الأركان العامة لجريمة التخابر في التشريع الفلسطيني

مقارنة بالتشريع المصري والأردني: دراسة تحليلية مقارنة

د. عثمان يحيى أحمد أبو مسامح، دكتوراه الفلسفة في القانون (القانون الجنائي الدولي)

محامي وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، (فلسطين – غزة)

Abstract:

The crime of spying is one of the most serious crimes against individuals, societies and stability of states. The risk of spying in the Palestinian society is compounded by the fact that its victims are from the Palestinian resistance, as Palestine is occupied by the Israeli occupation.

We found it difficult to select the laws that should be applied as there are a lot of laws that deal with the crimes of spying, and lots of these laws vary in some of its provisions; whether it’s dealing with the substantive side or the procedural side.

The researcher tried to study the various laws to clarify the general elements of the crime of spying in the Palestinian legislation and the legislation of comparison.

We have recommended that the Palestinian legislature should issue a special law on the crime of spying includes the substantive and procedural provisions related to the crime; as there are multiple Palestinian laws should be applied to the crimes of spying.

ملخص البحث:

تعد جريمة التخابر من الجرائم الخطيرة على الفرد والمجتمع واستقرار الدول، ويتفاقم خطر التخابر في المجتمع الفلسطيني بأن ضحاياه هم رجال المقاومة الفلسطينية في الغالب، ولأن فلسطين محتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ، ولعل وجود الكثير من القوانين التي تناولت جرائم التخابر يجعلنا نجد صعوبة في اختيار القوانين الواجب تطبيقها على هذا النوع من الجرائم ، ولاختلاف هذه القوانينأن مبتيمبتميبمتب في بعض أحكامها، سواء تلك التي تناولت الجانب الموضوعي أم التي تناولت الجانب الإجرائي، وقد دفعنا ذلك إلى محاولة البحث في مختلف القوانين، لتوضيح الأركان العامة لجريمة التخابر في التشريع الفلسطيني والتشريعات المقارنة، لنخلص بعدها إلى توصية المشرع الفلسطيني بأن يصدر قانونا خاصا بجريمة التخابر يتضمن الأحكام الموضوعية والإجرائية المتعلقة بالجريمة؛ وذلك نظرا لتعدد القوانين الفلسطينية الواجب تطبيقها على جرائم التخابر.

مقدمة:

مما لا شك فيه أن جرائم التخابر تشكل تهديدا خطيرا على أمن الأفراد والمجتمعات والدول واستقرارها، وتتجلى تلك الخطورة بوضوح كون مرتكبي جرائم التخابر لا يعيرون أي اهتمام لحجم الأرواح التي تزهق وقيمة المرافق والمؤسسات العامة والممتلكات الخاصة التي تدمر، والشعور بالأمن والطمأنينة الذي يفقد، وقد يأتي شعور أفراد المجتمع بفقدان الأمن بصورة عرضية حتى وإن لم يقصد الجناة سلبهم ذلك الشعور؛ وذلك نتيجة لاستخدام الجناة وسائل من شأنها أن تحدث الذعر، وتبث الرعب في نفوس أفراد المجتمع لذاتها كالمتفجرات والقنابل والصواريخ المدمرة، ويتفاقم خطر التخابر في المجتمع الفلسطيني بأن ضحاياه هم رجال المقاومة الفلسطينية في الغالب كون أن فلسطين محتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ولعل قضية العمالة والتخابر مع العدو تعد القضية التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وأفراده على تجريمها ورفضها ومحاربة كل الوسائل المؤدية إليها، وتتفق أيضا على وجوب التعاون الكامل مع الأجهزة الأمنية على محاصرتها، ولا يكاد يختلف اثنان على تجريم كل من يلوث سمعته بالعمالة وضرورة أن يأخذ القضاء مجراه في حقه.

ولا شك بأن جرائم التخابر هي من أكثر الجرائم التي تواجه الشعب الفلسطيني منذ جلاء القوات العثمانية عن فلسطين، وتشكل جرائم التخابر ضربة قوية ونزيفا مستمرا في صفوف جبهات المقاومة الفلسطينية والدولة الفلسطينية.

مشكلة البحث:

يفترض البنيان القانوني لأية جريمة خضوعها لأحكام قانونية معينة، قد تكون أحكاما عامة، وقد تكون تلك الأحكام أحكاما خاصة استنادا إلى القواعد الموضوعية في القانون الجنائي، فضلا عن النموذج القانوني الذي ينطبق على تلك الجريمة.

ولما كان النموذج القانوني للجريمة يقوم بحسب الأصل على ركنين، الأول مادي والآخر معنوي[1]. ولكل ركن من هذه الأركان عناصره المميزة على اعتبار أن هذا ما يميز كل جريمة عن غيرها ويضفي عليها الوصف الذي تعرف به، تتمثل مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي: هل تختص جريمة التخابر بأركان متميزة عن الأركان العامة للجرائم؟

ويتفرع عن هذا السؤال مجموعة من الأسئلة الفرعية، وهي كالتالي:

هل تختص جريمة التخابر بأركان متميزة عن الأركان العامة للجرائم؟
هل يمكن تصور جريمة التخابر سلوكا سلبيا؟
هل يمكن تصور قيام حالة الشروع في جريمة التخابر، أم أن الجريمة تعد تامة بمجرد ارتكاب العمل التنفيذي لها بغية التشديد على الجناة؟
هل يمكن أن تقوم جريمة التخابر بالركن المادي دون المعنوي؟
هل يمكن أن تقوم جريمة التخابر عن طريق الخطأ غير المقصود؟
أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى الحد من ظاهرة التخابر من خلال زيادة الوعي القانوني لدى الجمهور الفلسطيني بشكل عام، والمساعدة في تحقيق التطبيق الصحيح للقانون من أجل المحافظة على حقوق الإنسان، وتذليل الصعوبات والمعوقات أمام القائمين والمعنيين بتطبيق القانون.

أهمية البحث:

تكمن أهمية هذا البحث في كون عملية السعي والتخابر بكافة صورها المتعددة –والتي تعد من جرائم أمن الدولة أو الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي- وسيلة تستخدمها الدول لتأمين مصالحها في شتى المجالات بواسطة الأفراد، وعلى هذا فإن الأهمية العلمية للبحث تتمثل في بيان الأركان العامة التي تقوم بها جريمة التخابر في التشريع الفلسطيني ومدى توافقها مع التشريعات المقارنة خصوصا التشريع المصري والتشريع الأردني، حيث إن هناك تباينا بين التشريعات المقارنة في هذا الشأن، فبعض التشريعات عدت التخابر جوهر التجريم، وبعضها الآخر تعده مجرد عنصر في الجريمة، وأما الأهمية العملية لهذا البحث فتتمثل في توعية الأجهزة المختصة بكيفية التعامل مع هذا النوع من الجرائم، ومن ثم المساهمة في حماية الدولة الفلسطينية من التعرض لهذا النوع من الجرائم.

وتأتي أهمية هذا البحث أيضا في أن جريمة التخابر أصبحت ظاهرة منتشرة داخل المجتمع الفلسطيني نتيجة قيام أجهزة المخابرات الإسرائيلية باستغلال حاجات الشعب الفلسطيني.

منهج البحث:

يعتمد البحث بشكل كبير على اتباع المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن بين التشريعات المقارنة من التشريع الفلسطيني، التشريع المصري والتشريع الأردني.

هيكلية البحث:

حاولنا عرض جميع الأفكار المتعلقة بموضوع البحث بطريقة متناسقة ومتوازنة قدر الإمكان، تكفل تغطية جميع جوانبها، وقد اقتضت طبيعة البحث أن يتم تقسيم موضوعه إلى ثلاثة مباحث، ووفق ذلك ستكون الهيكلية العامة للبحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: الركن المادي لجريمة التخابر

المبحث الثاني: الركن المعنوي لجريمة التخابر

الخاتمة: نتائج وتوصيات البحث

المبحث الأول

الركن المادي لجريمة التخابر

الركن المادي للجريمة هو العمل الخارجي الذي تظهر به الجريمة إلى العالم الخارجي سواء كان بفعل أم بقول بحسب ما يتطلبه المشرع في كل جريمة على حدة، ويتمثل هذا العمل في السلوك الذي يصدر عن الجاني والنتيجة المترتبة عن هذا السلوك، وعلاقة السببية بينهما، وهذا الركن هو أول الركنين اللذين ترتكز عليهما نظرية الجريمة[2]. وإذا تخلف كله أو بعضه كان مانعا من وحدة الجريمة[3].

المطلب الأول: عناصر الركن المادي لجريمة التخابر

لا تتحقق الجريمة إلا بتوافر الركن مادي ، وبدونه لا يتصور قيامها وبالتالي لا تجوز -كقاعدة عامة- المعاقبة بدون القيام به، ويقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر هي السلوك والنتيجة الإجرامية والعلاقة السببية بينهما، وهو ما سنتناوله بالتحليل على النحو التالي:

الفرع الأول: السلوك الإجرامي

القاعدة المتفق عليها بأنه لا جريمة بدون سلوك مادي، والذي عرفه بعض علماء القانون الجنائي بأنه حركة الجاني الاختيارية التي تحدث تأثيرا في العالم الخارجي أو في نفسية المجني عليه[4].

وينبني على هذا أن القانون لا يعاقب على مجرد النية الآثمة طالما بقيت في ذهن صاحبها ولم تترجم إلى سلوك مادي، وبالتالي يتخذ السلوك المادي صورتين:

أولا: الفعل الإجرامي

يطلق عليه الفقه (السلوك الايجابي)، ولكن معظم التشريعات المقارنة كالفلسطيني تستخدم مصطلح (الفعل)، وهو عبارة عن القيام بفعل ينهى القانون عن القيام به، أو يتمثل في حركة عضوية إرادية صادرة عن الجاني[5].

على أنه ينبغي أن يلاحظ أن الفعل ليس مجرد حركة عضوية أو عضلية يتمثل في ضغط أو تحريك أو كتابة أو غمزة عين، وإنما يجب أن تكون تلك الحركة إرادية، أي أن يكون الفاعل قد أرادها تحقيقا لغرض إجرامي معين، وهكذا فإننا نلاحظ أن الفعل الإيجابي يصبح متكونا من حركة عضوية أو عضلية بالإضافة إلى إرادة تلك الحركة[6].

وبالتالي يشترط في الحركة العضوية أن تصدر عن إرادة، وأهمية هذه الصفة الإرادية تؤدي إلى استبعاد كل حركة غير إرادية، فمن يدلي بمعلومات تتعلق بأسرار الدولة، أو ما يلحق الضرر بالدولة أو المقاومة وهو واقع تحت تأثير مادة مخدرة وضعت له من قبل العدو لا يرتكب فعلا إجراميا لتجرد حركته من الصفة الإرادية.

ثانيا: الترك الإجرامي

يطلق عليه الفقه (السلوك السلبي)، وبعض التشريعات تسميه الامتناع أو الجريمة السلبية أو جريمة الامتناع أو الترك.

وإن كان الأصل في قانون العقوبات أن ينهى عن إتيان فعل مجرم فإنه في بعض الأحيان -نادرا- يأمر بالقيام بعمل ويعاقب عن الامتناع عنه حماية لبعض المصالح والحقوق.

فالترك الإجرامي أو السلوك السلبي هو امتناع الشخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره منه في ظروف معينة بشرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل، وأن يكون باستطاعة الممتنع إتيانه بإرادته[7].

ومن هذا التعريف نستخلص أن الترك الإجرامي مشروط بثلاثة عناصر لابد من توافرها لكي يؤدي إلى إحداث النتيجة المحظورة قانونا فيتساوى مع الفعل الإجرامي، وهي:

الإحجام عن فعل إيجابي معين: ليس الامتناع مجرد موقف سلبي أيا كان، أي إنه ليس إحجاما مجردا، وإنما هو موقف سلبي بالقياس إلى فعل إيجابي معين، ومن هذا الفعل الإيجابي يستمد الامتناع كيانه ثم خصائصه، وهذا الفعل يحدده القانون –صراحة أو ضمنا- بالنظر إلى ظروف معينة، ويعني ذلك أن الشارع يعد هذه الظروف مصدرا لتوقعه أن يقدم شخص على فعل إيجابي معين تقتضيه الحماية الواجبة للحقوق، فإن لم يأت هذا الفعل بالذات فهو ممتنع في نظر القانون[8].
الواجب القانوني: يستمد الامتناع أهميته القانونية من الأهمية التي يسبغها القانون على الفعل الإيجابي، فلا وجود للامتناع إلا إذا كان الفعل الإيجابي قد فرض فرضا قانونيا على من امتنع عنه[9].
الصفة الإرادية للامتناع: الفعل أو الامتناع كلاهما سلوك يستند إلى إرادة طبيعية في الإنسان، بيد أن الإرادة في الفعل إرادة دافعة حيث تدفع الحركة العضوية أو العضلية إل%D