استغلال الأطفال بين القانون والقضاء
بسم الله. تثور النفس غضباً وتكتوي ألماً عندما ترى شخصاً ضعيفاً يُستخدم لمأرب أو غاية غير مشروعة، في عملية لم يكن لنجاحها أن يتم لولا ضعف ذاك المسكين.

ومن بين المساكين هذا الطفل الصغير، فمرّة يُتسول به ومرّة يُجبر على عمل شاق ومرّة يُخطف، كل هذا لفائدة شخص بالغ عاقل مجرم لا يرى إلا فائدة نفسه ولو كان بضرر غيره.

وفي إثبات استغلال الأطفال أعلنت وزارة الداخلية السعودية في بيان لها: أنه تم خلال عام 1436هـ إحالة 149 متهماً للتحقيق في جرائم تصفح، أو نشر مواد إباحية ذات صلة باستغلال الأطفال جنسياً عبر الإنترنت ووسائل التقنية، كما أفادت أن الجهات الأمنية تلقت 912 بلاغاً من شرطة الاتصال الدولية عن جرائم تصفح أو نشر مواد إباحية ذات صلة باستغلال الأطفال جنسياً.

والأخبار العالمية في قنواتها وصحفها لا تتوقف عن نشر تلك الصور المؤلمة حول حوادث استغلال الأطفال من استغلال جنسي واقتصادي وغيرهما، وهنا أخبارنا تواصل إذاعة ونشر أخبار الخطف والاعتداء على الأطفال بشكل متصاعد، فما الدور الذي مارسه القانون في معالجة ذلك؟

إن الأنظمة السعودية تحاول معالجة مثل هذه المظاهر السيئة بأكثر من طريقة، وأبرزها ما كان مرتكزاً على أداة القوة السلطانية المعروفة بالعقوبات، ففي نظام الحماية من الإيذاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 52 وتاريخ 15 / 11 / 1434هـ ذكر في مادته الثالثة عشرة ما نصه: (دون الإخلال بأي عقوبة أشد مقررة شرعاً أو نظاماً يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب فعلا شكّل جريمة من أفعال الإيذاء الواردة في المادة الأولى من هذا النظام، وفي حال العود تضاعف العقوبة وللمحكمة المختصة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية)، وفي نظام مكافحة جرائم المعلوماتية كافح أيضاً جرائم استغلال الأطفال فقد نص في مادته السادسة بأنه: (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية:

1- إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

2- إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو نشره للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به.

3- إنشاء المواد والبيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها أو ترويجها). وفي ذات النظام بمادته الثامنة قال: (لا تقل عقوبة السجن أو الغرامة عن نصف حدها الأعلى إذا اقترنت الجريمة بأي من الحالات الآتية:

1- ارتكاب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة.

2– شغل وظيفة عامة، واتصال الجريمة بهذه الوظيفة مستغلاً سلطانه أو نفوذه.

3- التغرير بالقصر ومن في حكمهم، واستغلالهم.

4- صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة بحق الجاني في جرائم مماثلة).

ولا يفوت التنبيه إلى أن النظام السعودي لم يقتصر على العقوبة فقط في معالجة مشكلة استغلال الأطفال بل وضع علاجاً آخر، ذلك أنه أمر وزارة الشؤون الاجتماعية في نظام الحماية من الإيذاء في المادة السابعة بتقديم الرعاية الصحية اللازمة، والتقويم الطبي لحالة الطفل، وأيضاً تتخذ الوزارة نفسها الترتيبات اللازمة للحيلولة دون استمرار حالة الاستغلال، وتوفير التوجيه والإرشاد الأسري والاجتماعي لأطراف الحالة، والعمل على إخضاع من يلزم من أطراف الحالة إلى علاج نفسي أو برامج تأهيل بما يلائم الحالة.

واهتم النظام أيضاً بالجانب الوقائي الذي يحول دون وقوع جريمة الاستغلال حيث أرشد النظام المذكور في مادته الخامسة عشرة إلى صور متعددة للوقاية من وقوع جريمة الاستغلال مثل: نشر التوعية والتثقيف وتنظيم البرامج التدريبية والتوعية بالحقوق وتكثيف برامج الإرشاد الأسري ودعم البحوث.

ولا يدخل القضاء كإجراء وقائي للحالة التي أمامه بل يكون علاجاً أخيراً، يضرب القاضي فيه سطوته على المجرم بما يتناسب مع الحالة التي أمامه، فإن فعل المجرم ما يستوجب حداً في استغلاله فإن القاضي يقيم عليه الحد، وإن قام المجرم بما يستوجب تعزيره فإن القاضي يعزّره بما نص عليه النظام إن كان منصوصاً على عقوبة جريمته في النظام، وإن لم تكن عقوبة جريمته في الاستغلال منصوصاً عليها في النظام فإن القاضي يعزّره بما يراه وفق سلطته التقديرية على أن يراعي القاضي فيها ضعف الطفل، وقلة حيلته، ويجعله ظرفاً مشدداً للعقوبة.

وأختم حديثي بالقول: إن لم يُضرب على الأيدي العابثة بالطفل بيد من حديد فالعبث سيزداد.

وصلوا على النبي المختار

د. تركي بن عبدالله الطيار

محام وقاض سابق

إعادة نشر بواسطة محاماة نت