استغلال أراضي الجموع والتنازع بشأنها

المطلب الأول: استغلال الأراضي الجماعية:

بالرجوع إلى ظهير 27 أبريل 1919 نجده يحدد في فصله السادس (المعدل بظهير 6 فبراير 1963) طرق استغلال الأراضي الجماعية في صورتين:
– عقد الاشتراك الفلاحي؛
– أكرية لا تتجاوز مدتها ثلاث سنوات.

I- التشارك الفلاحي في الأراضي الجماعية

لقد كان لضعف مردودية استغلال الأراضي الجماعية دورا كبير في تفكير وزارة الداخلية باعتبارها الجهة الحكومية الوصية على أراضي الجموع في طرق بديلة تكون الغاية منها تحسين وتطوير الاستغلال وقد كان ذلك عن طريق إبرام اتفاقيات في إطار شراكة بينها وبين المنعشين الخواص نظرا لانعدام الإمكانيات المادية لدى غالبية أعضاء الجماعات السلالية.

II- كراء الأراضي الجماعية:

إن أول ما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد، هو تدخل المشرع سنة 1959 عن طريق ظهير 9 ماي 1959 الذي تم بمقتضاه إلغاء الكراء الطويل الأمد وإقرار مراجعة كراء لأمد متوسط بعدما كانت أراضي الجموع قابلة للكراء طويل الأمد اعتمادا على سياسة السلطة الحامية عند وضع ظهير 27 أبريل 1919 ويتم كراء الأراضي الجماعية التي لم توزع على أرباب العائلات أو الفائضة عن الجماعات السلالية للغير قصد الاستفادة من مدخولها، إما بقسمته على أفراد الجماعة بعد أخذ إذن الوصي وإما استثماره في مسائل تنموية تعود بالنفع على الجماعة السلالية.
غير أن ما يلاحظ في هذا الصدد، هو أن أمد الكراء القصير يقف حاجزا أمام تحقيق التنمية، لأنه لا يمكن للمكري أن يصرف أموالا على الأرض الجماعية موضوع الكراء وهو يعلم أن مدة الكراء لن تتجاوز الثلاث سنوات وأن تجديد هذه المدة رهين بموافقة الوصي[1].

المطلب الثاني: التفويت المقيد للأراضي الجماعية

بالرجوع إلى ظهير 24 أبريل 1919 المنظم للأراضي الجماعية نجده يعطي للدولة الحق في شراء الأراضي الجماعية عن طريق المراضاة، أو عن طريق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، ورغبة من السلطة الحامية آنذاك في الاستحواذ على تلك الأراضي تم إصدار ظهير 9 ماي 1951 الذي أقر إمكانية تفويت الأراضي الجماعية الواقعة في المراكز الحضرية وضواحيها لفائدة الأفراد والدولة والجماعات القروية الأمر الذي دفع بالمشرع في فترة الاستقلال إلى التدخل عن طريق إصدار ظهير 9 مايو 1959 والذي ألغى بمقتضاه التفويت والاستغلال الدائم للأراضي الجماعية، كما ألغى عقود كراء الأراضي الجماعية ذات الأمد الطويل ليتم إصدار ظهير 30 يونيو 1960 الذي نص في فصله الأول على الفسخ بقوة القانون لجميع التفويتات التي تمت بأراضي الجموع عملا بظهير 19/3/1951.
وقد صدر فيما بعد ظهير 6 فبراير 1963 الذي أدخل تعديلا على الفصل الحادي عشر من ظهير 27 أبريل 1919 ونص تبعا لذلك على إمكانية اقتناء أرض جماعية من طرف الدولة أو الجماعات أو المؤسسات العمومية أو الجماعات السلالية نفسها، إما عن طريق المراضاة إذا كانت الجماعة المالكية ومجلس الوصاية متفقين على مبدأ وشروط التفويت، وإما عن طريق نزع الملكية في حالة عدم حصول الاتفاق المذكور، وذلك استثناء من المبدأ المنصوص عليه في الفصل الرابع من الظهير الذي نص على عدم قابلية الأراضي الجماعية للتفويت والحجز والتقادم.

المطلب الثالث: المنازعات بشأن الأراضي الجماعية

أثار تطبيق مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 والنصوص المعدلة له نوعا من تنازع الاختصاص بين المجالس النيابية ومجلس الوصاية وبين مختلف درجات المحاكم[2] الأمر الذي دفع إلى إصدار المنشور الوزاري المشترك تحت رقم 8/62 بين السيد وزير الداخلية ووزير العدل المؤرخ في 12 مارس 1962 وذلك بغية تحديد الجهة المختصة في نزاعات الأملاك الجماعية، أي التفرقة بين الحالات التي يرجع فيها الاختصاص إلى المحاكم وتلك التي يعود فيها الأمر إلى المجالس النيابية وكذا مجلس الوصاية عند نشوب نزاع يتعلق بملك جماعي.
مع التأكيد على أن هذا المنشور لم يكن كافيا لحل مشكل الاختصاص ولعل أبرز ما يؤكد ذلك هو تعدي المجالس النيابية لاختصاصاتها عن طريق بتها في مسائل يعود الاختصاص فيها للمحاكم[3].
ومحاولة منا في تقريب الصورة أكثر فإنني سأتعرض تباعا إلى النزاعات الخارجة عن اختصاص المحاكم ثم إلى النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم.

I- النزاعات الخارجة عن اختصاص المحاكم:

بالرجوع إلى ظهير 27/04/1919 نجده قد حدد اختصاصات الجماعة النيابية كما حدد اختصاصات الجماعة النيابية كما حدد لمجلس الوصاية اختصاصاته، وانطلاقا من ذلك فإن هذه الاختصاصات تتعلق فقط بكيفية قسمة الأراضي أو إكرائها وبالبت في صفة العضو المنتمي للجماعة السلالية فيما تبقى النزاعات الأخرى من اختصاص المحاكم.
إلا أن ما يلاحظ في هذا الصدد هو التداخل بين الاختصاصات المخولة للمجالس النيابية ولمجلس الوصاية كدرجة استئنافية، إذ أنه في بعض الأحيان تبت السلطة المركزية وهي مجلس الوصاية في مسائل هي من اختصاص المجالس النيابية[4]، كما أن بعض المجالس قد تبت في مسائل خارجة عن اختصاصها وتتعدى على اختصاص مجلس الوصاية[5] وقد تقوم السلطة المحلية في بعض الأحيان بالبث في هذه النزاعات رغم كونها لاحق لها سوى في إجراء البحث وتقديم تقرير إلى الجماعة النيابية.

II- النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم:

1- القضايا ذات الطابع الجنائي:

أ- دعاوى الترامي أو دعاوى انتزاع عقار من حيازة الغير:
إن النزاعات التي تعرض على المحاكم سواء من طرف النيابة العامة أو عن طريق الشكاية المباشرة من أفراد الجماعات السلالية حول الترامي على الأراضي أو على المحروم تكيف في إطار مقتضيات الفصل570 من القانون الجنائي الذي ينص على ما يلي:
« يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 120 إلى 500 درهم من انتزع عقارا من حيازة الغير خلسة أو باستعمال التدليس».
مع الإشارة إلى أن الحيازة هي وضع اليد على عقار ما، بينما الانتزاع هو الدخول إلى العقار بطريق غير مشروع وفرض سيطرة مادية عليه تحرم الحائز من التصرف، لذا فإن الأراضي الجماعية وإن كان المتصرف فيها ليس مالكا وإنما له حق الانتفاع فإن أي تطاول على هذا الحق يعرض القائم إلى العقاب المنصوص عليه في الفصل 570 أعلاه.

ب- دعاوى تحويل الحدود وإتلافها:
يرجع الاختصاص في قضايا تحويل الحدود أو محاولة إتلافها بعد تقسيم أراضي الجموع بين الأعضاء إلى المحاكم العادية على أساس أنها جرائم معاقب عليها بناء على مقتضيات الفصل 606 من القانون الجنائي.

2- القضايا ذات الطابع المدني:

أ- النزاعات القائمة بين الجماعات حول عقارات لم تتم تصفيتها:
تنشأ مثل هذه النزاعات أثناء التحفيظ عندما تقوم السلطات الوصية بتقديم مطلب يتعلق بتحفيظ عقار باسم دوارين نشأ نزاع بينهما حول الحيازة فإن هذا النزاع يدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية.
وإن ما يثار من نزاعات حول الحيازة، قد يثار أيضا أثناء عملية التحفيظ، إذ يمكن لأحد الدوارين أن يتعرض من تلقاء نفسه على مطلب التحفيظ مدعيا ملكيته وحده كجميع العقار المراد تحفيظه.

ب- النزاعات القائمة بين جماعة وفرد يدعي حقوقا خاصة به في أرض جماعية لم تتم تصفيتها قانونا:
إن هذا النوع من النزاعات تدخل فيه الدعاوى الناتجة عن الترامي، ودعاوي التصرف على اختلاف أنواعها، بل إن المنشور المشترك قد أعطى للمحاكم إضافة إلى ما ذكر حق البت في بعض النزاعات حتى لو ثبت للقضاء كون العقار جماعيا. من ذلك النزاعات حول حرم الدوار وأرض الرعي التي لا تربط بملك خاص، والنزاعات المتعلقة بالأرض التي تقسم دوريا حسب العرف الجماعي أو تقسم على التساوي.
لكن إذا كان خصم الجماعة أحد أعضائها وتأكدت الصفة الجماعية للعقار، فإن هذا الفرد لا يمكنه مقاضاة الجماعة أمام القضاء وإنما يدخل في اختصاص الجماعة النيابية ومجلس الوصاية دون البحث هل تم الاعتراف نهائيا بالصفة الجماعية للعقار أم لا.

3- النزاعات المتعلقة بالتحديد والتحديد الإداري:

بناء على منشور السيد وزير الداخلية المؤرخ في 15 أبريل 1963 فإن النزاعات التي تدخل في هذا الإطار يرجع فيها الاختصاص إلى المحاكم فقد جاء في ديباجة هذا المنشور ما يلي:
« إن التحديدات الإدارية ومطالب تحفيظ أراضي الجماعات تتسبب في غالب الأحيان في تعرضات، وتنشأ عن التعرضات نزاعات لا يمكن فصلها إلا بتدخل المحاكم«.
وقد أوضح هذا المنشور أن الخواص الذين تقدموا بمطالب التحفيظ داخل التحديدات الإدارية يعتبرون دائما متعرضين حسب النصوص القانونية فيجب عليهم الإدلاء بحججهم وذلك بالوسيلتين التاليتين:
ü الحيازة المجدية: وتغني وضع اليد بصورة هادئة ومسترسلة لمدة تزيد على عشر سنوات قبل وضع مطلب التحفيظ.
ü رسوم الملكية.

[1] – عبد الوهاب رافع: أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية، مرجع سابق ص: 69.
[2] – خصوصا مع إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون رقم 90-41 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 10/9/1993 المتعلق بإحداث محاكم إدارية.
[3] – انظر حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1490 الصادر بتاريخ 28/11/2005 في الملف رقم 200/1/605 حكم غير منشور وهو ملحق بهذا البحث.
[4] – قرار المجلس الأعلى رقم 558 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى لسنة 66-70 ص: 30.
[5] – حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 63/95 الصادر بتاريخ 20/7/95، منشور عند عبد الوهاب رافع، أرضي الجموع بين التنظيم والوصاية، مرجع سابق ص: 159.