دراسة قانونية حول تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات

فــــؤاد بن مــــحــــمــــد الــــمــــاجـــــد

مقدمة
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على رسولنا محمد وآله وصحبه أما بعد : فـلا يـخفى أن الشريعة الإسلامية قد أمرت بأداء الحقوق إلى أصحابها قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) () .
والأصل في أداء الأمانات والحقوق أن يكون اختيارياً كما في قول النبي صلى الله عليه وسلـم : (( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )) () , إلا أن هذا الأداء يـكون جبرياً عند الامتناع عنه بعد صدور الحكم القضائي به ؛ إذ (( لا ينفع تكلـم بحق لا نفاذ له )) () كما جاء في خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما .

وانطلاقاً من ذلك وحيث إن التنفيذ الجبري هو ثمرة الحكم القضائي فإن المملكة العربية السعودية حينما أصدرت نظام المرافعات الشرعية في عام 1421هـ ولوائحه التنفيذية في عام 1423هـ أفردت الباب الثاني عشر منه للحجز والتنفيذ , وقد احتوى هذا الباب على خمسة فصول تشتمل على (37) سبع

وثلاثين مادة نظامية و (109) مائة وتسع من مواد اللائحة .
كما أن مشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الموحد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي قرر مجلس الوزراء السعودي في بداية عام 1424هـ تطبيقـه كنظام استرشادي لمدة أربع سنوات قد تم تخصيص قرابة نصف صحائفه للتنفيذ .

ولأن هذين النظامين لا يتعارضان مع الكتاب والسنة وإصدارهما من باب السياسة الشرعية القائمـة على المصلحة لذا فإن المحاكم الشرعية في المملكة العربيـة السعودية تسير على نظام المرافعات الشرعية السعودية وتسترشد بمشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الخليجي .

هذا ومع كثرة الشواغل القضائية والإدارية والشخصية ومع ضعف الهمة إلا أني قـمــت بـإعـداد هــذا البحث استجابةً لدعوة كريمة من فضيلة الشيخ/ إبراهيم ابن عبدالعزيز البشر رئيس اللجنة العلمية بوزارة العدل صدرت لي برقم 64061/26 في 30/7/1426هـ وذلك للمشاركة في الندوة العدلية القضائية المقامة بالمنطقة الشرقية خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 18 , 19 /11/1426هـ الموافــق 20, 21/12/2005م . وأصل هــذا الــبــحــث جزء من رسالة الدكتوراه التي بعنوان ( حضور الخصوم وغيابهم بين الفقه الإسلامي والنظم الوضعية ) المقدمة لقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , ولكني اختصرت هذا الجزء كثيراً بناءً على طلب اللجنة العملية بالوزارة حتى يتناسب مع وضع الندوة المذكورة وأجريت عليه تعديلات كثيرة وزيادة وحذف وأضفت عليه الإشارة إلى اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية حيث لم تكن قد صدرت وقت إعدادي الرسالة

ولإثراء البحث فقد أشرت فيه إلى عدد من الأنظمة ( القوانين ) السعودية والخليجية والعربية المتعلقة بالمرافعات المدنية والتجارية والأحوال الشخصية وقد جعلت مسك الختام لكل مسألة بيان موقف الشريعة الإسلامية منها ؛ لأن المقصود هو الحكم وفق ما شرعه الله تعالى في كتابه وشرعهرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته وما يرجع إليهماويستنبط منهما من مقاصد وقواعد وضوابط , وفي حالة وجود شيء من الأنظمة والقوانين الوضعية يخالف الشريعةالإسلامية فإنه يُنبذ ويُطرح ويُستبدل بما يتفق معها .

وقد قسمت هذا البحث
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد وبابين أما التمهيد فهو في تعريف التنفيذ وحكمه وأما البابان فبيانهما فيما يلي :
الباب الأول : شروط التنفيذ .

ويشمل أربعة فصول :
الفصل الأول : السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه .
الفصل الثاني : الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له .
الفصل الثالث : المال الذي يجوز التنفيذ عليه .
الفصل الرابع : مقدمات التنفيذ .
الباب الثاني : طرق التنفيذ .
ويشمل خمسة فصول :
الفصل الأول : محل التنفيذ .
الفصل الثاني : مدى استجابة المنفذ عليه ـــ التنفيذ الطوعي ـــ التنفيذ الجبري .
الفصل الثالث : مدى إمكانية أداء عين الحق المطلوب .
الفصل الرابع : الحجز على الأموال ـــ الحجز التحفظي ـــ الحجز التنفيذي .
الفصل الخامس : مصدر الحكم المراد تنفيذه .
ثم عرضت نموذجاً علمياً تطبيقياً للحجز والتنفيذ .
ثم خاتمة البحث التي أشرت فيها إلى عدد من التوصيات التي استقيتها من خلال عملي في المحكمة ومن الندوة المقامة في دولة الكويت الشقيقة بعنوان ( نحو تفعيل إجراءات التنفيذ وتوحيد التشريعات في دول مجلس التعاون ) المقامة خلال الفترة 8 , 9 ربيع الآخر 1426 الموافق 16 , 17 مايو 2005م وكنت رئيس الوفد السعودي إليها .

وختاماً أحمد الله تعالى على منّه وفضله وتوفيقه ثمأتوجه بالشكر إلى مقام حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان ابن عبدالعزيز آل سعود على ما تمت تهيئته لوزارة العدل وللقضاة من موارد وإمكانيات .

وكذلك إلى مقام وزارة العدل وعلى رأسها معالي الوزير الدكتور عبدالله بن محمد ابن إبراهيم آل الشيخ وأصحاب الفضيلة وكلاء الوزارة على الحرص البالغ لتطوير القضاء والقضاة كما لابد من التنويه بمحلس القضاء الأعلى ممثلاً بسماحة رئيسه الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان على صيانة صرح القضاء الشرعي وإعلاء مكانته , والشكر موصول للقائمين على اللجنة العلمية بوزارة العدل على اهتمامهم البالغ بنشر الوعي القضائي وإعداد البحوث والدراسات حول القضاء .
حفظ الله البلاد والعباد من كل سوء ومكروه وأدام عليها الأمن والأمان في ظل القيادة الرشيدة ووفق الجميع لما فيه خير الإسلام والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

تمهيد
في تعريف التنفيذ وحكمه
تعريف التنفيذ في النظام
المقصود بتنفيذ الأحكام في النظام إجبار المحكوم عليه على القيام بما أُلزم به عينياً أو القيام به على نفقته ـ كـالإلزام بتسليم عين معينة أو إقامة بناءٍ ونحوه ـــ( ويسمى التنفيذ المباشر ) , أو الحجز على أمواله العقارية والمنقولة ونزع ملكيتها وبيعها جبراً عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها ( ويسمى التنفيذ غير المباشر ) .

حكم التنفيذ
يتفق نظام المرافعات السعودي مع ما قرره عامة فقهاء الشريعة الإسلامية من وجوب تنفيذ الحكم سواءً كان حضورياً أو غيابياً متى توفرت الشروط اللازمة لذلك .انظر ( المادة 196 مرافعات سعودي ) . ()
ويتطلب الاعتراف بالقوة التنفيذية الجبرية للحكم أن تتوافر شروط معينة في طبيعته وفي وصفه الإجرائي . وهي تعكس الشروط العامة في مضمون السند التنفيذي وبيان ذلك فيما يلي :

أولاً :- يجب أن يكون الحكم موجوداً نظاماً :
فإذا كان الحكم معدوماً ؛ لصدوره من غير قاضٍ أو في مواجهة خصم توفي قبل رفع الدعوى , أو كان مزوَّراً , أو صدر بطريق الغش في غفلةٍ من الخصم , لا تكون له أية قوةٍ تنفيذية .

ثانياً :- يجب أن يكون حكم إلزام :
فالحـكـم الـتـقـريري البحت () والحكم المنشئ البحت ()() لا يصلحان لأن يكونا سنداً تنفيذياً ؛ وذلك لأن حكم الإلزام وحده هو الذي يكون محله أداءً جزائياً قابلاً للتنفيذ الجبري . وصورته هي الحكم بإلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود , أو بإلزامه بإخلاء عقار , أو تسليم منقول معين بالذات أو بإقامة بناءٍ أو هدمه () .

ثالثاً :- لا بد أن يكون الحكم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه() : وذلك حتى تتوافر للحقوق الثابتة
به درجةٌ من الاستقرار () .
فلا يصدر أمر بتنفيذ الحكم بالقوة الجبرية إلا إذا كان قد اكتسب الصفة القطعية ما عدا الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل () وسيأتي ـــ إن شاء الله ـــ تفصيل الحديث عنها فيما بعد:
والأحكام التي اكتسبت الصفة القطعية هي :
الأحكام الصادرة أو المصدقة من محكمة التمييز .
الأحكام التي فات آخر ميعاد للاعتراض عليها .
ج- الأحكام التي قنع بها المحكوم عليه ما لم يكن المحكوم عليه ناظر وقف أو وصياً أو ولياً أو مأمور بيت مال أو ممثل جهة حكومية ونحوه أو كان المحكوم عليه غائباً () .
د- الأحكام المستثناة في الدعاوى اليسيرة بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى . ()
وبعد اكتساب الحكم الصفة القطعية لا بد من تذييله بالصيغة التنفيذية من قبل مصدره أو خلفه لكي يكون هذا الحكم قابلاً للتنفيذ من الجهات التنفيذية أي يكون بعد ذلك سنداً تنفيذياً فلو صدق الحكم ولم يذيل بالصيغة التنفيذية وجب رد المستدعى وإفهامه بوجوب تذيل الحكم بالصيغة التنفيذية . ()
ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أنه إذا تبلغ المدعى عليه لشخصه ـــ أو وكيله الشرعي في القضية نفسها ـــ بموعد الجلسة , أو أودع هو أو كفيله مذكرة بدفاعه للمحكمة قبل الجلسة , فيعد الحكم في حقه حضورياً , سواء أكان غيابه قبل قفل باب المرافعة , أم بعده . ()
أما بالنسبة لبقية النظم الوضعية فيذكر شُرَّاح النظم أن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي هو الحكم الذي لا يجوز الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية وهي المعارضة والاستئناف ؛ لأن قابلية الحكم للطعن فيه بهذه الطرق دليل ضعفه ودليل عدم استقرار الحق الذي قُضي به لاحتمال إلغاء الحكم بعد الطعن فيه .

أما قابلية الحكم للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية وهي : التماس إعادة النظر والنقض فلا يمنع من تنفيذه ، بل إنه لو تم فعلاً الطعن فيه بطريق من هذه الطرق فإنه لا يوقِف تنفيذه . فالطعن بطريق النقض في حكمٍ لا يمنع المحكوم له من الشروع في التنفيذ إن لم يكن قد شرع فيه ، كما لا يمنع من الاستمرار في التنفيذ إن كان قد ابتدأ فيه قبل رفع الطعن ؛ وحكمة هذه القاعدة منع المحكوم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه من أن يتخذ من طرق الطعن غير العادية وسائل للمماطلة والتسويف .

وإنما يمنع من تنفيذ هذا الحكم ويلغي ما يكون قد تم من التنفيذ الحكمُ فعلاً بإلغائها من المحكمة التي يطعن فيه أمامها بطريق من طرق الطعن غير العادية () .

ومن الضروري التنبيه هنا إلى مسألة مهمة تتعلق بالمرأة وهي : أنه إذا تم الحكم على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية فإن هذا الحكم لا يذيل بالصيغة التنفيذية ولا يجري تنفيذه جبراً عليها بمعنى أنه لا يتم اقتيادها بواسطة الشرطة من بيت أهلها إلى بيت زوجها , إنما تُفهم عند الحكم بسقوط حقوقها الزوجية من نفقة وكسوة وسكنى وقَسْمٍ إن هي رفضت العودة لأنها تكون حينئذ ناشزاً , ويُدوَّن ذلك في الضبط والصك . ()

علماً بأن هذا الحكم يصدر إذا لم تطلب المرأة الطلاق ,فإن طَلَبَتْهُ فإنها تعامل بموجب قرار هيئة كبار العلماءالصادر برقم 26 في 21/8/1394هـ المعمَّم من معالي وزير العدل برقم 55/12/ت في 22/3/1395هـ المبني على كتاب المقام السامي رقم 6895 في 1/3/1395هـ ، وقد تضمَّن هذا القرار عدة مراحل لنظر قضية النشوز والخلع آخرها أن ينظر القاضي في أمر الزوجين ويفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوضٍ أو بغير عوض . ()

ومن كل هذا يتضح اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفتة خاصة وأنها قد سبقت القوانين الوضعية في ذلك .

الباب الأول شروط التنفيذ في النظام
تمهيد
إن الأحكام التي تقبل التنفيذ الجبري هي :
1- الأحكام الموضوعية وبعض الأحكام الوقتية , وتُستبعد الأحكام المتعلقة بالإجراءات والأحكام المتعلقة بالإثبات .
2- وهي التي تتضمن منفعةً لخصمٍ في مواجهة الخصم الآخر .
3- وهي التي تتطلب للحصول على هذه المنفعة استعمال القوة الجبرية فتُستبعد الأحكام التي يُعتبر صدورها ـ في ذاته ـ بمثابة وفاء لالتزام المدين , أو محققاً لكل ما قصده المدعي من دعواه () , كتطليق المرأة من زوجها الغائب .
وتشترط النظم الوضعية للتنفيذ الجبري عدة شروط , وتتنوع هذه الشروط تبعاً لأربعة اعتبارات :
الاعتبار الأول : السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه .
الاعتبار الثاني : الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له .
الاعتبار الثالث : المال الذي يجوز التنفيذ عليه .
الاعتبار الرابع : مقدمات التنفيذ () .
ومن أجل ذلك فقد قسمت هذا الباب إلى أربعة فصول بيانها فيما يأتي :

الفصل الأول
الاعتبار الأول
السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه
يتفق نظام المرافعات السعودي مع بقية النظم الوضعية على اشتراط وجود السند التنفيذي حتى يصح التنفيذ .
كما تكاد تتفق هذه النظم على أن السند التنفيذي له عدة أنواع فهو يشمل الأحكام , والأوامر , والمحررات الموثقة , ومحاضر الصلح التي تصدَّق عليها المحاكم أو مجالس الصلح , والأوراق الأخرى التي تعطيها النظم قوة التنفيذ .
انـظـر : ( المــادتــيــن 50 , 55 تنظيم سعودي ) , و ( المادة 196 مرافعات سعودي ) , و ( المادتين 571 , 582 تـجـاريـة سعودي ) , و ( المادتين 20 , 21 تحكيم سعودي ) , و ( المادة 225 إجراءات إماراتي ) , و ( المادة 244 معدلة مرافعات بحريني ) , و ( المادة 362 مرافعات قطري ) , و (المادة 190 مرافعات كويتي ) , و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . فتشترط هذه النظم أن يكون للسند قوةٌ تنفيذية حتى يمكن التنفيذ بموجبه , ولا يلزم أن يكون هذا السند حكماً .
وبيان أنواع هذه السندات فيما يلي :
1- أحكام المحاكم: إن الأحكام القضائية هي أهم السندات التنفيذية ؛ فهي تؤكد الحق الموضوعي على نحو لا تفعله أي من السندات الأخرى .
2- أحكام المُحكَّمين : يلتزم أطراف النزاع بناءً على عقد التحكيم بالحكم الصادر من المحكَّمين . إلا أن هذا الحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .
فالسند التنفيذي هنا مُركَّبٌ من حكم المحكَّمين الذي يحتوى جميع عناصره الإلزامية , ومن الأمر القضائي بالتنفيذ الذي يعطي الحكم قوته التنفيذية .
3- الأوامـر : هـي مـا يصدره القضاة من قرارات بناء على طلب خصمٍ دون سماع أقوال الآخر وفي غيبته , أي بغير طريق الخصومة القضائية .
ولها عدة صور منها :
أ- الأوامر على العرائض : كتقرير نفقة وقتية من أموال التركة , والإذن بالحجز التحفظي .
ب- أوامر الأداء : تصدر هذه الأوامر للإلزام بقضاء الحقوق الثابتة بالكتابة , متى كانت حالَّة الأداء , سواءً كان الحق مبلغاً من النقود مُعيَّن المقدار , أو كان منقولاً معيَّناً بذاته أو بنوعه ومقداره .
ج- أوامر التقدير : كتقدير مصاريف الدعوى , و تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم .
4 – المحرَّرات الموثَّقة : إن الأوراق المتضمنة لتصرفات نظامية ويتم تحريرها أمام مكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل تُعدُّ سنداً تنفيذياً عند بعض النظم .
وينبغي التنبيه هنا إلى أن ( المادة 96 قضاء سعودي ) قد جعلت للأوراق الصادرة من كتابة العدل قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ .
5 – محاضر الصلح القضائي : إذا قامت خصومة أمام القضاء ثم اتفق الخصوم على صلح معين في أية حالة تكون عليها الدعوى فإنه يتم إثبات ذلك في محضر الجلسة ، ويتم توقيعه من الخصوم أو وكلائهم ، ويُعدُّ هذا المحضر سنداً تنفيذياً بمجرد توقيع الكاتب والقاضي عليه .
6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سنداتٍ تنفيذيةً () : تعترف معظم نظم المرافعات بالقوة التنفيذية لبعض المحاضر ، وأهم هذه المحاضر ما يلي :
أ – محضر بيع المنقولات المحجوزة : حيث يلتزم من رسا عليه المزاد بدفع الثمن فوراً ، وإلا وجب على مندوب التنفيذ إعادة المزايدة على ذمته بأيِّ ثمن كان . انظر ( المادة 229 مرافعـات سعودي ) .
ب – محضر التسوية الوُدِّية لتوزيع حصيلة التنفيذ: ولم تتم الإشارة إلى هذا المحضر في نظام المرافعات السعودي .

موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط وجود السند التنفيذي :
الأصل في الشريعة الإسلامية عدم التنفيذ إلا بوجود سندٍ تنفيذي , إلا أن الفقهاء أجازوا التنفيذ في حالاتٍ معينةٍ ولو لم يكن السند التنفيذي موجوداً , وذلك فيما يسمى مسألة الظفر .()

موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ بموجب السندات المذكورة :
1 – أحكام المحاكم : يتفق الفقهاء على وجوب تنفيذ الأحكام القضائية متى كانت مستوفيةً لشروط إصدارها () . وبهذا تكون النظم الوضعية متفقةً مع الشريعة الإسلامية في ذلك .
2 – أحكام المحكَّمين : يتفق الفقهاء أيضاً على وجوب تنفيذ أحكام المحكَّمين إذا توفَّرت الشروط المطلوبة لإصدارها ، والتي من أهمها كون المحكَّم أهلاً لولاية القضاء () . فالنظم الوضعية متفقةٌ في مسألة تنفيذ أحكام المحكَّمين مع الشريعة الإسـلامية .
3 – الأوامر : بالنسبة لأوامر الأداء حيث أنها تُعدُّ في حقيقتها من باب الحكم على الغائب دون توفُّر الشروط اللازمة للحكم عليه عند الفقهاء ؛ فإنـي أرى عدم اعتبارها سنداً تنفيذيـاً .
أما بالنسبة للأوامر على العرائض وأوامر التقدير فإن الضرورة تدعو إليها لذا فإنه يلزم الـتـنفيذ بموجبها فيما أرى وهذا يتفق في مجمله مع نظام المرافعات السعودي مع شيء من التفصيل .
4 – المحرَّرات الموثقة : أرى أن هذه المحررات لها قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ ؛ لأنه ربما يستدعي تنفيذها نظراً قضائياً ، كأن تكون الوصية لوارث لم يعلم الموثق بأنه أحد الورثة أو لم يكن حين توثيق الوصية وارثاً .
فنظام القضاء السعودي يتفق مع هذا الرأي بينما تخالفه بقية النظم الوضعية .
5 – محاضر الصلح القضائي : حيث أن الصلح الذي يتم بين الخصوم في مجلس القضاء ويُحرَّر محضر بموجبه دون أن يكوِّن القاضي رأياً فيه قد يكون مشتملاً على بعض المخالفات الشرعية ؛ فإنـي أرى عدم اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً . أما إذا درسه القاضي وأثبت صحته فإن هذا الصلح يصبح حينئذٍ واجب التنفيذ، ولا يلزم أن يصرح القاضي بلفظ الحكم ؛ لأن الصلح عقدٌ ملزمٌ لطرفي الخصومة تأسيساً على أن حقوق الآدميين مبنيَّةٌ على المُشاحَّة ، ويستوي في ذلك أن يصدر بشكل صكٍّ كما في النظام السعودي أو أن يصدر بشكل محضرٍ كما في بقية النظم الوضعية ، ولكن بشرط أن يكوِّن القاضي رأياً في موضوع الصلح ويثبت صحته .
6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سندات تنفيذيةً :
أ – محضر بيع المنقولات المحجوزة :
أرى اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً وهذا يتفق مع نظام المرافعات السعودي .
ب – محضر التسوية الوُديِّة لتوزيع حصيلة التنفيذ :
أرى أنه إذا تم اتفاق ذوي الشأن على توزيع حصيلة التنفيذ بتسوية وُدِّيةٍ دون سبق نزاع بينهم على ذلك ، فإن القاضي يقوم بإثبات هذا الاتفاق بعد التأكد من صحته، ثم يصدر بذلك صكاً ؛ ويكون لهذا الإثبات قوة التنفيـذ .
وهذا الرأي يتفق مع نظام المرافعات السعودي ولكنه يخالف ما ذهبت إليه بقية النظم الوضعية التي لا تلزم القاضي بالتأكُّد من صحة هذا الاتفاق .

الفصل الثاني
الاعتبار الثاني
الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له
تشترط معظم النظم الوضعية أن يكون الحق المطلوب تنفيذه مُحقَّقَ الوجود ، ومُعيَّن المقدار ، وحـالَّ الأداء ( المـادة 567 تجـارية سعـودي ) و ( المادة 225 إجراءات إماراتـي ) و ( المادة 362 مـرافعات قـطـري ) و ( المادة 190 مرافعات كويتي ) و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . وبيان هذه الشروط فيما يلي :

أولاً- أن يكون الحق مُحقَّقَ الوجود .
ولا يعني هذا أن يكون الحق خالياً من النـزاع ؛ إذ أن المدين ينازع عادةً في الدين عند التنفيذ ، وإنما المقصود أن يؤكِّد السند التنفيذي وجود الحق الموضوعي. ولا يتم ذلك إلا بما يأتـي :
1 – أن يردَ الحقُ في سندٍ تنفيذي .
2 – أن يؤكد السند ذاته وجود الحق بصفة قطعية جازمة ، فلا يجعل وجوده مسألةً احتماليةً محل شكٍ أو جهالة .
3 – أن يعين السند ذاته أشخاص الحق ومحلَّه ( أي لابُد أن يحدد أطراف الخصومة ومحلَّها من عين أو دين أو غير ذلك ) .
ثانياً – أن يكون الحق مُعيَّن المقدار ، ويلزم أن يكون الحق مُعيَّن النوع أيضاً . فلو كان الخلاف على سيارات – مثلاً – فلا بُد من تحديد عددها ونوعها ومواصفاتها وأرقام هياكلها أو لوحاتها .
ثالثاً – أن يكون الحق حالَّ الأداء ؛ لأن الحق الذي يؤكِّده السند حقٌّ جزائي قابل للتنفيذ الجبري ، وإذا كان الدين لم يحلّ أجله بعدُ فإنه لا يجوز للدائن المطالبة به ، وبالتالي يمتنع عليه من باب أولى إجبار المدين على تسديده () .

