يتشابه مفهوم الإنابة القضائية … مع مفهومها في القواعد العامة للقانون الدولي، فالإنابة القضائية طلب يقدم من دولة عربية لدولة عربية أخرى لغرض الحصول على دليل من أدلة الإثبات في إقليم الدولة الثانية وذلك لوجود دعوى قضائية منظورة من قبل إحدى محاكم الدولة الطالبة. ونظراً لإقرار الإنابة القضائية في إتفاقية دولية فإن طابع الإلزام فيها يختلف عما ورد في القواعد العامة لها، وذلك عملاً بأحكام السيادة للدولة واستقلالها(1). إذ لا يكون للأنابة القضائية على وفق المبادئ العامة في القواعد العامة في القانون الدولي، صفة ألزامية، فإذا قامت الدولة المنابة بتنفيذها أنما تقوم بذلك على سبيل المجاملة الدولية. ولكن إذا ما أرتبطت هذه الدولة باتفاقية دولية تنظم أحكام الإنابة القضائية مع الدولة المنيبة، أصبح التزام الدولة واجباً، وليس أختياراً بالتنفيذ، ويتم هذا التنفيذ على وفق الأحكام المنصوص عليها في تلك الإتفاقية. أما المسائل التي لم تنظمها الإتفاقية فيرجع في تنظيمها الى المبادئ العامة المقررة في القانون الدولي دون التحقيق الذي يخرج عن أختصاص المحكمة التي لديها الدعوى، بوساطة الإنابة من قبل القاضي على وفق للاتفاقيات الدولية لأن مبدأ سيادة الدولة يمنع القاضي إملاء أي عمل قضائي، خارج سلطة الدولة، ويمكن التمسك بسلطاته من الناحية الميدانية والناحية القضائية، بوساطة العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف(2).

ويعد تنظيم الإنابة القضائية بموجب الأتفاقيات الدولية المعقودة بين الدول العربية الثنائية(3). منها والمتعددة الأطراف وخصوصاً إتفاقية 1953 وإتفاقية الرياض 1983 خطوة مهمة في مجال التعاون القانوني والقضائي العربي وتوحيد تلك القواعد بالنسبة للدول العربية من خلال هذه الأتفاقيات ومن ناحية أخرى تؤدي الى تنظيم الأختصاص القضائي الدولي بالنسبة لمحاكم كل دولة عربية بعدما تنظم القانون الداخلي لكل دولة الأختصاص القضائي الوطني لها والذي لا يكفي لأتخاذ أي أجراء خارج حدود أقليم تلك الدولة وخصوصاً إن بعض الدول يخلو قانونها من تنظيم الإنابة القضائية في الخارج(4)، – كذلك عقدت العديد من الدول العربية أتفاقيات لتنظيم أحكام الإنابة القضائية مع الدول غير العربية سواء أكانت ثنائية أم متعددة الأطراف منها الإتفاقية المصرية- الفرنسية لعام 1986- والتونسية- الفرنسية لعام 1972 – التونسية- الأيطالية لعام 1967 والعراق عقد أكثر من إتفاقية مع دول غير عربية (هدفها هي تثبيت نموذج النقل بصورة خاصة، والطلبات، بطريقة خفض عدد الوسطاء والشروط اللازم توافرها للتنفيذ المعين للطلبات، وهكذا شبيهاً بالجسر بين الأنظمة للحصول على أدلة وثائقية للقانون المدني)(5).

ومن الجدير بالذكر، أنه بعد إن تقرر المحكمة إرسال طلب الإنابة القضائية فأنها ترسل على وفق المادة (7) من الإتفاقية العربية لعام 1953 عبر الطريق الديبلوماسي، أي أنه يرسل من المحكمة المعنية الى وزارة العدل في دولتها والتي ترسلها الى وزارة الخارجية والتي بدورها ترسلها الى ممثلها القنصلي أو الدبلوماسي في الدولة العربية المنابة، والذي يرسلها الى وزارة الخارجية في تلك الدولة والتي ترسلها الى وزارة العدل ثم المحكمة المختصة لتنفيذها، ويمكن إن ترسل وزارة العدل في الدولة المنيبة الطلب الى وزارة الخارجية في الدولة المنابة دون المرور بالممثل الدبلوماسي أو القنصلي، ولكن الطريق الأول هو الأكثر عملاً(6). أما إذا أرسلت الإنابة القضائية مباشرة من المحكمة المنيبة الى المحكمة المنابة في الدولة العربية الأخرى، فأن هذا الأجراء يعد مخالفاً لأحكام الإتفاقية ولا تلتزم هذه المحكمة بتنفيذ هذا الطلب ولا يؤدي ذلك الى ترتيب المسؤولية الدولية على الدولة الممتنعة عن التنفيذ، ولكن يمكن للمحكمة إن تنفذ تلك الإنابة، ليس على أساس الإتفاقية، وأنما على أساس المجاملة الدولية وهو أساس غير ملزم لها، ويمكن إن تعيد ذلك الطلب الى وزارة العدل والتي ترسلها الى وزارة الخارجية التي بدورها تقدمها الى الممثل الدبلوماسي أو القنصلي للدولة طالبة الإنابة، لغرض تدقيقها أو إن تعيدها وزارة العدل الى المحكمة لغرض تنفيذها بدون الرجوع الى وزارة الخارجية، ويتم التنفيذ هذا، بموجب المجاملة الدولية(7).

والملاحظ إن هناك أتفاقيات دولية قد أختارت هذا الطريق لإرسال الإنابة القضائية منها لإتفاقية التونسية اللبنانية لعام 1964 المادة (6) التي نصت على أن: (الإنابات العدلية في المادة المدنية أو التجارية أو الجزائية تنفذ على أرض كل من الدولتين المتعاقدتين بوساطة السلطات القضائية، وتحال من خلال وزارتي الشؤون الخارجية بالطريقة الدبلوماسية العادية)، وكذلك الإتفاقية التونسية – الأيطالية لعام 1967 المتعلقة بالتعاون القضائي في المادة المدنية والتجارية والجزائية التي نصت على أن: (الإنابات العدلية في المادة المدنية أو التجارية أو الجزائية تنفذ في أراضي كل من الطرفين المتعاقدين بوساطة السلطات القضائية وتحال بالطريقة الدبلوماسية العادية)(8) ، وقد تأخذ بعض الأتفاقات الدولية منحى خاصاً بها لإرسال الإنابة القضائية وذلك أختصاراً لمراحل هذا الإرسال وكذلك توفيراً للوقت وتقليل للنفقات ومنها الإتفاقية السورية – التونسية لعام 1980 إذ أجازت إن يكون لوزارة العدل في أحدى الدولتين إن ترسل طلب الإنابة القضائية مباشرة الى وزارة العدل في الدولة الأخرى دون المرور بالطريق الدبلوماسي أي وزارتي الخارجية في كلتا الدولتين ونصت على إن (ترسل طلبات الإنابة القضائية مباشرة من وزير العدل في الدولة طالبة الإنابة القضائية الى وزير العدل في الدولة المطلوب اليها أتخاذ الأجراء القضائي)(9).

وكذلك الإتفاقية العراقية – الجمهورية العربية المتحدة لعام 1964 التي نصت على إن (تنشئ كل من الدولتين المتعاقدتين مكتباً يلحق بوزارة العدل تكون مهمته تلقي وإرسال طلبات أعلان (تبليغ) الأوراق القضائية وغير القضائية وطلبات الإنابة (الأستنابة) القضائية منها، ثم أحالتها الى الجهات المختصة لتنفيذها)(10). فبموجب هذه المادة تنشيء الدولتان مكتباً خاصاً في وزارة العدل لكل منهما، تكون مهمة هذا المكتب تدقيق الطلبات الخاصة بالإنابة القضائية وفحص هذه الطلبات المقدمة من الطرف المتعاقد الآخر ومدى توافر الشروط المطلوبة في الإتفاقية فيها وأمكانية تنفيذ هذه الطلبات في أقليم دولة هذا المكتب ثم إرسالها الى الجهة المختصة (المحكمة المختصة) لغرض تنفيذه، ويمكن عد هذا المكتب الجهة المختصة للإرسال وأستقبال طلبات الإنابة القضائية لدى الدولتين المتعاقدتين. ومن الأتفاقيات متعددة الأطراف (جاءت إتفاقية لاهاي المبرمة في 18 إذار1970 لتقرر إن على كل دولة عضو إن تكون سلطة مركزية ، تكون مهمتها تلقي طلبات الإنابة القضائية من السلطة القضائية في أحدى الدول المتعاقدة لإرسالها الى السلطة المختصة بتنفيذها، ويكون تشكيل وتنظيم تلك السلطة المركزية حسب قانون الدولة المستنابة)(11). وقد تبنت الإتفاقية المصرية – الفرنسية لعام 1986هذا الأتجاه وأوجبت على كل طرف إن يحدد سلطة مركزية تتولى على الأخص وعلى ما يقرره البند (جـ) من الفقرة الأولى من المادة (8) من إذ تلقي الإنابات القضائية الصادرة عن سلطة قضائية والمرسلة اليها من السلطة المركزية في الدولة الأخرى وإرسالها الى السلطة المختصة لتنفيذها. أما بالنسبة لإتفاقية الرياض العربية لعام 1983 فقد أختارت هذه الإتفاقية، طريقين لغرض إرسال طلب الإنابة القضائية، وحددت مواضيع معينة لكل طريق، ففرقت بين القضايا المدنية والأدارية والأحوال الشخصية من جهة والطلبات في الأمور الجزائية من جهة أخرى، إذ نصت على أن: (ترسل طلبات الإنابة القضائية في القضايا المدنية والتجارية والأدارية وقضايا الأحوال الشخصية مباشرة من الجهة المختصة لدى الطرف المتعاقد الطالب الى الجهة المطلوب اليها تنفيذ الإنابة لدى أي طرف متعاقد آخر، فإذا تبين عدم أختصاصها تحيل الطلبات من تلقاء نفسها الى الجهة المختصة وإذا تعذر عليها ذلك تحيلها الى وزارة العدل وتخطر فوراً الجهة الطالبة بما تم في الحالتين)(12).

إن السلطة القضائية طالبة الإنابة – بموجب هذه الإتفاقية يمكن إن ترسل طلب الإنابة مباشرة الى الجهة المطلوب اليها تنفيذ الإنابة لدى أية دولة عربية متعاقدة والتي يراد تنفيذ ذلك الطلب في أقليمها – وهذا لم نجده في الإتفاقية العربية لعام 1952- وأن هذه الطرائق المباشرة في إرسال طلب الإنابة القضائية يتم بالبساطة والسرعة المراد الحصول عليها في تنفيذ الأجراء المطلوب إتخاذه، وخصوصاً إن بعض الأدلة التي يراد الحصول عليها بموجب هذه الإنابة تتطلب السرعة ليكون الحكم في الدعوى موضوع الإنابة أقرب الى العدل لا صداره في الوقت المناسب. أما الجهة التي تنفذ طلب الإنابة القضائية لدى الدولة العربية المتعاقدة فهي السلطة القضائية فيها وهي الجهة المختصة في المسائل القانونية والتي تنفذ هذا الطلب بشكل فني ملائم. وهذا ما أشارت اليه الإتفاقية العربية لعام 1953 من أن: ((السلطة القضائية هي المختصة في الأصل في تنفيذ الإنابة القضائية إذ نصت بأن (تقوم السلطة القضائية بتنفيذ الإنابة المطلوبة….))(13). وقد أشارت عدة إتفاقيات دولية الى إن الأصل في تنفيذ الإنابة القضائية في الدولة المنابة السلطة القضائية، فقد أشارت الإتفاقية الكويتية التونسية 1977 للتعاون القضائي في المواد المدنية والتجارية والجزائية والأحوال الشخصية (ترسل طلبات الإنابة القضائية في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية مباشرة من الجهة القضائية المختصة في الدولة الطالبة الى الجهة القضائية المختصة في الدولة المطلوب إليها فإذا تبين عدم إختصاص الأخيرة تحيل الطلب من تلقاء نفسها الى الجهة القضائية المختصة في دولتها وتخطر الجهة الطالبة بذلك فوراً)(14). وكذلك الإتفاقية التونسية السورية لعام 1980، إذ نصت على ما يأتي: (وتقوم السلطة القضائية المختصة بتنفيذ الإنابة المطلوبة طبقاً للإجراءات القانونية المتبعة لديها)(15). ولم يقتصر الأمر على الإتفاقيات الثنائية بل إناطة تنفيذ الإنابة القضائية بوساطة السلطة القضائية في الدولة المنابة أخذت به الإتفاقيات متعددة الأطراف سواء تلك المعقودة فيما بين الدول العربية أوالمعقودة بين الدول العربية وغيرها من الدول أو حتى تلك الإتفاقيات المعقودة بين الدول الأجنبية والتي لم تكن الدول العربية طرفاً فيها، وتباشر المحكمة المختصة في تنفيذ هذا الطلب في حدود موضوعه المحدد في الطلب، أما إذا كانت المحكمة المرسل اليها غير مختصة، فيكون لها إن تحيلها الى المحكمة المختصة لأجل التنفيذ وهذا يكون على سبيل المجاملة الدولية بدلاً من إن ترفض التنفيذ لعدم الإختصاص ومن ثم تعيد الإنابة الى السلطة المنيبة غير منفذة. ومن الإتفاقيات الثنائية التي نصت على إمكانية قيام الممثل الدبلوماسي أو القنصلي بإجراء الإنابة القضائية. من ذلك ما نصت عليه الإتفاقية الكويتية التونسية للتعاون القضائي لعام 1977 (…. ولا يمنع ما تقدم من السماح لكل من الطرفين المتعاقدين – في المواد المشار اليها آنفاً – من سماع شهادات مواطنيها مباشرةً من خلال ممثليهما القنصليين أو الدبلوماسيين وتحدد جنسية الشخص المراد سماع شهادته على وفق قانون الدولة المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية فيها)(16). في الإتجاه نفسه ذهبت الإتفاقية المصرية – التونسية عام 1976 إذ أجازت إمكانية قيام الممثل الدبلوماسي أوالقنصلي بسماع شهادة شخص ينتمي الى دولة هذا القنصل أو الدبلوماسي لدى الطرف المتعاقد الآخر( … ولا يمنع ما تقدم من السماح لكل من الطرفين المتعاقدين في المواد المشار اليها أنفاً من سماع الشهادات من مواطنيها من خلال ممثليها القنصليين أو الدبلوماسيين وتحدد جنسية الشخص المراد سماعه على وفق قانون الدولة المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية فيها)(17).

أما الأتفاقيات الثنائية التي عقدتها الدول العربية مع الدول غير العربية التي نصت على جواز قيام الممثل الدبلوماسي أو القنصلي بتنفيذ الإنابة القضائية منها الإتفاقية الفرنسية – المصرية لعام 1986 إذ نصت على أنه (يجوز كذلك للدولتين المتعاقدتين إن تنفذ مباشرةً وفي غير أكراه بوساطة ممثليها الدوبلوماسين أو القنصليين الطلبات الخاصة برعاياها، وخاصة المطلوب فيها سماعهم أو فحصهم بوساطة خبراء أو تقديم مستندات أو فحصها)(18). وكذلك الإتفاقية الفرنسية – التونسية للتعاون القانوني والقضائي لعام 1972 بقولها (ولا تحول أحكام الفقرتين المتقدمتين دون تمكين كل من الطرفين الساميين المتعاقدين من الإذن بتنفيذ الإنابات العدلية في المادة المدنية و التجارية المتعلقة بسماع مواطنيها انفسهم من خلال بعثاتها الدوبلوماسية أو القنصلية وتصنيف جنسية الشخص المراد سماعه طبق قانون الدولة التي يجب تنفيذ الإنابة العدلية فوق ترابها)(19). والملاحظ بهذا الشأن إن السلطات الممنوحة للممثل الدبلوماسي أوالقنصلي في زيادة نطاق الإنابة القضائية تختلف من إتفاقية دولية لأخرى، فالاتفاقية المصرية – الفرنسية لعام 1986 المشار اليها قد زادت ووسعت هذا النطاق إذ شملت فضلاً عن سماع شهادة شاهد يحمل جنسية ذلك الممثل الدبلوماسي أوالقنصلي، أجازت لهم طلب الخبراء لفحص الوثائق والمستندات والتأكد من هذا الفحص وكذلك إمكانية طلب تلك الوثائق والمستندات فالموضوع تعدى مجرد سماع شهادة شاهد يحمل جنسية ذلك الممثل(20). وهذا ما لا نجده في الإتفاقية الفرنسية – التونسية لعام 1972 المشار اليها أعلاه – إذ سارت في الإتجاه الغالب والذي يحدد المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي لنطاق واحد ومحدود هو سماع الشهادة في الدولة المعتمد لديها، على إن يكون ذلك الشاهد يحمل جنسية دولة هذا الممثل الدبلوماسي أو القنصلي. أما الإتفاقيات الثنائية التي عقدها العراق فقد أجازت للممثل الدبلوماسي والقنصلي من تنفيذ الإنابة القضائية لدى الدولة المعتمد لديها من الإتفاقية العراقية – البريطانية لعام 1935 إذ نصت على أنه (يجوز أيضاً إستماع البينة من قبل موظف قنصلي يمثل المملكة المصدرة وذلك بدون تدخل سلطات المملكة المنفذة)(21). وقد حددت هذه الإتفاقية نطاق الإنابة القضائية التي يجوز للقنصل المعتمد في تنفيذها فقط بسماع البينة الشهادة ولا يجوز له طبقاً لهذه الإتفاقية تنفيذ الإنابة القضائية للحصول على دليل آخر من أدلة الإثبات. وهذا يتفق مع ما نصت عليه المادة (5) من إتفاقية فينا للعلاقات القنصلية السابقة، المشار اليها، ومن ثم (عندما يرى القانون الخاص لدولة ما عن كثب ممثلين دبلوماسيين وقناصل يتجهون نحو الاعتراف بالحق الاجرائي على اراضي دولة متعاقدة على معايير لجمع الأدلة لكن هذا لا يكون إلا بشروط محددة دقيقة تعني بالاعمال القضائية التحقيقة ذاتها بكل معنى الكلمة وليس الاعمال والوثائق القضائية الاخرى)(22).

وقد أجازت إتفاقية الرياض لعام 1983 هذا التنفيذ بقولها (لا يحول ما تقدم دون السماح لكل من الأطراف المتعاقدة بسماع شهادة موطنها في القضايا المشار اليها آنفاً مباشرة من خلال ممثليها القنصليين أو الدبلوماسيين، وفي حالة خلاف حول جنسية الشخص المراد سماعه يتم تحديدها على وفق قانون الطرف المتعاقد المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية لديه)(23). الملاحظ بأن النص أعلاه يجيز فقط سماع شهادة الشاهد على إن يكون من مواطني الدولة المنيبة والتي تنظر احدى محاكمها الدعوى(24)، والواجب أمتداد نطاقها الى الأجراءات الأخرى التي تبدو ضرورية لدى الدولة الطالبة فيها لا يتعارض ذلك مع القوانين الدولية التي سينفذ الإنابة على أقليمها. وقد أجازت عدة أتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف على جواز تنفيذ الإنابة القضائية بوساطة الممثلين القنصليين أو الدبلوماسيين وأجازت إتفاقية لاهاي 1954 على تنفيذ الإنابة القضائية من قبل الممثلين الدبلوماسيين أو القنصليين إذ نصت (لا تتعارض أقسام المواد السابقة مع حق كل دولة في إن تعمل مباشرة على تنفيذ الإنابة القضائية بوساطة وكلائها الدبلوماسيين أو القنصليين إذا ما أجازت ذلك الأتفاقيات المبرمة بين الدول المعنية أو إذا لم تعارض فيه الدولة التي تنفذ الإنابة في أقليمها)(25). الملاحظ إن الأتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف لم تعطِ للمثل الدبلوماسي أو القنصلي الحق عند تنفيذ الإنابة القضائية في أستعمال وسائل الأكراه (ويجمع الفقه ليعترف لهذه الأخيرة (السلطات القنصلية) بسلطة تنفيذ هذه الطلبات في الدولة التي تم أيفادها اليها دون أستعمال. مع ذلك- أي الأكراه وشريطة إن تخضع لقانون تلك الدولة، وأن الأتفاقيات الدولية تسير في الأتجاه نفسه -أنظر الفصل 15 من إتفاقية لاهاي لعام 1970حول الحصول على الأدلة في الخارج)(26). وهذا الأتجاه ينسجم مع المبادئ العامة للقانون الدولي. ومع ذلك في حالة عجز الممثل الدبلوماسي أو القنصلي من تنفيذ الإنابة القضائية لأمتناع الشاهد من الحضور أجازت لهذا الطرف المتعاقد اللجوء الى محاكم الدولة المنابة المعتمدة لديها المتعاقدة لتنفيذ الإنابة القضائية بدلاً من الممثل الدبلوماسي أو القنصلي ومن ثم ألزام ذلك الشاهد من الحضور لآداء شهادته حتى ولو كان من رعايا دولة القنصل وهذا ما نجده في الإتفاقية العراقية – البريطانية المذكورة آنفاً التي تنص (في فشل محأولة أستماع البينة على الوجه الذي جاء في المادة التاسعة بناء على أمتناع الشهود من الحضور أو أعطاء الأفادة لا يمنع تقديم طلب بعد ذلك بموجب المادة 8)(27)، علماً إن هذه المادة من الإتفاقية قد أعطت الحق في إرسال طلب الإنابة القضائية من السلطة القضائية في الدولة المتعاقدة الى السلطة القضائية لدى الدولة المتعاقدة الأخرى لغرض تنفيذ الإنابة القضائية. والملاحظ إن إتفاقية الرياض لعام 1983 قد أجازت للممثل الدبلوماسي أو القنصلي القيام بتنفيذ الإنابة القضائية في القضايا المدنية والتجارية والأدارية وقضايا الأحوال الشخصية، ولكن حددت دليلاً واحداً هو سماع شهادة شاهد في تلك القضايا ولم تعط الحق للممثل الدبلوماسي أو القنصلي من تنفيذ الإنابة القضائية في شأن أدلة الأثبات الأخرى كالمعاينة أو الكشف أو غيرها، وهذا ما أشارت اليه صراحة بقولها: (ولا يحول ما تقدم دون السماع لكل من الأطراف المتعاقدة بسماع شهادة مواطنيها في القضايا المشار اليها آنفاً مباشرة من خلال ممثليها القنصليين أو الدبلوماسيين في حالة الخلاف حول جنسية الشخص المراد سماعه يتم تحديدها على وفق قانون الطرف المتعاقد المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية لديه)(28).

علاوة على إن الشخص المراد سماع شهادته إن يكون حامل جنسية دولة الممثل الدبلوماسي أو القنصلي، ولم تعط هذه الإتفاقية الحق للمثل الدبلوماسي أو القنصلي سماع شهادة شاهد يحمل جنسية الدولة المتعاقدة المعتمد لديها(29). ولكن هذه الإتفاقية لم تعالج حالة سماع شهادة شاهد يحمل جنسية دولة أخرى، يقيم لدى الدولة العربية المتعاقدة المنابة، وفي رأينا المتواضع لا يوجد ما يمنع من ذلك بشرط موافقة الدولة المتعاقدة المراد أتخاذ الأجراءات في أقليمها، فهذا التنفيذ لا يعد مساساً أو تجأوزاً على سيادة هذه الدولة بعد الحصول على تلك الموافقة، وهذا ينسجم مع المبادئ العامة للقانون الدولي، وخصوصاً إن الهدف من الإنابة القضائية هو الحصول على دليل من أدلة الأثبات في الخارج وصولاً للحقيقة وتحقيقاً للعدالة(30). في حالة الخلاف حول جنسية الشخص أو سماع شهادة فيتم تحديد تلك الجنسية على وفق القانون الداخلي للدولة المتعاقدة المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية في أقليمها(31). إن الإتفاقيتين العربيتين لعامي 1953 و 1983 قد حددتا الطرائق التي يتم تنفيذ الإنابة القضائية بموجبها، فيتم التنفيذ بوساطة السلطة القضائية بموجب إتفاقية 1953 أو بوساطة السلطة القضائية أو الممثل القنصلي أو الدبلوماسي بموجب إتفاقية الرياض 1983. لكن الأتفاقيتين لم تنصا على الطريق الثالث لتنفيذ الإنابة القضائية وهو إرسال قاض أو مفوض من قبل المحكمة التي تنظر الدعوى لتنفيذ الإنابة القضائية في أقليم الدولة المتعاقدة الأخرى(32). وفي رأينا المتواضع كان من الأجدر النص على هذا الطريق لتنفيذ الإنابة القضائية في الأتفاقيات العربية، وذلك لسرعة تنفيذ الإنابة القضائية ودقتها لقيامها من قبل القاضي نفسه الذي ينظر الدعوى الأصلية في دولته، وخصوصاً إن الدول العربية تتشابه في كثير من القواعد القانونية وتتقارب في أحيان أخرى، كذلك هناك تشابه في عاداتها وتقاليدها مما يجعل تنفيذ الإنابة القضائية من قبل القاضي الذي ينظر الدعوى لدى الدولة العربية الأخرى يتسم بالسهولة وعدم أصطدامه مع النظام العام في تلك الدولة، وعدم المساس بسيادة هذه الدولة المطلوب تنفيذ الإنابة في أقليمها، خصوصاً إذا علمنا بأن هناك دولاً تلجأ الى هذا الطريق لتنفيذ الإنابة القضائية في الخارج وهذا ما نراه في الدول الأنكلوسكسونية(33).

___________________

1- إدور عيد، مصدر سبق ذكره، ص 34.

-2Bernard Audit. Op. cit،. p350

3-عقدت الدول العربية اتفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف عديدة فيما بينها منها الاتفاقيات السورية – التونسية لعام 1980 والإتفاقية اللبنانية – التونسية لعام 1964 والمعقودة في بيروت، والإتفاقية المصرية – المغربية لعام 89 والمصرية الاردنية لعام1986 أما الإتفاقية مجلس التعاون العربي لعام 1989 وإتفاقية أتحاد المغرب العربي لعام 1991.

4- ذكر الأستاذ د. أحمد عبد الكريم سلامة (يعتبر تنظيم الإنابة القضائية من جانب إتفاقية التعاون القضائي المبرمة بين مصر وفرنسا خطوة الى الأمام في سبيل أدخال هذا النظام في القانون المصري على الأقل، فمن المعلوم إن قانون المرافعات المصري الحالي الصادر في 9 مايو 1968 قد جاء خلواً من أية قواعد تتعلق بالإنابة القضائية). مسائل الأجراءات…، مصدر سبق ذكره ص114.

-5Bernard Audit. Op، cit. p353

6- أدور عيد، مصدر سبق ذكره، ص35

7- ((أما فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية سواء كانت متعددة الأطراف أو ثنائية قد توقعت كلها إرسال التفويضات بوساطة سلطة معينة بهذا الخصوص عملياً، وزراء الدول، وكل دولة تعين السلطة المركزية تتكلف بأستقبال التفويضات غير الاستثنائية الصادرة من السلطة القضائية لدولة أخرى متعاقدة وإرسالها للسلطة المختصة بسلطة المؤهلة لكي يتم تنفيذها (إتفاقية لاهاي بتاريخ 18/3/1970، بالحصول على أدلة في الخارج بالمسائل المدنية والتجارية-الفصل2- الفقرة الأولى)) Geraldine Beliard، Eric Riquiers and Wang Xiao-Yan. Op; Cit، P 71.

8- المادة (40) من الإتفاقية.

9- المادتان (10) و (15) من الإتفاقية.

10- المادة (9) من الإتفاقية.

11- المادة (2) من الإتفاقية.

12- المادة (15) من إتفاقية الرياض.

13- المادة 7/1 من إتفاقية عام 1952 كذلك:

Geraldine Beliard، Eric Requier and Wang Xiao – Yon. op. Cit. P. 73.

14- المادة 13/أ من الإتفاقية كذلك: د. عكاشة محمد عبد العال ، الإجراءات المدنية…، مصدر سبق ذكره، ص293.

15- المادة (15) من الإتفاقية.

16-المادة 13/أ من الإتفاقية.

17- المادة 13/أ من الإتفاقية.

18- المادة 16 من الإتفاقية.

19- المادة (3) من الإتفاقية.

-20Istvan Szaszy، Op، Cit، P. 653.

21- المادة 9/أ من الإتفاقية.

-22BERNAD AUDIT، OP ; CIT. P. 755.

23- المادة 15/1 – ثانياً من إتفاقية الرياض.

24- د. أحمد عبد الكريم سلامة، إتفاقية الرياض…، مصدر سبق ذكره ص76

25- المادة 15 من إتفاقية لاهاي، كذلك: أحمد عبد الكريم سلامة، مسائل الأجراءات …، مصدر سبق ذكره ص2.

-26Geraldine Beliard، Eric Riquier and wang xiao، Yon، op; cit،. p. 72.

27- المادة (10) من الإتفاقية.

28- المادة 15/أ من إتفاقية الرياض.

29- د. أحمد عبد الكريم سلامة، إتفاقية الرياض …، مصدر سبق ذكره، ص76

30- د. هشام على صادق، مصدر سبق ذكره، ص233.

-31Youn Loussuan and Perrier Bouel، op; cit، p. 683.

32- د. جابر جاد عبد الرحمن، مصدر سبق ذكره، ص353.

33- د. عكاشة محمد عبد العال، الإجراءات المدنية…، مصدر سبق ذكره، ص299.

المؤلف : عبد المطلب حسين عباس الموسوي
الكتاب أو المصدر : الانابة القضائية في القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص87-97

اعادة نشر بواسطة محاماة نت