شروط قبول دعوى نزاعات الشغل

رشيد لكحل
إطار قانوني

يجب التمييز فيما يخص شروط قبول الدعوى بين الشروط الموضوعية والشروط الشكلية، فالمقصود بشروط قبول الدعوى الموضوعية (المبحث الأول) تلك المقتضيات التي يتطلبها القانون في كل دعوى لتكون مقبولة كمحل للعمل القضائي، أما المقصود بالشروط الشكلية (المبحث الثاني) للدعوى فهي تلك الإجراءات المسطرية المواكبة للدعوى ابتداءا من رفعها وإلى غاية صدور الحكم وتنفيذه.

المبحث الأول: الشروط الموضوعية للدعوى

من خلال مقتضيات الفصل الأول[1] من قانون المسطرة المدنية يتضح أن الشروط الواجب توافرها في المدعي هي الصفة، والأهلية، والمصلحة.

المطلب الأول: الصفة

الصفة هي علاقة الشخص المدعي بالشيء المدعى به، والتي تعطيه الصلاحية في الادعاء به أمام القضاء، وكما تشترط الصفة في المدعي تشترط كذلك في المدعى عليه، فلا تقبل دعوى أداء من شخص غير الدائن، ولا تقبل دعوى النفقة من غير الزوجة، ولا يمكن رفع دعوى إبطال عقد من شخص لم يكن طرفا فيه، وهو ما يعبر عنه بوجوب رفع الدعوى من ذي الصفة على ذي الصفة.
ويجب على من يرفع الدعوى أن يبين في مقاله الصفة التي رفع بها الدعوى، هل يتقاضى أصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره مع بيان نوع النيابة، كما عليه أن يدلي بالوثيقة التي يثبت بها صفته هذه.
وبالنسبة للأشخاص المعنويين فقد حدد الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية الأشخاص الذين لهم صفة تمثيلهم أمام القضاء[2].
كما يلزم ممثل الشخص الاعتباري شركة كان أو جمعية، بإقامة الحجة على أنه ذو صلاحية في تمثيل ذلك الشخص وإلا عد عديم الصفة وبالتالي غير ذي حق في التداعي أمام القضاء.

وحسب الفقرة الثانية من الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية، يثير القاضي انعدام الصفة تلقائيا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده، وهذا يجعل القاضي ملزما بالتثبت من توفر شرط الصفة، الأمر الذي يشكل صعوبة أمام القاضي للتوصل إلى هذا التثبت سيما وأن العديد من الحالات التي كان من السهل على هذا الأخير أن يتوصل إلى توافر الصفة فيها أصبحت صعبة، إذ قلما يقيم الممثلون الحجة على تمثيلهم للغير خاصة حين يتعلق الأمر بالأشخاص المعنوية العامة.

وهذا الشرط يمكن إثارته من قبل المتقاضين في أي مرحلة من مراحل الدعوى، كما يمكن للمحكمة إثارته من تلقاء ذاتها، ويمكن أن تقضي بناءً عليه بعدم قبول الدعوى المعروضة عليها إذا تحقق لديها أن المدعي لا صفة له في ادعائه.

المطلب الثاني: الأهلية

الأهلية من الناحية المسطرية هي صلاحية الشخص لأن يرفع الدعوى وأن ترفع ضده، ومبدئيا لا تقبل دعوى من غير ذي أهلية أداء كاملة[3].
تنقسم الأهلية إلى أهلية وجوب وأهلية أداء ويقصد بالأولى “صلاحية الشخص لثبوت الحقوق والالتزامات له وعليه” ويراد بالثانية “صلاحية الشخص لممارسة التصرفات والحقوق والتحمل بالالتزامات على وجه يعتد به قانونا”.[4]
والذي يعنينا نحن في هذا المقام، هو أهلية الأداء، لأنها هي المقصودة في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
وتتدرج أهلية الأداء كما هو معلوم بتدرج الإدراك أو التمييز، وتدور معه وجودا وعدما ونقصانا، فكلما كان الإدراك أو التمييز كاملا، أو منعدما، كانت الأهلية منعدمة أو مفقودة.

وبالرجوع إلى المادة 209 من مدونة الأسرة الصادرة في فبراير 2004 يتبين أن سن الرشد محدد في ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة، فمن بلغ هذه السن كان له أن يباشر كل التصرفات بدون قيد أو شرط، مالم يكن محجورا عليه لسفه أو جنون[5].
أما فيما يتعلق بأهلية الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية، فتنبني على التمثيل القانوني، حيث تستمد الأهلية من القواعد النظامية التي تحدد الأعضاء المؤهلين لتمثيل المؤسسة أمام القضاء بشكل صحيح، إذ تكون “الأهلية” متوافرة متى تم رفع الدعوى من قبل من يمثل الشخص المعنوي قانونا، كالمدير أو رئيس المجلس الإداري بالنسبة للشركة، وكالعامل بالنسبة للجهة والعمالة والإقليم، ورئيس الجماعة بخصوص الجماعة.

المطلب الثالث: المصلحة

المصلحة هي الفائدة التي تعود على المدعي من دعواه، وتتجلى في حماية الحق أو اقتضائه، والمصلحة ليست شرطا في الدعوى فقط، بل في كل دفع يثيره الخصم كذلك، فلا يمكن للمدعى عليه أن يتمسك بشرط وضع لمصلحة غيره، كما لا بد من توفر المصلحة في ممارسة طعن من الطعون، وبمعنى آخر هي المنفعة التي يجنيها المدعي من التجائه إلى القضاء أو هي الباعث على رفع الدعوى، وهي من ناحية أخرى الغاية المقصودة منه.

وهذا ما يتماشى مع المبدأ المأثور في المسطرة أنه لا يسوغ لأحد رفع دعوى إذا لم تكن له مصلحة في القيام بذلك “لا دعوى بدون مصلحة”، غير أن المصلحة ليست مصلحة مجردة أو مثالية، بل يجب أن ترتبط بأساس قانوني، ينصب على تقدير القاضي بدرجة قد تزيد أو تنقص صرامتها حسب نوعية الدعوى المعروضة أمامه.
كما أنها ليست شرطًا لقبول الدعوى فحسب بل هي شرط لقبول أي طلب أو دفع أو طعن في حكم، ويعتد بالمصلحة سواء كانت مادية أو أدبية، ذات قيمة كبيرة أو زهيدة،بل أن المجلس الأعلى استقر على اعتبار هذا الشرط لازما لقبول الدعوى وصحتها، وذلك من خلال مجموعة من قراراته.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن قبول المصلحة كشرط في الدعوى بشكل مطلق، وإنما لا بد أن تكون هذه المصلحة قانونية[6]، شخصية[7]، وقائمة أو حالة[8].
وخلاصة القول فإن المشرع المغربي اعتبر هذه الشروط من متعلقات النظام العام يجوز للأطراف إثارتها في أية مرحلة من مراحل التقاضي، وعدم توافر إحداها يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى.

المبحث الثاني: الشروط الشكلية للدعوى

يجب التأكيد في البداية على أن نظام وحدة القضاء لم يتم التخلي عنه، وهذا ما يتجلى في نصوص القانون المحدث للمحاكم الإدارية الذي تضمن المبدأ القاضي بتطبيق قواعد المسطرة المدنية لسنة 1974 أمام المحاكم الإدارية، ما عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ومن ناحية أخرى كانت الاستثناءات الواردة على المسطرة المدنية نادرة.
ونقصد بالشروط الشكلية البيانات التي يتعين الالتزام بها في الطلب الرامي إلى رفع الدعوى أمام القضاء.

وقد أوجب الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية على أن ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله، أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار إلى أنه لا يمكن له التوقيع.
غير أن المشرع سمح برفع الدعوى بواسطة تصريح شفوي يدلي به المدعي شخصيا أمام أحد أعوان كتابة الضبط بالمحكمة، ولكن مع ذلك فإن النتيجة في هذه الحالة أن يؤول هذا التصريح إلى محضر مكتوب يوقع عليه المدلي بالتصريح أو يشار إلى عدم توقيعه إذا كان من غير الممكن أن يوقع.[9]

وفي كلتا الحالتين فإن المسطرة تكون كتابية[10]، ومن ثم تضحى الكتابة شرطا شكليا لقبول الدعوى كقاعدة عامة[11].
يضاف إلى شرط الكتابة المشار إليه، شرط شكلي آخر يتمثل في ضرورة احترام مقتضيات الفصل 32[12] من قانون المسطرة المدنية الذي يلزم الطالب بتضمين مقاله الإفتتاحي:
_ تعريفا بأطراف الدعوى، وذلك بذكر أسمائهم العائلية والشخصية وصفة أو مهنة كل منهم، وموطنه أو محل إقامته، وعند الاقتضاء البيانات المعرفة بهوية الوكيل الخاص بالمدعي وموطنه.
وتكمن أهمية هذه البيانات في تحديد الاختصاص المكاني أو المحلي للمحكمة،[13] وبيان الملتزم بالإثبات.[14]

_ بيانا لموضوع الدعوى، هل يتعلق الأمر بدعوى شخصية أم بدعوى عينية وهل يتعلق بدعوى عقارية أم منقولة، ولا يخفى ما لتحديد موضوع الدعوى من آثار خاصة على مستوى الأشخاص.
_ عرضا للوقائع والوسائل التي يثيرها المدعي، وذلك لتسهيل مأمورية القاضي في فصل النزاع والبت فيه من جهة، ولمعرفة مدى جدية النزاع من جهة أخرى.
وبالرجوع إلى مقتضيات قانون المسطرة المدنية، نجد أن المشرع يستعمل صيغة الوجوب والأمر وهذا يعني أن غياب أحد البيانات يؤدي إلى عدم قبول الدعوى.

وقبل ختام هذا المبحث نرى من الواجب تسليط الضوء على المسطرة المتبعة أمام المحكمة الإدارية حيث أن المادة الثالثة من قانون إحداث المحاكم الإدارية لسنة 1993 أوجبت مسألتين اثنتين، أولاهما تتمثل في ضرورة سلوك المسطرة الكتابية إذ لا تقبل أية دعوى لم تتم بواسطة مقال مكتوب، وهذا يعني أنه لم يفتح مجال لسلوك المسطرة الشفوية في المادة الإدارية، وثانيتهما تتجلى في وجوب تقديم المقال المكتوب من طرف محام، وهذا ما يفيد إتباع المشرع فلسفة مغايرة تماما لتلك التي اتبعها في قانون المسطرة المدنية، فلم يفتح الباب أمام سلوك المسطرة الشفوية من ناحية، ولم يعط الحق لأي كان للنيابة عن الغير في الدعوى أمام المحاكم الإدارية دون المحامين من ناحية أخرى.

وللتذكير أنه رفعا لكل حاجز قد يحول دون مطالبة الأجير بحقه أمام القضاء، فقد نص المشرع في المادة 273 من قانون المسطرة المدنية على استفادة الأجير أو ذوو حقوقه من المساعدة القضائية بحكم القانون سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، حيث يعفى من أداء مصاريف التقاضي، كرسم الدعوى، وأتعاب المحامي، أو الخبير، ويسري مفعول هذه المساعدة على مرحلة الاستئناف وكذلك على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية، لكنه لا يسري على مرحلة النقض، إلا إذا تقدم طالب النقض بملتمس من أجل الحصول على المساعدة القضائية وهو ما سبق للمجلس الأعلى أن كرسه في إحدى القضايا التي لم يؤدي فيها طالب النقض الرسوم القضائية بحجة أن الدعوى الاجتماعية معفاة من الرسوم.

الهوامش
[1]- والذي ينص على أنه: “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه، يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده.
إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة، وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى”.

[2]- والذي نص على أنه:
” ترفع الدعوى ضد:
1 – الدولة، في شخص الوزير الأول وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء؛
2 – الخزينة، في شخص الخازن العام؛
3 – الجماعات المحلية، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم، وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات؛
4 – المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني؛
5- مديرية الضرائب، في شخص مدير الضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصاتها”.
[3]- ما عدا الزوجة القاصرة في الدعاوى ضد زوجها والناتجة عن زواجها كطلب النفقة أو الحضانة إن طلقت، والقاصر المرشد، والمأذون له بالتجارة فيما يتعلق بتجارته، والقاصر عامة ضد وليه بالنفقة لأنها من باب جلب المنفعة التي له الحق في اكتسابها دون مساعدة النائب.
[4]- مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات، الجزء الأول، طبعة 1977 ص 135-136.
[5]- ولا حاجة للتذكير بأن سن الثامنة عشرة لم تقرر إلا في سنة 2003، ذلك أن الفصل 137 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في صيغته الأصلية كان لا يعتبر الشخص راشدا إلا ببلوغه سن الواحد والعشرين قبل أن يخفضها سنة 1992 إلى عشرين.
[6]- ومؤدى هذا الشرط أن تكون المصلحة مبنية على حق يطالب به الرافع للدعوى، أي أن يكون موضوع الدعوى هو المطالبة بحق أو بمركز نظامي أو التعويض عن ضرر أصاب حقًا من الحقوق، وبناءً على ذلك، إذا كانت المصلحة غير نظامية، فلا يعتد بها ولا تكفي لقبول الدعوى، وتكون المصلحة غير نظامية إذا كانت مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة.
[7]- أي أن تتعلق بالطالب نفسه لا بشخص آخر مالم تكن له النيابة على الغير فتقدم الدعوى باسم الغير، بمعنى أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق المراد حمايته أو من يقوم مقامه كالوكيل بالنسبة للموكل والنائب الشرعي بالنسبة للقاصر.
[8]- بمعنى أن يكون حق رافع الدعوى قد اعتدى عليه بالفعل أو حصلت له منازعة فيه فيتحقق الضرر الذي يبرر الالتجاء إلى القضاء، ويقصد بالشرط المذكور أن تكون المصلحة موجودة وقت رفع الدعوى، فإذا طالب دائن بدين له على المدين دون أن يكون هذا الدين معلقا على شرط ولا مقترننا بأجل، كانت المصلحة قائمة وحالة.

[9]- على أن رفع الدعوى بواسطة تصريح شفوي محفوف ببعض المخاطر أهمها عدم الموضوعية أو الدقة في ترجمة التصريحات التي أدلى بها المعني بالأمر شخصيا أمام كاتب الضبط، لذلك وتخفيفا من المخاطر المحتملة المذكورة يجب أن ينص المشرع صراحة على ضرورة قراءة التصريح على صاحبه قبل توقيعه من طرفه من جهة، وأن يسمح للمصرح إذا ما اكتشف أن تصريحاته حرفت لسبب من أسباب التجريح المنصوص عليها في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية، أن يجرح الكاتب الذي حرر المحضر وذلك لتحقيق حماية وضمان أكثر لمن يسلكون مسطرة التصريح الشفوي في التداعي أمام القضاء.
[10]- سواء تعلق الأمر بالمقال الافتتاحي المكتوب، أو بالتصريح الذي أصبح ذا صبغة كتابية بعد تحريره بمحضر من طرف أحد أعوان كتابة الضبط.
[11]- وهذا ما يتضح فعلا من نص الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية الذي يقضي بأنه:
“تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستينافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستيناف وفقا لأحكام الفصول 329 و331 و332 و334 و335 و336 و342 و344 الآتية بعده”.
[12]- الذي ينص على أنه:
“يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي وكذا عند الإقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها.
يجب أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة ونوعها”.
[13]- سنقف بالتفصيل عند هذا الاختصاص في الفرع الثاني من هذا البحث.
[14]- إثبات الادعاء يقع على المدعي وفقا للفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أن “إثبات الالتزام على مدعيه” والفصل 400 من نفس القانون الذي يؤكد على أنه “إذا أثبت المدعي وجود الالتزام كان من يدعي انقضاءه أو عدم نفاده تجاهه أن يثبت ادعاءه”.