القانون الضريبي بين الاستقلالية والخصوصية

الدكتور فريد بنته
إطاربوزارة الإقتصاد والمالية
وباحث في شؤون المالية العامة

تم إعادة النشر بواسطة محاماة نت

إن طبيعة القانون الضريبي وتموضعه بين الاستقلالية التامة والخصوصية، تكتسي أهمية جوهرية مادام القانون الضريبي هو الوسيلة والأداة لتحليل العلاقات بين الملزمين والإدارة الضريبية علما بأن هناك عوامل أخرى ذات طبيعة سياسية، اقتصادية واجتماعية وكذلك سيكولوجية متشابكة تساعد هي أيضا على فهم الظاهرة الجبائية . كما أن فهم الطبيعة القانونية لهذا الفرع من فروع القانون والتي لها ارتباط بمسألة تمويل القانون الضريبي من طرف الإدارة التي ساهمت في بلورته ثم تطبيقه وتأويله من خلال المذكرات التفسيرية التي تصدرها سنويا، مما يطرح مسألة تفسير القانون الضريبي من طرف قاضي الضريبة juge de l’impôt حين يتسم هذا القانون بنوع من القصور أو يتعارض مع المبادئ العامة للقانون أو مع قانون الأعمال بصفة عامة و هذا ما سنحاول مناقشته في هدا المقال و دلك من خلال ابراز المباحث التالية:

1. .المبحث الأول: استقلال القانون الضريبي على القوانين الأخرى.
2. المبحث الثاني : خصوصية القانون الضريبي و مدى نجاعته.
3. المبحث الثالث: قراءة نقدية لتيار الاستقلالية و الخصوصية.

المبحث الأول: استقلال القانون الضريبي على القوانين الأخرى.

نشأ هذا التيار الداعي إلى استقلالية القانون الضريبي في أوربا في العشرينيات منذ هذا القرن، ومن بين أقطاب الفكر المالي الذين دافعوا عن هذه الاستقلالية نخص بالذكر العميد ” ترو تابا” DOYEN TROBATAT. الذي نصب نفسه مدافعا جريئا على مبدأ استقلالية القانون الضريبي في مواجهة هيمنة القانون المدني ” حيث أكد على أن القانون الضريبي في علاقاته بفروع القانون العام أو القانون الخاص يتوفر على استقلالية تسمح له بإرساء قواعده الخاصة ويعتبر بذلك ” سيدا في داره ” le droit fiscal est maitre chez lui (1)

حيث تحكمه قواعد قانونية خاصة ويخضع لجهة قضائية خاصة في حالة المنازعة بشأنه ويترتب عن ذلك أنه يجب تطبيقه وتأويله بطريقة خاصة، وبالتالي يعتبر من العبث التشبث في مواجهة الإدارة الضريبية بمبادئ القانون الخاص باعتبار أن القانون الضريبي يسري على وقائع ولا يعتد بالمراكز القانونية .كما أن تطوره و اختلاف مركز الفرد كملزم بالضريبة عن مركزه كمواطن خاضع للإدارة من ناحية أخرى ،أضفى على هذا القانون طابعا مميزا عن غيره من فروع القانونية وخاصة القانون الإداري التي لا تصلح العديد من من قواعده لتطبيقها في إطار القانون الضريبي (2) كما أكد العميد جورج فديل G.VEDEL من جهته بأن تطور أي مادة قانونية يسري وفق منهجية معروفة ،ذلك أنه في لحظة معينة ،تقتضي الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية خلق فرع قانوني جديد أو فصله عن فرعه الأصلي ، مما يدفع الاجتهاد الفقهي و القضائي إلى البحث عن خصوصيات و مميزات هذا الفرع الجديد في بداية تطوره و استبعاد المفاهيم و القواعد التي لا تنسجم معه ومن بينها مبادئ القانون العادي وبالتالي

(1) Cité par M.Cozian, les grangdes principes de la fiscalité des entreprises, litec 1996, p.6
2) ذ .يونس احمد البطريق والاخرون ،النظم الضريبية ،منشورات شباب الجامعة الجامعة 1987 ، ص 175

تكون المطالبة بالاستقلال وتستكمل عملية البناء ويشعر المتخصصون بالاطمئنان داخل بيتهم الجديد (1) وقد ساير الاجتهاد القضائي في فرنسا أنداك هذا الاتجاه ،فلم يتقيد بأحكام القانون الخاص عند النظر في قضايا الضرائب ، حيث يعتبر القضاء من عناصر الدخل الخاضع للضريبة ما يعد من بين عناصر رأس المال طبقا للقانون المدني ، كما يحدد مفهوما للموطن و الجنسية في مجال سريان القانون الضريبي يختلف عن مفهومها في القوانين الأخرى .

ويؤيد كذلك القضاء المصري هذا الاتجاه القائم على الاعتراف باستقلال القانون الضريبي حيث جاء في إحدى قرارات مجلس الدولة الصادر في 6 مايو 1954 أن “المقرر أن الحكومة إذ تقوم بتحصيل العوائد من الممولين إنما تقوم بذلك بمقتضى سلطنتها العامة المستمدة من القوانين و اللوائح لا باعتبارها طرفا في تعاقد مدني … فعلاقة الحكومة بالممولين علاقة يحددها القانون العام ، لا تخضع لقواعد الخاص ومن ثم لا محل لتطبيق قواعد المسئولية التعاقدية أو التقصيرية في حالة اقتضاء الحكومة ضرائب أكثر مما هو مستحق وبالتالي لا يجوز الحكم عليها بفوائد من المبالغ التي يحكم بردها 2

1 vedel ,préface à la thése de Ph.Bern , la nature juridique de contentieux de l’imposition paris ,19721
2 ذ.يونس احمد البطريق نفس المرجع المشار اليه ص 178

المبحث الثاني : خصوصية القانون الضريبي و مدى نجاعته.

ظهر هذا التيار في الثلاثينات على يد العميد ف . جيني في فرنسا والذي يمكن إيجازه في أن “اعتماد مبدأ استقلالية القانون الضريبي يعني أن كلمة الاستقلالية حسب الاشتقاق اللغوي تؤدي إلى الاستنتاج بأن القانون الضريبي يستقي تشريعه من ذاته و يخلق قواعده بنفسه بمعزل عن باقي القوانين وذلك وفق طبيعته وأهدافه الخاصة ، لنخلص إلى ما يسمى بالجبايات fiscalité وبالتالي فان استقلالية القانون الضريبي بهذه الصورة غير مقبولة ، بحيث أن أي قانون لا يمكن أن يكون منعزلا تماما ، من ثم فان كل قاعدة قانونية تستقي مبدأها ومصدرها سواء من القوانين الإلهية أو الطبيعية أو من سلطة آمرة ، وهذا يصدق أكثر على القاعدة الضريبية التي بطبيعتها وهدفها توحي بأن هناك سلطة عليا كمصدر للالتزام الضريبي ” (1)

وفي هذا السياق يمكن القول بأن الكثير من المصطلحات المستعملة من طرف المشروع الجبائي لا تختلف عن المصطلحات القانونية المعمول بها في مجال القانون الخاص ، حيث أن قواعد القانون الضريبي التي تحكمها ، فحينما يخضع المشرع التاجر للضريبة فهو لا يحدد مدلول التاجر ،الذي يجب البحث عنه في مدونة التجارة ، وكذلك حينما يخضع عقود البيع للتضريب فهو لا يعرف عقد البيع الذي يجب البحث عن تعريفه في القانون المدني ، وحين يلزم التجار بمسك محاسبة منتظمة فانه يحيل على القانون المحاسبي لتحديد شكليات تلك المحاسبة والدفاتر اللازم مسكها .

لكن رغم هذا التقارب من حيث اللغة و التصنيفات المستعملة ،فان المشروع الضريبي يحيد في بعض الأحيان عن المفاهيم المألوفة في القانون العادي ، ويعتمد عوضها على مفاهيم وتعريفات خاصة فنجد المشرع المغربي مثلا يعرف المستثمر العقاري بكونه ذلك “الشخص الذي يشيد أو يعمل على تشييد عقار أو أكثر من أجل البيع أو الإيجار ، من غير أن تكون له صفة مقاول في الأعمال العقارية ”
وقد نجد الاختلاف في التعريف حتى داخل مكونات التشريع الضريبي وفقا لتشعب الأهداف المرسومة لكل ضريبة على حدى ، بحيث نجد نفس التعريف الخاص بالمستثمر العقاري المعتمد من طرف المشرع في مجال الضريبة العامة على الدخل قد حذف عبارة “من أجل الإيجار ” وبالتالي فلا يعتبر مستثمرا عقاريا على مستوى هذه الضريبة الأخيرة إلا الشخص الذي يشيد عقارا أو عقارات من أجل البيع ، أما إذا خصصها للإيجار فتنتفي عنه صفة المستثمر العقاري ، وعلى كل حال فان التعريفيين رغم اختلافهما في هذه المسألة ،فأنهما لم يعتمدا على معيار الاحتراف أو التكرار أو هدف الربح …

1) F.Geny .la particularisme de droit fiscal, revue trimestrielle du droit civil,1931 .p.797,cité par J.Pujol. « L’application du droit privé en matière fiscale » L.G.D.J 1987 p 11

بالإضافة إلى ذلك فان القانون الضريبي لا يعتد في كثير من الأحيان بالمراكز القانونية بل يرتكز على الوقائع، حيث أن الشخص الذي يمارس مثلا الطب بصفة قانونية ( أي دون توفره على دكتورة في الطب ) يعتبر كذلك في نظر القانون الضريبي ومن ثم يتم إخضاعه للضريبة المهنية وضريبة الأرباح شأنه شأن باقي الأطباء الرسميين، كما أن الشركات العقارية الشفافة (1 LES Stés immobilières transparentes رغم كونها شركات قائمة بذاتها حسب مدلول القانونين المدني والتجاري، فان القانون الضريبي لا يعترف لها بالشخصية المعنوية مما نتج عنه استثنائها من مجال تطبيق الضريبة على الشركات.
إن هذه المميزات التي تجلت من خلال بعض الأمثلة التي استشهدنا بها دفعت كثير من الباحثين إلى نعت القانون الضريبي بالواقعية réalisme du droit fiscal التي ارتبطت بنظرية التعسف في استعمال الحق في المجال القانون الضريبي وهي منظمة في عدة دول (2) وفق مسطرة خاصة سنها المشرع في مواجهة بعض الملزمين الذين يلجئون إلى القيام ببعض التصرفات المقنعة بقوالب قانونية، حيث تبدو سليمة في صورتها لكن الهدف منها هو الإفلات من الضريبة أو إنقاص مبلغها، وذلك دون مخالفة مقتضيات القانون الضريبي وأشهر مثال يتم الاستشهاد به لتوضيح مبدأ التعسف بهذه الصورة، مستسقى من القانون الضريبي الفرنسي الذي يخضع الهبات إلى رسم يتراوح ما بين 35% إلى 60% من القيمة التجارية للعقار موضوع الهبة، في حين أن البيوعات تخضع لرسم لا يتعدى 7% من تلك القيمة، وبالتالي يلجأ الواهب والموهوب إليه إلى إبرام عقد بيع صوري يتضمن مبلغ البيع والإشهاد بأدائه وذلك بهدف أداء مبلغ مخفض لرسوم نقل الملكية (3), ذلك أن جل الدول الأوربية سمحت للإدارة الضريبية بإثارة مبدأ التعسف في استعمال الحق في مواجهة كل الأعمال أو الاتفاقيات التي تخفي الهدف الحقيقي من وراء هذه العمليات ألا وهو الإفلات من الضريبة أو إنقاص مبلغها، غير أن هذه المسطرة التي تكتسي أهمية وخطورة في نفس الوقت ، أحاطها المشرع بعدة ضمانات قانونية لحماية الملزم وإلقاء عبء إثبات صور التعسف على عاتق الإدارة، ففي فرنسا يسند الحسم في طبيعة العمليات أو التصرفات التي اعتبرتها

1) عرفها المشرع الضريبي في المادة 2 من قانون الضريبة على الشركات بكونها شركات ذات غرض عقاري ينقسم رأسمالها إلى حصص أو أسهم اسمية تتألف اما من وحدة سكنية يشغل جميعها أو جلها أعضاء الشركة أو أرض معدة لهذه الغاية .
2) ومنها فرنسا من خلال المادة 24 من مدونة المساطر الضريبية
3 M. Cozian, pécis de fiscalité des entreprises citées , 1996-1997, p.169

الإدارة تعسفا أو تحايلا على القانون إلى اللجنة الاستشارية لزجر التعسف في استعمال الحق (1) Comité Consultatif des abus de droit وكما يدل على ذلك اسمها فهي لا تصدر أحكاما بل تعطي فقط رأيا استشاريا Avis consultatif لكن رغم ذلك فان رأي اللجنة لا يخلو من أهمية، ارتباطا بمسالة عبء الإثبات، ذلك أن الإدارة عندما تقبل رأي اللجنة فهي تعفى من إثبات صورية العمليات المشمولة بالتعسف، في حين يقع عليها عبء الإثبات في حالة عدم الانصياع لرأي اللجنة وذلك في إطار المرحلة القضائية. أما الجزاءات المطبقة في حالة اتباث حالة التعسف على النحو السالف الذكر فتتجلى في تطبيق غرامة قدرها 80% من مبلغ الضريبة المراد الإفلات منه.
كما يمكن للمقاولة تجنب السقوط في عواقب هذه المسطرة عن طريق مكاتبة الإدارة الضريبية رسميا أو ما يسمى بمسطرة ” الفتوى المكتوبة” Procédure du Rescrit ( 2) ومفادها أن تقوم المقاولة بعرض طبيعة العملية أو التصرف المزمع القيام به في رسالة مكتوبة ومفصلة على الإدارة الضريبية لإبداء رأيها، فإذا أجابت هذه الأخيرة بأنها لا ترى مانعا في قيام المقاولة بالعملية القانونية التي كانت موضوع المراسلة وفي هذه الحالة لا يمكن للإدارة الضريبية أن تثير لاحقا مسطرة التعسف في استعمال الحق أثناء القيام بفحص لمحاسبة المقاولة المذكورة.

وختاما لهذا المبحث الخاص بمظاهر خصوصية القانون الضريبي، تجدر الإشارة إلى أن أنصار هذا الاتجاه يعزون هذه الخصوصية لأهداف هذا القانون التي تتجلى في:

– البحث عن الموارد اللازمة لتنفيذ الميزانية تحقيقا للمصلحة العامة عكس القانون الخاص الذي يسعى إلى حل نزاعات بين الخواص.
– الهدف الاقتصادي للضريبة من خلال تشجيع بعض القطاعات، إعفاء بعض المواد، أو تضريب أقصى بالنسبة لقطاعات أو مواد أخرى.

– ضرورة محاربة الغش والتهرب الضريبيين مما يدفع الإدارة الضريبية إلى ابتداع تقنيات ومساطر للكشف عن مختلف صور الغش والتهرب أو المهارة الضريبية habileté fiscal التي تكمن في استغلال ثغرات القانون الضريبي والقيام بعدة تصرفات والتي ستبدو صحيحة في صورتها القانونية لكنها تخفي النية في الإفلات من الضريبة.

لكن رغم هذه المهام والوظائف التي تضطلع بها الإدارة الضريبية مما يضفي خصوصية على القانون الضريبي على الصورة السالف بيانها، فان الكثير من الفقهاء في المادة الجبائية ينكرون أية استقلالية أو خصوصية على القانون الضريبي معتمدين في ذلك على مجموعة من الحجج .

1) تتشكل هذه اللجنة من مستشار في مجلس الدولة بصفته رئيسا لهذه اللجنة، مستشار بمحكمة النقض، أستاذ جامعي في احدى كليات الحقوق والمدير العام لادارة الضرائب بصفتهم أعضاء، ويحق للطرفين الادارة والملزم أن يطلبا استشارة اللجنة المذكورة.
(2 J. Duhem et Michel Jmmes, Audit et Gestion fiscale de l’entreprises, Editions, EFE, 1996, p.17.

المبحث الثالث : قراءة نقدية لتيار الاستقلالية والخصوصية

تجدر الإشارة في البداية، إلى أن تلك الحرب الكلامية verbalisme أو البوليميك بين تيارات الاستقلالية والخصوصية قد تم تجاوزها حاليا ولم تعد تحرك ردود الفعل المشحونة، بل أصبحت النقاشات حول علاقات القانون الضريبي بقانون الأعمال تتسم بنوع من الواقعية والنسبية (1).

أما أهم الأفكار التي تلخص موقف عدم الاستقلالية فهي ترتكز على كون مبدأ الاستقلالية يشكل ذريعة لنوع من
الكسل المعرفي (2) ، وحينما يعجز معلق عن توضيح الأسس القانونية وحيثيات بعض قرارات مجلس الدولة في المادة الضريبية يظن أنه وجد الحل بالاعتماد على استقلالية القانون الضريبي (3).

فهل تشكل هذه الاستقلالية ذريعة تغطي نوعا من الجهل بقواعد القانون الضريبي؟
ذلك أن الاستقلالية حسب المدافعين عليها تجعل هذا القانون في غير متناول الباحثين ولا يمكن الغوص في متاهاته أو محاولة تكييفه مع المبادئ العامة للقانون الغريبة عنه وبالتالي فان القانون الضريبي هو مطبخ داخلي خاص
بالمتخصصين، ويتكون بطبيعة الحال من مجموعة من القواعد الخاصة المدمجة في مدونة الضرائب التي تجعله يستقل بمفاهيمه وروحه الخاصة، وهذا غير كافي للدلالة على استقلالية هذا القانون، فكل فروع القانون الأخرى ( المدني، التجاري، المحاسبي، الاجتماعي……) تتوفر هي أيضا على هامش من الاستقلالية.

إن القانون الضريبي يعتمد بالضرورة على وقائع حيث تطبق الضريبة سواء على الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنويين، على أنشطة مدنية أو تجارية، على الأملاك العقارية والتصرف فيها فهل يوجد مفهوم ضريبي للشركة والتاجر والملكية مختلف عن المفاهيم القانونية المعهودة في فروع القوانين الأخرى؟

قد يحدث أن المشرع الضريبي يبتعد في بعض الحالات عن التعاريف والتصنيفات qualifications المألوفة في القانون العادي ( مثال تعريف المستثمر العقاري الذي ذكرناه سابقا ) ومع ذلك فلا غرابة في ذلك مادام القانون الضريبي هو الذي يتضمن هذا الإقصاء أو الاستثناء.

لكن حينما لا يضع المشرع الضريبي من هذا القبيل يجب على الإدارة والقاضي الضريبي كل في مجال اختصاصه، الالتزام باحترام المفاهيم ومؤسسات القانون العادي، بحيث يجب البحث مثلا عن تعريفات التاجر في القانون التجاري، ولا يسمح للإدارة أو القاضي ابتداع تضيق أو تعريف مخالف، كما أن حق الملكية هو الذي تضمنه القانون المدني ولا يجب البحث عنه في المذكرات التفسيرية للإدارة أو اجتهاد مجلس الدولة. وخلاف ذلك لن يؤدي إلا إلى الفوضى والتعسف (4

1) Serlooten, Remarques sur l’autonomie du droit fiscal, R.F.F.P, n° 15 ,19861
2) M.Cozian, les grands principes de la fiscalité de l’entreprise, Litec, 1996, p.7.
)CI Lasry, Commissaire de gouvernement auprès du Conseil d’état, cité par M.Cozian.3
4) M .cozian, op.cit

ومن جهة أخرى لابد من التأكيد على أنه حتى في حالة وجود استثناءات أو تصنيفات خاصة وردت بصفة صريحة ضمن النص الضريبي، فان آثارها تكون نسبية ومحدودة تجسد انشغالات المشرع الجبائي بمسألة معينة وفي وقت معين (1)، ولا يمكن أن تسري بأثر عام أو تعتبر قواعد قارة.

كما أن مبدأ التعسف في استعمال الحق في المجال الضريبي لمحاربة صور التهرب والتحايل على القانون لم يبتكره المشرع الجبائي من عدم، بل هو مستقى من مبدأ الصورية simulation المعمول به في القانون المدني والتي تعني إعطاء العمل القانوني وصفا أو شكلا ظاهريا مختلف عن الوصف أو الشكل الحقيقي.

ختم

وختاما لاستعراض أهم النظريات التي تجسد مختلف التيارات بخصوص طبيعة القانون الضريبي وتأويله، نرى أنه لا بد من الاعتراف لهذا القانون بنوع من الخصوصية Particularisme التي تعزى إلى الأهداف التي يتوخى تحقيقها، علما بأن هذه الخصوصية لا تعني انعزاله عن باقي فروع القانون الأخرى وخصوصا قانون الأعمال، وبالتالي نجد المشرع الضريبي زيادة على استعماله لمصطلحات القانون الخاص كالتاجر ،التقادم ، المقاصة …، يقوم في حالات أخرى بالإحالة الصريحة على مقتضيات القوانين الأخرى ،فنجد مثلا المشرع المغربي قد نص على أن الحصيلة الخاضعة للضريبة في كل سنة محاسبية تحدد باعتبار نتيجة حساب الخسائر و الأرباح المدرجة في المحاسبة التي تمسكها الشركة وفقا لأحكام القانون التجاري وفي حالات أخرى يعتمد المشروع الجبائي على قواعد عرفية كما هو الحال في قانون الضريبة على الشركات و قانون الضريبة على الدخل بخصوص الاستهلاك Amortissement حيث ورد في هاتين المادتين بأن الاستهلاك القابل للخصم “يتم في حدود النسب المعمول بها وفقا لأعراف كل مهنة أو صناعة أو فرع من فروع النشاط “.
وهناك عدة أمثلة عن الارتباط ومختلف أوجه الإحالة الصريحة أو الضمنية بين القانون الضريبي وباقي فروع القانون الأخرى وخاصة قانون الأعمال تختلف حسب نوع الضرائب ، مع الإشارة إلى أن حقوق التسجيل تعتبر المادة الأكثر التصاقا بالقانون الخاص نظرا لتطبيقها على كل أوجه الحياة القانونية بيع ،مبادلة ،كراء ،عقود الشركات …
أما الحالات التي يتدخل فيها المشرع بصفة صريحة لوضع مفاهيم، وتصنيفات خاصة فيجب احترام إرادته بناء على قاعدة لا اجتهاد مع وضوح النص une text clair se suffit à lui-même
.(2)

1) J.Pujol ,l’application du droit privé en matière fiscale ,LGDJ,1987,p.52
2)محمد شكيري .المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية .القانون الضريبي المغربي دراسة تحليلية و نقدية عدد 45 ص 58 .