نظرية الصعوبات المادية خلال تنفيذ التزاماته التعاقدية

وضع هذه النظرية قضاء مجلس الدولة الفرنسي، والخلاف مازال ثائرا حول وجودها كنظرية مستقلة عن نظرية الظروف الطارئة [1]، وحول قبول إعمالها في مجال صفقات الأشغال [2].
مفاد هذه النظرية أنه إذا ما صادف المقاول خلال تنفيذ التزاماته التعاقدية صعوبات مادية ذات طبيعة استثنائية خالصة وغير مألوفة، من غير الممكن توقعها في مرحلة إبرام الصفقة، وتجعل تنفيذها مرهقا، فإنه يحق له أن يطلب الحصول على تعويض كامل عما سببته له هذه الصعوبات المادية من أضرار.
ومن الأمثلة التي تضرب عادة يمكن ذكر حالة حدوث زلزال شديد [3]، وهي حالة يرفض مجلس الدولة الفرنسي رفض اعتبارها حالة صعوبات المادية بل ظرفا طارئا ، وعبر عن هذا الموقف في قراره الصادر في 21 أفريل 1944 في قضية société française des câbles téléphoniques [4].

وحول لأساس هذه النظرية، يرى الرأي الراجح أنها تقوم على اعتبارات العدالة، وهو ما قال به كل من الأستاذ عمار عوابدي [5]، سليمان محمد الطماوي فالين وديلوبادير [6].
أما الشروط الواجب توافرها من أجل تطبيقها فتتمثل في الآتي بيانه:
– أن تكون الصعوبات ذات طبيعة مادية محضة، مثل طبيعة الأرض.
– أن تكون هذه الصعوبات غير راجعة لعمل أحد الطرفين المتعاقدين.
– أن تكون غير متوقعة عند إبرام الصفقة.
– أن تكون هذه الصعوبات ذات طابع استثنائي بحت.
أما عن النتائج المترتبة عن قيام هذه الشروط هي أن:
– بقاء المقاول ملتزما بالصفقة رغم الصعوبات غير المتوقعة، وساهرا على تنفيذ بنودها، ما لم يكن التنفيذ مستحيلا، لأنه يكون أمام حالة القوة القاهرة في هذه الحالة.
– يصبح للمقاول الحق في الحصول على مقابل مالي يعوض به كل ما انفقه من أجل مواجهة تلك الصعوبات المادية، أي أن التعويض يكون كاملا، وعادة ما يحسب بناء على النفقات الحقيقية التي صرفت، ما لم تكن منسوبة للمتعاقد بخطئه.
وقد كرس المشرع الجزائري في المـادة 92 من المرسـوم الرئاسي 02-250 حق المتعاقد الذي تعرض إلى اختلال التوازن الإقتصادي للعقد إختلالا معتبرا جراء أسباب إستثنائية وغير متوقعة وخارجة عن إرادة المتعاقدين ، وذلك عند تعداد الحالات التي يمكن فيها إبرام ملحق للصفقة [7]، وفي حقيقة الأمر لا يمكن الجزم في هذه المرحلة من البحث، هل أن المشرع سعى إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة أم الصعوبات المادية، ذلك أن الإجابة على مثل هذا التساؤل تستدعي الرجوع إلى مصادر قانونية أخرى لاسيما الأعمال التحضيرية للمرسوم الرئاسي 02-250 المعدل والمتمم، غير أن القراءة الأولية تدفع إلى الإعتقاد أنه أخذ بنظرية الظروف الطارئة التي تعترض المتعاقد أثناء تنفيذ الصفقة، ذلك أن هذا الحق مقرر لكل المتعاقدين مهما كان موضوع الصفقة.
ذلك أن سكوت المشرع في تحديد النصيب من الأضرار الذي تتحمله المصلحة المتعاقدة [8] لا يكفي للقول أنه يسعى إلى تطبيق نظرية الصعوبات المادية، بل معناه أن صعوبة تحديد الحد الأدنى الذي تتحمله المصلحة المتعاقدة من الأمور التي يتم تحديدها حالة بحالة بالنظر إلى أهمية الضرر وقدرة المتعاقد على تحملها، مما يعني عدم إمكانية التحديد المسبق للجزء الذي تتحمله المصلحة المتعاقدة.

[1] د/ عوابدي عمار، المرجع السابق، ص 228.
[2] A De Laubadère, Traité du droit administratif, Tome 3, P 10, précise que: ” Ce n’est guère que dans le contentieux de ce marché que l’on en trouve des applications, et c’est dans ce cadre qu’on l’étudiera “.
[3] د/ عوابدي عمار، المرجع السابق، ص 228.
[4] د/ سليمان محمد الطماوي، المرجع السابق، ص 627.
[5] د/ عوابدي عمار، المرجع السابق، ص 228.
[6] د/ سليمان محمد الطماوي، المرجع السابق، ص 717.
[7] حسب المادة 92- 2 من المرسوم الرئاسي 02-250.
[8] باعتبار أن هذا الأثر هو أهم ما يفرق بين النظريتين.