بحث قانوني لرئيس القضاء السوداني الأسبق في تطبيق ونفاذ حق المؤلف والحقوق المجاروة

تطبيق ونفاذ حق المؤلف والحقوق المجاورة في السودان

}بقلم{
دفع الله الحاج يوسف مدني

رئيس القضاء الأسبق

وزميل كلية القانون – جامعة الخرطوم

مقدمة

تكاد تجمع كل النظم القانونية السائد في العالم اليوم على وجود ثلاثة أنوع من الملكية يحميها القانون ويحدد الحقوق المتلقه بها ويبين وسائل وطرائق حماية تلك الحقوق وتعويض أصحاب الحقوق إذا ما انتهكت من قبل الدول أو الأفراد التحوطات آلتي تحول دون انتهاكها. هنالك ملكية الأشياء الثابت والاشاء المتحركة والملكية الفكرية وبالتالي فان حماية الملكية الفكرية جزء لا يتجزأ من نظام حماية الملكيات الأخرى حفظاً للحقوق ومنعاً لنشوء النزاعات وتحقيقاً للعدالة . ولعل القوتين المتعلقة بحماية ملكية الأشياء الملموسة سواء كانت ثابت آو متحركة في جانبها الإجرائي والموضوعي قد استقرت منط زمن بعيد في النظم القانونية المختلفة. أما فيما يتعلق بحماية الملكية الفكرية فقد تمت بلورة كثير من البادي العامة المنظمة في القوانين الوطنية والسوابق القضائية والاتفاقات الدولية ، ولكن التقدم التقني المتسارع الخطى والعولمة التي تنتظم عالم اليوم وتبادل المنافع بين الدول والشعوب وما ينشأ عن ذلك من تنافس في مجال التجارة والصناعة والاختراعات والأعمال الأدبية والفنية وينشأ من النزاعات حول استحواذ على المنافع الناشئة من هذا النشاط الإنساني المستمر يجعل الحماية الفكرية أمراً ضرورياً من الناحية ويقتضي تطويراً لمفهوم الحماية في النطاق الوطني والدولي والقوانين المتعلقة به وتبسيط الاجراءأت تلك الحماية .

إن مفهوم الملكية الفكرية قد تمت بلورته في نص واضح ومحدد في ‘اتفاقية استوكهولم في 14/يوليو 1967م تلك الاتفاقية التي أسست بموجبها المنظمة العالمية للملكة الفكرية ، وقد سبق هذا الحدث صدور تشريعات في بعض الدول وتوقيع معاهدات دولية كانت أساسا ً لهذا المفهوم السائد الآن ووفق هذا المفهوم فإن الملكية الفردية تشمل الحقوق الفكرية والأعمال الأدبية والفنية والعلمية وحماية فناني الاداء ومنتجي التسجيل وهيئات الإزاغة وحماية منتجي الفتوغرافات واستنساخ فتوغر أفتهم دون تصريح والاختراعات في كل مجال النشاط الإنساني والاكتشافات العلمية والرسوم والنمازج الصناعية والعلامات التجارية وعلامات الخدمات والأسماء التجارية والبينات الجغرافية آي يانات المصدر وتسمية المنشأ وقمع المنافسة غير المشروعة .

وتجدر الإشارة هنا إلى العديد من الاتفاقيات ،والتي تتعلق بأنواع المختلفة من الملكية الفكرية وتصنيفها والتي في مجملها تتضمن أحكاماً تتعلق بالمعاملة الوطنية وحق الأولوية والقواعد العامة .

نخلص من هذه المقدمة إلي أن حق المؤلف والحقوق تنشأ من مفهوم الملكية الفكرية والحقوق المتعلقة بها ، ونشير بوجه خاص إلي القوانين السارية في جمهورية السودان ونتناول بشيء من التفصيل قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة 1996 م.

لقد تضمنت التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية بعض المبادئ العامة التي تحكم حق المؤلف يمكن أجازها في أن الذي تنص القوانين على الحماية هو تعبير المؤلف عن فكرته وليس الفكرة ذاتها وذلك حين يتم التعبير عن الفكرة بشكل ملموس سواء كان ذلك الشكل كتابة أو رسماً أو تعبيرا صوتياً نحتاً أو غير ذلك من الأشكال الثابتة .أن حماية الفكرة تقع في نطاق تحكمه القوانين المتعلقة بالبراءات أو غيرها ،وان المصنف المطلوب حمايته ليس بالضرورة لا أن يكون قد تم نشره بالبادي العامة أيضا أن الحماية أمر مستقل عن مستوى النوعية أو قيمة المصنف أو قرضه . وأن حق المؤلف هو حقه في احترام إبداعه الفكري الأصيل والحصول على عايد منه

ومن البادي العامة ايضاً أن الحماية تطبق على حق المؤلف على اقل طول مدة حياته والفترة المحددة بعد وفاته وقد اختلفت التشريعات القومية في تحديد المدة التي تستمر فيها الحماية بعد وفاته إلا أن قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة 1996 م قد نص في المادة (13) على حماية حق المؤلف كما تثبتها المادة 8 (أ) من القانون المذكور لمدة خمسين سنة وبعد وفاته إلا انه خصص بعض المصنفات وجعل حق المؤلف خمسة وعشرين سنة تبداء من تاريخ النشر. ومن المبادئ العامة أيضاً أنه بعد إنتها مدة الحماية يصير المصنف ملكاً عاماً .

3- الحقوق المجاورة:

ولما كان قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة 1996 م قد إشارة إلى الحقوق المجاورة الأمر الذي لم يرد في اسم قانون حماية المؤلف 1974 م فان المقام يقتضى تعريف الحقوق المجاورة ويطلق وصف الحقوق المجاورة على ثلاثة أنواع من تلك الحقوق :

1_ حماية أداء الفنانين من ممثلين ومطربين وموسيقين والأشخاص الآخرين الذين يؤدون المصنفات الأدبية الفنية حيث يتمتعون بالحماية من بعض الأعمال التي لم يصرحوا بها إذاعة أو نقل أدائهم المباشر إمام الجمهور أو تثبيت أدائهم المباشر على دعامة مادية أو استنساخ هذا التثبيت إذا جرى التثبيت الأصلي دون موافقتهم أو إذا جرى الاستنساخ لأغرض غير الأغرض التي وافقوا عليها.

2_ حماية حق منتجي التسجيلات الصوتية بتصريح او حظر استنساخ تسجيلاتهم الصوتية بطريقة مباشرة .

3-حماية حق هيئات الإذاعة بتصريح أو بعض العمليات مثل إعادة إذاعة برامجها وتثبيتها على دعامة مادية واستنساخ هذه الهيئات ونقل برامجها للجمهور إذا ماجرى هذا النقل في أماكن متاحة للجمهور مقابل رسم الدخول .

لقد نصت هذه الحقوق اتفاقية روما لسنة 1960 م آلتي تضمنت بعض الاستثناءات. أن الفكرة الأساسية آلتي تقوم على الحقوق المجاورة هي حماية حقوق من يساعدون أصحاب الإبداع الفكري في نقل إبداعهم في شتى صور للجمهور ولقد اخذ المشرع السوداني بهذا المفهوم وقد ورد في المادة (3) من قانون حماية الؤلف والحقوق المجاورة لسنة1996 م تعريف الحقوق المجاورة بأن المقصود بها فنانو الاداء ومنتجو التسجيلات المسموعة والمرئية وهيئات البث.

4_ قبل الحديث عن تطبيق الحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ونفاذها يقتضى المقام شرح هذه الحقوق وفق التعريفات الواردة والقيود عليها كما وردت في قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة 1996 م

1- نصت المادة الثامنة (ا) على الحقوق الأدبية التي تكون للمؤلف على مؤلفه :

وقد شملت الحقوق الأدبية :

أولاً: كشف الصنف للجمهور

ثانياً: نسبة مصنفه لنفسه ونسبة اسم مصنفه متى ما كان استعمل ذلك المصنف.

ثالثاً: يمكن تقديم مصنفه للجمهور باسمه الحقيقي أو تحت اسم مستعار.

رابعاً: الاعتراض على أي تحريف أو تشويه لمصنفه أو لأي مصنف آخر مشتق منه.

خامساً: سحب مصنفه من التداول إذا كان ذلك لا يعكس أو يتطابق مع ما يحمله من معتقدات فكرية بشرط أن يحدد الأطراف المعنية آلتي تضررت من جراء تصرفه ذلك.

2- كما نصت المادة الثامنة (ب) على الحقوق المالية والحقوق التى يجوز له أن يفوض بموجبها تشمل:

أولاً: نشر ونسخ المصنف بأي وسيلة معلومة أو غير معلومة أو بتوزيع المصنف على الجمهور عن طريق البيع أو الإيجار إن التسليف على أساس تجارى.

ثانياً: التمثيل والأداء العلني للمصنف.

رابعاً: إيصال المصنف للجمهور بوساطة السلك الذي يشتمل الكيبل أو الوسائل البصرية أو أي مادة ناقلة.

خامساً: الترجمة إلى لغا ت أَََخرى.

سادساً: الاقتباس أو إعادة توزيع أو تحوير المصنف.

سابعاً: عرض المصنف علناً والسماع باى أفعال أخرى وذلك بهدف الاستغلال التجاري للمصنف بوسطة الوسائل المتوفرة أو أي وسائل أخرى تكون معلومة.

نلاحظ إن قانون 1996 م قدنص على حقوق المؤلف بتفصيل أكثر من قانون1974 م ومما يجدر ذكره أن هذه الحقوق قد تضمنتها الاتفاقيات الدولية المختلفة من اتفاقيات برن السنة 1896 م وفى برلين 1908 م وفلا برن 1914 م وفى روما 1928 م وفي بروكسل 1948 م وفي استكهولم1967 م وفي باريس 1971 م والتعديل الذي جرى عليها 1979 م وتمخضت هذه التعديلات المختلفة عن ثلاثة مبادىء هامة تتعلق بالحماية.

المبدأ الأول: مبدأ المعاملة الوطنية وهو أن يحظى المؤلف بالحماية بنفسها التي يجدها في القطر الذي نشأت فيه هذه الحقوق وفى الأقطار الأخرى الموقعة على الاتفاقية.

المبدأ الثاني: مبدأ الحماية التلقائية ويعنى ألا تكون هذه الحماية مشروطة باتخاذ أي إجراء شكلي.

المبدأ الثالث: مبدأ استغلال الحماية وهى إن الحماية لا تتوقف على الحماية الممنوحة في بلد المنشأ إلا في حالة إذا كانت مدة الحماية الممنوحة أطول من الحد الأدنى المنصوص عليه في الاتفاقية جاز رفض الحماية الدولية عند أنتها مدتها في بلد المنشأ.

5- أٌََُْْسس الحماية:

أسس حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة الوردة في قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة كما نصت عليها المادة (4) تقوم على الجنسية والإقامة مع النشر والمعاملة بالمثل وهى نفس ألأسس التي وردة في القانون 1974 م إلا أن قانون1996 م قد توسع أكثر في تفصيل هذه الحقوق فشمل في المادة 40(ج) المصنفات المشتركة إذا كان أحد مؤلفيها على الأقل سودانياً ، كما بين بشيء من التفصيل الحقوق المجاورة .

هذه الحماية تنسق في جملتها مع مفهوم الحماية كما ورد في الاتفاقيات الدولية المختلفة بالرغم من أن السودان ليس في أكثر من هذه الاتفاقيات وأورد هنا ملاحظة قيمة للدكتور أكادا مانتير في بحثه القيم عن حماية المؤلف في القانون السوداني وهى أن أسس الحماية في القانون السوداني تؤدى إلى حماية أقل للمؤلف الأجنبي إذ أنها تربط بين الإقامة والنشر في حالة المؤلفات المنشورة أما في الاتفاقيات الدولية فأن النشر يشكل أساساً الحماية.

لقد كانت المعاملة بالمثل إحدى أسس الحماية بموجب قانون 1974 م أما قانون 1996 م فقد ….أساساً آخر ينسأ من اتفاقيات دولية يكون السودان طرفا فيها.

ولعل التغير المستنير لإسباغ الحماية على المؤلف بموجب الاتفاقيات الدولية يعالج القصور الذي أشار إليه د. اكو لدا في بحثه القيم المنشور في:

Arab law Quarterly Review Volume 6 part 2 1991.

6- حماية حق المؤلف ونطاق تلك الحماية:

نصت المادة (5/1) من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة على تطبيق الحماية دون التقيد بأى شكليات مقررة للحماية على أي مصنف مبتكر أصيل في مجال الآداب والعلوم والفنون أياً كانت طريقة التعبير فية أو قيمته أو غرضه. وهذا نص متميز يتفق مع كل ما ورد في المعاهدات الدولية ويرسخ مبدأ الحماية التلقائية وهو ألا تكون الحماية مقيدة بأي اجرا ء شكلي وهو تطوير ملحوظ في القانون السوداني في مفهوم الحماية وتوسيع نطاقها على ما ورد فى قانون حماية حق المؤلف لسنة 1974 م .

7- وقد نصت المادة (5/1) من قانون 1996م على المصنفات التي تشملها الحماية هى:

(أ) المصنفات المكتوبة كالكتب والمجلات والنشرات الدورية والمقالات ونحو ذلك.

(ب) مصنفات الفنون الجميلة نحتاً كان أو تلويناً أو رسماً أو زخرفة أو من أعمال الفنون التطبيقية والمصنفات من الفنون الحرفية ونحوها.

(ج) مسرحيات والمسرحيات الموسيقية والمصنفات الناطقة وغير الناطقة والتمثيليات الموسيقية التمثيليات الاستعراضية والعروض ألا استعراضية التي تؤدى بحركة أو خطوة.

(د) المصنفات السمعية البصرية.

(هـ) مصنفات التصوير الفوتغرافى.

(و) مصنفات الفن المعماري.

(ز) برامج الحاسب الآلي (الكمبيوتر).

(ح) بنك المعلومات الكتروني.

(ط) الخرط بأنواعها والمخططات المتعلقة بالجغرافية أو الطوبوغرافيا أو العلم.

(ى) كل المصنفات الأ خري المعلومة وغير المعلومة.

ونلاحظ أن الحماية تحت هذا القانون قد شملت برامج الحاسب الآلي وبنك المعلومات وهو مالم يرد في قانون 1974 م كما أن نطاق الحماية قد امتد بموجب قانون 1996 م ليشمل مصنفات فرعية بموجب المادة (5/2) والتي تنص على الآتي:

(أ‌) التراجم والاقتباس والترتيبات والتحورات للمصنفات الأصلية.

(ب‌) جمع المصنفات المحمية أو من المواد غير المحمية بشرط أن يكون اختيارها وترتيب محتواها هو الذي يجعلها مجهوداً فكرياً أصيلا.

8-المصنفات التي لا تشملها الحماية:

نصت المادة السادسة على المصنفات التي لا تشملها الحماية وهى:

(أ‌) المصنفات التي آلت إلى الملك العام.

(ب‌) الوثائق الرسمية.

(ج) الصحف اليومية وما تنشره الصحف والمجلات والنشرات الدورية والأذاعة والتلفزيون من الأخبار اليومية أو الحوادث ذات الصيغة الخبرية.

(د) الأفكار والمناهج وشعارات الدول ورموزها.

9- وقد افرد القانون المادة السابعة للفلكلور وحماية إذ نصت على أن يكون الفلكلور الوطني للمجتمع السوداني ملكاً عاماً للدول وخولت الدولة صلاحيات المؤلف بالنسبة للمصنفات الفلكلورية في مواجهة النشوية والتحرير والاستغلال التجاري.

لأنص قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة على تعريف للفلكلور وحتى أللأ ن يوجد تعريف متفق عليه بالرغم من المحولات العديدة، أن كثيراً من التشريعات الخاص بالملكية الفكرية للفلكلور تجنبت تعريف الفلكلور. ولكن المأخوذ به الآن وهو ما يسمى بالنصوص النموذجية فى القوانين الوطنية لحماية التغير عن الفلكلور ضد الاستغلال غيرالشرعى وأي أفعال ضارة، وتلك النصوص النموذجية تذكر أن المفهوم من التعبير عن الفلكلور هو إنتاج عناصر التراث الفني التقليدي