الفردية

المذهب الفردي L’individualisme؛ يقوم على تقديس الحرية الفردية كاملة، ويعدّها حقاً أساسياً للفرد، ويجب على الجماعة أن تحافظ على تلك الحرية، ومن ثمَّ لا يمكن للقانون أن يتدخل للحد من تلك الحرية إلا في الحالات الضرورية جداً وبالقدر الضروري.

نشأته وتطوره

ظهر المذهب الفردي في القرن السابع عشر، ولكنه تألق في القرن الثامن عشر، وبلغ أوجه بفضل فلاسفة الثورة الفرنسية الذين أقاموه على أساس فكرة العقد الاجتماعي التي طوَّرها خاصة جان جاك روسو.

ويرى أنصار هذا المذهب أن الغاية من تنظيم المجتمع هي حماية الفرد وتحقيق مصالحه الخاصة، الأمر الذي يضمن تحقيق المصلحة العامة من حيث إنها تتكوَّن من مجموع مصالح الأفراد، ولذلك فإن الفرد هو غاية القانون. وتقتصر مهمة القانون على تنظيم الحرية الفردية ومنع الفرد من تجاوز حدود حريته والاعتداء على حرية الآخرين. يُستخلص من ذلك أن مهمة القانون في ظل المذهب الفردي لاتشمل تنظيم نشاطات الأفراد وتصرفاتهم في المجتمع، وذلك لأن مثل هذا التنظيم يدخل في صلب الحرية الفردية، إذ إن الفرد ذاته هو الذي ينظِّم نشاطاته وفعالياته، أما القانون فيتدخل ليمنع الفرد من الإخلال بحقوق أقرانه في المجتمع.

يقوم المذهب الفردي على أساس المساواة المطلقة بين الأفراد في الحرية والحقوق. لذلك فإن هذه المساواة المطلقة تحقق العدل التبادلي بين الأفراد في المجتمع.

نتائجه

يترتب على الأخذ بالمذهب الفردي نتائج عدة على صعيد الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية في المجتمع.

– على صعيد الحياة السياسية: رسَّخ هذا المذهب مبدأ المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وكان ذلك نتيجة لتقديسه الحرية الفردية. كذلك أسهم هذا المذهب في تحرير الفرد من سيطرة رجال الدين، وكذلك من استبداد الحكم المطلق ومن ظلم رجال الإقطاع، وخير مثال على ذلك الثورة الفرنسية التي قضت على الملكية المطلقة في فرنسا عام 1789م.

– على صعيد الحياة الاقتصادية: ساد في ظل الفردية مذهب الاقتصاد الحر الذي كان نتيجة لإطلاق المنافسة بين الأفراد والسماح لهم باستثمار أموالهم على نحوٍ يحقق لهم أكبر قدر من الفائدة. ويقوم الاقتصاد الحر على حرية التجارة والمنافسة الحرة، لذلك فإن قانون العرض والطلب هو الأساس لتحديد الأسعار.

– على صعيد الحياة القانونية: بدا أثر المذهب الفردي جلياً على القوانين التي وضعت في بداية القرن التاسع عشر. ومثال ذلك القانون المدني الفرنسي الصادر عام 1804 المعروف باسم قانون نابليون المتشرب بروح الفردية حتى أعماقه. ويبدو أثر المذهب الفردي واضحاً في مختلف المجالات، فبالنسبة للعقود يسود مبدأ سلطان الإرادة، إذ يُترك لإرادة الأفراد تنظيم العلاقات فيما بينهم. ومبدأ سلطان الإرادة يعني أن الفرد حرٌّ في أن يتعاقد أو ألاَّ يتعاقد. وفي حال التعاقد يكون العقد شريعة المتعاقدين. وفي مجال الملكية، يعدّ المذهب الفردي حق الملكية مقدساً، ويبدو ذلك واضحاً في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في عام 1789 بعد انتصار الثورة الفرنسية؛ إذ جاء فيه أن حق الملكية حق مقدس، وهو الحق الوحيد الذي عدّه الإعلان حقاً مقدساً.

نقد المذهب الفردي

وُجِّهت إلى المذهب الفردي انتقادات عدة أهمها:

– المغالاة في حماية الفرد، فالفرد كما يقول ابن خلدون في مقدمته كائن اجتماعي بطبعه ولا يمكن القبول بما ذهب إليه المذهب الفردي من حيث إن الفرد كائن مستقل عن غيره من الأفراد، بينما هو في الواقع عضو في جماعة وجزء من كل.

– إغفال أثر الجماعة، فالفرد لا يستطيع أن يقوم بكل ما يحقق النفع العام والمصلحة العامة. ومن ثم فهناك أنشطة لا تستطيع أن تقوم بها إلا الجماعة المتمثلة بالدولة كالتعليم والصحة والأمن. والمذهب الفردي يمنعها من القيام بمثل تلك الأنشطة.

– المساواة بين الأفراد في الحرية والحقوق، وهي ضرب من الوهم والخيال ويخالف الواقع، إذ أدى تطبيق المذهب الفردي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات، وأصبح صاحب رأس المال يتحكم بالعامل، وصاحب الأرض يستغل الفلاح.

تطبيقات المذهب الفردي في القانون السوري

نتيجة للانتقادات التي وُجِّهت للمذهب الفردي لم يرسّخ المشرِّع السوري هذا المذهب على إطلاقه، وإنما حاول التوفيق بينه وبين مذهب التدخل أو المذهب الاشتراكي.

واستناداً إلى ذلك فإن المشرِّع السوري لم يعترف بمبدأ سلطان الإرادة مطلقاً، وإنما أورد بعض القيود عليه نتيجة الأخذ بالمذهب الاشتراكي. والمبدأ في القانون المدني السوري أن الإرادة حرة استناداً إلى مبدأ سلطان الإرادة، ولكن المشرِّع قيد هذه الإرادة كلما كانت هناك ضرورة لتحقيق الانسجام بين مصلحة الفرد وبين مصلحة الجماعة. فمثلاً في مجال التعاقد أورد المشرع قيوداً عدةٍ على مبدأ سلطان الإرادة أهمها:

– حماية الطرف الضعيف في عقود الإذعان[ر]، إذ أوجبت الفقرة الثانية من المادة /152/ من القانون المدني تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان لمصلحة الطرف المذعن استثناءً من القاعدة العامة التي تقضي بأن يفسر الشك لمصلحة المدين.

– حماية المدين في حال إذا ما وقعت ظروف استثنائية عامة وغير متوقعة، وكان نتيجة ذلك أن تنفيذ التزام المدين أصبح مرهقاً، وأجاز القانون للقاضي أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويعدل العقد خلافاً لإرادة المتعاقدين وفقاً لما جاء في المادة 148/2 من القانون المدني.

– حماية الطرف المغبون في حالة الغبن الاستغلالي: حيث أجازت المادة 130/1 للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد، أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد.

وفي مجال استعمال الحقوق، لم يعط القانون صاحب الحق حرية مطلقة في استعمال حقه، وإنما قيَّد ذلك بما ينسجم ومصلحة الآخرين، وأصبح للحق وظيفة اجتماعية أيضاً. واستناداً إلى ذلك اعتبرت المادة /6/ من القانون المدني استعمال الحق غير مشروع في حال أنه لم يُقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يهدف صاحب الحق إلى تحقيقها قليلة الأهمية ولا تتناسب البتة وما يصيب الغير من ضرر بسببها.

وهناك قوانين أخرى أيضاً تضع قيوداً على مبدأ سلطان الإرادة وعلى استعمال الحقوق.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت