ولاجل ان نكون على بينة من حدود السلطة التقديرية للسلطة المالية في فرض الضريبة ينبغي ابتداءً ان نحدد اركان القرار الاداري ونناقش في الوقت نفسه مدى امكانية تمتع السلطة المالية بالسلطة التقديرية في كل ركن منها .

اولاً- ركن الاختصاص

الاختصاص هو الصلاحية القانونية التي تمنح لهيئة عامة او موظف بمباشرة عمل من الاعمال القانونية (1). هذا الركن تقتضيه ضرورة علم الموظف مسبقاً بالحدود التي يجوز له التصرف فيها اضافة الى مزايا توزيع العمل المتمثلة بالحيلولة دون تداخل الصلاحيات بين الموظفين (2). ان الاختصاص في فرض الضريبة غالباً ما يتحدد نطاقه بالقانون او بالانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة المالية ، فاذا ما حصر الاختصاص بجهة ادارية واحدة كان الاختصاص مانعاً اما اذا اشتركت اكثر من جهة فيه كان الاختصاص مشتركاً . وهذا وتتحدد عناصر الاختصاص باربعة عناصر نتناولها باختصار كالاتي:

أ-العنصر الشخصي : اذ يشار اليه غالباً في القرار الاداري المتعلق بالتعيين او النقل اذ ينبغي ان يمارس الاعمال ذات الصلة بفرض الضريبة موظف مختص فالمخمن مثلاً لا يجوز له تقدير الضريبة ما لم يمنح صلاحية تخمين (3).

ب-العنصر المادي : ويتحدد بالمواضيع التي تدخل في اختصاص الهيئة او الموظف فما درجت عليه السلطة المالية مثلاً هو تعيين العنصر المادي للمخمن من خلال تحديد الحروف التي تبدا بها اسماء المكلفين كان يكون المخمن رقم (1) مختص بالحروف ( أ ، ب ، ج ، د …. ) (4).

ج- العنصر الزماني : بمعنى ان الموظف لا يمكن له ممارسة الصلاحيات الممنوحة له الا من الوقت الذي يتقلد فيه المنصب فالمخمن مثلاً لا يستطيع القيام بتقدير الضريبة الا من تاريخ منحه صلاحية التخمين وقبل ان تسحب منه لاي سبب كان (5).

د- العنصر المكاني : أي تحديد اختصاصات الموظف بحدود اقليمية معينة فاذا ما خرجت تصرفاته عن تلك الحدود ، عدت معدومة . وفي هذا الاطار نصت المادة ( 31 ) من قانون ضريبة الدخل النافذ على ان ” تقدر الضريبة على الشخص الخاضع لها في دائرة مخمن الضريبة الذي يقع فيه محل سكن المكلف او محل عمله … الخ ” . وقد تعلق الامر بموضوع البحث فان السلطة المالية لا تتمتع باية سلطة تقديرية في ركن الاختصاص .

ثانياً- ركن الشكل والاجراءات (6).

ويقصد بالشكل المظهر الخارجي الذي يتخذه القرار الاداري فالاصل هو ان القرار الاداري لا يتخذ شكلاً معيناً الا اذا نص القانون على وجوب اتخاذ شكل معين . فكل ما يشترط لاصدار القرار من الناحية الشكلية ، ان الادارة قد اظهرت نيتها باي شكل كان بما يجعل المخاطبين بالقرار يفهمونه بشكل واضح. اما اذا اشترط القانون شكلية معينة فانه تجب مراعاتها فعندما يستلزم القانون اجراء تقدير الضريبة في مذكرة تخمين معدة لهذا الغرض فعلى الادارة ان تتقيد بذلك . اما الاجراءات فهي عمل او مجموعة اعمال تقوم بها الادارة تمهيداً لاتخاذ القرار . اذ قد يتطلب القانون القيام باجراءات معينة قبل اتخاذ القرار كأن تشكل لجنة مؤلفة من عدة اعضاء لغرض تقدير قيمة العقار ومنافعه(7). وفيما لو استلزم القانون مراعاة شكلية معينة او اتخاذ اجراءات ما في عملية فرض الضريبة فان السلطة المالية تكون مقيدة ولا تتمتع باية سلطة تقديرية ازاءها.

ثالثاً- ركن السبب (8).

ويتمثل بالوقائع المادية والقانونية التي توحي لرجل الادارة عند وقوعها انه يستطيع ممارسة اختصاصه باتخاذ القرار . لقد مر موقف القضاء الاداري في رقابته على ركن السبب في تطور اذ كان لا يراقب سوى مشروعية القرار الاداري ومن ثم فهو لم يكن يراقب الاسباب لان الغلط في الوقائع او تقديرها لا يشكل خرقاً للقانون وبعد ذلك اصبح القضاء الاداري يمارس صوراً ثلاث من الرقابة هي :

1.رقابة الوجود المادي للوقائع .

2.رقابة تكييف الوقائع فيما اذا كانت تبرر اتخاذ القرار الاداري من عدمه .

3.رقابة ملاءمة القرار للوقائع التي اعتمدت اساساً له(9).

ومع التسليم باهمية التطور الحاصل في رحاب الرقابة على ركن السبب . الا ان الادارة في الاصل تتمتع بسلطة تقديرية في تقييم الوقائع المادية والقانونية التي تبرر اتخاذ القرار الاداري غير ان هذا الاصل قد تحدد نطاقه بظهور اتجاهات جديدة في الرقابة على هذا الركن كالرقابة على الغلط البين . والرقابة على التناسب والرقابة على الموازنة بين المنافع والاضرار(10). وفي اطار فرض الضريبة تتحدد السلطة التقديرية للسلطة المالية في التاكد من مدى وجود الوقائع المادية لحقيق الواقعة المنشئة للضريبة والتاكد ايضاً من تحقق الوقائع القانونية كما لو تركت الضوابط السنوية للتقدير قدراً من الحرية للمخمن في تخمين الوعاء الضريبي للمكلف(11).

رابعاً – ركن المحل (12).

هو التغيير الذي يجري على الوضع القانوني القائم لحظة صدور القرار فينشيء مركزاً قانونياً جديداً او يعدل او يلغي مركزاً قانونياً قائماً وبالنظر لاهمية المحل فان القرار الاداري غالبا مايسمى باسم محله فيقال مثلاً قرار تعيين … الخ . لقد حدد الفقه والقضاء شروطاً لصحة المحل في القرار الاداري :-

أ- ان يترتب حالاً ومباشرة : بمعنى ان التغيير المقصود يجب ان يجري فور صدور القرار وهو يستدعي ان يتمتع القرار بقرينة الصحة .

ب- ان يكون عملاً ممكناً : فان كان مستحيلاً كان القرار معيباً كما لو قدرت السلطة المالية الضريبة على دخل شخص متوفٍ قبل حلول السنة المالية محل التقدير .

ج- عدم مخالفة المحل للقانون : بمعنى ان يكون مشروعاً بان يحترم القواعد القانونية الاعلى درجة فلا يجوز للسلطة المالية مثلاً ان تخالف القانون في وضع الضوابط السنوية .

هذا وتتمتع السلطة المالية بسلطة تقديرية ازاء ركن المحل اذا لم تقيدها قاعدة قانونية كما لو ترك لها اختيار حل من بين حلول عدة او عندما تتخلى عن تحديد المحل ومثال ذلك الحرية المتروكة للسلطة المالية في اعادة تقدير دخل المكلف متى ما كان تقديره الاول غير حقيقي . على ان الزامه في اعادة التقدير بالاستناد الى وقائع مادية او تقييدها بمدة معينة لا ينفي تلك الحرية لانها ملزمة بالتقدير في ضوء الدخل الحقيقي للمكلف .

خامساً ركن الغاية (13).

وهي النتيجة النهائية التي ينبغي على رجل الادارة تحقيقها وهي لاتتعدى المصلحة العامة . وفي هذا الصدد نجد ان القواعد القانونية قد تحدد مسبقاً الهدف الذي يجب تحقيقه مما يستلزم معه تقيد رجل الادارة بتحقيق ذلك الهدف دون الحياد عنه . غير ان عدم تحديد الهدف مسبقاً لا يعني ان الادارة حرة في تحقيق أية نتيجة تريدها اذ لابد ان لا تحيد عن تحقيق المصلحة العامة . وقدر تعلق الامر بموضوع البحث نجد ان السلطة المالية ليس لها ادنى سلطة تقديرية في اختيار الهدف المبتغى من فرض الضريبة اذ ليس لها الا تحقيق المصلحة العامة وبذلك فان سلطتها في اطار هذا الركن تكون مقيدة . قصارى القول نجد ان السلطة المالية تتمتع بسلطة تقديرية في السبب الذي تستند اليه في فرض الضريبة وكذلك في الاثر المترتب على قرارها في فرض الضريبة.

__________________________

1- د. ماهر صالح علاوي – مبادئ القانون الاداري – دراسة مقارنة – بدون مكان النشر – 1996 – ص161 . انظر ايضاً د. عمر محمد الشوبلي – القضاء الاداري – ج1 – طبع مكتبة دار الثقافة – عمان – 1992 – ص216 .

2- لمزيد من التفصيل انظر د. سليمان محمد الطماوي – النظرية العامة للقرارات الادارية – الطبعة 6 – مطبعة جامعة عين شمس – مصر – 1991 – ص301 .

3- واستثناءاً من ذلك فانه يجوز ممارسة الاختصاص من قبل غير الموظف المختص متى ما تحققت شروط تطبيق نظرية الموظف الفعلي . لمزيد من التفصيل انظر د. علي بدير واخرون – المصدر السابق – ص 421 وما بعدها . انظر ايضاً د. عمر محمد الشوبلي – المصدر السابق – ص260 .

4- ولا يجوز للموظف مباشرة غير اختصاصاته الا بناء على تفويض او حلول انظر د. محمد انس قاسم جعفر – الوسيط في القانون العام – دار النهضة العربية – مصر – 1987 – ص 365 . انظر كذلك د. عصام البرزنجي – العنصر الشخصي للاختصاص في القرار الاداري – مجلة العلوم القانونية الصادرة عن كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد العاشر – العدد 1 – 1994 – ص220 وما بعدها .

5- انظر في هذا الشان د. محمد انس قاسم جعفر – المصدر السابق – ص 366 وما بعدها .

6- لمزيد من التفصيل عن هذا الركن انظر د. عبد الغني بسيوني عبد الله – ولاية القضاء الاداري على اعمال الادارة – قضاء الالغاء – منشاة المعارف بالاسكندرية – 1983 – ص219 .

7- انظر المادة الخامسة من قانون تقدير قيمة العقار ومنافعه رقم 85 لسنة 1978 المعدل النافذ .

8- لمزيد من التفصيل انظر د. ماهر صالح علاوي – غلط الادارة البين في تقدير الوقائع – بحث منشور في مجلة العلوم القانونية – المجلد التاسع – العدد 1 – 1990 – ص 190 وما بعدها .

9- د. ماهر صالح علاوي – الغلط البين في تقدير الوقائع – مصدر سابق – ص191 . انظر ايضاً د. عبد الغني بسيوني – المصدر السابق – ص 62 وما بعدها .

10- لمزيد من التفصيل انظر د. علي حسين الفهداوي – الاتجاهات الحديثة في الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة – رسالة دكتوراه – كلية القانون – جامعة بغداد – 2000 – ص 88 وما بعدها . كذلك انظر د. يحيى الجمل – رقابة مجلس الدولة على الغلط البين للادارة في تكييف الوقائع – بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد – عدد 3 ، 4 – لسنة 41 – 1973 – ص 442 وما بعدها .

11- انظر على سبيل المثال الضوابط السنوية للسنة 2003 التقديرية الصادرة عن الهيئة العامة للضرائب .

12- د. ماجد راغب الحلو – القضاء الاداري – ح1 – 1977 – ص127 هـ(1) وما بعدها .

13- انظر د. خالد رشيد الدليمي – الانحراف في استعمال السلطة – رسالة ماجستير – كلية القانون – جامعة بغداد – 1998 – ص 22 وما بعدها .

المؤلف : قيصر يحيى جعفر الربيعي
الكتاب أو المصدر : السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل القانون العراقي
الجزء والصفحة : ص25-30

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .