قرار حكم بالإفراج
تشكلت محكمة الجنح في حي الشعب في يوم 19/12/2010 برئاسة القاضي السيد سالم روضان الموسوي المأذون بالقضاء باسم الشعب وأصدرت قرارها الآتي : ـ
المشتكي / ح ، ج، س
المتهـــم / ك ، ج ، ث
أحال السيد قاضي تحقيق الشعب بموجب قراره المرقم 638 في 25/10/2010 المتهم المرجئ تقرير مصيره (ك ، ج ، ث) لأجراء محاكمته بدعوى غير موجزة على وفق أحكام المادة (459/ 1) عقوبات وفي اليوم المعين بوشر بالمحاكمة الوجاهية العلنية بحضور السيد نائب المدعي العام القاضي عمار محمد كمال وبحضور المتهم ( ك ، ج ، ث ) ولعدم تمكنه من توكيل محام انتدبت المحكمة المحامي عارف خماس عزت للدفاع عنه ، ولم يحضر المشتكي على الرغم من تبلغه وعلى وفق الاشعار المقدم من معقب الدعاوى في مركز شرطة القدس، ثم تلي قرار الإحالة علنا وإفادة المشتكي ومحاضر الضبط وسوابق المتهم ، ثم استمعت إلى إفادة المتهم وبعد أن وجهت له التهمة التي أجاب عنها بالبراءة ، استمعت المحكمة إلى مطالعة الادعاء العام ومطالعة المحامي المنتدب الذي طلب الإفراج ثم اختلت فأصدرت القرار الآتي :ـ
القرار
من خلال سير التحقيق والمحاكمة الوجاهية العلنية الجارية تبين بان المتهم ( ك ، ج ، ث ) كان قد حرر الشيك المرقم 19530 المؤرخ في 25/11/2009 المسحوب على مصرف البصرة الدولي للاستثمار لمصلحة المستفيد المشتكي ( ح ، ج، س ) بالحساب المرقم 1025 ، وعند مراجعته إلى المصرف وجد عدم توفر مقابل وفاء له على وفق الاستشهاد الصادر من المصرف المؤرخ في 15/3/2010 وعلى اثر ذلك طلب المشتكي الشكوى ضده واتخذت الإجراءات القانونية بحق المتهم على وفق أحكام المادة 459 عقوبات . وجاء في إفادة المشتكي إن المتهم كان قد اقترض منه مبلغ من المال مقداره (35,000,000) خمسة وثلاثون مليون دينار على أن يسدد له ذلك المبلغ لاحقا ، ونظم له الشيك لغرض صرفه وعند مراجعته المصرف لم يجد له مقابل للوفاء وعلى وفق إفادته المدونة أمام السيد قاضي التحقيق بتاريخ 25/3/2010 ، ثم طلب التنازل عن المتهم على وفق ملحق إفادته المدونة أمام السيد قاضي التحقيق بتاريخ 7/6/2010 .

كما بين المتهم في إفادته لمدونة أمام المحقق القضائي بتاريخ 30/5/2010 بوجود تعامل تجاري مع المشتكي واستلم منه مبلغ مقداره خمسة وعشرون مليون دينار لغرض العمل فيها في المشاريع العائدة له مقابل أرباح وتأخرت عليه السلف الحكومية وحضر المشتكي إلى داره وتحت التهديد والضغط حرر له الشيك موضوع بحث هذه الدعوى وهو معطى على سبيل الأمانة ويعلم المشتكي بعدم وجود رصيد مقابل لوفائه في المصرف . وعند النظر إلى مادة الإحالة والاتهام فإنها كانت على وفق أحكام المادة (459/1) عقوبات، التي تشترط لتحققها إعطاء شيك بسوء نية من قبل الساحب ويعلم بان ليس له مقابل للوفاء . وهذا التوصيف للفعل الجرمي يسمى جريمة سحب شيك دون رصيد وان الأصل في عدم مشروعيته أن يعطي الساحب شيكاً إلى المستفيد . وهذا الشيك لابد وان يكون مستوفي للشروط القانونية التي نص عليها القانون لان هذا الشيك يعتبر أداة وفاء وليس أداة ضمان وعلى وفق منطوق الفقرة (1) من المادة (459) عقوبات حينما أقرنت فعل تسليمه بعدم وجود مقابل للوفاء، مما أضفى على الشيك أهمية اقتصادية وتجارية تحظى برعاية المشرع لحماية الثقة العامة في التعاملات المصرفية وهو يماثل النقود من حيث وظيفتها في الأداء، لذلك أوجد على مرتكب هذه الجريمة عقوبة الحبس السالبة للحرية .

وهذا ما يميز الشيك عن سائر الصكوك التجارية مثل السفتجة والكمبيالة وان كانت بينهم مشتركات منها وجود علاقة ثلاثية بين الساحب والمسحوب عليه والمسحوب له (المستفيد)، إلا أن الشيك يتميز بكونه أداة وفاء مستحق الأداء عند الإطلاع ولا يتقيد بأجل استحقاق حتى وان اتفق عليه الساحب والمستفيد وعلى وفق أحكام المادة (155) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 المعدل وكذلك على وفق أحكام الفقرة (1) من المادة (459) عقوبات . وهذا هو محور اهتمام المشرع بالشيك مما دعاه إلى توفير الحماية الجزائية له على وفق الأحكام القانونية في قانون العقوبات . والمشرع لم يترك الأمر سائب دون أن يحدد ماهية الشيك الذي تشمله الحماية الجزائية، ومن طبيعة الأحكام القانونية الجنائية أن تكون محددة وواضحة لان أفعالها إن لم توصف وصفاً دقيقاً في النص العقابي لا تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون لعدة أسباب منها إن الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة وأحكام التجريم تعد قيد استثنائي عليها ، كذلك على وفق مبدأ المشروعية المنصوص عليها دستورياً وفي قانون العقوبات (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص أو بناء على نص) .

وهذا الاهتمام في التوصيف يشير إلى أن الشيك الذي يكون محلاً لتطبيق الأحكام الجزائية هو الشيك الذي ينظم أحكامه الفصل الثالث من الباب الأول في المواد (137-179) من قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 المعدل . وعند النظر في هذه الإحكام نجد أن الشيك هو ورقة شكلية يتم إفراغه في نموذج معين يشتمل على بيانات حددها القانون ولا يتجاوزها أو يتخلف عنها و إلا عد الشيك باطل، وهذا ما يراه شراح القانون الجنائي ومنهم فاروق كيلاني في كتابه الموسوم (جرائم الأموال ـ الطبعة الأولى – بيروت – عام 2004 ص 310) وما يعزز هذا الرأي ما ورد في نص المادة (138) تجارة التي اشترطت عدة بيانات لا بد من تسطيرها في نموذج الشيك حتى يعد شيكاً صحيحاً قابلاً للصرف ، والاشتراط كان بصيغة الوجوب الملزم والآمر عندما تصدر مطلع المادة ( 138 ) تجارة العبارة التالية (يجب ان يشتمل الشيك على البيانات الآتية …) كما إن نص المادة (139) تجارة قد نص بصريح القول ببطلان أي شيك إذا تخلف عنه أي بيان من البيانات التي أشارت إليها المادة (138) تجارة ويصبح بمثابة ورقة دين عادية باستثناء حالتين ورد ذكرها في صلب المادة (139) تجارة وتتعلق بمكان الأداء ومكان الإنشاء . وعند النظر إلى صورة الشيك الذي أقيمت بموجبه الشكوى نجد انه خالي من مكان الأداء ومكان الإنشاء التي تعد من البيانات الإلزامية والوجوبية في الشيك حتى يعد صحيحاً وعلى وفق الفقرة (خامساً) من المادة (138) تجارة .

كما لم تجد المحكمة أي عنوان للساحب مسطر في الشيك سواء بجانب اسمه أو في ظهر الشيك لان نص الفقرتين (أولا وثانياً) من المادة (139) تجارة اعتبرت الشيك صحيحاً إذا خلى من ذكر مكان الإنشاء عندما يكتب عنوان بجانب اسم الساحب وعلى وفق نص الفقرة (ثانياً) من المادة (139) تجارة التي تنص على ما يلي ((عدم ذكر مكان الإنشاء مع ذكر عنوان بجانب اسم الساحب فيعتبر هذا العنوان مكان إنشاء الشيك )) وحيث إن الصورة الضوئية للشيك المبرز ضبطاً في هذه الدعوى خالية من مكان الإنشاء ولا يوجد أي عنوان بجانب اسم الساحب فيكون قد اعتراه الخلل بتخلف احد البيانات الإلزامية الوارد ذكرها في نص المادة (138) ويكون محكوم بالبطلان ولا يعتبر شيك وعلى وفق نص المادة (139) تجارة وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية بقرارها العدد (106 / هيئة موسعة /2006 في 28/11/2006) الذي جاء في حيثياته ما يلي (يتبين إن دفع المميز بأنه حرر الشيك موضوع الدعوى على بياض يتفق مع ما تقدم من وقائع مما يفقده صفة الورقة التجارية المنصوص عليها قانونا و لا يكون له اثر إلا في الحالتين المنصوص عليهما في المادة139 من قانون التجارة و ليس من بينهما الحالة موضوع الدعوى ) ، وهذا يؤدي إلى نتيجة مفادها إن لا يكون شيك تنطبق عليه الأحكام الجزائية الوارد ذكرها في نص المادة (459) عقوبات .

كما إن المشتكي حينما أقام الشكوى لم يقدم ورقة شيك اصلي مستوفي للشروط، وإنما ابرز صورة ضوئية للشيك المزعوم والاستشهاد الصادر بموجبه من المصرف . وحيث إن هذه الصورة لا يمكن صرفها أو التعامل فيها على فرض صحتها فأنها لا تعتبر شيك يندرج ضمن منطوق المادة (459) عقوبات ، كما لاحظت المحكمة إن المشتكي قد تعمد إخفاء الشيك الأصلي إذا كان له وجود، وانه لم يمتثل لأمر القضاء على الرغم من فتح قضية تحقيقية بحقه على وفق أحكام المادة (238) عقوبات تنفيذاً لقرار السيد قاضي التحقيق المسطر بتاريخ 4/10/2010 وما أشار إليه سير التحقيق المؤرخ في 6/10/2010 المنظم من قبل القائم بالتحقيق في مركز شرطة القدس . وبذلك يكون المشتكي غير جاد في توفير أدلة الاتهام تجاه المتهم التي تعتبر ورقة الشيك المحور الذي تدور حوله سائر الأدلة الثبوتية . وهذا الأمر كان محل نظر محكمة جنايات الرصافة في قصر العدالة بصفتها التمييزية عندما نقضت قرار الإحالة الأول المرقم 470 في 26/7/2010 لعدم ربط الشيك والاستشهاد الصادر من المصرف . لأنها لم تعتد بالصورة الضوئية المبرزة في أوراق الدعوى . لذلك فان الصورة الضوئية لا يمكن اعتبارها شيك مستوفي للشروط القانونية يندرج ضمن منطوق المادة (459) عقوبات ، وان اصل الشيك المزعوم على فرض وجوده، فانه لا يعتبر شيك خاضع لقانون الصرف لتخلف بيان من البيانات اللازمة والوجوبية فيه والمتمثل بعدم كتابة مكان الإنشاء وعلى وفق ما ورد عرضه في أعلاه .

وبالنتيجة ترى المحكمة إن الأدلة المتحصلة في الدعوى غير كافية للإدانة وما متوفر منها المتمثل بالصورة الضوئية للشيك لا ترتقي إلى مستوى الدليل الذي أشارت إليه المادة (213) أصول جزائية، ومما تقدم قرر الحكم بالإفراج عن المتهم (كريم جابر ثويني ) لعدم كفاية الأدلة وإخلاء سبيله من التوقيف إن لم يكن محكوم أو موقوف على ذمة قضية أخرى استناداً لأحكام المادة (183/ج ، هـ) أصول جزائية والحكم للمحامي المنتدب عارف خماس عزت مبلغ مقداره (35,000) خمسة وثلاثون ألف دينار تدفع له من خزينة الدولة بعد اكتساب قرار الحكم الدرجة القطعية .
وصدر القرار حكما وجاهياً قابلاً للتمييز وافهم علناً في 19/12/2010 الموافق 12/محرم/1432 هـ .
القاضي
سالم روضان الموسوي