إن هذا التزام يقع على عاتق البنك بعد أن يتم فحص المستندات وتدقيقها وبعد أن يتم تقديم المستندات إلى البنك المكلف بالتنفيذ حيث سيقوم هذا بأداء قيمة المستندات وفقا لوسيلة أداء تم التنصيص عليها في عقد فتح الاعتماد، وهذا ما سنتناوله في هذا الموضوع من خلال فقرتين: الدفع الفوري والمؤجل( فقرة أولى )، القبول والخصم ( فقرة ثانية ).

الفقرة الأولى: الدفع الفوري والدفع المؤجل.

أولا: الدفع الفوري:

طريقة الوفاء بموجب الدفع الفوري لا يثير إشكالا، فقد يكون الوفاء نقدا أو شيكا أو بالقيد في حساب المستفيد إذا كان له حساب لدى البنك. وإذا قدمت المستندات عن طريق بنك آخر أوكله المستفيد نيابة عنه (1) في تقديم المستندات، فإن الدفع يتم بموجب مجموعة من القيود التي تكون بين البنكين تنتهي بقيد قيمة المتسندات لحساب المستفيد لدى البنك الذي أوكله هذا الأخير (2) بحجة إعطائه وقتا لفحص المستندات. وخلافا لحكم الفقرة( أ ) من المادة 14 من القواعد و الأعراف الموحدة للإعتماد المستندي التي أعطت للبنك المكلف بالتنفيذ مدة خمسة أيام عمل بنكية تلي يوم استلام المستندات ليفحصها ويعطي قراره بشأنها قبولا أو رفضا. والبنك ملزم بالوفاء للمستفيد بالعملة المحددة في الاعتماد، فإذا لم يتم تحديد نوع العملة في الاعتماد فعندئذ يكون الوفاء للمستفيد بالعملة المحددة ثمنا للبيع (3). إلا أنني أرى أنه إذا لم يتم تحديد العملة التي سيتم الوفاء بها في الاعتماد، فيجب أن يتم الوفاء بالعملة الوطنية للبنك المكلف بالتنفيذ.

ثانيا: الدفع المؤجل :

وفيه يلزم البنك المكلف بالتنفيذ عند تقديم المستندات إليه بدفع قيمة هذه المستندات في تاريخ محدد تم الاتفاق عليه في عقد فتح الاعتماد (4) ، وهذا يعني أن المستفيد لن يقبض هذه القيمة عند حلول الموعد المحدد (5) بموجب تعهد البنك الملتزم بالدفع المؤجل والذي عينه الاعتماد. ويفيد الدفع المؤجل المشتري في حالة وقوع غش في البضاعة من قبل المستفيد البائع، وذلك لأن موعد الدفع يكون عادة بعد استلام المشتري للبضاعة وفحصها والتأكد من أنها مطابقة للعقد الأساس المبرم بينه وبين المستفيد، ففي حالة الغش لا يعمل بمبدأ الإستقلال، ويستطيع المشتري أن يمنع البنك من الوفاء للمستفيد إذا ارتكب الأخير غشا في البضاعة، فهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن للبنك الامتناع عن الوفاء بحجج مستمدة من عقد البيع المبرم بين البائع والمشتري (6). بينما نجد أن البنك في حالة القبول لايستطيع الامتناع عن الوفاء حتى لو ارتكب المستفيد غشا ليس استنادا إلى التزامه بموجب الاعتماد وإنما استنادا لإلتزامه بموجب القبول (7) . وما يدعم حق المشتري في منع البنك من الوفاء في حالة الدفع المؤجل أن الاعتماد يعتبر غير منفذ إلى حين حلول موعد الدفع، وإذا سبق البنك أن قام بتقديم مبالغ للمستفيد قبل هذا التاريخ فإن ذلك يقع على مسؤوليته ويعتبر أمرا خارجا عن نطاق الاعتماد. و طبقا لمبدأ الحرفية في الاعتماد لا يجوز للبنك أن يقوم بالوفاء للمستفيد في اعتماد الدفع المؤجل إلا بحلول الأجل المحدد لذلك، و أي وفاء يتم قبل هذا التاريخ سواء كان كليا أو جزئيا فيكون على مسؤولية البنك باعتباره نوعا من المعاملة الخاصة التي يمنحها البنك لعميله (المستفيد في الاعتماد)(8) . أما إذا تم الوفاء من البنك للمستفيد عند حلول الأجل ولم يكن البنك قد اكتشف الغش أو لم يقم العميل بإخباره بالإمتناع عن الدفع، فعندئد يعتبر وفاء البنك للمستفيد صحيحا. وإذا أراد العميل مقاضاة المستفيد فيكون ذلك خارج الاعتماد وعلى أساس عقد البيع فقط، لأن الاعتماد المستندي ينتهي في هذه الحالة عند الوفاء للمستفيد (9) .

الفقرة الثانية: القبول والخصم .

أولا: القبول :

القبول هو تعهد المسحوب عليه تعهدا صرفيا بدفع قيمة السحب في ميعاد الإستحقاق (10) .أما في نطاق الاعتماد المستندي فيعني القبول: التعهد الذي يضعه البنك المصدر أو البنك المؤيد أو البنك المسمى على السحب المستندي، بعد أن يتأكد من مطابقة المستندات لشروط الاعتماد والتي تلزم هذا البنك بالوفاء بقيمة السحب في تاريخ استحقاقه (11) .

ويعتبر تقديم المستندات نظير القبول هو وسيلة التنفيذ التقليدية المستخدمة في البلاد الأنجلوسكسونية كما تستخدم في البلاد الأوربية (12) ، وتقديم السحب المستندي للقبول لدى البنك المكلف بذلك يجب أن يتم خلال فترة صلاحية الاعتماد ويجب أن يكون تاريخ استحقاقه موافقا للتاريخ المنصوص عليه في الاعتماد (13) . وإذا تم قبول السحب الذي أرفق بمستندات الاعتماد من قبل البنك المسمى لهذه الغاية اعتبر الاعتماد منتهيا (14)، ويبقى السحب في هذه الحالة بيد المستفيد لحين حلول أجله، لكن المستفيد يستطيع أن يخصمه لدى بنكه كأي ورقة تجارية كونه مسحوبا نظير مستندات، ويتحمل هو بذلك مصاريف الخصم (15) . وفي حالة قبل المستفيد أن يبقى السحب كأي سحب آخر دون النظر إلى كونه سحبا تنفيذيا لاعتماد مستندي، فإن البنك القابل سوف يدفع قيمته بتاريخ استحقاقه (16). ويحق للمستفيد أن يظهر السحب المستندي الصادر لإذن، أو يقوم بتسليمه إلى الغير إذا كان للحامل مقابل حصوله على قيمته من الغير، فيكون على البنك القابل أن يدفع قيمته بتاريخ الإستحقاق ولو نشب نزاع بين البائع والمشتري ولو بعد القبول. ووفقا للقواعد والأعراف الموحدة للإعتماد المستندي فإن القبول قد يتم من البنك المصدر أو قد يتم من البنك المكلف بقبول السحب بموجب خطاب الاعتماد. أما البنك المبلغ فيقتصر دوره على تبليغ الاعتماد للمستفيد وبالتالي إذا لم يكن البنك المبلغ مفوضا بموجب نص الاعتماد بقبول السحب المستندي فإن وضع قبوله على السحب يلزمه صرفيا أمام المستفيد ، وبالتالي لا يستطيع التنكر لقبوله ورفض وفاء السحب المقبول في تاريخ استحقاقه (17) . هذا كله بالنسبة للقبول الصادر بموجب اعتماد قطعي، أما بالنسبة للاعتماد الغير القطعي، فإذا وضع البنك المسمى( الوسيط ) قبوله على السحب المستندي المرفق بمستندات مطابقة لشروط الاعتماد قبل تلقيه إشعارا من البنك المصدر يقضي بتعديل أو إلغاء الاعتماد فإن البنك المصدر يلتزم بتغطية البنك الوسيط المكلف بالتنفيذ والذي صدر منه هذا القبول (18).

ثانيا: الخصم :

إن الخصم في الاعتماد المستندي يتميز بأنه لا يمكن فيه للبنك أن يرجع على المستفيد إذا تخلف المسحوب عليه على الوفاء بقيمة السحب (19). وبالتالي نجد أن القاعدة المقررة في نطاق الأوراق التجارية، والتي تقضي بحق الحامل بالرجوع على الساحب والمظهرين اللاحقين لا تنطبق في حالة الاعتماد المستندي حتى ولو امتنع المسحوب عليه من الوفاء أو توقف عن الدفع (20). وهذا بالنسبة للبنك الخاصم فاتحا كان أو مؤيدا أو مكلفا بإجراء الخصم. والسحب الذي يقدمه المستفيد قد يكون مسحوبا على المشتري أو على البنك المصدر أو على أي بنك آخر يحدده الاعتماد. ومن حيث استحقاقه قد يكون مستحقا بمجرد الاطلاع أو مستحقا في تاريخ معين ( سحب لأجل ). والخصم قد يقوم به البنك المصدر أو البنك المؤيد أو البنك الوسيط إعمالا لشروط الاعتماد (21) . ويلاحظ من نص المادة 9 من القواعد والأعراف الموحدة أنه يجب أن تكون المستندات مطابقة لشروط الاعتماد حتى يعمل بمبدأ عدم الرجوع. وبالتالي فإذا كانت المستندات غير مطابقة فإنه لا يعمل بمبدأ الرجوع، وذلك لأن الخصم في هذه الحالة هو وسيلة من وسائل التنفيذ في الاعتماد المستندي. وتنفيذ الاعتماد المستندي يجب أن يكون لقاء مستندات مطابقة لبنود وشروط الاعتماد أما إذا كانت المستندات غير مطابقة فيكون التنفيذ الذي تم للبائع مشوبا بعيب من صنعه، و بالتالي يجوز للبنك المصدر أو المكلف بالتنفيذ أن يعود على البائع بما دفعه خطأ نتيجة عملية الخصم (22) . والبنك الوسيط الذي يقوم بعملية الخصم يجب أن يكون مخولا بهذا صراحة أو يكون الاعتماد متاحا للخصم لدى كافة البنوك حتى يكون الخصم بدون رجوع، وبالتالي فالبنك الوسيط الذي يجري عملية الخصم دون أن يكون موكلا بذلك من البنك المصدر فهو يقوم بهذه العملية على مسؤوليته الخاصة بعيدا عن الاعتماد، وبالتالي لا يحرم من الاستفادة من مبدأ الرجوع على الساحب المستفيد في حالة ما لم يتم الوفاء من المسحوب عليه (23) . ويرى البعض أن البنك المكلف بتنفيذ الاعتماد عن طريق الخصم لا يفحص المستندات، ويقبلها كما قدمت إليه من الشخص الذي قدم السحب. لكنني أرى بما أن الخصم في هذه الحالة هو وسيلة من وسائل تنفيذ الاعتماد، فإن التنفيذ لا يكون إلا نظير مستندات مطابقة وبالتالي فواجب البنك في هذه الحالة أن يتأكد من مطابقة المستندات وإلا عد مسؤولا عن أي تنفيذ نظير مستندات غير مطابقة.

__________________

1- نجوى كمال محمد أبو الخير: البنك والمصالح المتعارضة في الاعتماد المستندي. دراسة للقضاء والفقه المقارن القاهرة 1993 ، ص: 299 .

2- حسين شحاتة: موقف البنك من المستندات المخالفة في الاعتماد المستندي منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2000، ص: 276

3- فيصل محمود مصطفى النعيمات : مسؤولية البنك في قبول المستندات في نظام الاعتماد المستندي . دار وائل للنشر 2005 ، ص: 217

4- عباس هلال: مسؤولية البنك في عقود الإتمان ورسالة دكتوراه جامعة القاهرة 1993 ، ص: 150

5- عوض علي جمال الدين: الاعتمادات المستندية، دراسة للقضاء وللفقه المقارن وقواعد سنة 1993 الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة 199 ، ص 344.

6- علي جمال الدين عوض: المرجع السابق، ص: 343

7- Del Besto Charles : Op. cit.، P. :162.

8- صليب بطرس و ياقوت العشماوي: الاعتماد المستندي القاهرة. 1984 ، ص: 104

9- فيصل محمود مصطفى النعيمات : مسؤولية البنك في قبول المستندات في نظام الاعتماد المستندي . دار وائل للنشر 2005 ، ص: 219

10- عبد الحميد الشورابي: القانون التجاري، الأوراق التجارية في ضوء الفقه والقضاء. منشأة المعارف بالإسكندرية 1993 ، ص: 65 .

11- عباس هلال: المرجع السابق، ص: 159

12- المرجع السابق، ص: 151

13- نجوى أبو الخير: المرجع السابق، ص: 294

14- عوض علي جمال الدين: المرجع السابق، ص: 346

15- إلياس السفري: أصول فحص المستندات المقدمة بموجب الاعتمادات المستندية الدار العربية للعلوم، ناشرون 2004 ، ص: 192

16- Jean-Luc Pierre : Droit du commerce international، librairie de la cour de cassation، Paris 1997، p : 493.

17- Ahmed SLAMTI، Abdelkarim RAGHNI: Op. cit. p: 126.

18- المادة 8 من النشرة 600 من القواعد والأعراف الموحدة للإعتماد المستندي.

19- عباس هلال: المرجع السابق، ص: 159 وكذلك سائد عبد الحافظ المحتسب: المرجع السابق، ص: 180 .

20- تراجع المادة 196 من مدونة التجارة رقم 95 / 15 المغربية.

21- نجوى أبو الخير: المرجع السابق، ص: 297

22- فيصل محمود مصطفى النعيمات: المرجع السابق: ص: 223

223 23- المرجع السابق

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .