هو ما تضمنته المادة 997 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بنصها ” تسند الوساطة إلى شخص طبيعي أو إلى جمعية”.
” عندما يكون الوسيط المعين جمعية، يقوم رئيسها بتعيين احد أعضائها لتنفيذ الإجراء باسمها و يخطر القاضي بذلك.
كما انه تطرق في مادته 998 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لشروط الوسيط بنصه أن “يجب أن يعين الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة من بين الأشخاص المعترف لهم بحسن السلوك و الاستقامة.
و أن تتوفر فيه الشروط الآتية:
– ألا يكون قد تعرض إلى عقوبة عن جريمة مخلفة بالشرف، و ألا يكون ممنوعا من حقوقه المدنية،
أن يكون مؤهلا للنظر في المنازعة المعروضة عليه،
– أن يكون محايدا و مستقلا في ممارسة الوساطة،
– تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم”.
و قد أحال المشرع الجزائري كيفية تطبيق هذه المادة للتنظيم، الذي صدر بموجب المرسوم التنفيذي رقم 09-100 المؤرخ في 10 مارس 2009 المحدد لكيفية تعيين الوسيط القضائي.
.و بناء على نص المادة السالفة الذكر و المرسوم التنفيذي فان الشروط اللازمة لتعيين الوسيط هي شروط موضوعية و أخرى شكلية نتناولها كالتالي:

الفرع الأول: الشروط الموضوعية :
و هو ما تضمنته المادة 998 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المادتين 02 و 03 من المرسوم التنفيذي رقم 09-100 الصادر بتاريخ 10 مارس 2009 و يمكن حصرها فيما يلي:

الشرط الأول :
تعيين الوسيط من بين الأشخاص المعترف لهم بحسن السيرة و الاستقامة:
و إقرار هذه الشروط نتيجة حتمية كون شخصية الوسيط محل اعتبار في مهنة الوساطة، فقد تكون سببا في قبول الوساطة أو رفضها، فثقة الأطراف في الوسيط عامل أساسي لنجاح مهمته، كما أن المسألة تتعلق بحقوق الأطراف التي لا يمكن أن توضع إلا في أياد أمينة قادرة على حفظ هذه الحقوق و تأكيدا لهذا الشرط ورد الشرط الثاني.

الشرط الثاني :

-ألا يكون الوسيط قد تعرض لعقوبة عن جريمة مخلفة بالشرف،
-وأن لا يكون ممنوعا من حقوقه المدنية
ويتم التأكد من توافر هذا الشرط بصحيفة السوابق العدلية ، و التحقيقات الإدارية و الاجتماعية التي تجريها لجنة الانتقاء، و إذا نص قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على الجريمة المخلة بالشرف أي حصرها في نوع معين من الجرائم و التي تعتبر مصطلحا فضفاضا فالجريمة التي تعد مخلة بالشرف قد تتغير من منطقة لأخرى، فان المرسوم التنفيذي رقم 09-100 قد أضاف:
– أن لا يكون محكوما عليه بسبب جناية أو جنحة باستثناء الجرائم غير العمدية،
-و أن لا يكون قد حكم عليه كمسير من اجل جريمة جنحة الإفلاس و لم يرد اعتباره، أو ضابطا عموميا وقع عزله، أو محاميا شطب اسمه أو موظف عمومي عزل بمقتضى إجراء تأديبي نهائي .

الشرط الثالث:
أن يكون مؤهلا بنظر المنازعة المعروضة عليه:
و هو شرط موضوعي ، أي يتعلق بموضوع و طبيعة القضية، فيفترض تعيين الوسيط في نزاع قادر على فهم طبيعته و له الدراية و المعرفة الكافية بجوانبه، و من خلال المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 09-100 قد يكون التكوين العلمي كافي لجعل الوسيط مؤهلا لنظر النزاع، أو يكفي أن تكون لدية مكانة اجتماعية تجعله محل احترام ووقار و ثقة حتى يصير مؤهلا للنظر في النزاع، و ذلك حسب نص المادة المذكورة أعلاه في فقرتها الأولى.

الشرط الرابع :
– أن يكون الوسيط محايدا و مستقلا في ممارسة الوساطة
يقصد بالحياد أن يراعي الوسيط مبدأ المساواة بين أطراف النزاع و ضمان عدم التحيز لأي طرف من الأطراف ، أما الاستقلالية فهي انتفاء أي صلة أو مصلحة للغير المكلف بحل النزاع بموضوع النزاع، و يجب أن تظل هذه الصفة ملازمة للوسيط خلال سير الإجراءات و حتى الوصول إلى الحل النهائي له و لأجل ضمان ذلك فقد ألزمت المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 09-100 الوسيط أو احد أطراف النزاع إخطار القاضي بأي وضعية يمكن أن تشكل تهديدا أو مساسا لحياد الوسيط أو استقلاليته، و بعد تأكد القاضي من توفر إحدى الحالات المنصوص عليها في هذه المادة و التي تشكل مساسا بالحياد و الاستقلالية يتخذ القاضي الإجراءات التي تضمن الحياد كاستبدال الوسيط بغيره .

الفرع الثاني: الشروط الشكلية:
لقد تم النص على إجراءات تعيين الوسيط القضائي ضمن المرسوم التنفيذي المذكور أعلاه على النحو التالي:
1-يتم توجيه طلبات من المترشحين إلى النائب العام لدى المجلس القضائي الذي يقع في دائرة اختصاصه مقرا قامة المتر شح .
2-ويرفق الشهادات التي تثبت توفر الشروط التي يتطلبها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية من صحيفة السوابق العدلية و شهادة الجنسية، و شهادة تثبت مؤهلات المتر شح، و شهادة الإقامة.
3- يقوم النائب العام بإجراء تحقيق إداري حول المتر شح، ثم يقوم بتحويل الملف إلى رئيس المجلس القضائي الذي يستدعي لجنة الانتقاء لدراسة الطلبات و الفصل فيها، و بعدها ترسل القوائم المعدة لوزير العدل للموافقة عليها بموجب قرار.
– و تتم مراجعة هذه القوائم سنويا في اجل شهرين من افتتاح السنة القضائية.
– و يقوم الوسيط القضائي بتأدية اليمين القانونية المنصوص عليها بالمادة 10 من المرسوم رقم 09- 100 أمام المجلس القضائي المعين في دائرة اختصاصه قبل مباشرة مهامه .

المطلب الثاني: الشروط اللازمة في أمر تعيين الوسيط:

بعد عرض القاضي للوساطة و قبول الأطراف بها يتم صدور أمر يقضي بتعيين وسيط ، و قد تضمنت المادة 999 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية البيانات التي يجب أن يتضمنها الأمر ، فبالإضافة إلى البيانات الواجبة في جميع الأوامر، فان أمر تعيين الوسيط يجب أن يتضمن :

الفرع الأول: موافقة الخصوم :
باعتبار الموافقة شرط لصحة الوساطة ذلك أن الوساطة حل رضائي لا يمكن قيامها إلا بقبول الخصوم لها و هو يتماشى مع نص المادة 994 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية” إذا قبل الخصوم بهذا الإجراء يعين القاضي وسيطا لتلقي وجهة نظر كل واحد منهم و محاولة التوفيق بينهم لتمكينهم من إيجاد حل للنزاع” ، و الإشكال الذي تطرحه هذه المادة ، هل قبول الأطراف يكون على الوساطة فقط أم يجب موافقة الأطراف على الوساطة و الوسيط معا، و هناك من ذهب إلى أن اختيار الوسيط يكون للقاضي دون أن يكون للخصوم دخل في ذلك، شأنه شأن الخبير، وهناك من ذهب عكس هذا الرأي، و حجتهم أن عدم اختيار الأطراف للوسيط يعارض مفهوم الوساطة ، فعدم موافقة الأطراف على الوسيط كافية لعدم السير في إجراءات الوساطة، و لأجل ذلك على القاضي ترك الخيار للأطراف لانتقاء الوسيط، أما إذا اتفقوا على مبدأ الوساطة القضائية وعدم اقتراحهما الوسيط ، و تركوا ذلك للقاضي فله أن يعينه. و بالعودة للتطبيق القضائي نجد أنه بمجرد الموافقة على إجراء الوساطة يتولى القاضي تعيين الوسيط من القائمة دون اخذ رأي الأطراف في ذلك.

الفرع الثاني-تحديد الآجال الأولى الممنوحة للوسيط للقيام بمهمته و تاريخ رجوع القضية للجلسة :
ذلك أن المادة 996 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية قد حددت المدة التي يقوم فيها الوسيط بأداء مهمته بثلاثة أشهر مع إمكانية تمديدها ، و عليه فان تاريخ رجوع القضية للجلسة لا يجوز أن يتعدى المهلة الأولى لتنفيذ الوساطة ألا و هي ثلاثة أشهر.
و إن هذا الأمر بتعيين وسيط يكون كتابيا، و ذلك حتى يتضمن البيانات السابقة الذكر، و لا يمس هدا الأمر بحقوق الأطراف، و يعتبر من أوامر تسيير مرفق العدالة، و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية ، وهو لا ينفذ إلا باتفاق الخصوم، و عليه فهو غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، و لم ينص المشرع الجزائري على إمكانية الطعن فيه.