جريمة تزييف العملة

لقد جاء نص المادة (349/1) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936 متحدثاً عن جريمة تزييف العملة ” البنكنوت ” حيث نصت على أن ” كل من زور ورقة بنكنوت بقصد الاحتيال أو غير فيها أو تداول ورقة بنكنوت يدل ظاهرها على أنها مزورة أو مغيرة مع علمه بذلك ، يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس المؤبد “.
وكذلك ما نصت عليه المادة (350/1) من القانون سالف الذكر حيث نصت على أنه ” كل من صنع ورقة يدل ظاهرها على أنها ورقة بنكنوت أو قسم من ورقة بنكنوت أو ورقة تماثل البنكنوت على أي وجه من الوجوه أو قريبة الشبه منها لدرجة تحمل الناس على الخداع ، أو تسبب في صنعها أو استعملها لأية غاية من الغايات أو تداولها ، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بغرامة قدرها ستة جنيهات عن كل ورقة ……………..”
من خلال قراءتنا للنصوص السابقة فإننا نقف عند أركان الجريمة الثلاثة والعقوبة المقررة لها وذلك على النحو التالي:-

أركـــان الجـريمة
تتلخص أركان الجريمة في ثلاثة وهي : الركن المادي والمحل المتمثل في النقود المتداولة قانوناً والركن المعنوي ” القصد الجنائي”

أولاً : الركـــــن المادي : يتحقق هذا الركن بأحد الأفعال الثلاثة التقليد والتزوير والتزييف .
أما التقليد : فيعرف بأنه عبارة عن القيام بصنع عملة شبيهة بالعملة القانونية الصحيحة بأية وسيلة كانت . بحيث ينخدع منها الرجل العادي وليس الخبير في العملة لأن الهدف هنا إيجاد الثقة لدى جمهور المتعاملين في النقود وحماية الثقة العامة في العملة .
أما إذا كان التقليد ظاهراً بحيث لا ينخدع به الرجل العادي ، فلا تقع جريمة التزييف ، وإن جاز اعتبار الفعل شروعاً خاب أثره لا دخل لإرادة الجاني فيه .

أما التزوير : فيقصد به إدخال تغيير في البيانات التي تحملها العملة بما يكون من شأنه الإخلال بالثقة العامة فيها ، التي تتخذ صورة الثقة في أنها تحمل بيانات معينة يرتبط بها قبول التعامل على أنها ذات قيمة محدودة .
فإن التزوير يتحقق بتغيير الرسوم أو العلامات أو الأرقام المنقوشة على العملة بحيث تبدو أكبر من قيمتها الاسمية . والتزوير متصور وقوعه في العملات الورقية والمعدنية ، ولكن غالباً ما يقع على العملات الورقية .

والتزييف : هو انتقاص من وزن العملة المعدنية ويقلل من قيمتها أو أي إضافة لنوع الطلاء عليها يجعلها تشبه عملة أخرى أكثر منها قيمة.
ولا يقع التزييف إلا على العملة المعدنية ، وهذا خلافاً للتزوير والتقليد اللذان يقعان على العملة الورقية والعملة المعدنية . كما أنه يوجد خلاف آخر ما بين التقليد والتزييف ، فالتقليد ينتج عملة جديدة غير صحيحة لم يكن لها وجود من قبل ، في حين أن التزييف يفترض وجود عملة صحيحة أصلاً ، ولكن أدخل عليها نوعاً من التشويه.

وللتزييف صورتان وهما الانتقاص والتمويه ، بمعنى أن الانتقاص يعني سلب العملة جزءً من مادتها الأصلية مما يؤدي حتماً إلى التقليل من القيمة الحقيقية لمعدنها تبعاً لانتقاص وزنه ، ولم يستلزم المشرع وسائل معينة للانتقاص فقد يتم باستعمال مبرداً للحصول على جزء من مادة العملة في شكل مسحوق ، وقد يتم بوضع العملة في محلول كيميائي لإذابة جزء من مادتها والحصول عليه بعد ذلك بعد ترسيبه ……… الخ .

أما بالنسبة للتمويه : فيقصد به إعطاء العملة لوناً أو مظهراً يجعلها أكبر قيمة . ويتم الطلاء باستعمال مادة كيميائية أو بتغطية العملة بطبقة من معدن أكبر أو بأية طريقة أخرى . ويتحقق التمويه ولو لم يمس المتهم النقوش التي تحملها العملة الأصلية.

ثانياً : المحل ” موضوع جريمة التزييف “: نصت المادة (348) من قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة على تعريف البنكنوت على أنه ” تشمل لفظة البنكنوت الواردة في هذا الفصل كل سفتجة أو بوليصة أصدرها مصرف في فلسطين أو بنك انجلترا أو أي شخص أو هيئة مسجلة أو شركة تتعاطى أشغال الصرافة في أية جهة من جهات العالم ، وتشمل أيضاً كل بوليصة بنك صادرة من مصرف وكل بوليصة صادرة على بياض وأوراق النقد الصادرة بمقتضى قانون أوراق النقد لسنة 1927 ، وكل ورقة مالية ( مهما كان الاسم الذي يطلق عليها) إذا كانت تعتبر كنقد قانوني في البلاد الصادرة فيها.

يتضح لنا من خلال التعريف السابق بأن القانون يتطلب في موضوع ومحل هذه الجريمة شرطين :
أولهما يتمثل في كونه عملة ، وثانيهما بأن تكون هذه العملة ذات تداول قانوني .
1-المقصود بالعملة : هي النقود وقد عرفها البعض بأنها ” كل أداة وفاء وقياس للقيم صادرة عن الدولة أو بناءً على تصريحها ذات تداول عام في المجتمع”.
من التعريف السابق نجد بأن العملة تشمل النقود الورقية والمعدنية ، ولكن يشترط فيها أن تكون صادرة عن الدولة أو عن جهات أذنت لها الدولة بموجب القانون أن تصدرها ، كاوراق البنكنوت الصادرة عن البنك المركزي في كثير من الدول . وكون النقود صادرة عن الدولة أو بتصريح منها يسبغ عليها صفة الرسمية ، ويؤدي إلى استبعاد من عداد النقود وسائل الدفع الصادرة من الأفراد ، كالبونات والفيشات التي يصدرها بعض التجار ويستعملونها في تسوية حساباتهم مع عملائهم أو أعمالهم .
2- التداول القانوني : لقد اشترط القانون في العملة أن تكون متداولة قانوناً في الدولة التي قامت بإصدارها . ويعني ذلك بان يكون الأفراد ملزمين قانوناً بقبولها كوسيلة للوفاء بديونهم .
وعليه فإن الحماية التي فرضها القانون بالعقاب على التزييف لا تشمل وسائل الدفع التي تصدرها الدولة دون أن تلزم الأفراد بقبولها في معاملاتهم ، كأذون البريد والسندات الحكومية ، كذلك لا تمتد الحماية إلى العملات التي بطل التعامل بها باعتبارها نقوداً أو صدر قانون بوقف تداولها .

ثالثاً : الركــــــــن المعنوي ” القصد الجنائي” : تعتبر هذه الجريمة من الجرائم العمدية المقصودة التي لا تقع بالإهمال أو الخطأ في أي حال من الأحوال . ولقد تطلب المشرع في الركن المعنوي توافر القصد العام ، لكنه لم يكتفي بالقصد العام ، بل اشترط إلى جانبه قيام القصد الخاص لدى الجاني . لذلك فإن دراستنا للركن المعنوي ستتضمن توضيح القصد العام في هذه الجريمة وبيان القصد الخاص.

1-القصد العام: ويتمثل هذا القصد في توافر عنصرين وهما العلم والإرادة . فيجب أن يعلم الجاني بأن ما يقوم بتقليده أو تزويره أو تزييفه هو عملة متداولة قانوناً سواء في الأراضي الفلسطينية أو في خارجها. أما إذا كان يجهل ذلك ، بأن كان يعتقد بأن فعله ينصب على سند حكومي أو سهم ، أو كان يعتقد بأن العملة الأجنبية التي تناولها فعله قد أبطل التعامل بها فهنا لا نستطيع القول بتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل ، بل يجب الجزم بانتفاء القصد الجنائي لديه .إضافة للعلم ، يجب أن يتوافر لدى الجاني الإرادة الواعية المتجهة لإحداث الفعل الإجرامي في إحدى صوره الثلاث وهي التقليد أو التزييف أو التزوير ، بالإضافة إلى آثاره . وتطبيقاً لذلك ، فإن القصد الجنائي لا يتوافر في حق شخص وقعت منه العملة في محلول كيميائي بطريق الإهمال أو الخطأ ، مما أدى على تغيير لونها ، فاكتسبت لوناً مختلفاً جعلها كبيرة الشبه بعملة أكبر قيمة ، أو فقدت بتأثير المحلول الكيميائي جزءً من قيمتها . ولا عبرة بالبواعث فسواء كان الباعث على ارتكاب الجريمة هو الرغبة في تحقيق الربح أو الإثراء ، أو كان متمثلاً في نية الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد ، فالأمر سيان.

2-القصد الخاص : يتمثل هذا القصد في نية دفع العملة للتعامل في السوق على اعتبار أنها عملة صحيحة ، ويطلق جانب من الفقه القانوني الجنائي على هذا القصد ” نية الترويج”.
وبناءً عليه لا يعتبر تزييفاً معاقباً عليه –نظراً لتخلف القصد الخاص – القيام بتقليد عملة على سبيل المزاح أو لإجراء تجربة علمية أو لمجرد إشباع هواية فنية . لكن إذا غير المقلد نيته بعد ذلك وبدا له أن يروج العملة ومن ثم قام بطرحها في التعامل يكون مسئولاً في هذه الحالة عن جريمة الترويج.
ويشترط في” نية الترويج ” أن تكون متوافرة لحظة القيام بالفعل الإجرامي فإذا لم تكن متوافرة في تلك اللحظة ، ولكن توافرت في وقت لاحق فإنه لا عبرة بها ، ومن ثم ينتفي القصد الجنائي الخاص ، وذلك تطبيقاً للقاعدة التي تقضي ” بوجوب معاصرة القصد الجنائي للفعل الإجرامي”.

العقـــوبة المقــررة على الجــــريمة
لقد قرر قانون العقوبات الفلسطيني المطبق عقوبة الحبس المؤبد لجريمة تزوير أوراق البنكنوت وفرض عقوبة الغرامة فقط ست جنيهات عن كل ورقة يتم تقليدها . في حين أنه اعتبر إصدار أوراق بنكنوت بدون تفويض مشروع جناية وعاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات ، واعتبر تمزيق وطمس الأوراق النقدية من الجنح وعاقب عليها بالحبس لمدة ثلاثة أشهر أو بالغرامة التي تبلغ مائة جنيه.
كما أن القانون المطبق في قطاع غزة لم يرد فيه ظروفاً مشددة ولم يرد فيه أيضاً الإعفاء من العقوبة بخلاف القوانين الأخرى في كافة التشريعات الجنائية بالدول الأخرى ، فجاءت نصوص المواد خالية من أية ظروف استثنائية سواء للتشديد أو للإعفاء والتخفيف ومقيدة بحرفة النص القانوني المكتوب .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت