حكم تمييز ( تعويض)

محكمة التمييز
الدائرة المدنية
جلسة 28/ 11/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ يوسف المطاوعة – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ فتحي محمود السيد، ولطفي عبد العزيز، وأحمد هاشم، وعبد الرحمن فكري سليم

(54)
الطعنان رقما 546، 555/ 2004 مدني
1 – إثبات (قرينة قوة الأمر المقضي) – قوة الأمر المقضي – حجية – حكم (حجيته).
– قوة الأمر المقضي – لا يكتسبها القضاء النهائي إلا فيما ثار بين الخصوم أنفسهم من نزاع وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وفصلت فيه المحكمة بصفة صريحة أو ضمنية حتمية – ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل – لا يحوز قوة الأمر المقضي.
2 – التزام (مصادرة – القانون – الدعوى المباشرة) – وكالة – مسؤولية (المسؤولية في حالة توالي التوكيلات) – نيابة (نيابة اتفاقية) – دعوى (الدعوى المباشرة) – رجوع.
– توالي التوكيلات المأذون في كل منها للوكيل أن يوكل غيره فيما وكل هو فيه – انصراف آثار العقد الذي يبرمه آخر الوكلاء إلى الموكل الأصلي.

– عقد الوكالة

ترخيص الموكل للوكيل في إقامة نائب عنه دون تعيين لشخصه – عدم مسؤولية الوكيل إلا عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات أو في إهماله في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة – مسؤوليته على أساس هذا الخطأ مصدرها القانون لا المسؤولية العقدية عن الغير- للموكل الأصلي ولنائب الوكيل أو يرجع كل منهما على الآخر بدعوى مباشرة يطالبه فيها بالتزاماته نحو الوكيل – مصدر التزام كل منهما قبل الآخر هو الدعوى المباشرة – خروج المشرع عن الأصل في هاتين الحالتين – أساس ذلك – م (710) مدني – مثال.

3 – إثبات (قرينة قوة الأمر المقضي) – حجية – قوة الأمر المقضي – بيع – عقد (عقد البيع) – حكم.
– حجية الأمر المقضي للحكم في دعوى تالية بين الخصوم أنفسهم – شرطها – وحدة المحل في الدعويين – وجوب أن تكون المسألة المقضي بها نهائياً في الدعوى الأولى مسألة أساسية لا تتغير تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقراراُ جامعاً مانعاً وكانت هي الأساس فيما يدعيه أي منهما قبل الآخر في الدعوى الثانية من حقوق متفرعة عنها.
– حجية الأمر المقضي – ورودها على المنطوق وما يرتبط به من أسباب ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يقوم بدونها – المقصود بالأسباب هو الأسباب الجوهرية الأساسية دون ما يرد بالحكم من تقريرات في شأن موضوع لم يكن مطروحًا بذاته على المحكمة ولو كان له صله بالموضوع المقضي به.
– تزيد المحكمة في بعض أسبابها إلى مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها ولم تكن في حاجة إليها للفصل في الدعوى – أثره – لا يحوز ما عرضت له قوة الشيء المحكوم فيه – مثال بشأن تزيد الحكم في التعرض لبحث تحقق الغبن من عدمه في طلب إبطال بيع عقار.

4 – تضامم – تضامن – مسؤولية (التضامن والتضامم في المسؤولية) – وكالة (مسؤولية الوكيل عن أعمال نائبه).
– ثبوت أن مصدر المسؤولية أحد الخصمين هو الخطأ الشخصي في اختيار نائبه وإهماله في تنفيذ الوكالة وأن مصدر مسؤولية الثاني هو الدعوى المباشرة – مؤداه – اختلاف مصدر مسؤولية كل منهما – لازم ذلك – التزامهما قبل الموكل بالتضامم وليس بالتضامن.
5 – عقد – وكالة (عقد الوكالة) – مسؤولية (مسؤولية الوكيل ونائبه قبل الموكل الأصلي) – تعويض – دعوى (أنواع من الدعاوى: الدعوى المباشرة) – نيابة ( نيابة اتفاقية) – بيع.

– إجازة الموكل الأصلي لوكيله في أن يبيع العقار لنفسه وأن يوكل غيره في ذلك – اعتبار الوكالة في حكم الوكالة المأجورة ولمصلحة الوكيل – تضمين عقد الوكالة شرطاً يلزم الوكيل بالبيع بالسعر المناسب وهو سعر السوق وقت التصرف – بيع نائب الوكيل العقار لنفسه بسعر يقل عن سعر السوق وقبض الوكيل الثمن – أثره – قيام مسؤولية النائب قبل الموكل الأصلي مسؤولية مصدرها الدعوى المباشرة – مسؤولية الوكيل عن خطئه الشخصي لإهماله في رقابة نائبه وتوجيهه – مؤدى ذلك – التزامهما بالتعويض قبل الموكل الأصلي.

1 – من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن القضاء النهائي لا يكتسب قوة الأمر المقضي إلا فيما ثار بين الخصوم أنفسهم من نزاع وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وفصلت فيه المحكمة بصفة صريحة أو ضمنية حتمية، أما ما لم تنظر فيه بالفعل فلا يمكن أن يكون موضوعاً بحكم يحوز قوة الأمر المقضي. لما كان ذلك , وكان البين من مدونات الحكم الصادر في الدعوى رقم 2456 لسنة 1996 تجاري. مدني. كلي. حكومة وفي استئنافه رقم 318 لسنة 1997 مدني، أن الطلبات في تلك الدعوى هي بطلان إقرار المديونية الصادر من المطعون ضده الأول إلى المطعون ضده الثاني لتضمنه فوائد ربوية ووقوعه تحت إكراه دفعه إلى تحريره, وبطلان التوكيل بالبيع المحرر بينهما المؤرخ 19/ 6/ 1996 لصوريته حيث قصد به ضماناً لدين القرض بما تترتب عليه من بطلان التوكيل الثاني الصادر من المطعون ضده الثاني إلى الطاعن، وكذا البيع الصادر من الأخير لنفسه بناءً على التوكيل الأخير وقضى الحكم الصادر في الاستئناف ببطلان إقرار المديونية فيما زاد على مبلغ (6500) دينار لتضمنه فوائد ربوية، وبصحة باقي العقود دون أن يثير أمام تلك المحكمة مسألة سداد الثمن، ولم تفصل فيه المحكمة، وكانت الطلبات في الدعوى الراهنة هي إلزام الطاعن والمطعون ضده الثاني بثمن العقار المناسب وقت التصرف باعتباره تعويضاً عما أصابه من ضرر لسبب تجاوزهما حدود الوكالة وعدم التزامهما بالسعر المناسب، فضلاً عن تخلفهما عن سداده، فهي تختلف موضوعاً وسبباً عن الطلبات في الدعوى السابقة ومن ثم لا يكتسب القضاء الصادر فيها قوة الأمر المقضي المانعة من نظر الطلبات في الدعوى الراهنة. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.

2 – من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه في حالة توالي التوكيلات المأذون في كل منها للوكيل أن يوكل غيره فيما وكل هو فيه. تنصرف آثار العقد الذي يبرمه آخر الوكلاء إلى الموكل الأصلي. وكان المقرر أن الأصل في عقد الوكالة، أنه إذا رخص الموكل لوكيله في تعيين نائب له في تنفيذ الوكالة دون تحديد لشخص هذا النائب، فإن الوكيل يكون مسؤولاً عن أعمال نائبه تجاه الموكل، ومسؤوليته في ذلك مسؤولية عقدية عن الغير، فإذا ارتكب نائب الوكيل ثمة خطأ في تنفيذ الوكالة تحققت مسؤوليته العقدية تجاه الوكيل، وتحققت مسؤولية الأخير العقدية عن نائبة تجاه الموكل. بموجب عقد الوكالة الأصلي. وفي علاقة الموكل بنائب الوكيل، فمقتضى القاعدة العامة أيضاً ألا تكون بينهما علاقة مباشرة فلا يملك أيهما أن يرجع على الآخر إلا بطريق الدعوى غير المباشرة يستعملها باسم الوكيل، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل في هاتين الحالتين، فنص في الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني على أنه (فإذا رخص الموكل للوكيل في إقامة نائب عنه دون تعيين لشخصه، فإن الوكيل لا يكون مسؤولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه، أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات.

ويجوز في هذه الحالة للموكل ولنائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر) – مما مفاده أن المشرع قصر مسؤولية الوكيل عن أعماله نائب المصرح له بتعيينه دون تحديد لشخصه، على خطئه في اختيار هذا النائب أو فيما أصدره له من تعليمات، ويدخل في ذلك أيضاً إهماله في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة وهو يعد خطأ شخصياً منه، وتقوم مسؤوليته على أساس هذا الخطأ مسؤولية مصدرها القانون، لا على المسؤولية العقدية عن الغير. كما أجاز النص استثناء للموكل الأصلي والنائب الوكيل أن يرجع كل منهما على الآخر بدعوى مباشرة يطالبه فيها بالتزاماته نحو الوكيل وتكون هذه الدعوى المباشرة مصدر التزام كل منهما قبل الآخر.

لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق. أن المطعون ضده الأول أصدر للمطعون ضده الثاني توكيلاً بتاريخ 19/ 6/ 1996 يكلفه فيه ببيع عقاره محل النزاع لنفسه أو لغيره، وأجاز له أن يوكل غيره في ذلك، دون أن يحدد شخص هذا الغير فقام بدوره وبصفته هذه، بإصدار وكالة للطاعن في 30/ 6/ 1996 أنابه فيها في تنفيذ تلك الوكالة بذات الصلاحيات فقام الأخير ببيع العقار لنفسه بالعقد المسجل برقم 8369 في 20/ 7/ 1996 ووقع على هذا العقد باعتباره وكيلاً عن البائع – المطعون ضده الأول. فإن العلاقة فيما بين المطعون ضده الثاني وبين الطاعن لا تخرج عن كونها علاقة وكالة باعتبار أن الأخير نائباً عنه في تنفيذ الوكالة الصادرة من الموكل الأصلي. وبالتالي فهي ليست علاقة بيع.

إذ لم يثبت شراء المطعون ضده الثاني العقار لنفسه قبل إصدار هذه الوكالة للطاعن، الذي حررها بصفته وكيلاً عن المالك لا بصفته مالكاً ومن ثم فإن المطعون ضده الثاني يكون ملتزماً تجاه موكله – المطعون ضده الأول – بالالتزامات التي تقع على عاتق نائبه – الطاعن، إذ ما ثبت خطأه في اختيار هذا النائب أو فيما أصدر له من تعليمات أو قصر في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة وذلك وفق الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني آنفة البيان، ويكون الطاعن ملتزماً نحو المذكور أيضاً وفق هذا النص، بطريق الدعوى المباشرة – وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن والمطعون ضده معاً بباقي من ثم العقار، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة ولمحكمة التمييز أن تكمل أسبابه, ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.

3 – من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادة (53) من المرسوم بقانون رقم (39) لسنة 1980 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية أن الحكم في دعوى لا تكون له حجية الأمر المقضي في دعوى تالية مرددة بين الخصوم أنفسهم بذات صفاتهم إلا إذا كان المحل في الدعويين واحداً، وهو ما لا يتوافر إذا كانت المسألة المقضي فيها نهائياً بالحكم في الدعوى الأولى مسألة أساسية لا تتغير وتناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقراراً جامعاً مانعاً وكانت هي الأساس فيما يدعيه أي من الطرفين قبل الآخر في الدعوى الثانية من حقوق متفرعة عنها. وأن المعول عليه في الحكم والذي يحوز حجية الأمر المقضي هو قضاؤه الذي يرد بالمنطوق دون الأسباب، إلا ما كان منها مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً يحدد مداه أو يكمله بحيث لا يقوم بدونه، إذ في هذه الحالة تكون الأسباب هي المرجع في تفسير المنطوق والوقوف على حقيقة ما فصلت فيه المحكمة.

والذي يعتد به منها هي الأسباب الجوهرية الأساسية التي تتضمن الفصل في أمر يقوم عليه المنطوق فتكون مرتبطة به وتحوز الحجية معه دون ما يرد بالحكم من تقديرات في شأن موضوع لم يكن مطروحاً بذاته على المحكمة ولو كان له صلة بالموضوع المقضي به , وكان من المقرر أيضاً. أنه إذا عرضت المحكمة – تزيداً في بعض أسبابها – إلى مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها، ولم تكن بها حاجة إليها للفصل في الدعوى، فإن ما عرضت له من ذلك لا يكون له قوة الشيء المحكوم فيه. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني أن الطاعن أثار في أسباب طلبه بطلان بيع العقار أن الثمن المحدد بالعقد وهو مبلغ (45000) دينار فيه غبن فاحش, إذ الثمن الحقيقي يبلغ (85000) دينار، وقد رد الحكم على ذلك بقوله (وأنه فضلاً عن الغبن – وعلى ما يفيده صريح نصوص المواد من (162) حتى (166) من القانون المدني المنظمة له – ليس من شأنه بطلان العقد وإنما يقتصر أثره على تعديل التزام الطرف الآخر أو التزام المغبون بما يرفع عنه الفحش في القيمة، ويقتصر التمسك به على أشخاص محددين بنوعياتهم بشرط أن يكون الغبن نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال والمستأنف ليس من هؤلاء وغير متحقق في جانبه شيء من ذلك (وكان مفاد هذا الذي أورده الحكم،

أنه بفرض تحقق الغبن في ثمن العقار، على ما أثاره الطاعن، فإنه ليس من شأنه بطلان العقد، وإنما يقتصر أثره على تعديل التزامات أياً من طرفيه بما يرفع الفحش في الغبن عن الطرف المغبون وكان هذا في ذاته يكفي لحمله قضاء الحكم في رفض طلب بطلان البيع المؤسس على هذا السبب دون حاجة إلى بحث تحقق الغبن من عدمه, إذ هو غير لازم لقضاء الحكم – فيكون ما أورده بعد ذلك من تحديد للأشخاص الذين يحق لهم التمسك بالغبن، وشروط تحققه زائداً عن حاجه الحكم ولا ارتباط له بمنطوقه، بالتالي لا يكتسب قوة الأمر المقضي، فلا يمنع الطاعن من إثارة عدم مناسبة الثمن لسعر السوق وقت التصرف، وخطأ المطعون ضدهما في الخروج عن حدود الوكالة في هذا الخصوص. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في أسبابه التي قام عليها المنطوق، أن الحكم السابق قضى ضمناً بطريق اللزوم بانتفاء الغبن وأن الثمن الوارد بالعقد هو الثمن الحقيقي، فيمتنع على الطاعن إعادة المنازعة في شأنه – فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون. وهو ما حجبه عن بحث مناسبة الثمن لسعر السوق ومدى خطأ المطعون ضدهما في ذلك، وهو ما يعيبه كذلك بالقصور في التسبيب مما يوجب تمييزه في خصوص هذا السبب.

4 – إذ كان الثابت وحسبما جاء في الرد على السبب الثاني من سببي الطعن رقم 546 لسنة 2004 مدني – اختلاف مصدر مسؤولية كل من المطعون ضدهما عن الأخرى. إذ أن مصدر مسؤولية الأول هو خطأه الشخصي في اختيار نائبه المطعون ضده الثاني أو فيما أصدره له من تعليمات، وكذلك إهماله في مراجعته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة، أما مصدر مسؤولية الأخير نحو الطاعن فهي الدعوى المباشرة التي قررها نص الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني سالفة البيان – ومن ثم فإنهما يكونان ملتزمين بالتضامم لا بالتضامن، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.

5 – إذ كان الثابت من عقد الوكالة الصادر إلى كل من المستأنف ضدهما، وعقد البيع محل النزاع. أن الوكالة الصادرة إلى المستأنف ضده الثاني تضمنت شرطاً يلزمه بأن يتم البيع بالسعر المناسب وهو سعر السوق وقت التصرف. كما أن نص المادة (704) من القانون المدني في فقرتها الأولى أوجبت على الوكيل تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة، وإذ كانت هذه الوكالة في حكم المأجورة إذ عُقدت لمصلحة الوكيل أيضاً – حين أجازت له البيع لنفسه – فإنه يلتزم في تنفيذها، وفق نص الفقرة الثانية من المادة (705) من ذات القانون ببذل عناية الشخص العادي وإذ كان الثابت من تقرير الخبير المودع في الدعوى رقم (490) لسنة 1999 مدني كلي, والذي ضُم ضمن أوراقها إلى أوراق هذه الدعوى, ومن الشهادة الصادرة من المجموعة الاستشارية العقارية المؤرخة 21/ 9/ 1996. أن ثمن العقار المبيع حسب الأسعار السائدة في سوق العقارات وقت البيع لا يقل عن مبلغ ثمانين ألف دينار، فيكون هو الثمن المناسب للعقار في هذا الوقت، وإذ كان المستأنف ضده الثاني قد باع العقار لنفسه بمبلغ خمسة وأربعين ألف دينار فقط, وهو بالنسبة لسعر العقار السائد وقت التصرف يًعد ثمناً بخساً، خرج فيه عن الحدود المرسومة له في عقد الوكالة، ولم يبذل في تقديره عناية الشخص العادي.

مما يُعد خطأ منه في تنفيذ الوكالة يسأل عن جبر الأضرار المترتبة عليه نحو الموكل الأصلي – المستأنف – والمتمثل في الفرق بين السعر الحقيقي وبين الثمن المذكور بعقد البيع، وذلك بطريق الدعوى المباشرة وفق نص الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني، وكان الثابت أيضاً أن المستأنف ضده الأول – الوكيل الأصلي لم يعترض على هذا الثمن رغم أن ظاهر الحال يقطع بأنه ثمن بخس وفيه غبن فاحش للمستأنف, وقبضه منه مما يُعد إهمالاً منه في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة خاصة وأنه التزم أيضاً في عقد وكالته بالبيع بالسعر المناسب، فيثبت في حقه الخطأ الشخصي، وفق النعي الأخير، ويلتزم قبل موكله – المستأنف – بجبر هذا الضرر كاملاً. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى للمستأنف بالفرق من الثمن الوارد بعقد البيع، بعد خصم ستة آلاف وخمسمائة دينار التي أقر المذكور باستلامها، والذي بلغ (38500) دينار، فإن المحكمة تقضي له أيضاً بباقي الثمن الحقيقي ومقداره (35000) دينار ليكون المقضي له به كاملاً مبلغ (37500) دينار ثلاثة وسبعين ألف دينار وخمسمائة دينار.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن……….أقام الدعوى رقم 724 لسنة 2003 مدني كلي على كل من – ……..,………… – طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ 78.500) دينار. وقال بياناً لذلك. أنه سبق أن أقام على المذكورين الدعوى رقم 1490 لسنة 1999 مدني كلي بطلب ندب خبير لتقدير الثمن المناسب للعقار المبين بصحيفتها تمهيداً للحكم بإلزامها به تأسيساً على أنه بموجب إقرار دين مؤرخ 18/ 2/ 97 اقترض من الأول مبلغ (30000) دينار شاملة فوائد ربوية، لم يتسلم منه سوى (6500) ديناراً، وأصدر له توكيلاً خاصاً في بيع العقار ضماناً لسداد القرض، تضمن حقه في البيع لنفسه وللغير بالثمن المناسب، فأصدر – بصفته هذه – توكيلاً للثاني بذات الصلاحيات وبذات القيد المذكور،

فباع الأخير العقار لنفسه بموجب هذا التوكيل بالعقد المسجل برقم 8369 في 20/ 7/ 1996 أثبت به أن ثمن العقار (45000) دينار رغم أن قيمته الحقيقية وقت التصرف تقدر بمبلغ (85000) دينار، وبالمخالفة لما اشترط في التوكيلين المذكورين فيكونا بذلك قد خرجا عن حدود الوكالة، ولم يبذلا في تنفيذها العناية الواجبة، بما يكون ركن الخطأ في جانبهما، ويلزمان بالتضامن بتعويض الضرر الناجم عنه، والمتمثل في استحقاقات الثمن الحقيقي للعقار. وقُضى في تلك الدعوى باعتبارها كأن لم تكن، بعد أن نُدب خبيراً قدّر الثمن المناسب للعقار وقت التصرف حسب سعر السوق بمبلغ (80000) دينار. وأضاف أن الحكم في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني الصادر بين ذات الخصوم قضى ببطلان إقرار الدين فيما جاوز مبلغ (6500) دينار التي تسلمها من الأول، من ثم فقد أقام الدعوى بطلباته آنفة البيان. حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف – ………….. – الحكم بالاستئناف رقم 1690 لسنة 2003 مدني.

أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي أن المذكور لم يتقاض من ثمن العقار إلا مبلغ (6500) دينار. وبعد أن استمعت إلى شاهدي الإثبات. قضت بتاريخ 31/ 5/ 2004 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام كل من – ………..،………. – بأن يؤديا له مبلغ (38500) دينار. طعن الثاني على هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن رقم 546 لسنة 2004 مدني كما طعن عليه الأول بالطعن رقم 555 لسنة 2004 مدني – وأودع مذكرة في الطعن الأول طلب فيها رفضه. وقدمت النيابة مذكرة في الطعنين أبدت فيها الرأي بتمييز الحكم المطعون فيه. وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظرهما وفيها قررت ضم الطعن الثاني إلى الطعن الأول , والتزمت النيابة رأيها.

أولاً: الطعن رقم 546 لسنة 2004 مدني:
حيث إن الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعن بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال. وقال بياناً لذلك أن الحكم أيد قضاء محكمة أول درجة في رفضها للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني بمقولة اختلاف الموضوع في الدعويين, رغم أنه واحد في كل منهما. إذ أن الطلبات في الدعويين تتعلق بالعقار محل النزاع, وقد انتهى الحكم المذكور في أسبابه إلى صحة التوكيل الصادر من المطعون ضده الأول إلى المطعون ضده الثاني. وكذلك التوكيل الصادر من الأخير إلى الطاعن، وبالتالي صحة البيع الصادر من الأخير لنفسه بما تضمنه من تسليمه ثمن العقار المبيع إلى المطعون ضده الثاني، وإذ كانت الطلبات في الدعوى الراهنة هي إلزامهما بسداد هذا الثمن، فإن موضوعهما يكون واحداً. وإذ خالف الحكم ذلك ورفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وفصل في موضوعها فإنه يكون معيباً بما يستوجب تمييزه.

وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن القضاء النهائي لا يكتسب قوة الأمر المقضي إلا فيما ثار بين الخصوم أنفسهم من نزاع وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وفصلت فيه المحكمة بصيغة صريحة أو ضمنية حتمية. أما ما لم تنظر فيه بالفعل فلا يمكن أن يكون موضوعاً بحكم يحوز قوة الأمر المقضي. لما كان ذلك , وكان البين من مدونات الحكم الصادر في الدعوى رقم 2456 لسنة 1996 تجاري. مدني. كلي.

حكومة وفي استئنافه رقم 318 لسنة 1997 مدني، أن الطلبات في تلك الدعوى هي بطلان إقرار المديونية الصادر من المطعون ضده الأول إلى المطعون ضده الثاني لتضمنه فوائد ربوية ووقوعه تحت إكراه دفعه إلى تحريره, وبطلان التوكيل بالبيع المحرر بينهما المؤرخ 19/ 6/ 1996 لصوريته حيث قصد به ضماناً لدين القرض بما تترتب عليه من بطلان التوكيل الثاني الصادر من المطعون ضده الثاني إلى الطاعن، وكذا البيع الصادر من الأخير لنفسه بناءً على التوكيل الأخير وقضى الحكم الصادر في الاستئناف ببطلان إقرار المديونية فيما زاد على مبلغ (6500) دينار لتضمنه فوائد ربويه، وبصحة باقي العقود دون أن يثير أمام تلك المحكمة مسألة سداد الثمن، ولم تفصل فيه المحكمة، وكانت الطلبات في الدعوى الراهنة هي إلزام الطاعن والمطعون ضده الثاني بثمن العقار المناسب وقت التصرف باعتباره تعويضاً عما أصابه من ضرر لسبب تجاوزهما حدود الوكالة وعدم التزامهما بالسعر المناسب، فضلاً عن تخلفهما عن سداده، فهي تختلف موضوعاً وسبباً عن الطلبات في الدعوى السابقة ومن ثم لا يكتسب القضاء الصادر فيها قوة الأمر المقضي المانعة من نظر الطلبات في الدعوى الراهنة. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.

وحيث إن الطاعن ينعي بالشق الثاني من السبب الأول وبالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم المطعون فيه قضى بإلزامه مع المطعون ضده الثاني بباقي ثمن العقار محل النزاع رغم أن الثابت بالأوراق وبالحكم الصادر في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني، أنه اشترى العقار بموجب توكيل صحيح صادر له من الأخير بصفته وكيلاً عن المطعون ضده يبيح له البيع لنفسه ولغيره، وانتقلت إليه ملكيته بالتسجيل فانقطعت علاقته بالموكل الأصلي، وبالتالي فإن أي التزامات تبقي في ذمته كأثر لهذا البيع يلتزم بها من قبل المطعون ضده الثاني وحده، دون المطعون ضده الأول الذي ليس له إلا أن يرجع بها على المطعون ضده الثاني، خاصة وأن شاهدي الأول قررا أمام المحكمة أن الثاني هو الملتزم بباقي ثمن العقار، ولم يتطرقا في شهادتهما إلى الطاعن. وإذ خالف الحكم ذلك. وقضى بإلزامه مع المطعون ضده الثاني بباقي الثمن، فإنه يكون معيباً بما يستوجب تمييزه.

وحيث إن هذا النعي غير سديد, ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه في حالة توالي التوكيلات المأذون في كل منها للوكيل أن يوكل غيره فيما وكل هو فيه تنصرف آثار العقد الذي يبرمه آخر الوكلاء إلى الموكل الأصلي. وكان المقرر أن الأصل في عقد الوكالة، أنه إذ رخص الموكل لوكيله في تعيين نائب له في تنفيذ الوكالة دون تحديد لشخص هذا النائب، فإن الوكيل يكون مسؤولاً عن أعمال نائبه تجاه الموكل، ومسؤوليته في ذلك مسؤولية عقدية عن الغير، فإذا ارتكب نائب الوكيل ثمة خطأ في تنفيذ الوكالة تحققت مسؤوليته العقدية تجاه الوكيل، وتحققت مسؤولية الأخير العقدية عن نائبة تجاه الموكل.

بموجب عقد الوكالة الأصلي. وفي علاقة الموكل بنائب الوكيل، فمقتضى القاعدة العامة أيضاً ألا تكون بينهما علاقة مباشرة فلا يملك أيهما أن يرجع على الآخر إلا بطريق الدعوى غير المباشرة يستعملها باسم الوكيل، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل في هاتين الحالتين، فنص في الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني على أنه (فإذا رخص الموكل للوكيل في إقامة نائب عنه دون تعيين لشخصه، فإن الوكيل لا يكون مسؤولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه، أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات.

ويجوز في هذه الحالة للموكل ولنائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر (مما مفاده أن المشرع قصر مسؤولية الوكيل عن أعماله نائب المصرح له بتعيينه دون تحديد لشخصه، على خطئه في اختيار هذا النائب أو فيما أصدره له من تعليمات، ويدخل في ذلك أيضاً إهماله في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة وهو يعد خطأ شخصياً منه، وتقوم مسؤوليته على أساس هذا الخطأ مسؤولية مصدرها القانون، لا على المسؤولية العقدية عن الغير. كما أجاز النص استثناء للموكل الأصلي والنائب الوكيل أن يرجع كل منهما على الآخر بدعوى مباشرة يطالبه فيها بالتزاماته نحو الوكيل وتكون هذه الدعوى المباشرة مصدر التزام كل منهما قبل الآخر.

لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق. أن المطعون ضده الأول أصدر للمطعون ضده الثاني توكيلاً بتاريخ 19/ 6/ 1996 يكلفه فيه ببيع عقاره محل النزاع لنفسه أو لغيره، وأجاز له أن يوكل غيره في ذلك، دون أن يحدد شخص هذا الغير فقام بدوره وبصفته هذه، بإصدار وكالة للطاعن في 30/ 6/ 1996 أنابه فيها في تنفيذ تلك الوكالة بذات الصلاحيات فقام الأخير ببيع العقار لنفسه بالعقد المسجل برقم 8369 في 20/ 7/ 1996 ووقع على هذا العقد باعتباره وكيلاً عن البائع – المطعون ضده الأول.

فإن العلاقة فيما بين المطعون ضده الثاني وبين الطاعن لا تخرج عن كونها علاقة وكالة باعتبار أن الأخير نائباً عنه في تنفيذ الوكالة الصادرة من الموكل الأصلي. وبالتالي فهي ليست علاقة بيع. إذ لم يثبت شراء المطعون ضده الثاني العقار لنفسه قبل إصدار هذه الوكالة للطاعن، الذي حررها بصفته وكيلاً عن المالك لا بصفته مالكاً ومن ثم فإن المطعون ضده الثاني يكون ملتزماً تجاه موكله – المطعون ضده الأول – بالالتزامات التي تقع على عاتق نائبه – الطاعن، إذ ما ثبت خطأه في اختيار هذا النائب أو فيما أصدر له من تعليمات أو قصر في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة وذلك وفق الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني آنفة البيان، ويكون الطاعن ملتزماً نحو المذكور أيضاً وفق هذا النص، بطريق الدعوى المباشرة – وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن والمطعون ضده معا باقي من ثمن العقار، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة ولمحكمة التمييز أن تكمل أسبابه, ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ثانيًا: الطعن رقم 555 لسنة 2004 مدني:
حيث إن الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال. إذ ذهب في أسبابه إلى أن الحكم السابق الصادر في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني. فصل في مسألة أساسية هي عدم تحقق الغبن في جانب الطاعن بالنسبة لثمن العقار المبيع فلا يجوز العودة إلى مناقشة هذا الثمن في الدعوى الراهنة لإثبات عدم مناسبته، في حين أن الأساس مختلف في الدعويين، إذ أن طلباته في الدعوى الحالية، بإلزام المطعون ضدهما بثمن العقار الحقيقي الذي يبلغ (85000) دينار مؤسسه على أنه تعويض عن خطئهما في تجاوز حدود الوكالة الصادر لكل منهما وعدم التزامهما بالشروط الواردة فيها بأن يتم البيع بالسعر المناسب الذي يتفق وأسعار السوق وقت البيع وهو يختلف عن طلب بطلان البيع للغبن محل الدعوى السابقة. كما أن المحكمة في الحكم السابق لم تبحث قيمة الثمن وما إذا كان فيه غبن للطاعن أم لا وبالتالي فلا حجية له عند نظر هذه الدعوى وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادة (53) من المرسوم بقانون رقم (39) لسنة 80 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية أن يكون الحكم في دعوى لا تكون له حجية الأمر المقضي في دعوى تالية مردده بين الخصوم أنفسهم بذات صفاتهم إلا إذا كان المحل في الدعويين واحداً، وهو ما لا يتوافر إذ كانت المسألة المقضي فيها نهائياً بالحكم في الدعوى الأولى مسألة أساسية لا تتغير وتناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقراراً جامعاً مانعاً وكانت هي الأساس فيما يدعيه أي من الطرفين قبل الآخر في الدعوى الثانية من حقوق متفرعة عنها. وأن المعول عليه في الحكم والذي يحوز حجية الأمر المقضي هو قضاؤه الذي يرد بالمنطوق دون الأسباب، إلا ما كان منها مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً يحدد مداه أو يكمله بحيث لا يقوم بدونه، إذ في هذه الحالة تكون الأسباب هي المرجع في تفسير المنطوق والوقوف على حقيقة ما فصلت فيه المحكمة. والذي يعتد به منها هي الأسباب الجوهرية الأساسية التي تتضمن الفصل في أمر يقوم عليه المنطوق فتكون مرتبطة به وتحوز الحجية معه دون ما يرد بالحكم من تقريرات في شأن موضوع لم يكن مطروحاً بذاته على المحكمة ولو كان له صلة بالموضوع المقضي به , وكان من المقرر أيضاً. أنه إذا عرضت المحكمة – تزيداً في بعض أسبابها – إلى مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها، ولم تكن بها حاجة إليها للفصل في الدعوى، فإن ما عرضت له من ذلك لا يكون له قوة الشيء المحكوم فيه.

لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم في الاستئناف رقم 318 لسنة 1997 مدني أن الطاعن أثار في أسباب طلبه بطلان بيع العقار أن الثمن المحدد بالعقد وهو مبلغ (45000) دينار فيه غبن فاحش, إذ الثمن الحقيقي يبلغ (85000) دينار، وقد رد الحكم على ذلك بقوله (وأنه فضلاً عن الغبن – وعلى ما يفيده صريح نصوص المواد من (162) حتى (166) من القانون المدني المنظمة له – ليس من شأنه بطلان العقد وإنما يقتصر أثره على تعديل التزام الطرف الآخر أو التزام المغبون بما يرفع عنه الفحش في القيمة، ويقتصر التمسك به على أشخاص محددين بنوعياتهم بشرط أن يكون الغبن نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال والمستأنف ليس من هؤلاء وغير متحقق في جانبه شيء من ذلك (وكان مفاد هذا الذي أورده الحكم، أنه بفرض تحقق الغبن في ثمن العقار، على ما أثاره الطاعن، فإنه ليس من شأنه بطلان العقد، وإنما يقتصر أثره على تعديل التزامات أياً من طرفيه بما يرفع الفحش في الغبن عن الطرف المغبون وكان هذا في ذاته يكفي لحمله قضاء الحكم في رفض طلب بطلان البيع المؤسس على هذا السبب دون حاجة إلى بحث تحقق الغبن من عدمه, إذ هو غير لازم لقضاء الحكم – فيكون ما أورده بعد ذلك من تحديد للأشخاص الذين يحق لهم التمسك بالغبن، وشروط تحققه زائداً عن حاجة الحكم ولا ارتباط له بمنطوقه، وبالتالي لا يكتسب قوة الأمر المقضي، فلا يمنع الطاعن من إثارة عدم مناسبة الثمن لسعر السوق وقت التصرف، وخطأ المطعون ضدهما في الخروج عن حدود الوكالة في هذا الخصوص.

وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى في أسبابه التي قام عليها المنطوق، أن الحكم السابق قضى ضمناً بطريق اللزوم بانتفاء الغبن وأن الثمن الوارد بالعقد هو الثمن الحقيقي، فيمتنع على الطاعن إعادة المنازعة في شأنه – فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون. وهو ما حجبه عن بحث مناسبة الثمن لسعر السوق ومدى خطأ المطعون ضدهما في ذلك، وهو ما يعيبه كذلك بالقصور في التسبيب مما يوجب تمييزه في خصوص هذا السبب.

وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في فهم الواقع، ذلك أنه قضى برفض طلب إلزام المطعون ضدهما بباقي ثمن العقار على سبيل التضامن بمقولة عدم وجود اتفاق بينهما أو نص قانوني يوجب ذلك، رغم أن التزامهما بهذا المبلغ جاء نتيجة خطئهما المشترك في بيع العقار بغير السعر المناسب المقيدة به وكالتهما فيكونان متضامنين في تعويض الأضرار الناشئة عنه، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الثابت وحسبما جاء في الرد على السبب الثاني من سببي الطعن رقم 546 لسنة 2004 مدني – اختلاف مصدر مسؤولية كل من المطعون ضدهما عن الأخرى، إذ أن مصدر مسؤولية الأول هو خطأه الشخصي في اختيار نائبه المطعون ضده الثاني أو فيما أصدره له من تعليمات، وكذلك إهماله في مراجعته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة، أما مصدر مسؤولية الأخير نحو الطاعن فهي الدعوى المباشرة التي قررها نص الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني سالفة البيان – ومن ثم فإنهما يكونان ملتزمين بالتضامم لا بالتضامن، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.

وحيث إنه عن موضوع الاستئناف رقم 1690 لسنة 2003 مدني وفيما ميز من الحكم المطعون فيه، صالح للفصل فيه.

وحيث إن الثابت من عقد الوكالة الصادر إلى كل من المستأنف ضدهما، وعقد البيع محل النزاع. أن الوكالة الصادرة إلى المستأنف ضده الثاني تضمنت شرطاً يلزمه بأن يتم البيع بالسعر المناسب وهو سعر السوق وقت التصرف. كما أن نص المادة (704) من القانون المدني في فقرتها الأولى أوجبت على الوكيل تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة، وإذ كانت هذه الوكالة في حكم المأجورة إذ عُقدت لمصلحة الوكيل أيضاً حين أجازت له البيع لنفسه – فإنه يلتزم في تنفيذها، وفق نص الفقرة الثانية من المادة (705) من ذات القانون ببذل عناية الشخص العادي وإذ كان الثابت من تقرير الخبير المودع في الدعوى رقم 490 لسنة 1999 مدني كلي, والذي ضُم ضمن أوراقها إلى أوراق هذه الدعوى. ومن الشهادة الصادرة من المجموعة الاستشارية العقارية المؤرخة 21/ 9/ 1996.

أن ثمن العقار المبيع حسب الأسعار السائدة في سوق العقارات وقت البيع لا يقل عن مبلغ ثمانين ألف دينار، فيكون هو الثمن المناسب للعقار في هذا الوقت، وإذ كان المستأنف ضده الثاني قد باع العقار لنفسه بمبلغ خمسة وأربعين ألف دينار فقط, وهو بالنسبة لسعر العقار السائد وقت التصرف يُعد ثمناً بخساً، خرج فيه عن الحدود المرسومة له في عقد الوكالة، ولم يبذل في تقديره عناية الشخص العادي. مما يُعد خطأ منه في تنفيذ الوكالة يسأل عن جبر الأضرار المترتبة عليه نحو الموكل الأصلي – المستأنف – والمتمثل في الفرق بين السعر الحقيقي وبين الثمن المذكور بعقد البيع، وذلك بطريق الدعوى المباشرة وفق نص الفقرة الثانية من المادة (710) من القانون المدني.

وكان الثابت أيضاً أن المستأنف ضده الأول – الوكيل الأصلي لم يعترض على هذا الثمن رغم أن ظاهر الحال يقطع بأنه ثمن بخس وفيه غبن فاحش للمستأنف, وقبضه منه مما يُعد إهمالاً منه في رقابته وتوجيهه في تنفيذ الوكالة خاصة وأنه التزم أيضاً في عقد وكالته بالبيع بالسعر المناسب، فيثبت في حقه الخطأ الشخصي، وفق النعي الأخير، ويلتزم قبل موكله – المستأنف – بجبر هذا الضرر كاملاً. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى للمستأنف بالفرق من الثمن الوارد بعقد البيع، بعد خصم ستة آلاف وخمسمائة دينار التي أقر المذكور باستلامها، والذي بلغ (38500) دينار، فإن المحكمة تقضي له أيضاً بباقي الثمن الحقيقي ومقداره (35000) دينار ليكون المقضي له به كاملاً مبلغ (37500) دينار ثلاثة وسبعين ألف دينار وخمسمائة دينار.