رشوة ناعمة
القاضي إياد محسن ضمد
يحدث ان تتقدم فتاة لطلب وظيفة في دائرة او مرفق عام، ويحدث ان تتقدم اخرى بطلب للترقية في سلم الوظيفة العامة، ويحدث كذلك ان تتقدم أرملة او مطلقة لدائرة الرعاية الاجتماعية او دائرة التقاعد للحصول على حقوقها من هذه الدائرة او تلك فيمتنع صانع القرار او الموظف المختص عن تمشية طلبها ويعيق نيلها لحقوقها ويبدأ بمقايضتها بطلب رشوة ناعمة أو ما يسمى في الأوساط القانونية والقضائية بالرشوة الجنسية.

وحيث أن فساد الرشوة يقوم على ثلاث ركائز أولها استغلال النفوذ وثانيها المقايضة وثالثها الحصول على المنفعة فان هذه الركائز متحققة في هذا النوع من الجرائم اذ يتم مقايضة المرأة واستغلال ظرفها او حاجتها الوظيفية تحت جو من الإكراه النفسي والجسدي للحصول على منافع عاطفية او جنسية وهذا النوع من الرشوة يشكل في الوقت ذاته شكلا من اشكال العنف الوظيفي الذي تتعرض له المرأة ما قد يدفع الكثير من النسوة إلى ترك العمل أو عدم المطالبة باستحقاقات الوظيفة العامة.

ورغم غياب النصوص القانونية الصريحة التي تعالج هذا النوع من الجرائم الا انه يقع في اركانه وتوصيفاته القانونية تحت نطاق جرائم الرشوة المنصوص عليها في القوانين العراقية فقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 160 لسنة 1983 عاقب كل موظف او مكلف بخدمة عامة طلب او قبل لنفسه أو لغيره عطية او منفعة او ميزة او وعدا بشيء للقيام بعمل من أعمال وظيفته او الامتناع عنه بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وغرامة كذلك يمكن ان يندرج هذا النوع من الجرائم تحت طائلة عقاب نصوص أخرى في قانون العقوبات العراقي وبحسب ظروف كل واقعة فالفائدة العاطفية او الجنسية التي يسعى صانع القرار او الموظف لنيلها هي شكل من أشكال المنفعة الممنوعة قانونا ولأننا في مجتمع محافظ ويمكن ان توصم فيه المرأة اجتماعيا وتتعرض للتشهير فان الكثير من النساء يحجمن عن تقديم الشكاوى عن هذا النوع من الجرائم ما يدفع مرتكبيها للتمادي والبحث عن ضحية اخرى لجرائم يتجلى فيها انعدام ابسط قيم الرجولة والنزاهة وتعكس حالة الرخص والدناءة التي يتصف بها بعض ممن اوكلت اليهم مهام صناعة القرار وتسلطوا على وظائف الناس وأرزاقهم.

وهنا أجد من الضروري ان أشير الى ان المحاكم وهي تنظر هذا النوع من القضايا فحري بها أن تكيف الفعل الجرمي على أساس انه جريمة رشوة وليس جريمة تحرش جنسي عادي من اجل ان تكون العقوبة المقضي بها رادعة وعلى الجانب الآخر فإننا نأمل من السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب ان تسعى لتجريم هذا الفعل بتشريع واضح وصريح وإضافة بعض المواد لقانون العقوبات وفرض عقوبات شديدة بحق من يرتكب هذا النوع من الجرائم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت