الحقوق العرفية الواردة على العقار غير المحفظ

تعتبر الحقوق العرفية من الأعراف الإسلامية التي عرفها المغرب منذ اقدم العصور الإسلامية، وهي حقوق تولدت عن الممارسة.
والحقوق العرفية الإسلامية تستمد أحكامها من الفقه الإسلامي وذلك ما قضت به محكمة الاستئناف بتاريخ 17 يناير 1928.
والحقوق العرفية تقع أكثر ما تقع على العقارات الموقوفة وعلى أملاك الدولة الخاصة وان كان ليس ما يمنع من ترتيبها على العقارات الملك كما في حق الهواء.

وهذه الحقوق رغم أنها تجد مصدرها في الأعراف الإسلامية إلا أنه نظرا لأهميتها عمل المشرع المغربي على تنظيمها بجملة من النصوص كان أولها وأهمها الظهير الشريف الصادر بتاريخ 29 ربيع الثاني 1332 الموافق 16 مارس 1914 ، وهو الضهير الذي حاول تنظيم الحقوق العرفية وينظم بعض التصرفات التي قد يكون محلها حق عرفي كالبيع ( المادة 2 من الظهير ) أو الجزاء ( المادة 3 ).

كما نجد إلى جانب الظهير المذكور منشور بتاريخ 26 رجب 1400 الموافق 10 يونيو 1980 المحدد لطريقة استخلاص الأكرية التي ترد عليها المنفعة ومعاوضتها ، إضافة إلى نصوص أخرى منها المنشورات الصادرة عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 8 ربيع الثاني 1410 الموافق 8 نوفمبر 1989 وهو بتعلق بأكرية المحلات الحبسية.

ويمكن ذكر من بين الحقوق العينية العرفية المعروفة في المغرب أربعة وهي حق الجلسة والهواء والزينة والجزاء، وهذه الحقوق قابلة للتصرف بعوض أو بدون عوض ويستأتر بها صاحبها إذا كان عقد الإيجار يعقد لمدة معلومة حيث إذا ما انتهت أمكن تجديده باعتبار أن الحقوق العرفية الإسلامية تكون غالبا على وجه التأبيد.
وسوف لن نطيل الحديث في بحتنا لهذه الحقوق ونكتفي بتعريفها، كما أن أحكامها لا تختلف في شيء بين العقارات المحفظة [1] وغير المحفظة .

أ ـ حق الجلسة :
يرجع الرأي الغالب في الفقه الإسلامي نشأة الجلسة إلى العرف، بمعنى آخر لا سند لها في الشرع والحديث، ولكنها من العرف الحسن الذي استقر في بعض الدول خاصة في المغرب وتونس والجزائر ومصر.
ولم يتعرض ظهير 19 رجب المطبق على العقارات المحفظة إلى تعريف حق الجلسة ، كما أن مشروع الحقوق العينية رقم 01. 19 وإن كان نظم بعض الحقوق العرفية الهواء والجزاء والزينة والعمري [2] فانه لم ينظم حق الجلسة ولم يعرفه.
وعموما يمكننا تعريف حق الجلسة بأنه ” كراء على التبقية ، الأصل فيه أن صاحب الجلسة لا يخرج من العين إلا برضاه “.
ويسمى هذا الحق أيضا بالخلو أو حق الحلاوة و هو يقع عادة على عقار مبني من العقارات المحبسة أو أملاك الدولة ، وفي الغالب يكون محله بناءا معدا لغرض صناعي أو تجاري كطاحونة أو فرن أو حمام أو دكان.
وكما تقدم فقد وقع تنظيم حق الجلسة بموجب ظهير 16 مارس 1914 وخاصة المادة الثالثة التي تحدد كيفية تقسيم إيرادات المحلات التي فيها الجلسة ـ % 70 لصاحب المنفعة و % 30 لجانب الحبس ـ .

ب ـ حق الزينة :
يذهب الرأي الغالب في المغرب إلى اعتبار الجلسة والزينة والخلو والمفتاح مصطلحات لشيء واحد هو حق المنفعة الأبدية ، والحقيقة أنه رغم ما بين حق الجلسة وحق الزينة من تشابه واضح إلا أنه مع ذلك لا يمكن استعمالهما كمترادفين ، لأنه إذا صح أن كل حق جلسة هو حق زينة فالعكس غير صحيح لأن حق الزينة قد يكون محله حق جلسة ، وهذا ما درج عليه عمل أهل فاس الذين كانوا يعتبرون الزينة فرعا من
الجلسة ويفرقون بين مالك الرقبة وصاحب الجلسة وصاحب الزينة.
ولقد أحس معدوا مشروع الحقوق العينية 01. 19 حينما أقدموا لأول مرة على تنظيم هذا الحق ، وذلك في المواد من 260 إلى 266 ، والتي تضمنت الأحكام العامة لهذا الحق.
وكما يقع حق الزينة على الجلسة فإنه قد يقع على أملاك الدولة الخاصة ، كما تجب الإشارة إلى أن حق الزينة من الحقوق العينية الأصلية التي يمكن طلب تسجيلها في السجل العقاري متى كان واردا على عقار محفظ ، حيث ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد 301 بتاريخ 30 ابريل 1966 إلى أن الرسم العدلي لا يعد كافيا للاحتجاج بهذا الحق بين الأطراف بل يجب تسجيله ومنذ تاريخ هذا التسجيل.

ج ـ حق الهواء :
هو الحق المقرر لشخص في الإفادة من جزء محدد من الفضاء الطليق أو العلو المرتفع فوق بناء قائم يستطيع بمقتضاه إشادة بناء له فوق البناء القائم فعلا.
وهذا الحق ليس غريبا عن فقهاء المالكية حيث عرفوه منذ زمن طويل حيث جاء في تحفة ابن عاصم:
وجائز أن يشتري الهواء لن يقام معه البناء
وحق الهواء بذلك يعتبر من الحقوق العينية العرفية التي استقر العمل بها بالمغرب منذ زمن طويل خاصة في الأحياء القديمة في المدن العتيقة ، وبذلك فهو يخضع للأحكام العرفية التي أحال عليها الفصل 197 من ظهير 2 يونيو 1915 ، كما أن المشرع المغربي قام تبيان بعض أحكام هذا الحق في الفصل 483 من ظهير الالتزامات والعقود ، وهو يشكل بدوره إقرار بمبدأ ملكية الطبقات 65 مكرر.
وحق الهواء بدوره حق عيني أصلي يعطي لصاحبه نفس الحقوق التي تمنحها باقي الحقوق العينية الأصلية الأخرى، ـ حق التصرف ـ حق الاستعمال ـ حق الاستغلال ـ ومادام كذلك فان صاحب حق الهواء الواقع على عقار محفظ يكون ملزما بتسجيل هذا الحق في السجل العقاري.
وإذا كان المشرع المغربي قد أعرض عن تنظيم هذا الحق فيما سبق ، فان الملاحظ هو تغير هذا الوضع وهذا يظهر من مشرع الحقوق العينية الذي عالج هذا الحق في بابه الثامن المواد من 267 إلى 271 ، حيث عمل على تعريفه في المادة 267 وحدد كيفية نشوءه ـ العقد المنفعة الميراث والوصية ـ في المادة 268 واعتبر إن حق الهواء لا يكون قائما إلا بتضمينه في محرر رسمي.

65 مكرر جاء في الفصل 483 ” يقع صحيحا بيع جزء محدد من الفضاء الطليق أو الهواء العمودي الذي يرتفع فوق بناء قائم فعلا ، ويسوغ للمشتري أي يبني فيه ” بشرط تحديد طبيعة البناء وأبعاده ، ولكن لا يسوغ للمشترى أن يبع الهواء العمودي الذي يعلوه بغير رض البائع الأصلي “.

د ـ حق العمري.
عرفه الإمام ابن عرفه بأنه ” تمليك منفعة حياة المعطل بالفتح بغير عوض إنشاء ، وعرفها مشروع الحقوق العينية في المادة 256 ” العمرى حق عيني عقاري قوامه تمليك منفعة بغير عوض ، يمكن أن يقرر هذا الحق طول حياة المعطى له أو المعطي أو لمدة معلومة “.
ومن هذا يظهر أن حق العمرى من حقوق التبرع التي تقع على المنفعة لذلك فهي تأخذ أحكام الهبة ، فيشترط[3] في العمرى ما يشترط في الهبة ، وأهم هذه الشروط الصيغة الواضحة الدالة على صيغة الاعمار ، إضافة إلى الحوز فلا عمرى بدون حوز ، ونجد هذه الشروط بادية في المادة 257 من مشروع الحقوق العينية التي جاء فيها ” ينشأ هذا الحق ـ حق العمرى ـ بالعقد ويشترط لصحته أن يبرم في محرر رسمي ، كما يشترط لتمامه الحوز ويعتبر وضع اليد على العقار موضوع من الممكن له حوزا “.
وعموما فإن الحقوق العرفية لا تنحصر فيما تقدم ، والمهم أنه بالنسبة للحقوق العينية عموما الواردة على عقار غير محفظ ، لا يزال يلفها بعض الغموض خاصة فيما يتعلق بحصاتها ومستقبلها أمام المعوقات التي تحول دون إصدار مدونة الحقوق العينية.