جريمة الزنى بين التشريعين الجنائيين المغربي و الإسلامي

إن التناقض الواضح بين واقع المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا مسلما وبين القانون الجنائي المغربي المستمد في معظمه من القانون الجنائي الفرنسي يؤثر سلبا على فعالية سياسة التجريم المغربية في سعيها للحد من الجريمة.
فالزنى مثلا تنظر إليها المجتمعات الإسلامية كجريمة تخص مجتمع بأسره ولهذا نجد أن كثيرا من الناس يبتعدون عن اللجوء إلى القانون المطبق لعدم قناعتهم بحكمه، وهذا ما يؤدي إلى ارتكاب جرائم تعرف بجرائم الشرف كتعبير عن قصور القوانين في معالجة هذه المشكلة وعدم وضع الأحكام المنسجمة مع واقع المجتمع.
لدى ساقوم بدراسة جريمة الزنى في القانون الجنائي المغربي وفي التشريع الجنائي الإسلامي من خلال:

أولا : جريمة الزنى في القانون الجنائي المغربي
ينص الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي على أن ” كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة “. أما فيما يتعلق بجريمة الخيانة الزوجية فإن الفصل 491 ينص على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجني عليه. إلا أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة متابعتها “.
إلا أن الفصل 492 ينص على أن” تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية”.

ثانيا : جريمة الزنا في التشريع الجنائي الإسلامي
الزنى جريمة من الجرائم الاجتماعية التي حرمتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأعراف الاجتماعية لمنافاتها لأبسط المبادئ الأخلاقية لأنها تتضمن انتهاكا للأعراض وتؤدي إلى الالتباس في الإنسان. والشريعة الإسلامية لم تكتف بتجريم الزنى وإنما فرضت عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة بحيث تكون هذه العقوبة مانعة ورادعة لكل من تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة قال تعالى:” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهم رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين “.
وقال عمر بن الخطاب في هذا الشأن :” إن الله بعث محمد بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان ما أنزل الله عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه فإن الرجم في كتاب الله الحق على من زنى”.
وهكذا وانطلاقا من الفصول (490-491-492) والآية الكريمة وقول عمر رضي الله عنه يمكن أن نبدي الملاحظات الآتية:
* تعتبر جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية من جرائم الحدود مما يعني أنها من الجرائم الخطيرة على المجتمع، أما في التشريع الجنائي المغربي فلا تعتبر كذلك حيث نص كل من الفصل 490-491 على عقوبة تافهة مقارنة مع خطورة هذه الجريمة.
فتفاهة العقوبة تفتح باب الفساد لكل جامح وتعرض السلعة لكل راغب فتنتشر الإباحية والفساد الخلقي وتعم الفوضى وتشيع الفاحشة.
* إن أحكام الفصل 491 تتنافى مع الشريعة الإسلامية إذ أنه لا تسامح في حدود الله، والفساد المحرم بمقتضى الكتاب والسنة وحد الزينة فريضة لا يجوز تركها.
* كما أن الفصل 492 يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية أيضا عندما أعطى لأحد الزوجين الحق في التنازل عن شكايته وجعل حدا للمتابعة الجنائية لأن الزن وفقا للآية القرآنية فعل حرمه الإسلام والرجم فريضة أنزلها الله في كتابه وهو حق على من زنى ولا يجوز ترك هذه الفريضة.
إلا أن الأمر الخطير والذي يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية ومع الواقع هو عدم متابعة المتهم المتزوج الذي ضبط مع امرأة مطلقة أو ليس لها زوج لعدم وجود شكاية ضده من طرف زوجته كما أنه لا يمكن متابعته بجريمة الفساد نظرا لكونه متزوجا.
ربما يقول قائل على أن الرابطة الزوجية قائمة على أساس عقد مبرم بين الزوجين قائم على رضى الطرفين وأن العقد شريعة المتعاقدين وعلى هذا الأساس لا يجوز لأحد التدخل في الشؤون الزوجية الداخلية وبالتالي فإن تنازل أحد الزوجين عن شكايته ضد الأخر من حقهما وحدهما ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ولا يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضد أحدهما.
وهذا الفهم خاطئ وهو مخالف للواقع والقانون لسببين :
– إن الحق الشخصي عندما يتعدى حدود نطاقه فإنه يصبح اعتداء على حقوق الآخرين وحرياتهم، ذلك أن تعاطي الفساد يعد مساسا بحريات الآخرين ويعد اعتداء على الشعور العام للمجتمع وبالتالي لا يجوز للنيابة العامة أن تتنازل عن متابعتها في حالة عدم وجود شكاية من أحد الزوجين أو تنازل أحدهما عن شكايته ضد لطرف الآخر.
– إن سكوت النيابة العامة عن متابعة أحد الزوجين عند عدم تقديم شكاية من أحدهما يعني التسامح فيحد من حدود الله وهو حد الزنى ويعني كذلك ترك فريضة أنزلها الله وهي عقاب الزانية والزاني.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام ويجعله خالصا لوجهه الكريم اللهم آمين

شكرا لكم والى فرصة قادمة