دراسة حول شهود العقد وشروط العاقدين بقانون الأحوال الشخصية العراقي

شهود العقد :
اتفق الشافعية والحنفية والحنابلة على أنّ الزواج لا ينعقد إلاّ بشهود ، واكتفى الحنفية بحضور رجلين أو رجل وامرأتين ، ولا يشترطون العدالة في الشهود ، ولا تصحّ عندهم شهادة النساء منفردات .
وقال الشافعية والحنابلة : لا بدّ مِن شاهدين ذكرين مسلمين عادلين .
وقال المالكية : لا تجب الشهادة عند العقد ، وتجب عند الدخول ، فإذا جرى العقد ولَم يحضر أحد صح ، ولكن إذا أراد أن يدخل الزوج يجب أن يحضر شاهدان ، فإذا دخل بلا إشهاد وجب فسخ العقد جبراً عنهما ، ويكون هذا الفسخ بمنزلة طلقة بائنة([1]).
وقال الإمامية : يستحب الإشهاد على الزواج ، ولا يجب .
اما القانون العراقي فقد اعتبر الشهادة من الشروط الموضوعية التي لا ينعقد الزواج إلا بإتيانها وذلك في البند (د) من الفقرة (1) من المادة السادسة.

شروط العاقدين
اتفقوا على شرط العقل والبلوغ في الزواج إلاّ مع الولي ـ ويأتي الكلام عنه, وعلى خلو الزوجين مِن المحرِّمات النسبية والسببية الدائمة والمؤقتة المانعة مِن الزواج .

واتفقوا أيضاً على وجوب التعيين ، فلا يصحّ : زوّجتُك إحدى هاتين البنتين ولا زوجتُ أحد هذين الرجلين .

واتفقوا على وجوب الرضا والاختيار ، وعدم انعقاد الزواج مع الإكراه إلاّ الحنفية فأنّهم قالوا : ينعقد الزواج بالإكراه([2] ). وقال الشيخ مرتضى الأنصاري مِن الإمامية في كتاب المكاسب بعد أن ذكر أنّ الاختيار شرط : ( إنّ المشهور بين فقهاء الإمامية في العصور المتأخرة أنّه لو رضي المكرِه بما فعله صح ، بل عن كتاب الحدائق والرياض أنّ عليه اتفاقهم ) . وقال السيد أبو الحسن الأصفهاني الإمامي في الوسيلة باب الزواج :(يشترط في صحة العقد اختيار الزوجين ، فلو أُكرها أو أُكره أحدهما لَم يصحّ ، نعم لو لحقه الرضا صح على الأقوى) .

وعلى هذا لو ادّعت امرأة أنّها أُكرهت على العقد ، أو ادّعى هو ذلك ، ثمّ تعاشرا معاشرة الأزواج وانبسطا انبساط العروسين ، أو قُبض المهر ، أو غير ذلك ممّا يدل على الرضا تُرد دعوى مَن يدّعي الإكراه ، ولا يُسمع إلى أقواله ، ولا إلى بينة بَعد أن ثبت الرضا المتأخر .

اما في قانون الاحوال الشخصية العراقي فقد نصت الفقرة (1) من المادة (7) منه على:(يشترط في تمام اهلية الزواج العقل واكمال الثامنة عشر).

غير انه استثنى من هذه القاعدة الصغير الذي اكمل الخامسة عشر من العمر, ولم يبلغ سن الرشد واجيز من قبل القاضي بالزواج, بعد موافقة وليه الشرعي, كذلك اجاز زواج المريض عقلياً إذا ثبت بتقريرٍ طبيٍ على ان زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الآخر بالزواج قبولاً صريحاً. وذلك حسب الفقرة (2) من المادة (7) من القانون.

كما اتفقت المذاهب الأربعة على أنّ الزواج ينعقد بالهزل ، فإذا قالت : زوّجتُك نفسي . وقال : قبِلت . وكانا يهزلان انعقد الزواج . وكذا يقع الطلاق والعتق بالهزل لقوله2 : (ثلاث جِدّهن جِد ، وهزلهن جِد : الزواج والطلاق والعتق ) .

وقال الإمامية : كل هزلٍ فهو لغو ؛ لعدم القصد ، ولا يثقون برواة الحديث .

قال الحنفية والحنابلة : يصحّ زواج السفيه ، أذِن الولي أو لَم يأذن .
وقال الإمامية والشافعية : لا بدّ مِن إذنِ الولي .
قال الإمامية والحنفية : يثبت الزواج بالإقرار مع العقل والبلوغ ؛ لحديث : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) .
وذهب الشافعي في قوله الجديد : إلى أنّ العاقلة البالغة إذا أقرت بالزواج ، وصدّقها الزوج يثبت الزواج ؛ لأنّه حق للطرفين .
وفصّل مالك بين أن يكون الزوج والزوجة غريبين عن الوطن فيثبت الزواج بإقرارهما وبين أن يكونا وطنيين فيطالَبان بالبينة لسهولة إقامتها عليهما .

البلوغ :
اتفقوا على أنّ الحيض والحمل يدلان على بلوغ الأنثى ، أمّا الحمل فلأنّ الولد يتكون مِن اختلاط ماء الرجل والمرأة معاً ، وأمّا الحيض فلأنّه في النساء بمنزلة المني في الرجال.
وقال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة : إنّ ظهور الشعر الخشن على العانة يدل على البلوغ .
وقال الحنفية : لا يدل ؛ لأنّه كسائر شعر البدن .
وقال الشافعية والحنابلة : إنّ البلوغ بالسن يتحقق بخمس عشرة سنة في الغلام والجارية .
وقال المالكية : سبع عشرة سنة فيهما .
وقال الحنفية : ثمان عشرة في الغلام ، وسبع عشرة في الجارية ([3]) وقال الإمامية: خمس عشرة في الغلام ، وتسع في الجارية ؛ لحديث ابن سنان : (إذا بلغت الجارية تسع سنين دُفع إليها مالها ، وجاز أمرها ، وأُقيمت الحدود التامة لها وعليها ) . وأثبتت التجارب أنّها قد حملت وهي بنت تسع ، وقابلية الحمل كالحمل تماماً .

تنبيه :
ما قاله الحنفية في السنة هو تحديد لأقصى مدة البلوغ ، أمّا الحد الأدنى له عندهم فهو إثنتا عشرة سنة للغلام ، وتسع للجارية ، حيث يمكن الإحتلام والإحبال والإنزال منه والإحتلام والحيض والحبل منها في هذه السنة ([4]).

شروط الزوجة على الزوج
قال الحنابلة : إذا شرط للزوجة أن لا يخرجها مِن بلدها أو دارها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها صح العقد والشرط ، ويجب الوفاء ، فإن لَم يفعل فلها فسخ الزواج .
وقال الحنفية والشافعية والمالكية : يبطل الشرط ويصحّ العقد ، ولكنّ الشافعية والحنفية أوجبوا لها ـ والحال هذه ـ مهر المثل لا المهر المُسمّى([5]) .
وقال الحنفية : إذا اشترط الرجل أن يكون الطلاق في يد المرأة ـ كما لو قال لها : تزوجتُك على أن تطلّقي نفسك ـ كان الشرط فاسداً ، أمّا لو اشترطت هي ذلك وقالت له : زوّجتُك نفسي على أن يكون الطلاق في يدي ، وقال : قبِلتُ ، يكون العقد والشرط صحيحين وتطلِّق نفسها متى شاءت .
وقال الإمامية : لو اشترطت الزوجة أثناء العقد أن لا يتزوج عليها ، أو لا يطلّقها ، ولا يمنعها مِن الخروج متى تشاء وإلى أين تريد ، أو أن يكون الطلاق بيدها ، أو لا يرثها وما إلى ذلك ممّا يتنافى مع مقتضى العقد يبطل الشرط ، ويصحّ العقد ([6] ).
أمّا إذا اشترطت عليه أن لا يخرجها مِن بلدها ، أو يسكنها منزلاً معيناً ، أو لا يسافر بها يصحّ العقد والشرط معاً ، ولكن إذا أخلف لا يحق لها الفسخ ، ولو امتنعت عن الانتقال معه في مثل هذه الحال تستحق جميع الحقوق الزوجية مِن النفقة وما إليها .
إذا ادّعت الزوجة أنّها اشترطت على الزوج في متن العقد شرطاً سائغاً ، وأنكر الزوج تُكلف بالبينة ؛ لأنّها تدّعي شيئاً زائداً على العقد ، ومع عجزها عن إقامتها يحلف هو على نفي الشرط ؛ لأنّه منكِر .

اما قانون الاحوال الشخصية العراقي فيذهب بمسألة الشروط ضمن العقد إلى امرين:
الأول : إذا كان الشرط ملائماً للعقد ومن مقتضياته, او مما جرى عليه العرف فلو قالت المرأة للرجل زوجتك نفسي بشرط عدم اخراجي من بلدتي فقبل الرجل الزواج فهنا لا اشكال في هكذا شرط, او ان تشترط ان لا يتزوج عليها فهنا ايضاً يصح الزواج والشرط معاً ولا اشكال فيه, كما ان قانون الاحوال الشخصية العراقي ذهب في الفقرة (3) من المادة (6) منه على ان :(الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الإيفاء بها) , وحقيقة الأمر ان هذه الفقرة من الضمانات الوجيهة التي تضمن حقوق الزوجة ان ثبتت شروطها المشروعة ضمن عقد الزواج.

كما ان الفقرة (4) من المادة (6) اجازت للزوجة طلب فسخ العقد في حالة عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن الزواج.

الثاني: إذا كانت الشروط غير مشروعة ولا تقتضيها طبيعة العقد, كما لو اشترطت الزوجة في العقد ان يطلق ضرتها أو ان يتخلى عن واجبه في الإنفاق عليها , او يسكنها في بيت اهلها , فهنا العقد صحيح والشرط باطل ولا يجبر الزوج على الإلتزام به ولا يترتب على عدم الإلتزام به أي مسؤولية عقدية او قانونية .

وهذا ما استنتج من نص الفقرة (3) من المادة السادسة من قانون الاحوال الشخصية العراقي والتي تنص على :(الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الإيفاء بها), وبالتالي فإن الشروط الغير مشروعة ليس لها أي إعتبارٍ ولا تؤثر في العقد فيكون الشرط باطلاً والعقد صحيحا.

المصادر

[1]. بداية المجتهد لابن رشد , ومقصد النبيه لابن جماعة الشافعي .
[2] . الفقه على المذاهب الأربعة ج4, في أوّل باب الطلاق مِن كتاب مجمع الأنهر الحنفية ج1 : يصحّ الإكراه في الطلاق والزواج والرجعة والحلف بالطلاق والإعتاق ، ويصحّ أيضاً بالظهار والإيلاء والخلع على مال ، وإيجاب الحج والصدقة والعفو عن العمد والإكراه على الإسلام ، والصلح عن دم العمد بمال والتدبير والاستيلاء والرضاع واليمين والنذور والوديعة .
[3] . المغني لإبن قدامة ج4 ، باب الحجر .
[4] . ابن عابدين , ج5 ,ص 100 ,طبعة 1326ﻫ, باب الحجر.
[5] . المغني لابن قدامة ج6 ,باب الزواج .
[6]. قال الإمامية : إنّ الشرط الفاسد في غير عقد الزواج يكون مفسداً للعقد ، أمّا في الزواج فلا يفسد العقد ولا المهر إلاّ اشتراط الخيار ، أو عدم ترتب جميع آثار العقد المنافي لطبيعته ، واستدلوا على الفرق بين الزواج وغيره بأحاديث صحيحة ، وقال بعض الفقهاء : السر إنّ الزواج ليس معاوضة حقيقية كما هي الحال في غيره مِن العقود . ولعلماء الإمامية في الشروط أبحاث لا توجد في غير كتبهم ، ومَن أحبّ الاطلاع عليها فليراجع كتاب المكاسب للأنصاري ، وتقريرات النائيني للخونساري ج2 ، والجزء الثالث مِن فقه الإمام الصادق للشيخ جواد مغنية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت