الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد

– الفرع الأول : مفهوم الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد:
تنقسم الجرائم من حيث انفراد النشاط الإجرامي أو وجوب تعدده إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد .
والجرم البسيط : هو ما يكفي لتحققه وقوع فعل جرمي واحد ايجابياً كان أم سلبياً فورياً أو مستمراً ، ومثال ذلك جريمتي السرقة والقتل ، ففي كل منهما يكفي أن يرتكب الجاني فعلاً واحداً كأخذ المال المنقول من غير رضا صاحبه في جريمة السرقة ، وإزهاق روح المجني عليه في جريمة القتل ، حيث تعد الجريمة محققة وتامة بمجرد وقوع الفعل الذي يكونها.
أما جريمة الاعتياد : فهي لا تتكون من فعل واحد فقط وإنما يشترط لقيامها تكرار الفعل أكثر من مرة ، لان الفاعل لا يعاقب فيها إلا على الاعتياد الذي ينبغي له تكرار الفعل بعد وقوعه للمرة الأولى ، حيث يقوم ارتكاب هذا الفعل مرة ثانية وثالثة …. قرينة على وجود الاعتياد ، ومثال ذلك جرم المراباة وجرم الحض على الفجور، فالمراباة هي الإقراض بفائدة تزيد على الحد القانوني وهي لا تُكون جريمة إذا وقعت لمرة واحدة فقط ، ولابد لكي تصبح جريمة من وقوعها مرتين أو أكثر خلال ثلاث سنوات . والحض على الفجور لا يُعاقب عليه إذا وقع لمرة واحدة فقط ، حيث يُشترط فيه لاعتباره جريمة ان يتكرر مرة أخرى أو أكثر . ولمعرفة الجريمة هل هي جريمة بسيطة أو جريمة اعتياد يجب الرجوع إلى نص القانون ، فهو الذي يحدد الجرائم البسيطة التي يكفي لتحققها وقوع فعل جرمي واحد ، وجرائم الاعتياد التي يشترط لقيامها تكرار الفعل أكثر من مرة.

الفرع الثاني : عقاب المجرم البسيط ومجرم الاعتياد :
ويعاقب الجرم البسيط بمجرد ثبوته ، في حين لا يعاقب جرم الاعتياد إلا بعد ثبوت تحقق الاعتياد وفقا لما نص عليه القانون, فالمراباة مثلا تكون جريمة اعتياد إذا تكررت مرتين أو أكثر في خلال ثلاث سنوات وفي الجرائم الأخرى التي لا يعين القانون عدد المرات اللازمة لتكوين الاعتياد فيها يبقى الأمر متروكا لرأي القاضي وتقديره ,ومن رأي بعض الفقهاء انه يلزم لتحقيق ركن الاعتياد تكرار الفعل مرتين وبعضهم الأخر يشترط التكرار ثلاث مرات ويرى ان ارتكاب الفعل مرتين فقط لا يثبت الاعتياد .

فضابط الاعتياد إذن تعدد الأفعال، وسواء في ذلك ان ترتكب هذه الأفعال في مكان واحد أو في أمكنة مختلفة أو ان تقع ضد شخص واحد أو أشخاص متعددين, وفي جرائم الاعتياد يجب ان لا تمضي مدة طويلة بين كل فعل مكون للاعتياد والفعل الأخر ، والا اعتبر الفعل الثاني مستقلا عن الأول وناشئا عن ميل جديد لا استمرارا للميل الاول .

ويحدد البعض المدة التي إذا وقع في خلالها الفعل الثاني يثبت الاعتياد بمدة التقادم ، فإذا ارتكب الفعل الأول ثم مضت مدة التقادم عليه وارتكب الفاعل بعد ذلك فعلا ثانيا فلا توجد الاعتياد ، إذ يلزم لتكونها وقوع الفعل الجديد بعد الفعل الأول قبل مضي المدة المسقطة للدعوى العمومية عليه .

الفرع الثالث : أهمية التفريق بين الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد:
تظهر هذه الأهمية في قضايا عديدة كتطبيق القانون الجزائي في الزمان والمكان والاختصاص المكاني والتقادم والقضية المبرمة والادعاء بالحقوق المدنية أمام القضاء الجزائي ورجعية القانون الجديد.

أولا-تطبيق القانون الجزائي في الزمان:
يطبق القانون الجزائي على الجرائم البسيطة التي تقع في ظله وفق الأحكام العامة المنصوص عليها لتطبق القانون الجزائي في الزمان ولكن المادة السابعة من قانون العقوبات السوري خرجت على هذه القاعدة بالنسبة لجرائم الاعتياد فنصت على انه :
((كل قانون جديد ولو كان اشد يطبق على جرائم العادة التي ثوبر على تنفيذها تحت سلطانه)).

ثانيا- تطبيق القانون الجزائي في المكان :

تخضع الجرائم البسيطة لإحكام قانون المكان الذي وقعت فيه أما جرائم الاعتياد فقد تخضع لأكثر من قانون واحد إذا ما وقعت أفعالها في عدد من الدول وموقف قانون العقوبات السوري في هذه الناحية صريح حينما تعلن الفقرة الثانية من المادة 15 على انه :
((تعد الجريمة مقترفة على الأرض السورية إذا تم على هذه الأرض احد العناصر التي تؤلف الجريمة))

ثالثا- الاختصاص المكاني :
ذهب القانون السوري إلى أنه ينعقد الاختصاص المكاني في الجرائم البسيطة للمحكمة التي وقعت الجريمة في دائرتها .أما الاختصاص المكاني في جرائم الاعتياد فينعقد لجميع المحاكم التي وقع في دائرتها أي فعل من أفعال الاعتياد .

وفي الفقه ظهرت نظريتان لتحديد المحكمة المختصة بمعاقبة المجرم المعتاد هما:
– النظرية الأولى (( نظرية هيلي )) : التي تقول بأن المحكمة المختصة بمعاقبة الفاعل المعتاد هي المحكمة التي ارتكب في دائرتها الفعل الأخير الذي كون العادة .
– النظرية الثانية (( نظرية غارو )) : التي تقول بأن المحكمة المختصة بمعاقبة الفاعل المعتاد هي المحكمة التي ارتكب في دائرتها عدداً من الأفعال كافياً لتكوين العادة .

رابعا –التقادم:

يسري ميعاد التقادم على الدعوى العامة في الجرائم البسيطة من اليوم التالي لارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كانت وقتية فورية ومن اليوم التالي لانتهاء الحالة الجنائية التي يعاقب عليها القانون اذا كانت الجريمة مستمرة ، وفي جرائم الاعتياد يسري ميعاد التقادم من اليوم التالي لآخر فعل مكون للجريمة ، حتى لو كانت الجريمة قد تكونت قبل ذلك.

خامسا- قوة الشيء المحكوم به :
الحكم المبرم في الجريمة البسيطة يمنع محاكمة الجاني من أجل الأفعال التي تضمنتها الدعوى العامة ، أما في جرائم الاعتياد فلا يحاكم الجاني ثانية ، لا عن الأفعال التي ذكرت في الدعوى العامة ، ولا عن الأفعال التي لم تذكر فيها ، طالما أنها تدخل في تكوين جريمة الاعتياد ، سواء كانت سابقة على الأفعال التي أثيرت في الدعوى أو كانت معاصرة أو لاحقة لها ، شريطة أن تكون قد وقعت قبل صدور الحكم المبرم .

سادساً- الادعاء بالحقوق المدنية أمام القضاء الجزائي :
هذا الادعاء جائز في الجرائم البسيطة ، وغير جائز في جرائم الاعتياد .
وعدم جوازه في جرائم الاعتياد مرده إلى أن المتضرر من فعل واحد ، لا يعد متضرر من جريمة جزائية ، لأن الجريمة الجزائية لا تتكون بهذا الفعل ، وإنما من الاعتياد على الفعل ، وذلك بتكراره أكثر من مرة واحدة .