موقف الشريعة الإسلامية من الشروط الواجب توافرها في الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له :
إن النظم الوضعية تتفق مع الشريعة الإسلامية في اشتراط هذه الشروط، فقد قال فقهاء المســلــمين بضــرورة أن تُرفع الدعوى بتعبيراتٍ جازمة وقاطعة ليس فيها تردد ، فلا تصح الدعوى بنحو : أشكُّ أن لي على فلان مبلغ كذا ، أو أظن أنه غصب مني سيارتـي () .
كــمــا اشترطوا تحرير الدعوى ، أي أن يكون المدعى به مُعيَّناً معلوماً واضحاً لا غموض فيه ولا اشتباه () .
وكــذلــك اشترطوا أن يكون الحق قد حلّ أجله إن كان مؤجلاً وذلك حتى تصحّ المطالبة به ؛ لأن الأجل يسقط بانتهاء مدته ، ويلزم حينئذٍ ردُّ الحق إلى صاحبه () .

الفصل الثالث
الاعتبار الثالث
المال الذي يجوز التنفيذ عليه
يشترط للتنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية توفر الشروط الآتيـة () :
أولاً – أن يكـون محل التنفيـذ حقاً مالياً . سواءً أكانت الحقوق المالية عينيةً أم شخصية ()، فلا يجوز التنفيذ على ما عداها كالحقوق الأدبية مثل حق المؤلف ، فلا يُلزم المؤلف بنشر مؤلَّفه أو إعادة نشره ، ولكن إذا تم نشر المؤلَّف فإنه يجوز التنفيذ على النُّسخ التي تم نشرها ، وكذلك لا يجوز التنفيذ على الشهادات والأوسمة والتذكارات العائلية وأوراق المدين وكذلك رسائله .
ثانياً – أن يكون محل التنفيذ حقاً للمدين . أي أن يكون الحق المراد التنفيذ عليه مالاً مملوكاً للمسؤول عن الدين أي المدين أو الكفيل الشخصي عند بدء التنفيذ ؛ إذ أن التنفيذ على مال الغير يمثل اعتداءً على حق الغير فيكون الحجز باطلاً . وبناءً على ذلك لا يجوز التنفيذ على مالٍ تصرَّف فيه المدين تصرفاً نافذاً قبل الحجز عليه ، كما لا يجوز التنفيذ على مال الشركة استيفاءً لِدينٍ على الشريك ولو كـان شريكاً متضامناً ؛ إذ أن مـن قـواعد الفقه الرومانـي أن ( كيان الشركة شيء وكيان كلّ شريك شيء آخر)()، ولكن يجوز التنفيذ على مال الشريك المتضامن استيفاءً لدينٍ على الشركة().
ثالثاً – أن يكون الحق المالي مما يمكن التصرف فيه . يهدف التنفيذ بالحجز إلى بيع الأموال المحجوزة بالمزاد استيفاءً لحق الدائن من حصيلة هذا البيع ، وإذا كانت القاعدة أن ملكية المال تشمل سلطة التصرف فيه فإن النظم الوضعية قد تمنع مالكه من التصرف فيه لأسباب مختلفة يرجع بعضها لطبيعة المال كحق السُّكْنَى وكالعقار الموقوف ، أو حمايةً لمصلحةٍ عامةٍ أو خاصةٍ ، أو بناءً على شرط إرادي كشرط الموصي عدم التصرف في الموصى به ، وفي هذه الأحوال لا يجوز التنفيذ على هذا المال عن طريق الحجز ونزع الملكية ؛ لأنه إذا امتنع على المدين أن يبيع المال الذي يملكه ، فمن باب أولى امتناع ذلك على القضاء الذي يقوم مقام المدين في مباشرة سلطة التصرف عن طريق البيع القضائي .
رابعاً – أن تكون الأموال مما يجوز الحجز عليها : هناك بعض الأموال التي لا تجيز النظم الوضعية الحجز عليها رغم إمكان التصرف فيها ؛ وذلك مراعاةً لاعتباراتٍ معينة ، ويقع باطلاً أي حجز يوقع عليها سواءً أكان تنفيذياً أم تحفظياً، والأصل – كما أشرت سابقاً – هو قابلية جميع الأموال المملوكــة للمــدين للتـنـفـيـذ عـلـيـهـا ؛ لأنـهـا كـلَّهـا ضـامـنـة لديونه ، ومن قواعد الفقه الرومانـي أن ( الديون مضمونة بعموم المال لا ببعض أعيانه )(). فعدم جواز الحجز يَردُ استثناءً من القاعدة العامة؛ ولهذا يقع عبء الإثبات على من يدَّعي عدم جواز الحجز،ولا يكلَّف الدائن بإثبات صلاحية الأموال لحجزها والتنفيذ عليها.

هذا ويمكن تقسيم الأموال التي لا يجوز الحجز عليها في النظم الوضعية إلى عدة أقسام تبعاً لثلاثة اعتباراتٍ هي :
1 – الإطلاق : وتنقسـم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أ – عدمُ جوازٍ مطلقٍ إذا كان لا يمكن الحجز على المال اقتضاءً لأيِّ حقٍ كان.
ب – عدم جوازٍ نسبيٍ . إذا كان يمكن الحجز على المال اقتضاءً لحقوق مُعيَّنة ، فبالنسبة لهذه الحقوق يعتبر المال مما يجوز الحجز عليه.
2 – الكُلِّيةُ وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين أيضـاً :
أ – عدم جواز كُلِّي . إذا كان لا يمكن الحجز على أي جزء من المال.
ب – عدم جواز جزئي. إذا كان عدم جواز الحجز لا يلحق كل المال. والمعتاد أن يكون عدم جواز الحجز الجزئي نسبياً ، أي يمكن الحجز على جزء من المال اقتضاءً لبعض الحقوق دون غيرها.
3 – العِلَّة : وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام هي :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه .
كالاختراع قبل صدور براءة به ، وكالمال المخصص لغرض النفقة .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معيَّن .
كالمال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه ضماناً لبقاء غلَّته.
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته .
كالغذاء والثياب التي تلزم المدين وأسرته ، وكذلك ما يلزم لمهنة المدين.
د – حالات ترجع إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .
كالأموال اللازمة لسير المرفق العام () .
وهذه الحالات توجد في نظام المرافعات وفي نظم أخرى متفرقة ، وحصرها لا يدخل في نطاق هذا البحث .
وقد أشارت ( المادة 570 تجارية سعودي ) و ( المادة 427 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 249 – 251 مرافعات بحريني ) و ( المواد 387 – 392 مرافعات قطري ) و ( المادة 216 مرافعات كويتي ) و ( المواد 305-309 مرافعات مصري ) إلى أهم هذه الحالات .
وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي لم يتعرض لهذه المسألة فإن نظام المرافعات السعودي ولوائحه قد أشارت في ( المادة 217 ) من النظام و( المادتين 217/4 و 217/7 ) من اللوائح إلى أنه قبل بيع أموال المحكوم عليه يقوم القاضي بتحديد ما تدعو الحاجة إلى تركه للمحجوز عليه من المنقول والعقار مثل مسكنه ومركبه المعتاد , كما يجوز الحجز على مال المدين من راتب أو مخصصات بعد تقدير الكفاية له من نفقة ونحوها .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت