حكم نقض جنائي : تزوير محرر رسمي والتداخل في وظيفة عمومية

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1982
برئاسة السيد المستشار/ الدكتور إبراهيم على صالح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد ومحمد نجيب صالح وعوض جادو ومصطفى طاهر.
(163)
الطعن رقم 4179 لسنة 52 القضائية
1 -محررات رسمية. جريمة تزوير. “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
مناط رسمية المحرر”.

2 – تزوير. محررات عرفية. محررات رسمية. موظفون عموميون. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
صدور المحرر من موظف عمومي من أول الأمر. غير لازم لاعتبار التزوير واقعاً في محرر رسمي. جواز أن يكون المحرر عرفياً ثم ينقلب إلى محرر رسمي عند تدخل الموظف العمومي فيه حدود وظيفته.

3 – تزوير. محررات رسمية. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
جريمة اصطناع المحرر الرسمي. مناط تحققها؟

4 – تزوير. إثبات “بوجه عام”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم جواز المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير.

1 – مناط رسمية المحرر أن يكون صادراً من موظف عمومي مكلف بتحريره وأن يقع التغيير فيما أعدت لإثباته أو في بيان جوهري متعلق بها.
2 – ليس بشرط لاعتبار التزوير واقعاً في محرر رسمي أن يكون هذا المحرر قد صدر عن موظف عمومي من أول الأمر، ذلك أن المحرر قد يكون عرفياً في أول الأمر ثم ينقلب إلى محرر رسمي بعد ذلك إذا ما تداخل فيه موظف عمومي في حدود وظيفته، ففي هذه الحالة يعتبر التزوير واقعاً في محرر رسمي بمجرد أن يكتسب المحرر صفة الرسمية بتدخل الموظف وتنسحب رسميته على ما سبق ذلك من الإجراءات،
3 – لا يشترط في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن تكون قد صدرت فعلاً من الموظف المختص بتحريرها بل يكفي لتحقق الجريمة – كما هو الشأن في حالة الاصطناع – أن تعطي الورقة المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو نسب صدورها كذباً إلى موظف عام للإيهام برسميتها، ويكفي في هذا المقام أن تحتوى الورقة على ما يفيد تدخل الموظف في تحريرها بما يوهم أنه هو الذي باشر إجراءاته في حدود اختصاصه.
4 – عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير إذ الأمر في هذا مرجعه إلى قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: بصفته موظفاً عمومياً (كاتب خفر مركز شرطة الفشن) اشترك بطريق المساعدة مع موظفين عموميين حسني النية من ارتكاب تزوير في أوراق أميرية حال تحريرها المختصين بوظائفهم بأن أصدر الإشارات التليفونية المبنية تفصيلاً بالتحقيقات إلى كل من…… و…… و……. و……. و……. عمال تليفونات نقط ونواحي المركز ونسب صدورها إلى مأمور مركز شرطة الفشن بشأن تعيين كل من…… و……. و……. و……. و……. و……. و…….. و…….. و…… كخفراء نظاميين على خلاف الحقيقة مع علمه بذلك فقام كل منهم بإثباتها بدفتر الإشارات وتمت الجريمة بناءً على هذه المساعدة.

ثانياً: تداخل في وظيفة من الوظائف العمومية من غير أن يكون له صفة رسمية فيها وأجرى عملاً من المقتضيات هذه الوظائف بأن عين المذكورين آنفاً كخفراء نظاميين بالنقط والنواحي التابعة لمركز شرطة الفشن وذلك بإصدار إشارات تليفونية باسم مأمور مركز الفشن وأبلغها إلى عمال التليفونات سالفي الذكر وقد تم التعيين بناءً على هذه الإشارات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً لمواد الاتهام. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمواد 40، 41، 155، 211، 213، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاثة سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ.. قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات بني سويف لتفصل فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين. والمحكمة الأخيرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40، 41، 155، 211، 213 من قانون العقوبات مع أعمال المادتين 32، 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عن التهمتين.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)… إلخ.

المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانه بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي والتداخل في وظيفة عمومية من غير أن تكون له صفة رسمية فيها قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه الخطأ في الإسناد ذلك بأن حديث الطاعن مع نقط الشرطة شفوياً والإبلاغ تليفونياً يتعين خفراء لا يعد تزويراً في محرر رسمي فضلاً عن أن الطاعن ليس مختصاً بإبلاغ الإشارات أو تدوينها بل أن مأمور المركز هو الذي يحررها ويوقع عليها ثم ينقلها تليفونياً كما وأن المحررات التي قيل بتزويرها – وهي دفاتر الإشارات – تبين أنها استهلكت وبعضها ثم تطلع عليه النيابة العامة والمحكمة، هذا إلى أن الحكم قد استند في إدانته إلى أنه اعترف بإرسال الإشارات التليفونية وأنه نسب صدورها إلى مأمور المركز في حين أن الثابت بأقواله بالتحقيقات أنه لم ينسبها لأحد وأنه بلغها شخصياً باسمه – كل ذلك ما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “أن المتهم……. بصفته موظفاً عمومياً – كاتب خفر بمركز شرطة الفشن محافظة بني سويف – قام في الفترة من يوم…. حتى….. بالاشتراك مع موظفين عموميين حسني النية في ارتكاب تزوير في أوراق أميرية قام المختصون بتحريرها وذلك بأن أصدر المتهم الإشارات التليفونية المزورة والموضحة بالتحقيقات على خلاف الحقيقة ناسباً صدورها إلى مأمور مركز شرطة الفشن إلى كل من:…… و…… و…… و……. و……. و……. عمال تليفونات نقط الشرطة بنواحي المركز بشأن تعيين كل من:……… و……….. و………… و………… و………… و………. و……….. و……… و……… كخفراء نظاميين على خلاف الحقيقة مع علمه بذلك.

فقام كل منهم بإثباتها بدفتر الإشارات وأنه بوصفه السابق تداخل في وظيفته من الوظائف العمومية من غير أن يكون له صفة رسمية بأن أجرى عملاً من مقتضيات أحدى هذه الوظائف بأن عين المذكورين كخفراء نظاميين بالنقط التابعة لمركز شرطة الفشن وذلك بإصدار إشارات تليفونية باسم مأمور مركز الفشن وتم هذا بناء على هذه الإشارات وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستعدة من أقوال كل من المقدم……. مأمور مركز الفشن والنقيب…….. معاون شرطة المركز والملازم أول……… وباقي شهود الإثبات وما أثبت بدفاتر أحوال نقطة شرطة شترا وصفط الصرفا وصفط النور وأبسوج بتعيين الخفراء محل الواقعة واستمرار عملهم حتى يوم…… ومن اعتراف الطاعن بالتحقيقات بإرسال الإشارات التليفونية سالفة البيان. وهي أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها – لما كان ذلك وكان مناط رسمية المحرر أن يكون صادراً من موظف عمومي مكلف بتحريره وأن يقع التغيير فيما أعدت لإثباته أو في بيان جوهري متعلق بها.

و ليس بشرط لاعتبار التزوير واقعاً في محرر رسمي أن يكون هذا المحرر قد صدر عن موظف عمومي من أول الأمر، ذلك أن المحرر قد يكون عرفياً في أول الأمر ثم ينقلب إلى محرر رسمي بعد ذلك إذا ما تداخل فيه موظف عمومي في حدود وظيفته، ففي هذه الحالة يعتبر التزوير واقعاً في محرر رسمي بمجرد أن يكتسب المحرر صفة الرسمية بتدخل الموظف وتنسحب رسميته على ما سبق ذلك من الإجراءات، وكان لا يشترط في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن تكون قد صدرت فعلاً من الموظف المختص بتحريرها بل يكفي لتحقق الجريمة – كما هو الشأن في حالة الاصطناع – أن تعطي الورقة المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو نسب صدورها كذباً إلى موظف عام للإيهام برسميتها، ويكفي في هذا المقام أن تحتوى الورقة على ما يفيد تدخل الموظف في تحريرها بما يوهم أنه هو الذي باشر إجراءاته في حدود اختصاصه.

وإذ كان عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير إذ الأمر في هذا مرجعه إلى قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات. وكان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع بوجه الطعن عن عدم توافر أركان جريمة التزوير وأطرحه في قوله “وحيث إن ما ذهب إليه الدفاع عن المتهم مردود بأن دفتر الإشارات الموجود لدى عمال التليفونات بالقرى والضواحي هي سجلات رسمية معدة لإثبات التبليغات والأوامر الحكومية التي تصدر الدولة ممثلة في أشخاص موظفيها ويقوم بإثباتها من جهة أخرى موظفون عموميون فإن إرسال إشارات تليفونية على غير الحقيقة

متضمنة واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ومنسوب صدورها المسئول إلى موظف رسمي مختص بتبليغها وقيام هذا الأخير بإثباتها في السجل العقد لذلك فإن ذلك يعتبر تزويراً في أوراق رسمية كما أن الدفاع سالف الذكر مردود أيضاً بأنه وأن كان قد ثبت من كتاب مديرية أمن بني سويف رقم….. المؤرخ……. أن الحرز الذي يحوى الأوراق المزورة قد استهلك نظراً لانتهاء العمل به ومضى المدة القانونية ومن ثم استحال ضمه لأوراق الدعوى فإن هذا لا ينال من صحة ثبوت الواقعة في حق المتهم على النحو السالف بيانه طالما أن الأوراق المنسوب إليه الاشتراك في تزويرها كانت موجودة فعلاً ولها أصل ثابت في أوراق الدعوى إذ لا تشترط في هذه الحالة إطلاع المحكمة عليها للقضاء بالإدانة طالما أن المحكمة كونت عقيدتها مما أثبت بشأنها في محاضر التحقيقات التي أجرتها سلطات التحقيق – ولما كان الثابت بيقين من أدلة الإثبات سالفة الذكر أن المتهم أرسل إشارات إلى جهات الشرطة التابعة لمركز الفشن زيلها بما يتضمن صدورها من مأمور المركز فإن دفاعه القائم على عدم اطلاع المحكمة على الأوراق سالفة الذكر يكون في غير محله خاصة وأنه أثبت في محاضر تحقيق النيابة العامة مضمون تلك الإشارات وما يفيد صدورها عن المأمور….. إلخ” وكان هذا الذي أورده الحكم يتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.

لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم ينسب إلى الطاعن اعترافاً بالتداخل في وظيفة مأمور المركز – خلافاً لما يدعيه الطاعن في طعنه – بل حصل اعترافه بما مؤداه أن أرسل إشارات تليفونية إلى القرى التابع لها الخفراء الذين اجتازوا الاختبارات تتضمن تعيينهم خفراء إداريين – وهو ما لا يماري فيه الطاعن – فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ في الإسناد يكون غير صحيح – لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.