مدى مشروعية حوالة الدَّين

فإن من أسباب خلود الشريعة الإسلامية، صلاحيتها لكل زمان ومكان؛ لأنها من لدن حكيم خبير، أودع فيها كل ما يَعِنّ للبشر من حلول لمشاكلهم، ومنهاج قويم تنتظم به حياتهم إن هم التزموا ذلك وطبقوها كما أراد الله لشريعته أن تطبق.
ولا يخلو بيت من بيوت المسلمين ولا فرد من أفراد المسلمين، بل ولا دولة إلا وكان للدين نصيب في كيانها، وهناك وسائل عدة للتصرف في الدين كبيعه وحوالته والإبراء منه.
ونظرًا لخطورة الدين على حياة الأمم والأفراد أردت في هذا البحث المتواضع أن أتلمس مدى مشروعية حوالة الدين وهل هذه الحوالة من قبيل بيع الدين بالدين، أم هي عقد مستقل بنفسه قصد به الإرفاق بالمدين والتيسير عليه؟ واضعًا بين يدي القارئ الكريم الحلول التي وضعها الفقهاء لهذه المسألة راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزان حسناتنا وأن ينفع به إنه نعم المولى ونعم النصير.

المبحث الأول:
تعريف الحوالة لغة وشرعًا، ودليل مشروعيتها, وحكمها.
وتعريف الدَّين، لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني:
طبيعة الحوالة, وتكييفها الشرعي.
المبحث الأول في النقاط الآتية:
تعريف الحوالة لغةً وشرعًا.
دليل مشروعيتها، وحكمها.
تعريف الدَّين لغة واصطلاحًا.

وبعد فهذه خلاصة ما توصلت إليه من خلال هذا البحث, وهي عبارة عن النقاط التي اختلف فيها الفقهاء, واخترت من بينها رأيًا ـ والله يعصمنا من الزلل إنه على ما يشاء قديرـ:
رغم اختلاف الفقهاء في تعريف الحوالة, وتباين ألفاظهم فيها فإنها تلتقي عند معنًى واحد: أن بالحوالة ينتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ويبرأ المحيل من دين المحال.
الحوالة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع نظرًا لحاجة الناس, وهي على غيرها مما في معناها تقاس, فهي توافق القياس.
الحوالة طبقا للرأي الراجح مندوب إليها؛ لأنها معروف ومعاونة ومكارمة من الطالب ـ المحال ـ كالكفالة, والقرض, والعرايا.
اتفق جمهور الفقهاء على أنه لابد من رضا المحيل, واختياره للحوالة كطريق لأداء ما عليه من الدَّين، أما عن رضا المحال, فالراجح أنه لابد من رضاه, وقبوله الحوالة حتى ولو كان المحال عليه مليئا موسرًا؛ لأن العبرة ليست بالملاءة واليسار, ولكن بحسن القضاء، وبناء عليه: لا يجبر على الحوالة؛ لأن حقه تعلق بذمة معينة رضيها مستقرًا لدينه -وهي ذمة المحيل- فلا يجبر على نقله إلى ذمة أخرى.
أما عن رضا المحال عليه, فالراجح أنه لا يشترط رضاه إلا إذا كانت هناك عداوة سابقة على الحوالة, ففي هذه الحالة لابد من رضاه خوف العنت في المطالبة ومجاوزة الحد الإتباع بالمعروف الذي أمر الله ـ سبحانه ـ به.
التحول بالدين والانتقال به يتحقق بأي لفظ كان يدل على المراد, ولو بالإشارة المفهمة أو الكتابة, ولو من غير الأخرس؛ لأنها من المعروف, وهو يتسامح فيه.
يشترط -طبقًا لما رجح في نظري- حضور المحال عليه, وإقراره بما عليه من الدَّين؛ لأنه ربما يكون له مطعنًا على البينة التي يثبت بها حق المحيل قبله أو عنده دليل على الوفاء, وفي هذا تقليل للخصومات.
إذا لم يكن للمحيل دين في ذمة المحال عليه, ورضي المحال عليه بالحوالة على هذه الكيفية, فيرى جمهور الفقهاء جواز هذه المعاملة على أنها كفالة.
يشترط لصحة الحوالة أن تكون على دين مستقر لازم في ذمة المحال عليه؛ لأن مقتضى الحوالة إلزام المحال عليه بالدَّين مطلقًا.
يتفق الفقهاء على أنه لابد من حلول الدَّين المحال به؛ لأنه إذا لم يكن حالاً أدى ذلك إلى شغل ذمة بذمة, ويؤدي إلى بيع دين بدين، والذهب بالذهب أو الورق ليس يدًا بيد, فيقع المحظور.
اتفق جمهور الفقهاء على أن من شروط صحة الحوالة تساوي الدينين المحال به والمحال عليه في الجنس والصفة والحلول والتأجيل, وإلا تحققت العلة المانعة.
اتفق جمهور الفقهاء على أن لا يكون الدَّين المحال به وعليه طعامًا من بيع أو أحدهما؛ لأنه يؤدي إلى بيع طعام المعاوضة قبل قبضه, وهذا منهي عنه شرعًا.
أما عن الغرر والحوالة, فعلى رأي من قال: إنها مستثناة من بيع الدَّين بالدَّين, فيدخلها الغرر, ولكنه من النوع القليل المغتفر؛ نظرا لحاجة الناس إلى الحوالة, فتسومح فيه.
طبقا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنه إذا تمت الحوالة مستوفية لشروطها, وأركانها بريء المحيل من دين المحال, وبريء المحال عليه من دين المحيل إذا أدى للمحال، وبناء عليه, فلا يملك المحال الرجوع على المحيل للزومها له.
إذا اشترط المحال على المحيل يسار المحال عليه, فبان بخلاف شرطه رجع عليه.
إذا أحال المشتري لسلعة ما بثمنها البائع على مدين له ثم حصل رد للمبيع بأي سبب كان، فإن الحوالة تبطل في هذه الحالة.
أما عن حكم السفتجة, فهي جائزة، نظرًا لحاجة الناس إليها, فهي تنزل منزلة الضرورة, وهذا بناء على أن الحوالة عقد إرفاق, ومعونة مستقل بنفسه, وليس محمولاً على غيره.
والله أعلى, وأعلم بالصواب
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين