نقل و غرس الأعضاء البشرية بين الشريعة و القانون

مقدمة عامة:
بدأ التدخل في صميم الجسم الإنساني منذ أقدم العصور على شكل محاولات فكان أبوقراط يجري هذه المحاولات لاستجلاء الخصائص المبرئة لنبتة من النبات بقصد دوائي، وسلك غيره سبيل آخر فلجأ إلى الجراحة الطبية واستخلاص خلاصات من جسم إنسان معين لإدخالها في جسم إنسان آخر واستمر التطور حتى توصل الإنسان إلى آلية نقل الدم من إنسان إلى آخر فكانت أول مداخله في الجسم الإنساني.
وقد كانت جميع هذه المحاولات نادرة جداً في السابق لأنها كانت تتم على سبيل الاختبار العلمي لعلم الناس غير المصدقين لنجاحها وانتشارها وكأنها تتم من قبل الفاكهة العلمية.
ولكن وفي الوقت الحاضر ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي حيث تمت أول عملية لزراعة الكلية أصبحت من أهم المسائل المطروحة على عقل وضمير الإنسان المعاصر مسألة الموقف الواجب اتخاذه من عمليات أخذ الأعضاء البشرية والأنسجة الحية من جسد إنسان حي ومن أجساد الأموات لزرعها من جسد إنسان مريض تعذر شفاءه بطرق المعالجة العادية لتصبح هذه المسألة ذات إلحاح أكبر كان الإنسان معني بتنظيم القانون في دول تحترم رعاياها والمقيمين على أرضها لأنها تتطلب منه لا اتخاذ موقف شخصي يلزمه هو فحسب بل اتخاذ موقف رسمي يلزم النظام السياسي الذي يمثله مع ما في ذلك من محاذير ناتجة عن إمكانية صدم الموقف المتخذ لقناعات الكثير من المسؤولين الآخرين والموظفين الذين قد لا يرون الموقف المتخذ ممثلاً لقناعاتهم الشخصية سيما وأن المراجع الدينية والسياسية اعتادت التعامل مع المسائل الحساسة بحذر شديد لدرجة الامتناع عن اتخاذ أي موقف غير مطالب به الإجماع.

أخيراً إن العلم يتقدم بشكل أكبر وسرعة أكثر من الإنسان وأصبح بمواجهة المبادئ التقليدية مبادئ جديدة مثل مبدأ احترام التطور الطبي احترام حرية البحث الطبي وتقييمه الواعي للمنافع المرجوة من تقدمه الهائل.
هذا ما دعى إلى مناقشة موضوع نقل الأعضاء البشرية وطرح كل من الرأي الطبي والديني والقانوني فيه، وبحث الآراء القانونية المقاربة في هذا المجال.

الفصل الأول
نقل الأعضاء من الناحية الطبية والعلمية
في البداية لابد من شرح الموضوع طبيا تاثيراته العلميةالحقيقية لنكون على بينةواضحةعند دراستة و تدقيقه فيما بعد من النواحي القانونية والشرعية
المبحث الأول : نقل الأعضاء من إنسان حي :
وفي هذا المجال لدينا إحدى حالتين:
أولاً : الحالة الأولى: أن يتم النقل من وإلى الشخص نفسه: وهذه عمليات تتم بأعداد كبيرة ولا تثير أي تحفظ قانوني أو ديني لأنها تتم دون أي خوف على سلامة المريض إنما العكس تماماً فهي تفتح لـه باب الشفاء السريع والمضمون أكثر من أي علاج آخر طبي أو صناعي كعمليات تطعيم الجلد التي تؤخذ من صاحبها ليحصل على ما يناسب جسده صحياً سواء لأسباب داخلية كتوافق الأنسجة وخلايا الدم أم لأسباب خارجية كتطابق لون الجلد المزروع حديثاً وخلايا الجلد القديم الأصلي.
وبذلك يمكن أن تقيس على الجلد الكثير، كنقل الغضاريف وحتى نقل الأوردة التي تؤخذ من ساق المريض مثلاً ويتم زرعها لقلبه إذا ما أصاب مرض ما أحد أوردته بالتلف وهذه العمليات من نقل والغرس تتم بسهولة كبيرة لعدم تعقيدها طبياً حتى يترك تقديرها كاملة للجراح المعالج الذي يقدر كل حالة بما يناسبها دون أن يحتاج حتى إلى موافقة أهل المريض في الحالات الإسعافية.
ثانياً : الحالة الثانية : أن يتم النقل من إنسان حي إلى إنسان حي آخر وهنا تختلف الآراء حسب العضو أو الجزء المطلوب نقله:
اولا- ذلك أنه هناك أجزاء من الجسم الإنساني ما يقبل التجدد والتغير بسهولة ويسر كالدم الذي يمارس التبرع به ونقله طبياً للمرضى والمحتاجين في الحوادث والجراحات الكبرى فيتم نقله من الشباب القادرين الأصحاء على قدر الاحتياج وهذا يمارس من عشرات السنين وما زلنا نذكر طوابير المتبرعين بالدم من الشباب وجمهور المواطنين أيام الحروب للجنود والمصابين.
هذا التبرع لا يضر بالإنسان المتبرع بل العكس تماماً لأن بعض الشباب ينصحهم الأطباء بضرورة التبرع للحفاظ على صحتهم وهذه العمليات لا ننتظر وقت الإصابة ثم يطلب الدم بل أنشأ بنك الدم ليتبرع كل شخص عنده القدرة ونحصل عليها عند الحاجة بعد أن يتم توزيعها حسب الزمر التي تختلف من شخص إلى آخر.
وهذه الممارسات لم تنل اعتراضاً لا في إطار الدين وفقه الأحكام الشرعية ولا في إطار القانون الوضعي وأحكامه بل على العكس تماماً حيث تشجع هذه الممارسات وينال صاحبها الدعم المادي والتشجيع المعنوي في الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.
ثانيا- أن يتم التبرع بعضو من أعضاء الجسم البشري تكون متعددة أو ذات مثيل في الجسم ذاته ويمكن أن يكفي بعضها احتياج الجسم الحي دون البعض الآخر وأهم مثل لهذه الأعضاء الكلية، فقد وهب الله سبحانه وتعالى كل واحد من الناس اثنين ويقول الأطباء أنه وفقاً لما يجري بين الناس فإن الجسم البشري تكفيه واحدة أو حتى أقل وإن نقل الكلى من جسم شخص حي صحيح إلى جسم آخر مريض، مارسه الأطباء في حالات الاحتياج بالنقل من متبرعين إلى أقاربهم المرضى حتى أصبحت عمليات النقل هذه من العمليات البسيطة طبياً ويمارس النقل فيها بشكل كبير دون أي خوف على صحة المتبرع في معظم الحالات. ففي سوريا مثلاً بدأت أو عملية لزراعة الكلية عام 1968م ومنذ عام 2001 بالتحديد 27/2/2001 تم إجراء 286 عملية زرع كلية وذلك في مشفى الكلية الجراحي بمعدل عمليتين أسبوعياً وبنجاح عال من 85% حتى 90% وكانت حالات الوفاة شبه معدومة حيث حدثت حالتين وفاة بسبب الاختلاطات ورفض الجسم للكلية المزروعة وكانت هذه الأعداد تبرع من الأقارب بنسبة 70%.
لأن التبرع مورس أحياناً دون وجود قرابة بين المنقول والمنقول له بتراض من الطرفين ظاهرة التبرع وإن كان احتمال التجارة غير الثابتة من باطنه وعن عمليات قطف الكلية وزرعها يحدثنا الدكتور رئيس مشفى الكلية الجراحي قائلا ان ذلك يتم بعد عدة إجراءات اهمها:
من دراسة الحالة من قبل لجنة طبية مؤلفة من اختصاص الجراحة البولية وأمراض الكلية لإعطاء الموافقة.
تجري جلسة علمية أسبوعياً على مستوى المشفى تناقش فيها كل حالة أخذت الموافقة الطبية ويتم تحديد البروتوكول العلاجي وتحديد الكلية المراد قطفها من المتبرع والعمليات الطبية الحديثة تراعي وجود عدة بروتوكولات علاجية للانتقال من واحد إلى أخر إذا حدثت مشكلة ما أثناء الجراحة أو بعد الجراحة لكل من المتبرع والمريض المزروع له الكلية.
يبقى المريض فترة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام للمراقبة في المشفى ثم تتحول إلى رقابة مكثفة مدة ثلاثة أشهر في عيادة الزرع في المشفى خلال زيارات منتظمة ثم تتباعد فترات المراقبة الدورية شهرياً مدة سنة ثم تتباعد لتصبح كل ثلاثة أشهر أو أكثر للتأكد من عدم حصول اختلاطات مرضية.
وسوريا سباقة بين الدول العربية وحتى بين الكثير من الدول الأجنبية بإحداثها سجل وطني لمرضى القصور الكلوي وتقسيمها إلى عيادة كلية الأطفال وعيادة كلية الشباب ويوضح هذا السجل عدد المصابين من كل فئة ففي عيادة كلية الأطفال مثلاً يوجد *200 طفل مصاب بقصور كلوي منذ عام 2003 فقط وهم جميعاً بحاجة إلى زرع كلية والسبب الغالب لانتشار هذا المرض هو زواج الأقارب لذلك لفتح مثل هذا السجل أهمية خاصة حيث يظهر فيه كل البيانات عن المصابين والمنطقة التي يعالج فيها وتحمل كل حالة رقم ورمز خاص بها يستطيع الطبيب الإطلاع من خلال الكومبيوتر على كل حالة ومعطياتها أسبابها والعلاج التي حصلت عليه حتى أي لحظة من خلال أي كمبيوتر في أي زمان ومكان.
إن الذي يحصل ويجب أن يعرفه الجميع إن نقل الكلى وزرعها للمريض لا يتم على أنه نوع من الكماليات بل هي الضرورة الملحة لزرع الأعضاء لفئات لا تفيد معهم الأدوية وتعجز عن مساعدتهم أنواع الجراحات أو الأدوية المختلفة كحالات هبوط وظائف الكلى ذلك أن غسل الكلى لفترة معينة يضر هؤلاء المرضى ويبقى الأفضل والمطلب الوحيد الممكن لإنقاذ هذه الحالات هو زراعة الكلى.
على الرغم من أن سوريا كانت سباقة طبياً بعمليات قطف وزرع الكلية لمرضاها لكنها استقرت على ما كان يتم منذ سنين سابقة ولم تحاول تطوير أدواتها بالرغم من التطور الكبير الذي يحصل على مستوى العالم ويبقى الضغط الكبير على مشفى الكلية الجراحي كونه الوحيد من نوعه في سوريا الذي يستقبل جميع الحالات المرضى والإسعافية من جميع القطر مما يسبب له ضغطاً كبيراً ذلك لأن وجود مثل هذا المشفى ينبغي أن يكون أكثر تخصصية بموضوع قطف الكلية وزرعها فقط بدلاً من معالجة كافة أمراض الكلية من عمليات العلاج البسيطة إلى عمليات التفتيت وغسل الكلى ووجود مركز العناية المشددة وما يحويه من أجهزة تنفس صناعي وتجهيزات طبية متطورة مما يضيع عمل الأطباء بين عمليات العلاج البسيط للكلى وعلميات الزرع تعقيداً أو بحاجة لتركيز وعناية أكبر.
نجد وبهذا الموضوع رغم أن دولاً عربية كقطر مثلاً قد سبقتنا به بأشواط رغم أنها بدأت بهذا النوع من العمليات بعد سوريا بفترة زمنية فعندما تمت أول عملية زرع كلية بقطر عام 1986 حين تبرعت أخت لأختها هذا شجع وقتها مؤسسة حمد الطبية الحكومية على تكوين مجموعة من الأطباء وهيئة التمريض لمتابعة هذه الجراحة وتجهيز المريضة وتحضير أختها المتبرعة وهذا موضوع حديثنا حين تقتصر المؤسسة الطبية على القيام بعمليات زرع الأعضاء فقط يؤدي ذلك إلى إنجاح هذه المؤسسات بشكل أكبر حيث تنجح عمليات الزرع بنسبة تماثل نتائج الزراعة في المراكز العالمية المتطورة بهذا المجال لكن مازالت قضية ندرة الأعضاء البشرية اللازمة لزراعتها في أجساد المرضى بدل التالفة تمثل إشكالية كبرى تعرقل جهود المؤسسات الطبية كجهات علاجية تعمل على إنقاذ حياة أعداد من مرضاها وخصوصاً مع تزايد حالات الفشل الكلوي الحاد بمعدل مريضين كل أسبوع وبذكر الأرقام تظهر حجم وحقيقة المشكلة والتي تعود أسبابها الرئيسية لعدم توافر الأعضاء والبشرية اللازمة لزراعتها في أجساد المرضى يتحدث رئيس قسم زراعة الكلية في مشفى الكلية التخصصي: لدينا حوالي 150 إلى 200 مريض يومياً يجري غسيل الكلية لـ 154 مريض ثابت يومياً بمعدل جلستين أسبوعياً عدا الحالات الإسعافية أو الطارئة لغير المسجلين في البرنامج ويمكن أن يخفض هذا الرقم حتى النصف أو أكثر لمرضى تصلح حالاتهم الصحية العامة لزراعة الكلى وكل أسبوع يضاف إلى قائمة المرضى واحد أو اثنين لأن المريض المصاب بالفشل الكلوي يحتاج إلى ثلاث جلسات غسيل أسبوعياً تستغرق كل منها أربع ساعات تسبب لـه إرهاقاً شديداً يؤثر سلباً على بقية أجهزة جسده حتى أنه بعد فترة من إجراء عمليات الغسول الكلوي تسوء حالة المريض وتفشل هذه العمليات بإنقاذ حياته فيصبح بحاجة إلى زرع كلية له أو الموت.
في النهاية إن نسبة الإصابة بالقصور الكلوي تتراوح بين 100-150 إصابة لكل مليون شخص سنوياً وكيف بإمكان عملية تبرع بسيطة لا تؤذي متبرعيها بتقليص هذا العدد لكن الإشكالية الكبرى تكمن في أن عمليات زراعة الأعضاء تاخذ منحى يتناقص تدريجياً بسبب ندرة الأعضاء المتوافرة للزرع.
وما يجدر بنا ذكره إن العديد من مراكز معالجة القصور الكلوي يضطرون لاعتماد جلسة واحدة بدل جلستين أو ثلاث أي ما يكفي إبقاء المريض على قيد الحياة فقط ذلك لكي يفسح المجال لغيره كي يعيش، أضف إلى ذلك إن التكاليف الباهظة لعمليات الزرع لا يمكن أن تسددها مجتمعه نشاط جمعية خيرية هنا أو تبرع فاعل خير لأنه لهذا العمل بعده الإنساني الذي يحتاج إلى مؤازرة ومساندة الجميع والأهم التوجه إلى المتبرعين الذين هم في النتيجة بنوك أعضاء متنقلة لو أذكينا جذوة الخير والإنسانية بهم أصبحنا بهم أغنى بنوك العالم في مجال زراعة الأعضاء والشعب السوري عموماً شعب معطاء ولا أدل على ذلك من نداء يوجهه التلفزيون للمواطن من أجل التبرع بالدم حتى تجد بنك الدم عامراً بالمتبرعين وعلى ذلك ينبغي أن نقيس.
ثالثا- نوع جديد يمارس حديثاً يتم النقل فيه من شخص حي إلى آخر حي. والتي شكلت فتحاً جديداً في مجال العلاج الطبي الحديث الذي يتقدم يومياً ألا وهي زراعة النخاع الشوكي حيث يتم التبرع بجزء من النخاع العظمي علاجاً جديداً ومجدياً في حالات سرطان الدم.
وهذا النوع من العمليات لا يحتاج إلى مداخلة جراحية وهي أشبه ما تكون بعملية نقل الدم الأمر الذي يتطلب حصول تطابق تام بخلايا النخاع بين المتبرع والمتبرع لـه وغالباً احتمالات مثل هذا التطابق لا توجد إلا بين الأشقاء والشقيقات مما يبعدها حتماً عن مجال الاتجار والكسب المادي للمتبرع. أضف إلى ذلك أن المريض لا يمكث في المستشفى أكثر من يوم واحد دون أن تنخفض مناعته إلى الصفر أو تستدعي عزل المريض أو إخضاعه لأي علاج خاص بل إنه غالباً لا يحتاج إلى نقل صفائح دموية جديدة ولكن لابد أن نذكر أن نسبة نجاح هذه العمليات أكبر وأكثر نجاحاً إذا كان المريض المتبرع له أصغر سناً حيث يتقبل الخلايا الجديدة لتندمج مع الجسد الذي يكون في مرحلة النمو وإن كانت نسب نجاح هذه العمليات ليست عالية جداً لكنها تكفي لإعطاء الأمل لكثير من العائلات كي لا تفقد أحد من أفرادها بسبب مرض لم يصل الطب حتى الآن رغم كل تقدمه إلى علاج كامل له.

المبحث الثاني : نقل الأعضاء من إنسان متوفى: في هذاالمبحث رغم حساسيته من الناحية النفسيةبالنسبة لنا كبشرتاخذ العاطفة منحى كبير في حياتناالا ان اهميته العملية والطبية في الحقيقة تبقى اكبر
الفرع الأول : نقل الأعضاء من إنسان متوفى وفاةً طبيعية.
الفرع الثاني: نقل الأعضاء من إنسان متوفى وفاة دماغية.
إن الحصول على الأعضاء من الميت أهم ما يرفد موضوع نقل وغرس الأعضاء لتعدد الأعضاء التي يمكن الحصول عليها من جهة ومن جهة ثانية أهم ما يواجه عملية نقل الأعضاء من الأحياء الحفاظ على صحتهم وعمل باقي الأعضاء لكن إذا ما غادرت الروح هذا الجسد تحول إلى بنك كامل للأعضاء التي يمكن الاستفادة منها لإنقاذ أشخاص يرفدون المجتمع بخبراتهم ونشاطهم دون أن يعيقهم سبب صحي.
وبعملية تعداد بسيطة للأعضاء التي يمكن الحصول عليها من جسد المتوفى نعرف عدد الأشخاص الذين يمكن مساعدتهم وإعادتهم إلى أعضاء فعالين في المجتمع بدل أن يكونوا عالة عليه.
إن المسلك البشري وفق المعايير الأخلاقية والفكرية العامة متفقة بأن الحي أولى من الميت وإذا ما قال قائل الميت لـه حرمة في الشريعة فقد حرم التمثيل بالميت وأخذ عضو من أعضاء الميت تمثيل به وبالتالي يجب تحريم ذلك لكن إذا ما توقفت حياة شخص على الحصول على عضو من ميت وبالتالي عوده سليماً إلى المجتمع من باب الضرورات تبيح المحظورات بالتالي يمكن الحكم بجواز ذلك وهذا راي معظم رجال الشريعة والفقه

أولاً – أهم الأعضاء الممكن نقلها من إنسان متوفى:
أولاً : القرنية:
للعلم والتأكيد إن استئصال العين بشكل كامل أو جزء لا يشوه الميت.
البداية من عند الدكتور رضا سعيد مدير مشفى العيون الجراحي حيث أكد أنه تم إجراء 1500 عملية زراعة قرنية منذ عام 1998 وحتى الآن بشكل مجاني والأهم أنه يمكن الحصول على القرنية بعد الوفاة دون أي مشكلة حتى ثماني ساعات وتحفظ في سائل درجة حرارته 4 درجات ويمكن استعمالها لغاية 14 يوم بالحفظ وفي سوريا يتم الحصول على القرنيات حاجة سوريا من مصادر البنوك الأجنبية حيث يصل المبلغ المترتب على المريض للحصول على القرنية من البنوك الأجنبية من 900-1200 ألف دولار، وهذا المبلغ مشاركة فقط في قطف القرنية وحفظها وليس ثمنها وحاجة سوريا كبير أي ما يصل لحوالي 4000 مريض ويؤمن القطاع الحكومي قسماً كبيراً “أكبر كمية ممكنة والباقي يؤمنه القطاع الخاص حيث تبلغ كلفة العملية 80000 –110.000 ل.س في الخارج 3000-4000 دولار .
ويضيف الدكتور رضا إن العلميات في مشفى العيون تتم مجاناً إلا من كلفة بعض الأدوات اللازمة للعملية والتي لا تتجاوز 3000-5000 ل.س والسبب أن تلك الأدوات تستخدم لمرة واحدة ويجب التخلص منها بعد ذلك وتساهم الدولة مشكورة بدفع قسم من هذه المبالغ حيث تدفع أجرة الشحن والحفظ.
أما بالنسبة للإجراءات العملية لزرع القرنية هي عملية بسيطة جداً لا تحتاج إلى أكثر من طبيب عيون متمرن بشكل جيد والكادر الطبي من ممرضين وممرضات متوافر دون أن تحتاج إلى تقنيات معقدة أو صعبة والبروتوكولات ما بعد العلمية بروتوكول علاجي دون أن تحتاج أدوية ومتابعة لفترة طويلة بعد العملية.
لكن المشكلة الوحيدة هي بتوافر القرنيات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من الأموات الذين يتبرعون بها بعد وفاتهم لبنك العيون اذا لابد من ضرورة التوعية الجماهيرية بتقبل فكرة التبرع ليتمكن بنك العيون القيام بواجباته وتأمين حاجة الآلاف من المرضى.
لقد أنشأ بنك العيون بالمرسوم التشريعي رقم 204 لعام 1963م بهدف القيام بقطف القرنيات من المتبرعين السوريين حفظها وتوزيعها على المحتاجين إضافة إلى عمليات الزرع ومراقبة وتنظيم استيراد القرنيات وفحصها والموافقة على زرعها.
وبالنسبة للضوابط التي تحكم عمليات زرع القرنية بسيطة جداً تحتاج إلى قرنية سليمة، أيد خبيرة نسبياً وأي مشفى عنده غرفة عمليات عينية يقوم بها كأي عملية روتينية تحتاج إلى مراقبة ومتابعة وعندما يتحرك الرفض يتم علاجه بسرعة ويخرج المريض بنفس اليوم ويراجع بعد أسبوع ثم كل شهرين ونسبة النجاح عالية تصل إلى حد 95%.
هذا والأفضلية في تقديم العلاج للحالات الإسعافية والشباب خاصة إذا كانت الإصابة في العينين معاً.
في النهاية أرقام هامة لإحصاءات استثنائية: حيث بلغ عدد المسجلين لدى المشفى 5130 حالة منها 3100 إصابة مزدوجة أي بالعينين تم إجراء عملية زرع قرنية لعين واحدة ل،ـ 100 شخص ومن بين 2030 إصابة بعين واحدة تم إجراء عملية زرع قرنية لـ 500 شخص.
بعبارة أخرى إن كانت المشكلة عند المكفوف هي القرنية فالنجاح كبير جداً بتوافر القرنية يعود الكفيف لممارسة نشاطه الاجتماعي وبناء المجتمع الذي يحتاج لكل من مواطنيه.
ثانياً : الكلية:
لن نطيل الحديث هنا فقد تحدثنا عنها بوضوح كامل بقسم تبرع الحي بأعضاءه لكن المشكلة في أن تبرع الحي محدود جداً ومن المستحيل أن يكون كافياً لعلاج المرضى ويسد احتياجاتهم المتزايدة .ولكن لا يمكن الحصول على كلى جميع المتوفين ايضا لأنه لا بد من معايير خاصة لقطف الكلى والإفادة منها من المتوفون وهذه المعايير هي:
1- عدم وجود مرض كلوي مزمن.
2- عدم وجود ارتفاع ضغط شرياني.
3- عدم إصابة المتوفى بإلتهابات فيروسية مثل إلتهاب الكبد الوعائي.
4- عدم إصابته بفيروس نقص المناعة “الإيدز”
5- أن يكون عمر المتوفى أقل من عامين أو يزيد على 65 عام.

ثالثاً : صمامات القلب:
لقد انتشر هذا النوع من العمليات حالياً ويمارس في الدول الغربية بعمليات كبيرة التي تؤخذ من المتوفين ولا يشترط الإسراع بعملية الحصول عليها وتزرع لأشخاص يعانون أمراض قلبية مزمنة بحاجة إلى علاج فعال والحقيقة أن سبب ندرة هذه العمليات في بلدنا ليس فقرنا للأيد الخبيرة والتقنيات الحديثة إنما السبب الحقيقي يعود لعدم توفر هذه الصمامات في بلدنا .
وإن تمكن بعض الميسورين من شراءها بأسعار باهظة جداً من الخارج وتجرى لهم هذه العمليات في سوريا على أيدي أطباء سوريين بالتالي يقومون بتوفير مبالغ كبيرة من قيامهم بالسفر إلى تلك البلدان وتكاليف الإقامة في مشافيهم.
التقنيات الطبية موجودة والأيدي الطبية الخبيرة متوافرة يكفي بعض الوعي وتجاوز الفكر التقليدي بأن احترام الميت يكون بدفنه بعد الغسل والحفاظ عليها حتى من الخدش البسيط وضرورة الاقتناع بأهمية إعطاء الأمل لبعض الأشخاص لمن يزال في بداية حياته وقمة عطائه.
رابعاً : الرئة:
أهميتها تكمن في الدقة والشروط المحددة المطلوبة لنتمكن من الاستفادة منها اولا-أشخاص وأمراض رئوية محددة يمكن عندها زرع الرئة لهم:
1- أن يعاني المريض من مرض رئوي إنسدادي شديد.
2- أن يعاني المريض من مرض رئوي حاصر.
3- ارتفاع الضغط الرئوي البدائي أو الثانوي.
4- مرض الرئة القيحي.
وعمر المريض المراد زرع رئة له لا يشكل عائقاً في زراعة الرئة إذا كانت وظائفه القلبية والكبدية جيدة وقت الزراعة.
ثانيا-الموانع التي تقف أمام الاستفادة، من رئة المتبرع.
1- أن يكون عمر المتبرع يزيد عن 50 عام للذكور و 55 عام للإناث.
2- إذا كان المتبرع مصاباً بمرض تنفسي أو كان مدمناً للتدخين.
3- إذا لم تكن حالة الرئتين طبيعية بالاعتماد على النمط الطبي العام.
4- إصابة المتوفى بمرض صدري مؤذ للرئة أو تعرضه لاستنشاق غازات سامة.
بالنسبة للمتبرع لـه لابد أن يكون سليماً من الأعراض الكلوية والكبدية وسليماً من أي إعتلال في وظيفة القلب وطبعاً أن لا يكون مدخناً ومتجاوباً مع متابعة العلاج والإرشادات الطبية كما يجب.. وما يجب على كل الدول أن تتبعه كما السعودية إنشاء مركز خاص لزراعة الرئة يقوم بإعداد قائمة انتظار محلية ويقوم بتقسيمها إلى قائمة عاجلة وقائمة بسيطة وهكذا حال توفر الرئة المناسبة تعطى حسب الجداول المبينة والشروط الطبية من توافق حجم صدر المتبرع مع حجم صدر المتبرع له.
خامساً : زراعة الكبد:
وهي من العمليات الحديثة نسبياً مقارنة بزراعة باقي الأعضاء المذكورة سابقاً ولكنها منتشرة، والصين هي الدولة الأكبر التي تقوم بهذا النوع من العمليات يتجه إليها المرضى من كل أنحاء العالم حتى الأطباء الذين يمارسون هذه العمليات من كل الجنسيات ومن كل الدول العربية وذلك لتوفر التقنيات وحتى توفر أعداد كبيرة من المتبرعين بالكبد وحساسية الكبد وضرورة نقلة وزرعه بسرعة يجعل الصين الدولة الأولى بهذا النوع من العمليات.
ولا يوجد ما يمنع الاستفادة من كبد المتوفى المتبرع إلا إذا كان مدمناً على الكحول وبالتالي مصاب بتشمع الكبد أو أي مرض آخر إلتهابي يمنع الكبد من القيام بوظائفه بشكل جيد طبعاً والعمر أن لا يزيد عن 60 سنة.
ولابد من ذكر أنه الثقافة الاجتماعية المنتشرة في الصين كونها أقل دولة مستهلكة للكحول غالبية الأكباد المتبرع بها سليمة صالحة للزراعة والاستفادة منها.. لم يكتف التقدم العلمي عند هذا الحد بل تقدمه وتطور مازال سريعاً حتى أنه أصبح بالإمكان الاستفادة حتى من أمعاء المتوفى العظام البنكرياس وما يحصل اليوم الحصول على أنسجة المتوفى لزراعتها للأحياء والمحاولات الحديثة للعلماء الأمريكان بزرع الخلايا الإنسانية تتمتع بالقدرة على التحول والتكاثر والإفادة منها للحصول على نسج إنسانية مختلفة الأمر الذي يمهد لإنشاء بنك النسج الإنسانية.

الفرع ثاني : نقل الأعضاء من إنسان متوفى بوفاة دماغية:
الموت الدماغي مصطلح علمي حديث يطلق على حالة الوفاة “التوقف” لجميع خلايا الدماغ وبالتالي توقف جميع الحركات الإرادية والغير إرادية الصادرة من الدماغ بسبب عدم وصول الأكسجين للدماغ فترة طويلة “دقائق” يبقى القلب نابضاً فترة قصيرة ثم يتوقف إذا لم يوضح تحت أجهزة التنفس الصناعي التي تبقى أعضاء الجسد حية لكن دون الدماغ فيبقى المصاب في غيبوبة أغلب الحالات لم يفق منها أحد الجسد حي إلا بوجود أجهزة الإنعاش ويموت في حال قررت نزعها.
فرغم استمرار نشاط القلب إلا أنه طبياً موت نهائي يتم تأكيد ذلك من خلال غياب المنعكسات الشوكية يظهر ذلك من خلال التخطيط الدماغي الكهربائي.
وحتى لا تصبح قرارات الوفاة بيد البشر وضعت معايير عالمية للموت الدماغي هي الأكثر قبولاً لتلافي أي لبس في الحكم على الموت الدماغي للمريض حيث يجب مراعاة الحالات التالية:
1- استبعاد حالة التسمم الدوائي.
2- تجنب ألا يكون سباتاً عند الأطفال.
3- عدم وجود أفعال انعكاسية.
4- عدم وجود أدوية مثبطة.
5- عدم وجود آفة دماغية “ورم دماغي غير قابل للعلاج”.
ما يفيد في موضوع حالة الموت الدماغي هو ما يمكن لهذا المتوفى التبرع به ألا وهو القلب أهم أعضاء الإنسان للحياة بنبضة تبقى الحياة وبتوقفه توقف الحياة.
نميز المتوفى دماغياً عن غيره بتبرعه بعضو لا يستطيع أي متوفى أخر بشكل طبيعي التبرع به الا وهو القلب السبب أنه لتنمكن الاستفادة من تبرع بالقلب يجب أن نحصل عليه وهو ما يزال نابضاً في جسد صاحبه هنا قد تبدو المفارقة نقتل إنسان لنحصل على قلبه ناشط لإنقاذ إنسان أخر لذلك لابد من الحصول على رأي طبي نهائي حاسم لهذا الموضوع يؤكد موت الشخص رغم استمرار قلبه بالنبض.
إن هذا المفهوم وإن كان ليس منتشراً إلا أن ذلك لم يمنع إقتناع بعض الأفراد به بدليل حصول الكثير من حالات التبرع وموافقة أهل المصاب وإن كان اتخاذ مثل هذا القرار ليس سهلاً لنزع أجهزة الإنعاش إلا أنه في النهاية قرار يساعد الأهل والمصاب وفي الحقيقة ليس اكثر من الاعتراف بالواقع.
ولا بد من القول إن أغلب أسباب الوفاة الدماغية هي حوادث السير المنتشرة كثيراً في وقتنا الحاضر والشباب هي النسبة الأكبر بين الفئات العمرية لكن لا يزال هناك الكثير من الدول لا تجيز حالة الوفاة الدماغي مهما طالت مدة بقاء المريض في المشفى بحجة وجود حالات استثنائية لأشخاص استيقظوا حتى بعد ما يزيد على 10 سنين أو أكثر من الغيبوبة بالتالي لا يحق لنا حرمانهم حق الحياة فقط لعجز الطب عن علاجهم سريعاً أو أن يحق لنا قتلهم لأن غيرهم طالت مدة دخولهم بالغيبوبة في النهاية ماتوا.
في حين أن دول أخرى تجاوزت هذه الشكليات الطبية وأعلنت في قوانينها مدة محددة لاستمرار المريض تحت أجهزة التنفس الصناعي ليسمح للمشفى بإزالتها حتى رغم عدم موافقة الأهل حددت 5 سنوات فقط في بعض الولايات الامريكية.
أما بالنسبة لسوريا لا يوجد أي نص قانوني يبين حالة الموت الدماغي ومسؤولية المشفى أو الأهل في حال اتخاذهم أو عدم اتخاذهم مثل هذا القرار وبالتالي غير معترف بالوفاة الدماغية باعتبارها إحدى حالات الوفاة الشرعية او وفاة رسمية في حين أن السعودية أعلنتها حالة طبية موجودة يمكن للأطباء إعلانها حالة وفاة إذا توافرت فيها المعايير العالمية المقررة بمثل هذه الحالة.
وبالعودة لموضوعنا نجد أنه بمجرد السماح بإعلان الوفاة الدماغية يعني السماح بالتبرع بالقلب لذلك تجد أنه في السعودية وحدها كانت هناك 61 حالة تمت فيها الموافقة للتبرع بالقلب ثم زراعة ثمانية حالة القلب كاملا و 38 قلب للاستفادة منها كمصدر للصمامات البشرية بينما لم يتم الاستفادة من 15 حالة تبرع للأسباب التالية:
1- عدم وجود فريق الاستئصال الطبي في الوقت المناسب.
2- إصابة المتوفى بمرض إلتهاب الكبد الوبائي.
3- عدم تناسب عمر المتبرع مع حاجة المتبرع له.
4- حدوث توقف قلبي مفاجئ قبل الاستئصال بوقت قصير.
ويتطور هذا النوع من الجراحات ووصلت نسبة النجاح حتى 80% وحوالي 70% يعيشون لفترات أدناها 5 سنوات بعد عملية الزراعة من أشهر مراكز زراعة القلب معهد القلب بتكساس في أمريكا –فرنسا برلين حيث يقوم كل مركز بزراعة حوالي 50 قلب سنوياً وسبب شهرتها امتلاكها الفريق الطبي المؤهل لإجراء هذا النوع من العمليات إضافة إلى الفريق الطبي المسؤول عن عملية رعاية المريض بعد عملية الزراعة للقلب لضمان عدم رفض الجسم للعضو المزروع…………………

المبحث الثالث:
1- الاجهزة الصناعية
2- الاعضاء الحيوانية
3- فلسطين ومشكلة التبرع بالاعضاء
4- الاستنساخ البشري ونقل الاعضاء
اولا-الاجهزة الصناعية:
– موضوع لا يمكن لنا إغفاله هو موضوع الأجهزة الصناعية وهذا ما يطرحه البعض لما لا نستعين بالأجهزة الصناعية ونستغني عن نقل الأعضاء البشرية ونخرج من هذه الاشكالية العميقة فيجيب الطب بأسف شديد إن الأعضاء البشرية الاصطناعية لا تستطيع أن تقوم بوظيفة الأعضاء الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالى كل عضو منها معجزة من المعجزات الربانية التي لم يتمكن البشر حتى الآن من صنع ما يشبه هذه الأعضاء اصطناعياً ونذكر الكلى مثلاً حيث تجرى عملية الغسل الكلوي وهي عملية تقوم بأجزاء كبيرة من وظيفة الكلى لكنها لا تقوم بكل وظائف الكلى وهناك فرق كبير بين الشخص الذي يعيش على الكلى الصناعية والغسل الكلوي وبين الشخص الذي حصل على كلية مزروعة طبعاً كذلك بالنسبة للقلب ما تزال المحاولات كثيرة لصنع قلب صناعي لكن للأسف فشلت هذه المحاولات إلى الآن وأكثرها عاش مدة أسبوع أو أسبوعين لذلك إن الأجهزة الصناعية والتقنية الطبية لا زالت عاجزة عن أن تكون عوض عن الأعضاء الطبيعية.
ثانيا-الاعضاء الحيوانية:
لكن لا يعني هذا أن نلوم الطب وعجزه فالتقنيات الطبية والمحاولات لا تزال تتطور بشكل كبير حتى أن علماء اليوم يحاولون نقل الأعضاء من الحيوانات لزرعها في جسد الإنسان لكن ما يواجه العلماء مشكلتين:
المشكلة الأولى: رفض الجسد البشري لهذه الأعضاء يحاول العلماء عن طريق هندسة الجينات ربما في المستقبل القريب أي في حدود عشر سنوات أن يتم حل هذه المشكلة وخاصة أن الأعضاء الآن أصبحت نادرة من الأحياء والأموات لأن بعض الأعضاء لا نحصل عليها إلا من المتوفين وعدد المتبرعين أقل بكثير من عدد المحتاجين لهذه الأعضاء.
المشكلة الثانية: مشكلة أعضاء الحيوانات التي تحوي أمراض فيروسية مثل الخنزير على الرغم من أنها أكثر أعضاء الحيوانات تناسباً مع جسد الإنسان لكن تكمن الخطورة إذا انتقلت إلى الإنسان المزروع له هذا العضو وإمكان تحولها إلى وباء ينتقل بين البشر فالأبحاث مركزة بشكل مكثف لتكون تنمية هذه الحيوانات في بيئة أمنه ومحفوظة بشكل دقيق من الغزو الميكروبي أو الغزو الفيروسي هذه مجاهيل كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ولابد لها من بحث دقيق.
ثالثا- فلسطين ومشكلة التبرع بالأعضاء:
إن الظروف الخاصة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وأشكال المعاناة التي يعيشها جعلته يبحث عن كل جديد فيه محاولة لتخفيف هذه المعاناة وتقليل آثار القهر والإجرام الصهيوني ولما كان عدد الجرحى يزداد يوماً بعد يوم ومن بينهم عدد كبير ممن خلفت إصابته عجزاً دائماً بسبب خطورة الإصابات التي تعرضوا لها من قبل قوات البطش الصهيوني التي سعت وتسعى دوماً إلى إحداث عاهات وتشوهات في أجساد من لم يختارهم الله شهداء في سبيل إضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وكسر صموده لكن هيهات وإذا كان عدد الشهداء قد جاوز الثلاث آلاف من انتفاضة الأقصى فإن عدد الجرحى قد جاوز الخمس والأربعين ألفاً وإن عدد المعوقين منهم يتجاوز الخمس عشر ألف نسبة كبيرة منهم يعانون إعاقات خطيرة من حالات بتر الأطراف واستئصال الأعضاء لذلك أصبحت نقل الأعضاء من الناحية العملية ممكنة وناجحة. ذهب الفلسطينيون إلى التفكير بمشروع يهدف الاستفادة من أعضاء الشهداء المتبرعين لصالح المرضى والمحتاجين لمثل هذه الأعضاء وبالفعل فقد تنادى عدد من الأطباء والمحامين والمهندسين والأكاديميين وقرروا تأسيس جمعية أهلية تسعى إلى تنمية الوعي لدى المواطن الفلسطيني من أجل بناء الإنسان مقرها جنين وتتطلب هذه الأكاديمية في نشراتها الصحفية من ذوي الشهداء التبرع بأعضاء أبناءهم لإنقاذ حياة المرضى من أبناء الشعب الفلسطيني لا سيما أن غالبية الشهداء هم من جيل الشباب الذين تعتبر أعضاءهم مكتملة الحيوية.
رابعا- الاستنساخ البشري ونقل الأعضاء:
بعد حظر تجارب الاستنساخ على الإنسان ومنع إجراء الاستنساخ البشري في الغرب من قبل السلطات الكنيسة اتجه العلماء المختصون والعاملون في الهندسة الوراثية وحسب الخارطة الجينية إلى تقنية تكوين الأعضاء والأنسجة البشرية في المختبرات أو في الحيوانات الأخرى أو في الأرحام الصناعية للإفادة منها في العلاج أو نقلها وزرعها في الإنسان بعد تكييفها مناعياً وتقنياً ووظيفياً ووراثياً وبعد التغلب على مشكلة تقبل الجهاز المناعي للعضو الغريب عنه.
حاول العلماء التوجه إلى تقنية زراعة الخلايا بدلاً من المعطوبة أو ترقيع الأنسجة البشرية التالفة بأنسجة جديدة إنها والحالة هذه تقنية علاج وليست وسيلة لإنتاج الكائن البشري المستنسخ حيث البحوث مستمرة في عالم الوراثة بعيداً عن الزوبعات الإعلامية والمبالغات الصحفية فبحجة العبث بالنواميس حوربت الظاهرة وهي في طور التجريب لم تبرهن صحة النظرية عملياًبعد .
إن إنتاج أعضاء بشرية معدلة وراثياً في أرحام صناعية أو حيوانية أو استنساخ حيوانات بأعضاء بشرية ومورثات بشرية قادت إلى إنتاج بروتين bm3 لمعالجة الجلطة الدماغية ولعل نجاح العلماء في استنساخ بقرة هجينة تحمل أعضاء بشرية محسنة وراثياً وأنسجة معدلة صالحة للزراعة في البشر قد حققت أولى الخطوات في هذا السياق إن دراسة الجهاز المناعي للمريض ومدى تقبله للأعضاء الجديدة حسب التمايز والتغاير الوراثي والتنوع الجيني للكائنات ما تزال خارج السيطرة فالطريق طويل لمعرفة رد فعل أجهزة المناعة بسلسلة التفاعلات لإنتاج قلب أو كلية في جهاز مكيف لسلبية المناعية وهو أمر في غاية التعقيد لم تفك كل طلاسمه لأن الخارطة المناعية أصعب بكثير من الخارطة الجينية فسبحان الله.
آخر التطورات العلمية تشير إلى السعي لإنتاج خلايا جزعية تلاءم كل مريض لعدم رفضها في الجهاز المناعي غير أن هذه التقنية تعاني من سلبية نقل أمراض المتبرع إلى المستقبل أو تحويلها إلى خلايا سرطانية.
مخاوف وسلبيات التجارب الطبية وحقيقتها العلمية:
تطالب الجهات الصحية الدولية والسلطات المختصة بإعداد توصيات بأهمية الحصول على موافقة لجان مستقلة ومحايدة اجتماعية دينية طبية وعلمية وجهات حكومية وضرورة فحص آثار وسلبيات التجارب ومعرفة نتائج البحوث المشابهة لبيان مدى ملاءمتها للبشر وعدم وجود تأثيرات جانبية وآثار خطرة إذ يطالب بعض الأطباء بصرخة جماعية ضد إمكانية نقل أمراض وبائية كارثية وفيروسات مدمرة للحياة الإنسانية عند استعمال هذه التقنية من أمراض حيوانية وفيروسات تعيش في بيئة الحيوان لا نعرفها حيث يصف هذه الأمراض بالقاتلة الكونية كما أن هذه الجماعة الطبية تصر على ان بعض هذه الأمراض خفية وجديدة لم تكشف سابقاً ولا تعرف مدى خطورة الإخلال بالتوازن الطبيعي الذي سبب سابقاً كوارث مرضية مثل الإيدز جنون البقر إنفلونزا الدجاج وقد يسبب مرض تعطل جهاز المناعة لدى الإنسان مستقبلاً ما يعني موت الإنسان لأبسط طارئ حيث يتميز هذه الجهاز بالدقة والفعالية والصناعة الربانية الخلاقة التي جعلته يتطور ويتكيف بتمايز الأمراض وتغيير نوعيات العلاج والأدوية.
في النهاية أكدت الأنباء العلمية فشل التجارب العلمية لتقليل سلبية الجهاز المناعي وتقبله للأعضاء البديلة وهذا حدث في تجربة نقل أنسجة معدلة من قرد البابيون لمعالجة مرض الأيدز المصاب به وبعد التوصل إلى عقاقير فعالة للقضاء على المرض وركبت للمريض أنسجة بديلة جديدة لتكوين الدم كانت النتيجة موت المريض لرفض جهاز المناعي للأنسجة الجديدة والغريب المثير قي الموضوع هو موت القرد المتبرع.

الفصل الثاني
نقل الأعضاء البشرية من الناحية الشرعية
قبل الخوض في موقف الشريعة من زراعة الأعضاء يجدر التنويه إلى توافق الرأيين الشرعي للإسلام والمسيحية في هذا المضمار .
المبحث الأول : راي الفقه الاسلامي في نقل الاعضاء البشرية
وبداية من عند الدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي. إن الاشتراك بموضوع إنساني سام ما زالت إنسانيتنا تطمح إليه وليس من سبيل للوصول إليه إلا هذا التعاون الذي يشهده هذا التلاقي تلاقي الحكم الديني مع الطب مع القانون ولا شك أن الجامع المشترك بين هذه الجوانب هو الإنسانية ووقوفنا جميعاً تحت مظلة الإنسانية التي ينبغي أن تكون رعايتها وحمايتها هدفنا ولقد كان الدين ولا يزال خير رائد في هذا المضمار وبين الدكتور البوطي القواعد الفقهية العامة التي تعد المنطلق لأحكام زرع الأعضاء في الحالات المختلفة حيث تتركز في ثلاث قواعد فقهية عامة:
القاعدة الأولى: تتعلق بانقسام الحقوق إلى حقوق الله وحقوق العباد :
في الواقع الحقوق كلها لله ولكن اصطلح الفقهاء على تسمية للحقوق التي لا تجوز للإنسان أن يتصرف لها “حقوق الله” واصطلحوا على الحقوق التي يجوز للإنسان التصرف بها حقوق الإنسان فحق الحياة حق إلهي لا يعود للإنسان منه بشيء ولا يجوز للإنسان أن يتصرف بحياته أما الحقوق المتعلقة بما وراء الحياة وفروعها كالتصرف بالأعضاء العين الأذن القدرات هذه تسمى حقوق العباد لأن الإنسان يملك التصرف بها.
القاعدة الثانية: قاعدة الإيثار:
أو التي تسمى في الشريعة الإسلامية بنظرية الإيثار ليس للإنسان أن يؤثر غيره على نفسه في كل ما هو حق الله فلا يجوز لي أن أوثر أخي فيما لا أستطيع التصرف فيه ويشرع الإيثار في كل الحقوق التي متعنا الله بها وأقدرنا على التصرف بها سواء كان التصرف على وجه الامتلاك أو على وجه التمتع.
القاعدة الثالث:
إن هناك حقوق عينية وحقوق معنوية كما أن الحقوق المادية تورث فإن الحقوق العينية تورث والحقوق المعنوية كحق الكرامة يورث أيضاً هذه القواعد الثلاث هي منطلق هام ومباشر لما يتعلق بموضوع زرع الأعضاء واستفادة المريض من عضو شخص آخر.
والشريعة الإسلامية لم تحكم بكل الحالات التبرع بالأعضاء بل الأمر في ذلك مضبوط بضوابط تعود على المريض بالنفع لكنها بالمقابل تحفظ حياة المتبرع فالضرر لا يزال يمثله ويمكن تصور حالات التبرع والنقل في الشريعة الإسلامية في النقاط التالية:
1- التبرع بعضو تتوقف عليه الحياة.
2- التبرع بأعضاء لا تتوقف عليها الحياة.
3- تبرع الميت بأعضاءه.
4- نقل اعضاء الحيوانات للانسان
أولاَ : التبرع بعضو تتوقف عليه الحياة:
إن التبرع بعضو تتوقف عليه حياة الإنسان كالقلب والرئتين هو فعل محرم ويدخل تحت الانتحار الذي يحرمه الله تعالى فليس لمعصوم الدم التبرع بعضو يؤدي إلى وفاته في حال نزعه، فالشريعة الإسلامية تساوي بين الناس جميعاً في الإنسانية فالناس سواسية كأسنان المشط فلا اعتبار لحالة المريض الاجتماعية فلو احتاج رجل يتبوأ مركز اجتماعي مرموق أو أن يتمتع بخبرات علمية فريدة تنعكس على مجتمعه بالنفع فليس لنا أن نضحي بحياة شخص من أجل الإبقاء على حياته، فالشريعة الإسلامية حرمت إلقاء النفس في التهلكة بأية قرآنية واضحة {لا تلقوا بأيدكيم إلى التهلكة} البقرة 95.
لكن بالنسبة للمحكوم بالإعدام “غير معصوم الدم” فإن جمهور الفقهاء قال يجوز الاستفادة بعضو من أعضاءه أيا كان من أجل إنقاذ مريض ثبت بشهادة طبيبين مختصين أن هذا المريض ينجو من الهلاك إذا زرعنا في كيانه عضواً وهذا حكم مطلق سواء استلزم ذلك موت الشخص المستفاد منه أو لم يستلزم ذلك لأن حياته ليست في هذه الحالة مقدسة لأنه محكوم عليه بطبيعة الحال بالموت وهذا الموضوع ليس بحاجة للحديث بالتفاصيل وإذا ما قال قائل إن الكرامة الإنسانية تستوجب التوقف فنرد بالقول إن الكرامة الإنسانية موجودة لكن عندماحكم على هذا الشخص بالموت فإن هذه الكرامة تطوى.
ثانياً : التبرع بعضو لا تتوقف عليه حياة المتبرع:
قد يصاب أحدهم بآفة في كليته فتكون حياته معرضة للخطر أو قد يصاب بالعمى لخلل في قرينتي العين عنده أو أن يفسد عمل الكبد لديه.
الإسلام شرع التداوي بهذه الحالات بشرط أن يكون بما أباحه الله تعالى فقد ثبت عن النبي أنه قال “عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد هو الهرم”.
فعندما يكون استعمال الدواء مباحاً لكنه لا يفيد لبعض الأمراض حين تتعطل الكليتان عن العمل أو بتشمع الكبد فالعلاج الوحيد يكمن في زرع الكلية لمن تعطلت كليته عن العمل وزرع كبد لمن تشمع الكبد عنده .
وبتطور الطب في مجال زرع الأعضاء عن أول عملية ناجحة في زرع الكلى في منتصف الستينات بدأت عمليات زرع القلب الكبد البنكرياس وغيرها وقد أدى زرع الأعضاء إلى الشفاء من أمراض كانت مستعصية.
بالتالي عندما يكون بعمليات الزرع شفاء لأشخاص مصابين دون أن يؤدي إلى الإضرار بالمتبرع وصحته توافق الشريعة الإسلامية على ذلك لكن بعد التمييز بين حالتين:
1- عندما يكون المتبرع راشداً بالغاً ولي نفسه: في هذا الأمر لا خلاف إذ أن التبرع بعضو لمريض تضطر إلى غرس هذا العضو في جسده يعتبرها البعض عطاء في سبيل الله وهي عملية مباحة لكن اذا استوجبت هذه العملية وفاة المتبرع فلا يجوز إطلاقاً حتى ولو رضي المتبرع بذلك من هنا إذا شهد طبيبان اثنان إن انتقال هذا العضو سيؤدي على الراجح أو اليقين وفاة المتبرع فإنه يحرم على الطبيب ممارسة العمل لأن الإنسان لا يملك التصرف بحياته.
إذا شهد طبيبان مختصان أن انتقال هذا العضو من التبرع إلى المستفيد لا يؤثر على حياته وتبقى مستقرة على الراجح يجوز من حيث المبدأ التبرع شرط أن يرضى المتبرع بذلك ولا يجوز إجبار هذا الإنسان الراشد البالغ على أمر يتعارض مع عنصر الرضى لديه.
لكن لا مانع من التشجيع على التبرع كونها مسألة أخلاقية فيها دعوة على الإيثار وتحمل على مثل هذا العمل الذي كان من باب الصدقة أهم من صدقة المال .
2- عندما يكون المتبرع قاصر “صغير ناقص وعدم الأهلية كسبب عام” في هذه الحالة لابد من وجود ولي كونه ليس ولي نفسه لا في القانون ولا في الشريعة لا يجوز للولي الإنابة عن القاصر اذ ليس له حق التصرف حتى ولو قرر الأطباء وإن حياته ستبقى مستقرة قياساً على عدم صحة تبرع الولي بمال القاصر فمن باب أولى أنه لا يملك التصرف بأعضاءه إلا في حالة استثنائية وهي تبرع القاصر لشقيقه التوأم وغلبة الظن بنجاح العملية.
ثالثاً: تبرع الميت بأعضاءه:
في هذه الحالة تكمن المشكلة إذا كان الإنسان لا يملك جسده وأعضاءه في حال الحياة فكيف يجوز له التبرع بها بعد الوفاة والتبرع يقع على ما يملكه الإنسان.
في الحقيقة انقسم فقهاء الشريعة في هذا الموضوع إلى رأيين مختلفين:
الرأي الأول : معارض وبشدة:
اعترض فريق من الفقهاء على تبرع الإنسان بعد وفاته بأعضاءه بحجة عدم جواز تصرف الإنسان بجسمه أو أي جزء منه أو بجسم غيره لأنه تصرف لا يملك حق التصرف به والشريعة الإسلامية كرمت جسد الإنسان حياً وميتاً ونهت عن ابتذاله وتشويهه أو الاعتداء عليه بأي لون من ألوان الاعتداء ومن مظاهر هذا التكريم الأمر بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بعد الانتهاء ولقد كان من هدي رسول الله في غزواته أن لا يترك جسد إنسان ملقى على الأرض سواء كان لمسلم أو غير مسلم وقد حدث بدفن المشركين كما أمر بدفن شهداء المسلمين وفي حديث للرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر > كسر عظم الميت ككسره حياً< أي أن عقوبة من يعتدي على جسم الميت كعقوبة من يعتدي على جسم الحي.
لذا قال بعض العلماء بحرمة التبرع بشيء من أجزاء الجسد لا في الحياة ولا في الوفاة لأن الإنسان لا يملك التصرف في جسده لا في حالة الحياة ولا بعد وفاته كذلك ورثته أو غيرهم لا يملكون ذلك لأن الجسد لا يورث والذي يملك التصرف في جسد الإنسان هو خالق هذا الجسد وهو الله عز وجل.
قال فضيلة الشيخ الشعراوي “أما ما يقال على جواز التبرع بأجزاء الجسد في حالة الوفاة كيف صح معهم ذلك إذا كان يحرم على الإنسان الحي التبرع فإنه من باب أولى أن يكون ممنوع وحرام إذا مات، فالإنسان لا يملك جسده في الحياة فمن باب أولى أن لا يملك ورثته جسده بعد الوفاة.
الرأي الثاني : يجيز نقل الأعضاء البشرية وذلك على التفصيل التالي:
أصحاب هذا الرأي أجازوا قيام أهل الشهداء بالتبرع بأعضاءهم وكذلك المتوفون طبيعياً ومن الفقهاء المحدثين بجواز التبرع بالأعضاء سوء من الحي حال حياته أو بعد وفاته إذا أوصى هو بذلك أو أجاز ورثته ذلك استلهاماً من روح الآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيه (ومن أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) وأضاف إنما يمنع الورثة من التبرع إذا أوصى الميت في حياته بمنع ذلك فهذا من حقه ويجب إنفاذ وصيته فيما لا معصية فيه ويوافق على ذلك مفتي القدس والديار الفلسطينية فيقول بجواز التبرع بجميع الأعضاء باستثناء الأعضاء التناسلية ويجوز التبرع قبل الوفاة بأعضاء مكررة كالكلية وربط الجواز بعدم البيع لأن الإنسان مكرم عند الله ولا يخضع للبيع والشراء.
في موضوع جواز تبرع أولي أمر الشهداء بأعضاء ذويهم الشهداء فهو جائز لولي أمره وأقرب الناس إليه من دون وصاية الشهيد ويجدر أن نشجع دعوى بعض الهيئات والجمعيات التي تسعى إلى دفع الناس على التبرع بأعضاءهم وقد شجع عليها بعض الفقهاء وأجازوها شرعاً لأن الميت المتبرع سواء أكان شهيداً أم غير ذلك يكسب ثواباً وينفع مريضاً يمكن أن ينقذ حياته لكن هناك بعض الفقهاء يرى حرمة التبرع بأعضاء المتوفى من قبل أهليهم مالم يكن هناك وصية لأن هذا التصرف بالأعضاء يأتي من باب حرمة تصرف الغير فيما لا يملكون وأنه لابد من وصية واضحة تثبيت فيه التبرع بأعضاءه.
لابد من الإشارة إلى أن هذه القضية تبقى محل خلاف بين العلماء.
التبرع بالأعضاء يشبه التبرع بالدم فكلاهما جزء من جسم الإنسان المتبرع والجواز مقيد.
يقول فقهاء الشريعة : لقد قرر العلماء أنه لا مانع من زراعة الأعضاء وذلك يحدث عن طريق أمرين أن يتبرع الحي أو يتبرع الإنسان بجسمه بعد الوفاة إذا أصيب في حادث من الحوادث وإذا ما قال قائل كيف يتبرع الإنسان بعضو من جسمه خاصة وأن الجسم ملك الله تعالى فهل يتصرف الإنسان فيه فنقول كل شيء ملك الله (لله مافي السموات والأرض)، (ولله من في السموات ومن في الأرض)، (ولله ملك السموات والأرض)، المال أليس مال الله، الله تعالى يقول: (واتوهم من مال الله الذي آتاكم)، (ومما رزقناهم ينفقون)، (ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله)، فالمال فضل الله ورزق الله ومع هذا نحن نزكي بالمال نتبرع بالمال نتصرف بالمال صدقة جارية أو صدقة غير جارية صدقة مفروضة أو صدقة مندوبة فلماذا لا نتبرع بجزء من الجسم ألم يجز الناس من غير نكير بإباحة التبرع بالدم الدم جزء من الجسم ولا يحيا الجسم إلا بهذا الدم ومع هذا يجوز للإنسان أن يتبرع بدمه.
كما إن المرأة تتبرع بلبنها فقد ترضع طفلاً لأمرآة أخرى وهذا اللبن جزء منها فإن يتبرع الإنسان بجزء منه هذا جائز بشروط طبعاً وضوابط ولا يوجد دليل على التحريم والمحرم هو الذي عليه دليل إنما المباح ليس عليه دليل وإنما الأصل في الأشياء الإباحة فإذا كان يجوز للإنسان أن يتبرع بماله وبشيء من جسده كالدم واللبن وهو أثمن وأغلى إذا كان في ذلك منفعة للغير وليس فيه مضرة لي وهذا الشرط الوحيد الضروري فلم يجز أحد أن يتبرع الإنسان بالأعضاء الوحيدة للإنسان كالقلب أو الكبد ولا يجوز أن يتبرع بشيء يشوهه فلا يجوز أن يتبرع بيده إنما يتبرع بالأشياء الداخلية التي يمكن للإنسان أن يعيش ببعضها طبعاً لا يقبل التبرع إلا من واحد يفحص فحصاً جيداً ويعرف أن صحته جيدة وإن كليته التي سيتبرع بها لن تضره لأنه من المقرر شرعاً أن الضرر يزال قدر الإمكان والضرر لا يزال بالضرر مثله أو أكبر منه إذا نفعت غيري ولن أضر نفسي فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
فالعلماء الذين أجازوا هذا التبرع قالوا ذلك بشرط أن يترجح أن المريض سينتفع من هذا العضو طبعاً اليقين لا يعلمه إلا الله فهذا غيب ولا تدري نفس ما تكسب غداً إنما يكون عندنا حسب سنن الله حسب النظر في الأسباب والمسببات أن المريض سينتفع بهذا الأمر ويعيش مدة معقولة، إنما إذا كان يموت ونقوم بنقل عضو إليه فهذا لا يجوز لابد من أن يكون حسب السنن أن صحته جيدة ولا ينقصه إلا هذا الأمر وإذا أعطي له فسوف ينتفع به هذا حسب الظاهر لنا.
ونحن نحكم بالظواهر والله يتولى سره ونحن نعلم أن الأحكام العملية أحكام الفقه تبنى على غالب الظن ولا تبن على اليقين فنحن نحكم بشهادة اثنين وقد يكون أحدهما أو كليهما واهم أو كاذب فهذا احتمال قائم لكن الظن الغالب أنهما صادقان وحسب تزكية الناس لهما وحسب ظاهر أمرهما ونحن نحكم بغالب الظن وإذا قلنا جواز تبرع الحي بعضو من بدنه فهل هو جواز مطلق أو مقيد؟ والجواب بأنه جواز مقيد فلا يجوز له أن يتبرع بما يعود عليه بالضرر أو على أحد له حق عليه لازم ومن هنا لا يجوز أن يتبرع بعضو وحيد في الجسم كالقلب لأنه لا يعيش بدونه ولا يجوز لـه أن يزيل ضرر غيره بضرر نفسه، فالقاعدة الشرعية التي تقول الضرر يزال تقيدها قاعدة أخرى تقول الضرر لا يزال بالضرر وتفسيرها بأنه لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه ولهذا لا يجوز التبرع بالأعضاء الظاهرة في الجسم مثل الأيدي والأرجل لأنه هنا يزيل ضرر غيره بضرر مؤكد لنفسه لما وراء ذلك من تعطيل للمنفعة وتشويه للصورة وقد أجاز مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضاءه الأساسية واعتبر هذا العمل مشروعاً وحميداً إذا توفرت فيه شرائط كما أجاز من باب أولى أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً وقد أذن بذلك حال حياته.
يقول السيد الشيخ طنطاوي إن التبرع بعضو وبجزء من إنسان حي لإنسان آخر مثله جائز بشروط أهمها أن يصرح طبيب مسلم ثقة بأن نقل هذا العضو لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع وإنما يترتب عليه انقاذ حياة الشخص المتبرع له أو إنقاذه من مرض عضال وإنما قلنا لا يترتب على النقل ضرر بليغ لأن كل عضو من جسد الإنسان خلقه الله تعالى لفائدة فنقله لابد من ان يترتب عليه ضياع تلك الفائدة التي تتفاوت نسبتها من عضو إلى آخر.
ومن باب أولى إذا سمحنا بذلك للحي أن تسمح به للمتوفى التبرع بأعضاءه.
فشرعاً التبرع بالأعضاء للحي والمتوفى جائز بشرط لا يكون الجزء المنقول على سبيل البيع أو بمقابل لأن بيع الإنسان الحر أو بعضه باطل شرعاً.
التبرع مسموح بشروط لأنه للمتبرع نوع ولاية على ذاته في نطاق الآيتين الكريمتين (ولا تقتلوا أنفسكم) ، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
أما حكم نقل شيء من أعضاء الميت إلى الحي في نظر فريق العلماء أنه جائز إذا كان هذا النقل يؤدي إلى منفعة الإنسان المنقول إليه هذا العضو منفعته ضرورية لا يوجد بديل لها وأن يحكم بذلك الطبيب المختص الثقة ولكن يبغي أن يستأذن الورثة في ذلك وإن لم يكن للمتوفى ورثة لابد من أن نحصل على إذن النيابة العامة إلا أن هذا الإذن لا يكون ملزماً لأهل الاختصاص وهم الأطباء الثقات إذا رأوا أن حياة الإنسان الحي متوقفة على شيء من أعضاء هذا الإنسان الميت بناءً على القاعدة الفقهية المشهورة وهي “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف “والضرر الأشد هنا يتمثل في بقاء الإنسان الحي عرضة للمرض الشديد والهلاك المتوقع والضرر الأخف يتمثل في أخذ شيء من أجزاء الميت لعلاج الإنسان الحي .
واستناداً على ما قاله جمهور الفقهاء من جواز شق بطن الأم التي هي في حالة احتضار أو الموت لاستخراج جنين حي أو ترجى حياته ومن جواز شق بطن الآدمي بعد وفاته لاستخراج مال ابتلعه في حال حياته.
فإذا كنا نجيز هذا النقل في إنسان حي في الضرورات والقيود السابق ذكرها مع وجود الضرر الذي يلحق الإنسان الحي المنقول منه فمن باب أولى ان نجيزه في الحالات السابق ذكرها فيما يتعلق بإنسان ميت لا يترتب على نقل عضو منه ضرر ما وذلك بعد أخذ الإذن من ذويه ولكن الميت المجهول الهوية لا يجوز نقل أي عضو منه فجهل الهوية لا يبيح الحصول على الجثة.
قواعد ضابطة شرعية :
الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في هذه القضية نقل الاعضاء ليسا طرفين نقيضين لكن هذا لا يمنع قيام خلاف واضح بينهما من خلال المحورين التاليين:
أولاً: قاعدة الضرورة المبيحة للإجازة:
إن الضرورات تبيح المحظورات وما حرم على الإنسان أكله أو شربه أو تعاطيه بأية صورة يصح أن يتناوله أو يتعاطاه في حالة الضرورة كلحم الخنزير والخمر والعبادات لا تؤدى أو تؤدى قضاءفي حال عدم القدرة على أداءها في وقتها والشريعة الإسلامية والقانون الوضعي متفقان في هذه المسألة لكن كل الاختلاف يرد بينهما في تقرير حالة الضرر المبيحة لفعل المحظور فالضرورة هي توقي الهلاك أو الخوف من الهلاك وإن لم يكن ذلك حقيقاً ونقل الأعضاء تدرك حالة الضرورة وحدودها تقدر بواسطة خبرة فنية طبية متخصصة لها تقديرها واحترامها والثقة بأمانتها في العموم.
ثانياً : إشكالية تعريف مفهوم الموت:
نقل الأعضاء مسألة يتفرع عنها قضايا مهمة يبنى عليها التشخيص الكامل لهذه القضية التي مازالت حتى يومنا هذا في سجال وحوار بين رجال الفقه الشرعي والقانوني ومن المسائل المتفرعة عن قضية نقل الأعضاء مسألة الموت ودلالاته وتحديده وتعريفه حتى يبنى على أساس ذلك الحكم بنقل الأعضاء من هذا الشخص الذي حكم بوفاته. والموت ليس واقعة طبية فقط يقررها الطبيب وحده رغم أن مفهوم الموت طبياً يلتقي مع مفهومه الشرعي بأنه مفارقة الروح للجسد والتوقف عن العمل لكن في وقتنا الحاضر هناك من يعتبر موت القلب موتاًوغيره يكتفي بموت الدماغ والشريعة الإسلامية لا تعتبر الإنسان ميتاً إلا بعد أن تموت كافة حواسه حتى ولو كانت تعمل بالتنفس الاصطناعي وأجهزة الإنعاش وفي نظر القانون عبر عن الموت بانتهاء شخصية كانت معتبرة وضياع ذمة مالية وانتهاء قدره على التملك وعلى التعامل بيعاً وشراءً كذلك هو خلو منصب وفراغ عن عمل, وانقطاع القدرة على أداء تعهدات ,وانتقال ملك وتوزيعه على أفراد آخرين هذا يعني أن القانون اعترف بالموت الدماغي الذي لم تعترف به الشريعة الإسلامية اعترافاً قطعياً.
رابعا- الرأي الشرعي في نقل الأعضاء من الحيوانات إلى الإنسان:
الطب أثبت حالياً أنه يمكن الاستفادة من أعضاء الحيوانات أو بعض منها لكن المفارقة وقعت حين أثبت الطب أن أنسب الأعضاء هي أعضاء الخنزير والكلب لذلك من غير المستغرب انقسام الفقهاء في هذا الموضوع إلى قسمين:
الفريق الأول : يرفض ذلك لحجة نجاستها وأن القرآن الكريم اعتبرها رجس لا يحق لنا أكلها فكيف بزرع أعضاءها في جسد الإنسان.
الفريق الثاني: ومنهم الشيخ القرضاوي يقول لا ننكر الخلاف في هذه القضايا لكن الإمام مالك قال أن كل حي طاهر حتى الكلب وهناك من قال أنه حتى الخنزير طاهر فالإمام الشوكاني قال إن الخنزير طاهر وقوله تعالى (فإنه رجس) يقصد أن لحمه خبيث للأكل فقط فمن هذه الناحية هناك متسع في الفقه لتقبل زراعتها. من ناحية أخرى أن النجاسة التي يحملها في الباطن لا عبرة بها بدليل أن باطن الإنسان فيه البول والبراز وفيه الدم ولا عبرة بهذا فإذا أدخلت عضواً من حيوان نجس في داخل الجسم فهذا ليس له أثر في أحكام الطهارة التي تبنى عليها الصلاة أو غيرها وإن نظرة إلى كتب الفقه القديمة ككتاب الإمام النووي .منهاج الطالبين. وشرح منهاج الطالبين تحدثوا عن حالات زرع الأسنان وحالات وصل العظام إذا انكسر ولم يتجبر فمن الممكن أن يوصل بعظم إما من إنسان أو من حيوان مزكى أو غير مزكى ونجد فيها أحاديث كثيرة ومطولة فيها، كما تحدث الشيخ الزهراوي عن زراعة الأسنان وكيفية أخذ السن من عجل ومحاولة تصغير حجمه حتى يكون مناسب للسن الإنساني لمحاولة زرعها.
من فضل الله تبارك وتعالى علينا أنه منّ علينا بدين عظيم وشريعة رحبة تتسع لكل زمان ومكان هذه الشريعة بمقاصدها ومبادئها وقواعدها وأحكامها فيها الحل لكل مشكلة والعلاج لكل داء من صيدلية الإسلام نفسها هذا الدين العظيم شرعه خالق الإنسان وخالق هذا الكون وهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده (والله يعلم المفسد من المصلح) (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) من فضائل هذه الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم أنهااولا لم تنص على الأشياء في كثير من الأحيان بنصوص جزئية تفصيلية إنما نصت أو جاءت بنصوص كلية وقواعد هامة عامة ومن ناحية ثانية حتى الأمور التي فيها نصوص تفصيلية تتسع لأكثر من فهم وأكثر من تفسير من ناحية ثالثة فهي راعت الظروف الطارئة والضرورات العارضة للإنسان وقدرت لها قدرها من ناحية رابعة فقد قرر علماءها أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان العرف والحال من أجل هذا لم تضيق الشريعة بأي حادثة من الحوادث في أي بلد دخلت اليها رغم أنها خرجت من جزيرة العرب ودخلت بلاد الحضارات المختلفة في الشام في مصر في بلاد الفرس وبلاد الروم بلاد الفراعنة وبلاد الهند وحكمت بلاداً شتى وما ضاقت بأي واقعة لأنها شريعة خصبة ومن ذلك نقول أن الفقه الطبي في عصرنا فقه ثري يواكب معطيات هذا العصر ومتطلباته.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتقاة نتقيها ورقى نسترقيها هل ترد من قدر الله شيئاً فقال :<هي من قدر الله،> هذا الجواب النبوي غاية في الحكمة والروعة لأن الكثير من الناس يظنون أن المسببات من قدر الله والأسباب ليست من قدر الله، الله هو الذي قدر السبب وقدر المسبب وشرع لك أن تدفع الأسباب بعضها ببعض .والأقدار بعضها ببعض .الدواء قدر والداء قدر ادفع قدر الداء بقدر الدواء ومن هنا وصلت إلى نتيجة هامة مشروعية التداوي بأي سبيل ممكن دون الإضرار بالغير وهذا يفهم بيسر من الشريعة الإسلامية .
المبحث الثاني : رأي الكنيسة وموقفها من زراعة الأعضاء البشرية:
في البداية لابد من ذكر الإيضاحات التالية:
1- لا توجد عند المسيحيين مصادر متفق عليها تتناول القضايا الطبية والعلمية المعاصرة مثل زرع الأعضاء الهندسة الوراثية الموت الرحيم وغيرها لكن توجد مصادر في كل الكنائس بمختلف اللغات كتبها بعض رجال الدين من كل الدرجات والمراتب أو علماء أعطوا هذه المواضيع في كتاباتهم صبغة دينية.
2- الكنيسة الكاثوليكية لها موقف واضح وموحد بين كل الكنائس وقد أصدرت أكثر من بيان في القضايا الطبية والعلمية المذكورة وتأتي هذه البيانات نتيجة أبحاث ودراسات يقوم بها المختصون بتكليف رسمي من قبل الفاتيكان وعندما تصدر عن قداسة البابا تلتزم الكنيسة الكاثوليكية فقط بما يصدر عنها أما بقية الكنائس فتبقى حرة في قرارها بخصوص هذا الالتزام.
3- في كل كنيسة يوجد من يتبنى آراء متطرفة غير مقبولة من المرجعيات الكنسية وما يعلن في وسائل الإعلام عن هذه المجموعات ومالها من نشاطات لا علاقة لها بالكنائس الميسحية رغم أنهم مسيحيون وبعض الأحيان يتقدمهم رجال دين من درجات عالية.
في النهاية كل ما سوف يرى في مداخلتي هذه عن رأي الكنيسة بموضوع زرع الأعضاء اجتهاد شخصي اعتمدت فيها آراء بعض رجال الدين من مراتب ودرجات مختلفة الذين قابلتهم اواتطلعت على بعض مقالتهم وكان لآرائهم الإسهام الأكبر في دعم موضوعي.
ولابد من ذكران موقف الكنيسة في هذا الموضوع موقف مشترك مضاف إلى قائمة المشتركات بين جميع الطوائف المسيحية لأن الشرائع جميعها تريد خدمة الإنسانية وخدمة الإنسان فلا يمكن أن تهدف شريعة إلى خدمة الإنسانية وتحجب ما يخدم الإنسان ويعتبر في صالحه.
فقد أجازت الكنيسة نقل الدم وزرع الجلد وهما إجراءان يصبان في مصلحة المتبرع إليه وليس المتبرع لكنها بما أنهالا تؤذي المتبرع أو تضر بصحته ضرراً بليغاً فهي عملية مسموح بها ومشجع عليها.
فيما يتعلق بموضوع الحصول على الأعضاء من المتوفين فهو أمر أقرته الكنيسة وليس هناك أي اعتراض من وجه نظر الكنيسة لأنه ليس للميت أن يستفيد من هذه الخيرات التي كان يتمتع بها إضافة إلى أن أعضاء الإنسان بعد الموت كلها معرضة للدود في آخر المطاف وتتحول إلى تراب أليس من الأفضل أن تنتقل أعضاء الإنسان بعد موته إلى إنسان آخر مهدد بالخطر والموت وقد أقر البابا الثاني عشر بإمكان زراعة أعضاء في سبيل سلامة الجسد إضافة إلى أن قداسته تبرع بقرنيته بعد وفاته لشخص بالذات أو للخير العام …ومن حديث للمطران إيسيدور بطيخة. إن الإنسان كان وسيبقى أهم عناوين خلق الله تعالى وأن سلامته هي هاجس مشترك وكل ما من شأنه أن يحمي حياته وإنسانيته نعترف بأنه محط سعينا وموضوع عملنا.
وبما أن الحكمة البشرية تعترف بأنه يمكن أن يتخلص الإنسان من عضو مريض لينقذ حياته كان هذا الاعتراف بداية انطلاق علم الجراحة وعلى هذا الأساس تم التبرير بسماح بتر الأعضاء المصابة بالغرغرينا وقد وافقت المرجعيات الدينية على هذا النوع من الجراحة تحت مبدأ يرجح خير الكل على خير الجزء هذه القضية القديمة كشفت مبدأين أخلاقيين أساسيين:
1- اعتبار سلامة الجسد البشري أمراً جوهرياً وحماية هذه السلامة واجبة بالضرورة وهذا يقتضي الحفاظ على سلامة الأعضاء.
2- الحياة البشرية لا تنهض وتستمر إلا حين يتمتع الإنسان بصحة جيدة وهي نعمة ثمينة من السماء وللحفاظ عليها يمكن أن نضحي بطرف مريض أو عضو يمكن الاستغناء عنه من أجل الغاية الفضلى وهي إنقاذ هذه الصحة لإنقاذ الحياة.
أما فيما يتعلق بزرع الأعضاء التي تؤخذ من الجثث مثل هذه القضية النفسية الأخلاقية لا يمكن للعالم ان يبحث فيها بعيداً عن الفكر الديني الذي نحا فيها منحيين:
أ- التفكير في معنى سلامة الجسد.
ب- تعزيز الغيرية والتعاضد الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
فقد اعترف مجلس الأساقفة الكاثوليك بأن أخذ الأعضاء من كائن حي وسليم هو جرح لسلامة الجسد لكن هذا الجرح يتم بموافقة الإنسان المتبرع والمتبرع من أجله فهو مشروط بالموافقة وأضاف المجلس أن المحبة هي التي يمكن أن تفهم من مثل هذا النشاط في المجتمع. وجهة النظر المسيحية تحديداً أن يحب الانسان حياته ويحميها ساعياً دوماً إلى ذلك ولكن من واجباته أيضاً أن يحب الآخرين ويهتم بحياة الآخر ففي حزيران 1990 م أثناءانعقاد مؤتمر هيئة تبادل الأعضاء صرح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بقوله :<على المرء منح جزء من نفسه من دمه من جسده لكي يستطيع آخرون أن يبقوا على قيد الحياة>.
فالجميع يعلم أن الإنسان مجموعة من الأعضاء علمياً تعتبر بعض الأعضاء حيوية أي لا يمكن أن تقوم حياة الإنسان بدون هذه الأعضاء الحيوية مثل الكبد والقلب والرئتان الكليتان فالإنسان يستطيع العيش بدون يدين أو رجلين لكن لا يستطيع أن يحيا دون قلب وقد تطرق الكتاب المقدس إلى موضوع الأعضاء في الجسد في رسالة بولس الرسول الاولى الى أهل كورنثوس فقد بين بأن الجسد ليس عضواً واحداً بل أعضاء كثيرة وله قول قمة الوضوح في ربط الأعضاء بعضها مع بعض في جسد واحد يقول: (إن قالت الرجل لأني لست يداً لست من الجسد أفلم تكن لذلك من الجسد وإن قالت الأذن لأني لست عيناً لست من الجسد فلم تكن ذلك من الجسد لو كان كل الجسد عيناً فأين السمع لو كان الكل سمعاً فأين الشم وأما الآن فقد وضع الله الأعضاء كل واحد منها في الجسد كما أراد ولكن لو كان جميعها عضواً واحداً فأين الجسد فالآن أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة إليك أو الرأس أيضاً للرجلين لا حاجة لي إليكما بل الأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل والأعضاء القبيحة فينالها جمال أفضل وأما الجميلة فينا فليس بها احتياج لكن الله مزج الجسد معطياً الناقص كرامة أفضل لكي لا يكون إنشقاق في الجسد بل تهتم الأعضاء اهتماماً واحداً بعضها لبعض فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه وإن كان عضواً واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه).
ففي رأي بولس الرسول أن لا عضو يقوم مقام العضو الآخر ولا عضو يستقوي على عضو آخر وليس لعضو أن ينفي حاجة الواحد للآخروتوجد أعضاء تظهر ضعيفة لكنها ضرورية وأعضاء نحسبها نحن بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل المهم في وحدة الأعضاء.. الذي حصل انه اليوم بعد التقدم العلمي الكبير خاصة في مجال الجراحة وعلم المناعة تمكن العقل البشري أن يتغلب على مشكلة الفشل الوظيفي للعديد من الأعضاء الحيوية وحصلت نجاحات نقل أعضاء حيوية سليمة من إنسان حي أو متوفى إلى إنسان آخر فشلت بعض أعضاءه الوظيفية.
لذلك حتى اليوم لم تبدي أي جهة كنسية مسيحية رفضها زرع الأعضاء، فأكثر الكنائس تعتقد بأن عملية إنقاذ حياة إنسان مهدد بالخطر أو الموت لا يتعارض مع التعاليم المسيحية، فاستخدام العقل البشري من خلال التجارب العلمية لأجل حياة الإنسان أمرا يتماشى مع التعاليم الدينية والعلم السليم يصعد عليه الإنسان إلى ملكوت الله، مار أفرام السرياني من علماء الدين المسيحي يقول: (اللهم امنح العلم لمن يحب العلم والمعلم الذي يعلم حسناً أجعله عظيماً في ملكوتك). فكما سمحت الكنيسة باستخدام العقاقير والأدوية كذلك تسمح بنقل الأعضاء وزراعتها.
وفي هذا المجال تسمح الكنيسة أيضاً بالتبرع بالأعضاء لأنها تعتبر المحبة قمة الفضائل، فالسيد المسيح أكد لتلاميذته بأن وصيته” أن تحبوا بعضكم بعض كما أحببتكم” والحب الأعظم في نظره هو (أن يضع أحد نفسه لأجل أحباءه) والمسيحيين يؤكدون من خلال تعاملهم عبارة
< الله محبة> فمن خلال هذا الطرح الجديد لمفهوم المحبة نرى بأن التبرع بالأعضاء هو قمة المحبة التي يمكن أن تتجلى في حياة الإنسان، يوحنا الرسول يوصينا قائلاً: (يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق).
فعندما يكون التبرع بالأعضاء هدفه المحبة فقط والرغبة في مساعدة الآخرين والتخفيف من آلامهم فهو ليس مسموح به فقط من قبل الكنيسة بل مشجع عليه لكن إذا أصبحت هذه العمليات مقابل ثمن وهدفها البيع والشراء فهذا العمل حرام وممنوع لأن البيع والشراء يقع على ما يملكه الإنسان والإنسان يملك ما يصنع فتراه هل هو من صنع جسده وأعضاءه ليبيعه ويقبض ثمنه طبعاً لا، لكن عندما يتبرع بما وهبه الرب ليسعده في الحياة رغبة منه في محاولة مساعدة الآخرين وإسعادهم فهذا قمة العطاء وقمة المحبة.
قال السيد المسيح عليه السلام :< أي حب أعظم من بذل الإنسان نفسه لقرينه>.
أما موضوع زراعة أعضاء الحيوانات في جسد الإنسان فالكنيسة لا تمانع إذا كان من الممكن الاستفادة لأن الحيوانات خلقت لأجل الاستفادة منها من لحومها من جلدها بالتالي لا مانع من الاستفادة من أعضاءها لشفاء الإنسان من أمراض مستعصية
الخلاصة : في النهاية يمكن القول أن التعاليم الدينية تسمح بنقل الأعضاء البشرية من حيث المبدأ تبرعاً، ولكن لابد من مراعاة شروط معينة: للإنسان ملكية في جسده ويستطيع التصرف به فهو يمارس بعض الأمور والأعمال الرياضية تناول الطعام حلق اللحية وهي أعمال مسموح بها لأنها تصب في صالحة الشيء الوحيد الغير مسموح به التصرف هوالحياة وهذا الحق لا يمكن تجاوزه لا ينبغي للإنسان أن يتصرف ويشوه خلقته الإنسانية من دون مبرر.
وقاعدة الضرر يجب أن تشمل المريض المتبرع له. والمتبرع. والطبيب.
تجارة الأعضاء غير شرعية أما فكرة العوض المادي لمتبرع فقير محتاج على سبيل الشكر مسموح بها ضمن هذه الشروط فقط.
-الاستنساخ من ناحية شرعية:
بعد هذا العرض البسيط عن زراعة الأعضاء ورأي كل من الشرع الإسلامي والكنيسة أجد نفسي مضطرة للحديث ولو ذكر بسيط عن موضوع الاستنساخ بسبب ما يدعيه البعض من حجة الاستنساخ بأنها عملية استنساخ أعضاء لزرعها في الإنسان.
إن مداخلتي هذه لا تبحث في الاستنساخ باعتباره عملاً علمياً له تقنيات خاصة بل على أنه عمل إنساني يتدخل في الشأن الإلهي خاصة عندما يتعلق الأمر باستنساخ البشر.. الشريعة الإسلامية والكنيسة لا تملك الصلاحيات في المجتمعات التي تعيش فيها بفرض عقوبات صارمة على العاملين في مجالات إجراء التجارب لاستنساخ أجنة بشرية ولكنها تستطيع أن تعلن وبأعلى صوتها اعتماداً على التعاليم في الكتب المقدسة بأن تجارب استنساخ أجنة بشرية هي ضد عملية الخلق التي هي من الشأن الإلهي. الأديان جميعها تستنكر وتشجب استنساخ البشر:
أولاً: لأنها ترى بأن الآراء الطبية والعلمية والإنسانية معظمها تقف ضد الاستنساخ البشري وتعتبره غير جائز في جميع النواحي خاصة الأخلاقية والاجتماعية.
ثانياً: وهو الأهم لأنها ترى بأن استنساخ البشر كطريقة للمشاركة بالخلق فيه تناقض واضح للمبادئ الكتابية التي تتحدث عن الخلق من خلال الزواج، فاستنساخ البشر يتهجم مباشرة على نزاهة الكائن البشري ومشروع الله المشاركة بالخلق.
أما استنساخ الحيوانات والنباتات فلا تشجعه أو تشجبه في كل الحالات فقط إذا كان استنساخ الحيوان والنبات يهدد ما خلق الله ووضعه تحت سلطان الإنسان فهو مرفوض ومستنكر.
أما استخدام الاستنساخ لعلاج الخلايا الأصلية الجينية فهنا لابد من ضرورة استمرار التفكير بها.
في النهاية ما تشهده البشرية اليوم والعالم بأجمعه من تقدم سريع ومطرد في كافة شؤون الحياة وفي مختلف جوانب النشاط البشري هذا التطور العلمي والتقدم المعرفي يدفع إلى الواقع بمعطيات جديدة لم تكن في السابق تفرض على المؤمن أن يتعامل معها أما تفاعلاً إيجابياً أو سلبياً أما بالقبول أو بالرد أو بالقبول المقيد، هذا الأمر يلقي بتبعية كبيرة وعظيمة على رجال الدين بأن يخرجوا للناس بفقه معاصر يلبي الاحتياجات يتماشى مع العصر ومع الواقع شريطة ألا يمس بأصول وقواعد الأديان السامية.

الفصل الثالث
نقل الأعضاء البشرية من الناحية القانونية
المبحث الأول : نقل الأعضاء البشرية في القانون السوري.
المبحث الثاني : بيع الأعضاء البشرية في ميزان القانون .
المبحث الثالث : التجارة بالأعضاء البشرية بين الواقع و القانون عربياً ودولياً

يعتبر التبرع من الأعمال القائمة في سبيل الخير لأنها من قبيل العطاء دون مقابل وتفضيل الغير على النفس فتغدو من أجل الأفعال التي يقوم بها الإنسان في سبيل الخير. ومشروعية التبرع مستمدة أساساً من مبادء وتعاليم الديانات السماوية إذ شرع الله التبرع لما فيه من تأليف بين القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس لكن هل هناك فارق بين موقف الشريعة والطب والقانون في موضوع نقل الأعضاء زراعتها والتبرع بها هنا لابد من طرح نقطتين:
أولاً: من يملك جسد الإنسان الأمر المتفق عليه في جميع الأديان أن الجسد هو ملك الله تعالى والله وحده هو الذي يقدر أن يهبه أو يأخذه .
أما في القانون: ينطلق من كون الإنسان يمتلك جسده ويحق له أن يتصرف فيه لنفعه أو لأمور أخرى.
ثانياً: الانتحار في الأديان جميعها فعل حرام يعاقب عليه حتى لو كانت محاولة أما القانون لم ينص على عقوبة على الانتحار أو المحاولة حتى قطع الأصبع لا يعاقب عليه في القانون ولكن في الدين أيضاً حرام ويعاقب عليها.
المشرع القانوني عامة لاحظ أن الشخص المحكوم بالإعدام من حق الدولة أن تأخذ أعضاءه في حين رفض الفقهاء هذا الأمر وعلقوا الأمر على إعلانه بوصية شرعية رسمية في ذلك في النهاية هي مسألة أخلاقية تختلف من شعب لأخر.
لكن هذا لا يعني أن هنالك خلافاً مطلقاً بين الدين والقانون فالقانون بجزء كبير منه يستمد من الشريعة:
أولاً: القانون والشريعة يهدفان إلى تكريم الإنسان وحماية حقوقه وخصوصاً أقدس حقوق الإنسان وهي الحرية الشخصية والتي تتمثل في حرية الرأي لدى الإنسان في أن يفعل ما يريد أو أن يمتنع عن فعل ما يريد ضمن الحدود التي يمنحها القانون وفي نطاق ما يتعلق بحرية الآخرين والمجتمع الإنساني عامة وهنا نقترب من لب بحثنا أفليس من حرية الرأي أن يتمتع الإنسان بجسمه على الوجه الذي يريد تقوية أو تضعيف تجميل أو تبشيع إشفاء أو إمراض بالتالي تبرعه بأعضاءه في حال حياته أو حتى بعد مماته من الناحية القانونية أمراً تابعاً له وحده فقط ليقرر ما يراه مناسباً المشكلة الأساسية التي تثيرها هذه العمليات تتعلق أساساً بمدى مشروعيتها في ظل قوانين العقوبات والقوانين المكملة له فزرع الأعضاء يفترض وجود مريض يحتاج لنقل عضو من جسم شخص آخر حيث لم تعد باقي وسائل العلاج تجدي نفعاً معه ولم يبق أمل إلا بزرع عضو له ولا صعوبة في إباحة زرع العضو في جسم المريض لعلاجه لأنها من وسائل العلاج الطبية له ومن ثم يتوافر سبب من أسباب الإباحة لكن المشكلة بعملية البيع اوالتبرع بهذه الاعضاء.
ويستلزم زرع الأعضاء الحصول على الأعضاء اللازمة من مصدرها الأولي وهو الإنسان سواء كان حياً أم ميتاً فإذا كان العضو المراد زرعه يجب الحصول عليه من جسم الإنسان فإن التساؤل يثور عن مدى مشروعية ذلك فاستقطاع عضو من جسم إنساني حي لا يكون بقصد علاج المتنازل ولا يعود عليه بأي منفعة بل إن احتمالات الضرر لا تتلاشى تماماً ومن ثم من اللجوء إلى القواعد العامة من أسباب الإباحة وخصوصاً مدى صلاحية رضاء المجني عليه باعتباره سبباً من أسباب الإباحة للحصول على هذا العضو وإذا كان الحصول على الأعضاء اللازمة يمكن أن يكون من جثة ميت فإن المشكلة تكون أقل صعوبة ولكن رغم ذلك الحصول على الأجزاء اللازمة يجب أن تخضع لضوابط احترماً لجثة الميت.
ونظراً لأهمية المشكلة وإلحاحها من الناحية العملية والعلمية فقد حرصت بعض البلاد العربية على إصدار تشريعات خاصة بهذا الموضوع وتلك التشريعات إما أنها تواجه مشكلة زرع الأعضاء برمتها مثل القانون السوري وإما أنها تواجه صور الزرع الأكثر انتشاراً والتي ثبت نجاحها وتخطيها التجارب الطبية مثل القانون الكويتي.
المبحث الأول : نقل الأعضاء البشرية في القانون السوري:
نظم المشرع السوري* موضوع نقل وغرس أعضاء الجسم البشري منذ عام 1972 بالقانون رقم 31 وبذلك فإن هذا المشروع كان سباقاً في هذا المضمار بين الدول العربية بل وحتى كثير من الدول الأجنبية المتقدمة فقد أقر نصوصاً محددة وخاصة لتعالج هذا الموضوع وتحديد التزامات أطرافه وبين طرق العمل الواجب الأخذ بها ولم يقف المشروع عند هذا الحد فقد راعى التطورات الحديثة وعندما شعر بقصور القانون القديم سارع إلى إصدار القانون الجديد رقم 30 لعام 2003م ملبياً احتياجات متعددة أهمها الاحتياجات الإنسانية والطبية.
إذاً التعرض لنصوص القانون السوري في مجال نقل الأعضاء البشرية يتطلب تقسيم الدراسة إلى ثلاثة نقاط قانونية أساسية:
الفرع الأول : النقل والغرس من الشخص ذاته.
الفرع الثاني: النقل والغرس من حي إلى آخر.
الفرع الثالث : النقل والغرس من ميت إلى حي.

*يقصد بالقانون الجديد القانون رقم 30 لعام 2003 و يقصد بالقانون القديم القانون رقم 31 لعام 1972 و تعديلاته

الفرع الأول : النقل من الشخص ذاته:
أجاز المشرع نقل عضو أو نسيج من وإلى الشخص نفسه دون قيود تذكر كما في عمليات تطعيم الجلد والعظم وترك تقدير ذلك للطبيب الجراح المعالج ففي هذا المجال من العمليات سمح بها المشرع على إطلاقها على أن يقدر الطبيب الجراح كل حالة بما يناسبها حتى إن المشرع لم يقيد الجراح بموافقة الأهل أو المصاب المادة 2/أ من القانون رقم 30 لعام 2003 م.
وإن كنا نجد بعض الخلل في صياغة هذه المادة بتصنيفها كحالة نقل الأعضاء في شخص حي إلى آخر لأنه هنا يتم النقل إلى الشخص نفسه وليس إلى حي آخر.
الفرع الثاني : النقل والغرس من حي إلى حي:
يمكن أن نقول أن هذه الحالة هي أهم موضوعات نقل الأعضاء لما يترتب على عمليات النقل هذه من أخطار تهدد المتبرع وقد تعرض حياته للخطر والقانون متفق مع الشريعة اتفاقاً تاماً بأنه لا يسمح لأي شخص بإيذاء نفسه حتى لو كان الهدف إنقاذ حياة أخرى لذلك نجد المشرع وضع ضوابط لعملية النقل هذه يمكن تعدادها بـ:
1- لم يسمح المشرع بعمليات النقل على الأعضاء الأساسية للحياة وهي الأعضاء التي تستحيل الحياة بدونها كالقلب والرئة دون أن يهتم المشرع برغبة المتبرع أو حتى هدفه بأنه إنقاذ لحياة الغير المادة 2/ب/1القانون الجديد فلا يمكن أن يسمح المشرع لأحد بقتل نفسه.
2- في القانون القديم رقم 31 لعام 1972 م نص المشرع السوري على أن عمليات النقل هذه يجب أن تتم على أيدي رؤساء الأقسام في المشافي التي تحددها وزارة الصحة فقط رغبة من المشرع التأكيد على أن لا تكون هذه العمليات مفتوحة لأي طبيب يريد القيام بها وبالتالي الحفاظ على صحة المريض وإن كان القانون الجديد رقم 30لعام 2003م في المادة/1/ لم ينص على ذلك لكنه شدد على أن يكون اختصاصي.
3- اشتراط المشرع الحصول على موافقة المتبرع بالتبرع وشدد في شروط هذه الموافقة بأن تكون خطية صريحة حرة غير مشوبة وقرنها المشرع في القانون الجديد بأن تكون موثقة بالطرق القانونية المادة 2/ب/3/ ليتم الرجوع إليها في حال حصول خلاف ما وهذا من ميزات هذا القانون حتى ليبعد هذا الموضوع عن التلاعب.
أما في موضوع تبرع القاصر فقد حصره المشرع السوري بتبرع لأخيه التوأم وبعد الحصول على موافقة الوالدين أو أحدهما أو الولي الشرعي المادة 2/ب/4 ق.ج حيث عد المشرع التبرع من الأعمال الضارة ضرراً محضاً ولا يمكن للوالد أو الولي التصرف بها إلا استثناء للأخ الشقيق.
4- أوجب المشرع أن يفحص المتبرع والمستفيد لجنة مكونة من ثلاثة أطباء اختصاصين للتأكد من أن عملية النقل لا تشكل خطراً على حياة المتبرع ولتقدير مدى حاجة المستفيد لعملية الغرس والفائدة التي سيجنيها المادة 2/ب/2 ق.ج .
5- منع المشرع الاتجار بالأعضاء البشرية ولم يسمح مطلقاً أن يكون التنازل عن الأعضاء لقاء بدل مادي أو بغاية الربح المادة 2/ب/6 القانون الجديد حتى أن المشرع في المادة ذاتها قرر للمتبرع الحق بالعلاج في المشافي الحكومية وعلى نفقتها حتى لا يكون له حجة بالحصول على مبالغ مالية لقاء علاجه بعد التبرع فتكون هذه المبالغ تغطية لعملية البيع والشراء.
ومن حسنات القانون الجديد بأنه نص على عقوبة مخالفة هذه القوانين وبنودها من المتبرع والمستفيد وحتى من أعضاء الفريق الطبي وذكره على أنه جرم جنائي معاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة قد تصل إلى 100000 ل.س المادة 7/أ/ب
6- حتى إن المشرع قرر أن وزارة الصحة وحدها لها الحق بتقرير تعرفة أجور عمليات النقل دون أن يترك الحرية للمشافي في هذا الموضوع حتى لا يصبح هناك أي مجال للعمليات والربح السريع والاستغلالي للمرضى المحتاجين لهذه العمليات المادة /8/ق.ج.
الفرع الثالث : النقل والغرس من ميت إلى حي:
لهذا الموضوع أهميته الخاصة من كون حساسيته النفسية لدى أهل المتبرع المتوفى إضافة إلى الناحية الأخلاقية من كونه قد يعتبره البعض تمثيل بالجثة وغير ذلك.
أولاً: فقد أجاز المشرع السوري نقل أعضاء الميت إلى حي وذلك إما للاستفادة منها مباشرة أو بغية حفظها وزرعها في وقت لاحق لمريض محتاج المادة 3 القانون الجديد.
وبهذا المجال كان المشرع دقيقاً بشروطه التي وضعها لنتمكن من الاستفادة من أعضاء الأموات المادة 3/1/2 ق.ج:
1- نص القانون على ضرورة وجود وصية خطية يذكر فيها المتبرع رغبته التبرع بعد الوفاة وإذا ما كان يرغب التبرع بكل أعضاءه أو بعضها المادة 3/1 ق.ج
وهنا تلافى القانون الجديد الغموض الذي وقع فيه القانون القديم حين اكتفى القانون القديم بذكر الوصية دون أن يحدد شكلها.
2- حدد المشرع في القانون الجديد صراحة من هم المقصودون بكلمة العائلة الذين تأخذ رغبتهم بعين الاعتبار للتبرع بأعضاء مورثهم المتوفى ونص عليها المادة 3/2/أ-ب ق.ج. وهم قرابة الدرجة الأولى. قرابة الدرجة الثانية في حال عدم توافر قرابة الدرجة الأولى.
لكن ما يلاحظ على القانون الجديد والتي لاقت اعتراضاً من البعض موضوع الاكتفاء بموافقة الأهل التبرع بأعضاء المتوفى دون وجود رغبة خطية من المتوفى بذلك فكيف لنا أخذ أعضاء إنسان رفض التبرع بحجة موافقة الأهل اوليس من الممكن أن يكون على عداوة معهم أوليس من الممكن أن يستغلوا هذه الفرصة للكيد من جثة هذا المتوفى.
ومما لا يمكن لنا إغفاله أن القانون القديم كان أكثر انفتاحاً من القانون الجديدفي حالات الحصول على الاعضاءمن المتوفين لان القانون الجديد حصر حالات الحصول على الأعضاء من الميت بحالتين هما الوصية أو موافقة الأهل.
اما القانون القديم سمح بعدة حالات ما كان للقانون الجديد أن يلغيها لأنها تضيق مجال الحصول على الأعضاء التي يزداد الطلب علها بشكل دائم ويمكن تعدادها بـالقانون القديم:
أ-حالات الإعدام: المادة 3 الفقرة الثالثة من القانون رقم 31 لعام 1972 وفق نظرية القتل بالقتل وبعض القتل امتلاك جزء من الجسد ومن ملك التصرف بالكل ملك التصرف بالجزء وهنا للقانون أن يقرر أن حرية الإنسان في جسده تنتهي عند موته بحكم إعدام وبالتالي للدولة الحق بالحصول على أعضاءه ومنحها لمرضى محتاجين وهذا الرأي شخصي لأن البعض يرى أن الإنسان حتى لو حكم بالإعدام يملك حرية بجسده ويود استمرار احترامها حتى إلى بعد الوفاة.
ب-حالة مجهولة الهوية في المادة 3 الفقرة الرابعة من القانون القديم فعندما تكون أمام جثة لا يطالب بها أحد أيضاً برأي الشخصي لا أظن أنه لا يحق لنا الاستفادة من الأعضاء هذا المتوفى أو ليس من الممكن أن هذا الشخص كتب وصية تبرع ولأننا نجهل هويته نجهل وصيته أو ليس أكثر إنسانية أن تساعد أعضاءه المرضى والمحتاجين.
ويمكن لنا وضعها في باب قانوني فالدولة وريثة من لا وارث له بالتالي موافقة الدولة يأتي من باب الموافقة الخطية لأهل المتوفى لكن رأي بعض الحقوقيين كان بأنها ستكون حالة انتهازية من المشروع ليتمكن التصرف بجسد غير معروف ومن أصول التشريع أن لا يكون انتهازياً وإلا دعي قانون للفرص.
ج-حالة فتح الجثة لأسباب علمية أن القانون القديم ذكرها في المادة الثالثة الفقرة الخامسة ذلك أن التقدم السريع والتطور الكبير الذي يشهده عالمنا المعاصر يأتي كل يوم بأمراض وأوبئة لم يكن لها وجود في السابق دون أن يكون للطب الحديث عنها الكثير من المعلومات بالتالي لابد من فتح الجثة وتشريحها بغية تحديد أسباب الوفاة لإيجاد العلاج المناسب وإذا كان يمكن الاستفادة من أعضاء هذا المتوفى للعلاج أو لغيره فما المانع من ذلك.
ثانياً : احتراماً من المشرع لجسد الميت وحرمته وقدسيته حتى بعد الموت فقد أوجب بنص واضح صريح المادة 4 من القانون الجديد بأن عمليات نقل الأعضاء وأخذها من المتوفى يجب أن لا يؤدي بحال من الأحوال إلى إحداث تشويهات ظاهرة أو تغيير في ملامح جثة المتوفى.
ثالثاً: منع المشرع فتح جثة المتوفى أو نقل أي عضو منها إلا بعد أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء بفحص المتوفى والتأكد من وفاته وتضع تقرير أصولي بذلك المادة الخامسة من القانون الجديد.
لكن يؤخذ على المشرع في هذه الحالة أنه لم يحدد معيار الموت وإنما اكتفى بأن تأكيد الوفاة يكون وفق التعليمات التي تصدرها وزارة الصحة وبموجب تقرير أصولي من لجنة طبية والواقع الحديث يؤكد وجود معياران للوفاة هما:
أ-توقف القلب.
ب-موت جذع الدماغ <الموت الدماغي>.
ومعظم التشريعات الغربية تكرس معيار الموت الدماغي لا بل حتى بعض الدول الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية كرست هذا المعيار للوفاة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي كرس هذا المعيار في دورته الثالثة المنعقدة في الأردن.
وبالتالي إن التعليمات التنفيذية لهذا القانون يجب أن تكرس معيار الموت الدماغي طالما أن الأطباء المختصين مجمعون على ذلك وهذه المسألة تعود لأصحاب الاختصاص البت بها.
رابعاً: أوجب المشرع السوري التفرقة بين اللجنة التي تقرر الوفاة والفريق الطبي الذي سيقوم بعملية النقل ونص على أن لا يكون أحد أعضاء اللجنة التي تقرر الوفاة هو أحد أعضاء الفريق الطبي الذي سيقوم بعملية النقل وفق المادة السادسة من القانون الجديد.
وحسناً فعل المشرع بهذا الصدد حيث أن من سيقوم بعملية الغرس يكون متلهفاً ومتسرعاً للحصول على العضو لزرعه للمريض لأسباب متعددة شخصية أو مهنية أو حتى إنسانية وبذلك فإنه قد يتساهل أو يتسرع في تقرير حدوث الوفاة ولمنع حدوث ذلك نص المشرع على هذه التفرقة بين الجهتين.
في النهاية إن القانون الجديد تلافى الكثير من الأخطاء والثغرات في القانون القديم لكن التطور السريع والكبير في هذا الموضوع يتطلب من القانون على أن يكون على قدر أكبر من الانفتاح لاستيعاب هذه التطورات.
لكن في القانون الجديد بعض الثغرات التي لابد من تلافيها وساعدني في ذلك مقال للدكتور فواز الصالح مدرس في كلية الحقوق عندما قال: لا يعد القانون الجديد كاملاً مكملاً وفيه بعض الثغرات التي لابد من تلافيها أهمها:
1-البقاء على تشتت الأحكام المتعلقة بزرع الأعضاء والتبرع بها بنصوص قانونية متعددة
أ-المرسوم التشريعي رقم 99 لعام 1970 المتضمن نظام التبرع بالدم.
ب-المرسوم التشريعي رقم 204 لعام 63 المتعلق إنشاء بنك للعيون.
ج-القانون رقم 30 لعام 2003 المتعلق بنقل الأعضاء.
وكان الأجدر بالمشرع أن يجمع كل هذه النصوص في نص واحد يسهل الرجوع إليه.
2-لم يكرس القانون الجديد التزام الطبيب إعلام المتبرع بالنتائج المترتبة على التبرع ولم يبين فيما إذا كان يحق للمتبرع الرجوع عن رضاه قبل إجراء العملية وجميع القوانين المعاصرة المتعلقة بنقل الأعضاء وغرسها والتبرع بها يكرس مثل هذا الالتزام على عاتق الطبيب أو الفريق الطبي والهدف من هذا هو تنبيه المتبرع إلى خطورة العملية ونتائجها المتحملة على صحته لذا يجب على الطبيب قبل أن يبدي المتبرع موافقته على التبرع أن ينبهه إلى مخاطر التبرع بعد ذلك يعبر المتبرع على رضاه أو عدمه بعد الاطلاع على كافة النتائج التي يمكن أن تترتب على عملية التبرع.
وهذا ما يعرف بالرضا المستنير للمتبرع أي الرضا الذي يقوم على معلومات صحيحة يقدمها الطبيب للمتبرع قبل صدور الرضا ويمكن أن يعد مثل هذا الالتزام واجباً مسلكياً بالنسبة للطبيب وإذا أخل به فهذا الإخلال يستوجب مساءلته مسلكياً عن تلك المخالفة.
3-لم ينص القانون الجديد على منع التبرع بالحيوانات المنوية أو البويضات صراحة وفي الحقيقة انتشرت في الآونة الأخيرة وفي معظم محافظات القطر مراكز أطفال الأنابيب والتلقيح الاصطناعي وهذا أمر في غاية الأهمية من شأنه أن يقلل كثيراً من حالات العقم إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي إطار قانوني لعمل مثل هذه المراكز ما يتطلب تدخل المشرع لوضع مثل هذا الإطار القانوني.
4-كان من المفروض أن ينص التشريع الجديد على إنشاء مركز وطني لزرع الأعضاء والتبرع بها من مهامه الإشراف على هذه العمليات.
5-ظهرت في السنوات الأخيرة أفاق جديدة في مجال زرع الأعضاء منها: استخدام الأجنة الفائضة في إطار عمليات التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب وكذلك الحال بالنسبة للأجنة المجهضة أو استخدام أعضاء حيوانية معدلة وراثياً وغير ذلك دون أن يبين القانون الجديد موقفه من كل ذلك لهذه الأسباب أصبح حتى القانون الجديد بحاجة إلى تعديل ليواكب التطور الهائل السريع للتقدم الطبي ويراعي مقتضيات الواقع.
المبحث الثاني :بيع الأعضاء البشرية في ميزان القانون
لقد أحرز الطب نجاحاً كبيراً في عمليات نقل بعض أعضاء الجسم وبعث ذلك الأمل في الحياة في نفوس الكثير من المرضى وجعلهم يتطلعون برغبة شديدة للحصول على الأعضاء البشرية المحتاجين إليها بدافع المحافظة على حياتهم.
وحصول المريض على عضو بشري لازم من شخص آخر حي أو بعد وفاته واقعة تنشأ عنها علاقة قانونية وأخرى شرعية بين المريض والمعطي وتكييف هذه العلاقة أمراً ضرورياً:
فقد أجاز القانون التبرع بالكلى من جسم حي وحدد شروط التبرع بما لا يضر حياة أو صحة المتبرع كما أجاز الوصية بالكلى من جسم الإنسان بعد وفاته وبين الشروط اللازمة لذلك كما أباحت الشريعة الإسلامية والكنيسة التبرع والوصية بأحد أعضاء جسم الإنسان بهدف إنقاذ حياة المريض.
ولم يكن التبرع والوصية مصدرين كافيين للحصول على الأعضاء اللازمة لنقلها للمرضى ليس بسبب عدم التوافق الفزيولوجي أو الطبي بين جسمي المتبرع أو الموصي أو المريض وإنما يرجع ذلك بسبب الإحجام عن التبرع والوصية بالكلى بسبب أساسي لعدة عوامل اجتماعية أيدلوجية وفكرية في المجتمع.
ونظراً لعدم إمكان حصول المرضى على الأعضاء البشرية من المصدرين المذكورين وهما التبرع والوصية فقد يلجأ بعضهم وخاصة الميسورين منهم إلى عرض مبالغ من المال لجذب الأصحاء وحفزهم على إعطاءهم أعضاءهم من أجسامهم مقابل تلك المبالغ وهذا التصرف يأخذ في حقيقته وجوهره خصائص البيع.
وقد شغلت قضية بيع الأعضاء البشرية أذهان كثير من الناس وإزاء رغبة المريض وأمله في الحياة وحاجة المتبرع للمال أو طمعاً فيه فقد ذهب الناس في ذلك مذاهب شتى بين المشروعية القانونية وبين الحلال والحرام وهنا لابد من بحث المواضيع التالية هنا :
أولاً : أسباب اللجوء إلى شراء الأعضاء البشرية.
ثانياً : بعض المفاهيم الاجتماعية حول بيع الأعضاء.
ثالثاً : الآثار التي تترتب على بيع الأعضاء البشرية.
رابعاً : بيع الأعضاء بين الحظر والإباحة.
خامساً : هل يجوز قانوناً بيع الأعضاء البشرية.
أولاً : أسباب اللجوء إلى بيع وشراء الأعضاء البشرية.
من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى إقدام البعض على شراء الأعضاء البشرية هو الحاجة الشديدة والملحة للمريض لذلك العضو للاستفادة منه بغاية الحفاظ على حياته كما أن قلة عددالأشخاص المتبرعين أو الموصين بأعضاء أجسامهم في الحدود التي يسمح بها القانون والشريعة تشكل سبباً آخر للشراء. ويسر الحالة المادية ووفرة الإمكانات المالية يؤدي أيضاً إلى الإقدام على ذلك. فضلاً عن حاجة الأصحاء الماسة للمال وتطلعهم إلى الثراء السريع السهل فحب المال عامل مشجع لبيع الأعضاء البشرية.
وترجع كل تلك الأسباب بصفة أساسية إلى المفاهيم الاجتماعية السائدة في المجتمعات التي يتم فيها البيع والشراء والاعتقاد الراسخ لدى البغض بعدم تعارض هذا التصرف مع أحكام القانون أو الشريعة الإسلامية وإيماناً منهم بأنهم يفعلون ذلك بدافع مصلحة مشروعة هي مصلحة البائع والمشتري.

ثانياً : بعض المفاهيم الاجتماعية حول مبيع الأعضاء.
نظراً لحداثة موضوع بيع الأعضاء البشرية وأهميته فقد أثار اهتماماً لدى الكثير من المشتغلين بالطب ورجال الدين والقانون ولا يوجد من تعرض لهذه القضية بالرأي والكتابة بصورة خاصة أو مباشرة مما دعا المهتمين بهذا الأمر إلى الاجتهاد أو في ضوء المصلحة أو الأضرار التي يحققها الشخص من وراء بيع الأعضاء.
فقد يقول قائل: إن حاجة المريض إلى عضو من جسم إنسان آخر إنما هي في جميع الحالات ضرورة ملحة لإنقاذ حياة هذا المريض ولا يوجد ما يمنع شرعاً ولا قانوناً إذا ما اشترى المريض هذا العضو بالمبلغ الذي يتفق عليه بينه وبين الطرف الآخر.
في هذه الحالة قضية واحدة حصلت بالفعل تكفي لرد هذا القول هذه القضية كانت أقرب إلى المأساة منها قضية قضائية عندما تبرع أحدهم بعوض أي أنه بصريح العبارة باع كليته لرجل آخر وبعد أن تمت عملية النقل نكل المستفيد عن دفع البدل للبائع المحتاج فراح هذا يقاضيه طالباً إلزامه بدفع البدل فلما قيل لمحاميه أن طلبه في تنفيذ العقد غير مسموح لأنه باطل بنص القانون فأجاب هو بطلان مطلق وليس بطلان نسبياً لتعلقه بالنظام العام وعندما سأل المحامي وما يفيدك ذلك قال إعادة الحال إلى ما كانت عليه فيما بين المتعاقدين واستعادة الكلية وهو أمر غير ممكن طبياً أو استبدالها بكلية أخرى من بنك الكلى فكيف لنا أن نطبق القانون المدني على هذا البيع المخالف للنظام العام.
هناك من يقول أنه لا يوجد دليل قاطع على تحريم بيع عضو من جسم الإنسان في الشريعةالاسلامية او المسيحية وإن الآراء التي توصلت إلى ذلك هي آراء شخصية يوجد ما يخالفها من آراء أخرى لها حجمها وأسانيدها تبيح بيع وشراء الأعضاء.
بعض الآراء جرت على إباحة بيع الأعضاء البشرية مستندة إلى أن الدية الشرعية هي المقابل المادي لجسم الإنسان أو حياته أي أن جسم الإنسان مقوم بقيمة الدية المقررة له شرعاً وهذا القول مردود عليه بأن الدية الشرعية ليست ثمناً للجسم إنما هي عقوبة توقع على الجاني الذي يعتدي على جسم أو حياة إنسان آخر.
قد يرى البعض أنه لا حاجة إلى ذكر البيع والشراء للأعضاء البشرية وإنما يمكن أن يهب المريض للشخص المعطي مبلغ من المال في صورة هدية عرفاناً منه لهذا الجميل وقد يخشى البعض المبالغة في هذه الهدية وتصل قيمتها إلى أكثر من الثمن الذي كان معروضاً في حالة البيع فتتحقق العلة في تحريم البيع.
البعض الآخر قد يقول: العبيد كانت تباع وتشترى رغم إنسانيتها حتى القرآن لم يحرمها واكتفى بالدعوى إلى تحريرها فلماذا لم يكن جسدهم أسمى من البيع والشراء أولم يكن هذا تقييماً مالياً للإنسان فما المانع من شراء وبيع الأعضاء ويمكن الرد عليهم بأن العبيد كانت تباع وتشترى أعمالها وليست هي بحد ذاتها إضافة إلى أن كل القوانين الغت العبودية وحرمتها بالتالي بيع وشراء الأعضاء البشرية حرام وممنوع في القوانين جميعها.
ثالثاً : الآثار التي تترتب على بيع الأعضاء البشرية.
لم تجز القوانين الوضعية بيع الأعضاء البشرية بل حظرته كما لم تقره كل الشرائع السماوية وحرمته، ومن المشكلات التي تترتب على هذا البيع والتي نرى أن تكون علة حظره وتحريمه هي التشجيع على بيع الأعضاء بغية الحصول على المال وفتح باب المزايدة في الثمن مما يؤدي إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان كما سيشجع هذا العمل على الإقدام على البيع بهدف الثراء إذا ما باع الشخص أكثر من عضو بمبالغ هائلة هذا فضلاً عن أن هذا التصرف سيقلل من قيمة الإنسان وسمو منزلته التي منحها الله سبحانه وتعالى وكرمه عن بقية الحيوانات والمخلوقات الأخرى.
رابعاً : بيع الأعضاء بين الحظر والإباحة.
الأصل في بيع الأعضاء البشرية هو الحظر لأن القانون المدني يشترط لصحة عقد البيع أن يكون محل العقد مشروعاً أي أن يكون العضو البشري من الأشياء التي تكون داخلة في دائرة التعامل كما يشترط قانوناً أن يكون سبب العقد مشروعاً أيضاً إلا أن هذا الحظر قد يرد عليه استثناءات في بعض الظروف ويباح فيها بيع الأعضاء البشرية وتسمى هذه الحالات الضرورة ومبدأ الضرورة مأخوذ به في القوانين الوضعية “الضرورات تبيح المحظورات” وتقدر الضرورة بقدرها إلا أنه في هذه الحالة يجب أن يوضع معياراً محدداً للضرورة، سواء كانت بالنسبة للمريض أم بالنسبة للشخص الصحيح المعطي للعضو وذلك بوضع شروط وضوابط لمثل هذه الحالات التي يباح فيها بيع الأعضاء البشرية حتى لا يفتح الباب على مصراعيه ويصبح بيع الأعضاء أمراً مباحاً إباحة مطلقة.
خامساً : القانون وبيع الأعضاء البشرية.
هنا لابد من بحث سؤالين مهمين:
الأول السؤال المطروح: هل يجوز بيع الأعضاء البشرية؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع في ذلك إلى قواعد وأحكام القانون المدني باعتبار أن عقد البيع من العقود المسماة التي ينظمها هذا القانون.
وقد نص القانون السوري الجديد على حظر بيع الأعضاء البشرية.
وذكر عقوبة من يقوم بمثل هذا العمل المادة 7 من القانون الجديد ولأنه يشترط لصحة هذا العقد أن يكون محله وسببه مشروعين أي أن يكون محل العقد مما يجوز التعاقد عليه شرعاً وأن يكون لغاية مشروعة لكن عندما يصبح محل العقد شراء العضو البشري هو طبعاً غير مشروع وطبعاً الحصول على المال غير مشروع من قبل البائع.
إضافة إلى أنه وفق نظرية الخاص يقيد العام تصبح عملية البيع جريمة يعاقب عليها القانون .الخاص هوالقانون المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية الذي يقيد القانون المدني العام الذي يفرض قواعد عامة لا يمكن تطبيق قواعده على عملية بيع الأعضاء البشرية.
وفي حال حصول تعاقد شخصين على بيع عضو بشري يكون العقد في هذه الحالة غير قانوني والجزاء المترتب على ذلك إنعدام العقد.
السؤال الثاني: ما هو الفرق بين البيع وغيره في التصرفات القانونية التي تقع على الأعضاء البشرية؟
إن عقد البيع من عقود المعاوضة ومن خصائصه تقاضي الثمن مقابل الشيء المباع ويختلف عقد البيع في ذلك عن غيره من العقود التي تقع على الأعضاء البشرية كالهبة مثلاً والتبرع والوصية لأنه في هذه العقود يعطي الشخص الشيء ولا يأخذ مقابلاً له وعلة تحريم بيع الأعضاء البشرية هي تقاضي الشخص مقابلاً لهذه الأعضاء أما إذا لم يتقاضى الشخص مقابلاً لهذه الأعضاء يكون تصرفه من باب التبرع ويجوز شرعاً وقانوناً لأن السبب والغاية هنا مشروعان وهي مد يد المساعدة لشخص مريض لإنقاذ حياته دون مقابل من باب الإنسانية فقط لهذا السبب أجازت القوانين الوضعية التبرع والوصية ولم تجز البيع.
أما في بعض الحالات إذا تبرع أحدهم بأحد أعضاءه لمريض ما محتاج دون مقابل وأراد الشخص المتلقي أن يرد الجميل وقدم له هدية عرفاناً بالجميل فهل يكون هذا التصرف بيع أو تبرع لمعرفة ذلك لابد من بحث أمرين :
الأمر الأول: هو قيمة الهدية وموازنتها بقيمة الانتفاع بالعضو البشري الذي حصل عليه المتلقي فإذا تساوت القيمتان أو تجاوزت قيمة الهدية فإن التصرف هنا يعد بيعاً وما الهدية إلا تصرف صوري يخفي بيعاً.
لكن بما أن الأعضاء البشرية أسمى وأثمن من أن يقدرها مبلغ من المال بالتالي لا يمكن لنا في هذه الحالة من معرفة حقيقة التصرف أبداً إذا كان تبرعاً أو بيعاً.
الأمر الثاني: هو البحث عن نية المتعاقدين فإذا كانت نيتهما خالصة للتبرع فإن العقد يكون تبرعاً بصرف النظر عن قيمة الهدية ولهذا الرأي أنصار أكثر من الرأي الأول خصوصاً أنه لا يوجد سوق للأعضاء البشرية حتى يصبح لها سعر محدد لها أو لما يمنكن الانتفاع به وعندما يسأل أحدهم هل يوجد من يتبرع بعضو من أعضاءه دون مقابل ويتحمل الأخطار والأضرار التي قد تصيبه جراء ذلك يمكن الإجابة بأنه عندما يوجد الفدائيين الذين يقبلون على تفجير أجسادهم بسبب إيمانهم بعظمة ما يفعلون عند الله فإنه يوجد من يتبرع بأعضاءه رغبة في الثواب عند الله تعالى.
المبحث الثالث: التجارة بالأعضاء البشرية بين الواقع والقانون عربيا ودوليا:
لقد تم تنظيم عدة مؤتمرات دولية تتعلق بموضوع التعامل بالأعضاء البشرية وتهدف لمحاربة الإتجار بها وفي هذا الإطار أعلنت لجنة تعليمات نقل الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بأن بيع أعضاء الحي أو الميت غير مقبولة مهما كانت الظروف وبتاريخ 1978 م صدر عن المجلس الأوروبي القرار المتعلق بتنسيق التشريعات بشأن اقتطاع وزرع المواد الحيوية ذات الأصل الانساني وأوجب القرار أن يكون التنازل مجانياً في كل ما يتعلق بجوهر الإنسان.
في العام 1985 تبنت الجمعية الطبية العالمية للصحة تصريحاً حول الاتجار بالأعضاء البشرية أدانت بموجبه شراء أو بيع الأعضاء القابلة للزرع حيث ساد انتقال الكلى من الدول النامية الفقيرة لبيعها في أوروبا وأمريكا ثم تبنت هذه الجمعية تصريحاً جديداً عام 1988 م منعت به بيع وشراء الأعضاء البشرية واستغلال البؤس والشقاء الإنساني خصوصاً لدى الأقليات الضعيفة والأطفال وتشجيع القرار على تطبيق المبادئ الأخلاقية التي تستنكر بيع الأعضاء البشرية من أجل الزرع كما شددت هذه الجمعية على مبدأ المجانية دون يمنع هذا المبدأ المتبرع من حصوله على نفقات تكبدها بسبب اقتطاع أحد أعضاء جسمه ونظم المجلس الأوروبي بتاريخ 16 و 17 تشرين الثاني 1987 م مؤتمر لوزراء الصحة الأوروبي بخصوص نقل الأعضاء وحظر الاتجار بالأعضاء البشرية وشدد على منع التنازل على أي عضو بشري لدوافع مادية سواء كان ذلك من قبل منظمة أو بنك للأعضاء أو مؤسسة أم من قبل الأفراد كما نصت المادة الثانية من مشروع القانون العربي الموصي بعمليات زراعة الأعضاء البشرية المقترح من اللجنة الفنية في مجلس وزراء الصحة العرب بجلسته المنعقدة عام 1986 على أنه يجوز للشخص أن يتبرع أو يوصي بأحد أعضاء جسمه ولكن يشترط أن يكون ذلك دون مقابل وأكدت هذه الاتجاه مقررات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الصادرة في شباط عام 1998 م.
لكن على الرغم من تكريس مبدأ وضع الإنسان وجسده خارج إطار التعامل للبيع والشراء في جميع القوانين والأنظمة والتشريعات الدولية إلا أن ما نجده في إطار الواقع العملي والحياتي الذي نعيشه مختلف تماماً فكيف نفسر وجود الأعضاء بشكل دائم وبأعداد كبيرة جداً في بنوك الأعضاء للدول الأوروبية والأمريكية تفوق عدد أعضاء المتبرعين في الحقيقة إن السبب في ذلك يعود إلى جماعات الجريمة المنتظمة التي تقوم بسرقة الأعضاء البشرية ولا نستغرب ذلك فقد تم كشف أكثر من عصابة مختصة بسرقة الأطفال للاستفادة من أعضاءهم ببيعها لهذه البنوك بأسعار خيالية وغالباً ما تكون هذه البنوك على علم بهذه السرقات ومصدرها لكنها مقابل الأرباح التي تحققها تفضل السكوت عن هذا الموضوع وليس سرقة الأطفال فقط بل سرقة المعتوهين والمشردين من الطرقات أولئك الذين لا يسأل عنهم أحد ولم يكتفي بعض أصحاب هذه الضمائر الفاسدة بذلك بل تجاوزوا ذلك إلى سرقة الأشخاص من مناطق الحروب والمناطق المنكوبة التي يعاني أصحابها من الفقر والجوع والحرمان ما يكفي كي لا تسأل عنهم حكوماتهم وكل هذا يكون بأسلوب الجريمة المنظمة من سرقة هؤلاء الأشخاص من الطرقات حتى تقطيع أوصالهم والحصول على أعضائهم البشرية في مشافي سرية خاصة ثم يتم توزيعها على بنوك الأعضاء البشرية تحت أسماء مستعارة لأشخاص تبرعوا بها طبعاً هذه المنظمات غالباً ما تعمل تحت تغطية حكومية لبعض الفاسدين في الحكم لتصبح كل التشريعات من عربية ودولية غير ذات فائدة.
وما تزال الحكومات في جميع الدول تنص في قوانينها على عقوبات شديدة لكل من يحاول الاستفادة من هذا الموضوع <عمليات نقل الأعضاء البشرية> لتحقيق الربح المادي دون النظر إلى الغاية الأسمى وهي شفاء المريض من آلامه ويمكن أن نجد ذلك في بعض القوانين العربية والغربية التي تسعى جاهدة لوضع حد لعمليات التجارة بالأعضاء البشرية.
أولاً القانون الفرنسي:
إن الاستفادة من جسم الإنسان سواء تعلقت بالأعضاء كالكلية أم بالأنسجة كالدم هذا كله في فرنسا يندرج تحت إطار تقاليد التضامن والترابط الاجتماعي للحفاظ على صحة الإنسان لذلك يفرض القانون شروط قاسية ودقيقة جداً فقد تناول المشرع الفرنسي التبرع بالأعضاء بموجب قوانين عدة تعرف بقوانين الأخلاق الحيوية واعتبرت هذه القوانين أن المجانية مبدأ عام يجب تطبيقه على التصرفات جميعها المتعلقة بأجزاء أو منتجات جسم الإنسان التي يسمح القانون بوهبها وحظرت منع أي تعويض للشخص الذي يقبل إجراء التجارب على جسمه أو يقبل اقتطاع أحد عناصر جسمه أو أحد منتجاته فقد سمح المشرع الفرنسي بالتبرع بالمواد التي تملك بطبيعتها إمكانية للتجديد الآلي كالدم وحليب الأم ولكن أمر المشرع الفرنسي على المجانية ووضعها تحت إطار التبرع.
فقد كرس المشرع الفرنسي مبدأ عدم قابلية جسم الإنسان وعناصره لأن تكون محلاً للحقوق المالية لكنه سمح بالتبرع بها لمصلحة الآخرين شرط ألا يعرض ذلك حياة المتبرع للخطر ومنع القانون الفرنسي حتى الجراحين الذين يقومون بعمليات نقل الأعضاء وزرعها من الحصول على اي اجراضافي بعد اجراء العملية لكنه سمح للمؤسسات الطبيةالحصول على تعويض عن هذه العمليات وذلك بدل نفقات حفظ الأعضاء فقط إضافة إلى وجوب حصولها على الترخيص القانوني اللازم لممارستها وأن لا تتجاوز الكلفة تكاليف العدة والأدوات اللازمة لعملية النقل هذه.
ويعتبر هذا المنع تبريراً أخلاقياً قانونياً يهدف الوقاية من كل محاولات الربح من نشاطات نقل الأعضاء وزرعها.
واشترط القانون الفرنسي :
1- الموافقة الخطية المسبقة من قبل المتبرع والمستفيد ويمكن الرجوع عن هذه الموافقة في أي لحظة قبل إجراء العمل الجراحي دون أي مسؤولية.
2- منع المشرع الفرنسي المتبرع من معرفة المستفيد كذلك لا يمكن للمستفيد معرفة المتبرع لمنع حصول عمليات بيع وشراء أو محاولات ابتزاز وسمح للطبيب الحصول على هذه المعلومات لضرورات علاجية فقط .
فهدف التشدد في التشريع الفرنسي هو منع عمليات الإتجار أوالضغط التي يمكن أن تقع على المريض أو على ذويهم الذين ينتظرون توافر الأعضاء للقيام بعملية الزرع.
ثانياً : القانون اللبناني:
وضع المشرع القواعد القانونية التي تنظم عملية وهب الأعضاء وأكد على ان الأعضاء البشرية توهب ولا يمكن أن تكون بحال من الأحوال محل للتعاقد أو أن تخضع للبيع والشراء من قبل المتبرع والمستفيد.
حتى أن التبرع بالأعضاء على سبيل الهبة يجب أن يتم وفق شروط معينة:
1- أن يكون الواهب قد أتم الثامنة عشرة من عمره.
2- أن تتم معاينته من قبل طبيب مختص ينبهه إلى نتائج العملية وأخطارها ويتأكد من فهمة لذلك.
3- أن يوافق الواهب بملء إرادته خطياً على إجراء العملية.
4- أن يكون إعطاء الأنسجة أو الأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة.؟
وفي لبنان يعتبر ميتاً الإنسان الذي توقفت فيه بشكل أكيد وظائف الجهاز الدموي أو وظائف كامل الدماغ بما فيه جسر المخيخ النخاع الشوكي وثبت الموت الدماغي طبيبان يكون أحدهما أخصائياً بالأمراض العصبية ولا يسمح بإجراء عمليات نقل وزرع الأنسجة والأعضاء إلا في المستشفيات أو المراكز الطبية المصنفة من الفئة الأولى وحاصلة على الترخيص القانوني اللازم ويعاقب من يخالف هذه الشروط بعقوبة الحبس من شهر إلى سنة إضافة إلى الغرامة.
كل هذه الإجراءات بهدف منع حصول عمليات بيع وشراء الأعضاء البشرية لتصبح مصدراً للربح.
ثالثاً : القانون السعودي:
نص القانون السعودي على إمكانية زرع الأعضاء على أن تكون الوسيلة الوحيدة للحصول عليها التبرع وعدم جواز حصول البيع للأعضاء البشرية ولضمان ذلك نص القانون السعودي :
1- لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء البشرية بحال من الأحوال لأغراض تجارية.
2- لابد أن يستند الإشراف على عمليات زراعة الأعضاء إلى هيئة طبية متخصصة موثوقة.
3- لابد أن يكون المتبرع من الأحياء للمريض من درجات قرابة محددة تصل حتى الدرجة الرابعة وذلك رغبة من المشرع السعودي منع حصول عمليات بيع وشراء لأنه لا يمكن أن يكون هناك تبرع لغير القريب إذا لم يكن هدف مادي مخفي في الأمر.
4- بالنسبة للمتوفين يجوز التبرع بأعضائهم لكن دون أن يعرفوا المستفيد كي لا يكون هناك أي فرصة للحصول على مقابل مادي منه أو الابتزاز.
رابعاً : القانون القطري
ينص القانون القطري على جواز التبرع من كامل الأهلية بموجب إقرار كتابي يشهد عليه شاهدان كامل الأهلية بعد أن تتم إحاتطه بالنتائج الصحية المحتملة والمؤكدة التي سوف تترتب عليه ويمنع عليه الحصول على عوض مادي مقابل تبرعه ويحظر على الطبيب إجراء عملية زرع أي عضو إذا عرف أنها بمقابل مادي وتعرضه للعقوبة مع كل من المستفيد والمتبرع “البائع والشاري”.
مشروع قانون استرشادي عربي لتنظيم زراعة الأعضاء البشرية ومنع الإتجار بها:
بناءً على اقتراح الجزائر صدر قرار من مجلس وزراء العدل العرب في دورته التاسعة عشر بالجزائر يقضي بتكليف الجزائر بإعداد مشروع قانون عربي استرشادي لزراعة الأعضاء البشرية ومنع الإتجار بها .
ووجهت الدعوة لممثلي هذه الدولة للمشاركة في اجتماع اللجنة الذي انعقدت من 30/5/2004 م إلى 30/6/2004 م بالقاهرة نظراً لأهمية الموضوع وخطورته وقد أصدرت اللجنة توجيه تدعو فيها إلى تعميم المشروع بصيغته الجديدة على الدول العربية لدراستها وإبداء ما لديها من ملاحظات بشأنه حتى يصار إلى تقريره بشكل نهائي وملزم لجميع الدول التي شاركت في المؤتمر ورغم أهمية الموضوع لكن للأسف لم يصدر حتى الآن هذا المشروع القانوني بشكله النهائي ومازال تحت الدراسة.

الخاتمة
في النهاية سيجد هذا الموضوع الكثير من الجذب والشد الانتقاد والموافقة ذلك أن هذه العمليات تستهدف مصلحة شخص لا مصلحة جماعة أو شعب إلا أن إفادة المحتاج من باب الإنسانية بلا شك. لقد نص التشريع في بلادنا بل بجميع الدول على أن من يقبل أن يؤخذ من جسمه شيء لينتقل إلى جسم شخص آخر لا يحق له أن يتقاضى بدلاً مادياً لقاء ما تبرع به وفي هذا لي مقال للأستاذ الكوكبي وانا اوافقه تماما فيه وهو: إن ألوفاً مؤلفة من مواطني العالم الثالث الذين يموتون جوعاً يتمنون أن لا يلاقي أولادهم نفس المصير لذلك فإنهم سيرغبون ويقبلون على الاكتتاب في التنازل عن أعضائهم بعوض معين على أن لا يدفع لهم وإنما يدفع لأولادهم بعد وفاتهم ففي هذه الحالة نتخطى مشكلة البيع والشراء.
إضافة إلى أنه بهذا الحال نسد ثغرة إفقار المؤسسات الطبية المختصة بنقل الأعضاء البشرية نتيجة تهافت الكثير من الفقراء إلى هذا الاكتتاب.
أولن يكون هذا العمل أكثر إنسانية من الاستيلاء على عيون الأموات بعشرات الألوف في البلاد الأفريقية والهند لترسل إلى أمريكا وأوربا في تجارة مبنية على سرقة محضة هذه السرقة التي يبقى بسببها أطفال المأخوذة عيونهم مشرفين على الموت جوعاً في الأزقة وعلى أرصفة الشوارع ليسارع هؤلاء السارقون إلى استئصال عيونهم دون أي رحمة أو ضمير.
إنه يا سادة رأي يستحق المناقشة ولا يجب التسرع وإلقاء الحكم في هذا الموضوع مع تنويه بسيط أن هذا الاقتراح القانوني يقتصر على حالة نقل الأعضاء من المكتتب بعد الوفاة الطبيعية ذلك أن نقل الأعضاء من جسم حي إلى أخر يجب أن يكون الأمر أكثر رقابة فيه من باب التعقيد فقط وليس من باب التحريم والمنع منعاً باتاً ويمكن أن يؤكد هذا قصة واقعية لفتاة في مقتبل العمر تعيش مع أب عاجز في فقر شديد أوليس أفضل لها التبرع بكلية مقابل عوض مادي يمكنها مع والدها العاجز العيش بحياة أكثر كرامة من حياة التسول أو غيرها.
طبعاً الإنسان وأعضاءه أثمن وأسمى من ان تكون محلاً للبيع والشراء ولا أريد أن يفهم من كلامي تشجيع البيع لكن يجب أن توضع ضوابط معينة لعمليات البيع والشراء هذه ويمكن ذلك بنصوص قانونية تحدد المستفيد والوقت الذي يمكن الاستفادة فيه وحتى الحد الأقصى عوضاً أن تقوم مجموعة من اللصوص بنقل وسرقة الأعضاء البشرية لفقراء ومساكين وتحقق هذه الجماعات الأرباح الخيالية على حساب الفقراء. ما أعنيه في النهاية يجب أن لا نلغي بحجة وجود أصحاب الضمائر الميتة الشكر على عمليات التبرع الإنسانية هذه.
في النهاية إن هذه القضية وإن باتت في عرف الأطباء والطب معروفة ومألوفة لكنها في نفوس الناس ما زالت تشكل هاجساً ومثار تساؤل بين الحلة والحرام بين المعقول والمقبول نفسياً إذ يرى الكثير أنه ليس من المقبول أن يرى المرء جزء من جسده أو جسم أحد اقربائه ينزع ليزرع في جسم آخر.
لكن الواجب يحتم علينا بيان الحكم الشرعي أولاً وتوضيح مختلف الأبعاد لهذه القضية وعلى مختلف الأصعدة النفسية والاجتماعية لجعلها قضية مقبولة لدى عامة الناس ويتم التعامل معها بكل تفهم ووعي وتشجيع وهذا يمكن أن يكون من خلال حملة مكثفة من التوعية والإرشاد فكما تقبل واستوعب الناس مسألة أطفال الأنابيب وزراعة الأجنة وانتشرت بفضل حملات التوعية الطبية والشرعية وإخراجها من طور الرفض وإدخالها دائرة المباح يمكن أن يكون في مجال زراعة الأعضاء البشرية والتبرع بها.
وحالياً أصبحنا نجد حتى لموضوع القتل الرحيم مناصرون ومؤيدون من كافة الطبقات الاجتماعية حتى أن بعض الدول قد شرعتها كالقانون التونسي عربياً والقانون الدانماركي فرغم كل المعارضة التي تلقاها هذا الموضوع إلا أن التطور الهائل في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة يدفعنا إلى التفكير ملياً قبل اتخاذ موقف محدد مما يحصل في عالمنا المعاصر.
إذاً لابد من تأسيس وعي اجتماعي بين أفراد المجتمع للإسهام في توفير الأعضاء البشرية اللازمة وذلك تبيني حملة واسعة بين فئات المجتمع وتشجيع الأسر والأهالي على الموافقة على التبرع بأعضاء المتوفين من ذويهم والبدء بجهود التوعية هذه بين قطاع طلاب المدارس لأنه من السهل التأثير المعرفي لدى الطلاب أثناء عملية التنشئة الاجتماعية في تلك المرحلة العمرية لهم .
كما يتعين إسهام المدارس ومؤسسات العمل الاجتماعي لإنجاح الجهود الطبية البكافة السبل المتاحة لها سواء بالتعليم النظري في المناهج المدرسية أو التعليم العملي من خلال جولات مدرسية على المرضى والمحتاجين سعياً لنشر الصحة الكاملة لجميع المرضى.
في النهاية الهدف الحقيقي من كل هذا الحديث هو الرغبة المطلقة لمساعدة البشر جميعهم دون اي تفريق لتخفيف الامهم من امراضهم ومتابعة حياتهم بشكل طبيعي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت