شروط المسؤولية الدولية وحالاتها

المبحث الأول : شروط المسئولية الدولية
أولاً- الضرر وإسناده إلى الدولة:

يشترط أن يكون هناك ضرر أصاب دولة من الدول، ويقصد بالضرر هنا المساس بحق أو بمصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون الدولي العام، ويجب أن يكون الضرر فعلي أي أن يكون هناك إخلال حقيقي بحقوق الدولة التي تشكو هذا الضرر.

* ويختلف معنى الضرر في العلاقات الدولية عن معناه في علاقات القانون الداخلي فالقانون الدولي ينظم علاقات الدولة ويحمي مصالحها المشروعة، وهذه المصالح غالباً ما تأخذ الصفة السياسية، ولذلك فإن الاعتداء على هذه المصالح قد يتسبب عنه ضرر معنوي أو أدبي، غير أن أحكام المسئولية الدولية تسوي في الحكم بين الضرر المادي كالاعتداء على حدود الدولة مثلاً، والضرر المعنوي أو الأدبي وهو الضرر الذي لا يمس المصالح المالية للمضار كامتهان كرامة ممثلي الدولة أو الإخلال بما يجب لها من الاحترام ويجب أن ينسب الضرر للدولة ويعتبر القانون الدولي أن الفعل الذي تسبب في الضرر منسوب للدولة إذا كان صادراً من سلطاتها العامة ويمتد اصطلاح سلطات الدولة هنا إلى كل فرد أو هيئة تمارس اختصاصاً معيناً وفقاً لأحكام القانون الداخلي وتنشأ المسئولية الدولية في هذه الحالة دون تفرقة بين سلطات الدولة العامة أي يستوي أن يكون الفعل المنسوب إلى الدولة صادراً عن سلطاتها التشريعية أو القضائية أو التنفيذية.
ثانياً- أن يكون الضرر نتيجة فعل غير مشروع:
يجب أن يكون الفعل الذي سبب الضرر غير مشروع من وجهة نظر القانون الدولي العام أما إذا كان الضرر نتيجة لمباشرة الدولة لحقوقها الطبيعية أو أدائها لالتزاماتها القانونية وفي الحدود التي قررها لها القانون الدولي العام دون تعسف من جانبها في استعمال هذا الحق وامتنع قيام المسئولية الدولية عنها.

ولا تسأل الدولة عن الأضرار الناتجة عن استعمال حقوقها إلا إذا تعسفت في ذلك كما لو قصدت الإضرار بدولة أجنبية أو بالأجانب المقيمين فيها، أو إذا كان استعمالها لهذا الحق يرتب فائدة لا يمكن مقارنتها بالأضرار التي تلحق بالغير، كما لو أصدرت الدولة تشريعاً يقضي بتحديد ملكية الأجانب للأراضي الزراعية داخل إقليمها ثم يتضح أن هذا التشريع قصد به الأفراد الذين يتمتعون بجنسية معينة دون سواهم.

أو أن تقوم الدولة بإصدار تشريع يحدد اتساع مياهها الإقليمية بشكل يهدد مصالح الدول الأخرى.
ثالثاً- أن يكون هناك خطأ من جانب الدولة:
يجب لترتب المسئولية الدولية على الدولة أن يكون هناك خطأ من جانب هذه الدولة، سواء كان هذا الخطأ متعمداً أو كان نتيجة إهمال منها، فإذا انتفى الخطأ كلية من جانب الدولة المشكو منها انتفت بذلك مسئوليتها الدولية.
وقررت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة حالات خاصة تنتفي فيها المسئولية الدولية من جانب الدولة وهي حالات ضرورية منها:
1- لا تسأل الدولة عن الأضرار التي تصيب الأجانب إذا كانت الإجراءات التي اتخذتها قد اقتضتها قوة قاهرة أو حالة ضرورة ناشئة عن خطر جسيم حال يهدد مصلحة حيوية للدولة على شرط ألا تكون هي المتسببة في ذلك ولم تكن تستطيع تجنبه بطريقة أخرى.
2- كذلك، لا تسأل الدول عن الأضرار التي وقعت إذا كان الفعل الضار منشئوه خطأ ارتكبه الأجنبي ذاته.
3- في حالة عدم إمكان قبولها كأسباب معفية من المسئولية تعتبر كل من القوة القاهرة وحالة الضرورة والخطأ المنسوب للأجنبي كظروف مخففة عند تحديد قدر التعويض.
* وهناك جانب من الفقه يرى أن الدولة يمكن أن تسأل مسئولية مجردة من الخطأ في الأحوال التي تمارس فيها الدولة نشاطاً يتسم بطابع الخطر غير المألوف كما لو قامت الدولة بإجراء بعض التجارب النووية لأغراض سلمية.

المبحث الثاني : حالات المسئولية الدولية
أولاً- المسئولية الدولية التعاقدية:
تثور المسئولية الدولية التعاقدية عند انتهاك الدولة لأحكام المعاهدات أو المواثيق الدولية التي أبرمتها مع الدول الأخرى، وبالتالي تلتزم الدولة بالتعويض كإصلاح للضرر وتلتزم بذلك حتى إن لم تنص المعاهدة على التعويض، لأن جبر الضرر مبدأ مستقر في القانون الدولي.
* وفي مجال الحديث عن مسئولية الدولية التعاقدية يفرق بين مسئولية الدولة عن تعهداتها تجاه دولة أخرى، ومسئوليتها عن تعهداتها قبل الأفراد التابعين لدولة أجنبية ويفرق في الحالة الأخيرة بين ما تبرمه الدولة من عقود مع الأفراد التابعين لدولة أجنبية بصفته شخصاً معنوياً مادياً، وما تبرمه الدولة من عقود مع هؤلاء الأفراد باعتبارها سلطة عامة وارتكاناً إلى سيادتها.

* وفيما يتعلق بانتهاك الدولة لعقد أبرمته مع أجنبي بصفتها شخصاً معنوياً فلا يترتب ذلك حتماً مسئوليتها الدولية حيال الدولة التي يتبعها الأجنبي، فالشخص الذي يشكو ضرراً من هذا الانتهاك يلجأ إلى القضاء مطالباً بالتنفيذ أو التعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة لهذا الإخلال بشرط أنه يجب ملاحظة أن المقصود بالتدخل هنا هو التدخل دبلوماسياً أو يرفع الأمر إلى القضاء الدولي وليس التدخل باستعمال القوة لأن ذلك يتمشى مع مبدأ فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ولقد ظهر في هذه الفترة مبدأ دراجو وزير خارجية الأرجنتين ومقتضاه أنه لا يجوز لدولة الدائنين أن تتخذ إجراءات الإكراه ضد الدولة المدينة.
ثانياً- المسئولية الدولية التقصيرية:
معظم القضايا التي تعرض على المحاكم الدولية يكون أساسها فعل خاطئ أتته الدولة وتعد الدولة مسئولة عن تصرفات سلطاتها أو هيئاتها العامة المخالفة لقواعد القانون الدولي حتى إن كانت متفقة على قواعد القانون الداخلي ويستوي في ذلك التصرفات الإيجابية أما السلبية.

1- مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية:
إذا لم تراع السلطة التشريعية للدولة عند قيامها بإصدار التشريعات عدم تعارض هذه التشريعات مع قواعد القانون الدولي ترتبت مسئوليتها الدولية عن كل ما يترتب على تنفيذ هذه التشريعات من مساس بحقوق الدول الأخرى أو برعاياها.
ومسئولية الدولة قد تترتب في إحدى حالتين:
الحالة الأولى: هي حالة إصدارها لتشريع يخالف التزاماتها الدولية وتكون مسئولية الدولة هنا نتيجة عمل إيجابي صادر من جانبها.
الحالة الثانية: هي حالة إعمال إهمال الدولة إصدار تشريع ضروري لتنفيذ الالتزامات الدولية والمحافظة عليها.

* ولقد ثار الخلاف في الفقه حول ما إذا كان مجرد صدور قواعد تشريعية مخالفة لأحكام القانون الدولي يعتبر في حد ذاته عملاً غير مشروع يرتب المسئولية الدولية. أم أن المسئولية تترتب عندما تضع الدولة هذا التشريع موضع التنفيذ وهنا تجب التفرقة بين نوعين من التشريعات:
الأول: هو التشريع الذي يقع الضرر بمجرد صدوره دون حاجة إلى إجراءات تنفيذية ومن ذلك قانون يلغي الحصانات الدبلوماسية، فهذا النوع من التشريعات يرتب المسئولية الدولية ويعطي الدولة المتضررة طلب إلغاءه أمام محكمة العدل الدولية.

الثاني: وهو التشريع الذي يستلزم تنفيذه إجراءات لاحقة ومن ثم فإن الضرر لا يقع بمجرد صدور التشريع ولكنه يقع بالتنفيذ الفعلي له مثال أن تصدر السلطة التشريعية للدولة قانوناً يتقرر فيه حرمان الأجانب الموجودين على إقليم الدولة من بعض الحقوق الثابتة لهم أو بتأميم ممتلكاتهم الموجودة في هذا الإقليم دون أن تمنحهم مقابل ذلك التعويض المناسب في هذه الحالة لا يقع الضرر بمجرد صدور هذا التشريع موضع التنفيذ، فالضرر هنا يتحقق بالنزاع الفعلي للملكية بمقتضى قرارات إدارية أو أحكام قضائية أو إجراءات تنفيذية ومن ثم فإن مسئولية الدولة في مثل هذه الحالة لا تترتب بمجرد صدور التشريع وإنما على تنفيذه ووقوع الضرر نتيجة لهذا التنفيذ.

2- مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة القضائية:
تقوم مسئولية الدولة عن أعمال سلطتها القضائية إذا أصدرت أحكاماً متعارضة مع قواعد القانون الدولي، ولا تستطيع الدولة أن تحتج باستقلال السلطة القضائية لأن مجال إعمال ذلك يكون في النطاق الداخلي، أما الدول الأجنبية فلا شأن لها بذلك كما لا يمكن للدولة دفع مسئوليتها بحجة أن لأحكام محاكمها قوة الشيء المحكوم فيه، وذلك لأنه هذه الفكرة تنطبق داخل إقليم الدولة فقط، بينما تظهر الدولة في ميدان العلاقات الدولية كشخصية ذات إرادة ذاتية واحدة مهما اختلفت وسائل التعبير عنها.

* وتعارض حكم القضاء مع قواعد القانون الدولي قد يأخذ إحدى صور ثلاث على الوجه التالي:
أ- قد يتضمن الحكم تفسيراً خاطئاً لنص داخلي مما يؤدي إلى تعارضه مع القانون الدولي.
ب- قد يتضمن الحكم تطبيق نص متعارض في ذاته مع قواعد القانون الدولي.
ج- قد يتضمن الحكم خطأ في تفسير قاعدة دولية التزم القاضي بالرجوع إليها تطبيقاً لنص داخلي.
* وتسأل الدولة في حالة إنكار العدالة، وفكرة إنكار العدالة تعني إحدى الصور الآتية:
أ- حرمان الأجنبي من حق اللجوء إلى محاكم الدولة للدفاع عن حقوقه.
ب- أن يكون هناك نقص في إجراءات التقاضي يؤدي إلى إخلال فادح بالضمانات التي يكفلها القانون الداخلي للمتقاضين.
ج- أن كون الحكم الصادر من المحكمة ضد الأجنبي يتسم بالتعسف تحت تأثير نزعة خاصة أو شعور عدائي ذد الأجانب أو ضد جنسية هذا الأجنبي بالذات.
* ومن المتفق عليه أن الدول لا تسأل عن الأخطاء الصادرة من محاكمها إذا كانت مبنية على خطأ في تقدير الوقائع أو في التطبيق القانون الوطني متى تم ذلك بحسن نية، فما دام القضاء الوطني قد بذل العناية المعقولة في سبل تحقيق العدالة فتنقض المسئولية عن الأحكام الصادرة منه والتي يشوبها خطأ من هذا النوع.
3- مسئولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية:
تسأل الدولة عن الأعمال الإيجابية والسلبية التي تصدر سلطتها التنفيذية وتتضمن إخلالاً بقواعد القانون الدولي أو بواجبات الدولة تجاه الدول الأخرى، ويدخل في مدلول السلطة التنفيذية للدولة جميع الجهات التي تتولى شئون الإدارة في الدولة أو تشرف عليها سواء كانت من السلطات المركزية أو المحلية وسواء صدرت من كبار موظفي الدولة أم صغارها، فإذا صدر قرار وزاري بالاستيلاء على دار سفارة أجنبية فإن مثل هذا القرار يعتبر عملاً غير مشروع في حد ذاته وتترتب مسئولية الدولة عليه بمجرد صدوره.
ويشترط أن تكون الأعمال أثناء مباشرة الاختصاصات الرسمية المحددة وفق القانون الوطني غير أن هناك جانباً كبيراً من الفقه يؤدي مبدأ مسئولية الدولة عن أعمال موظفيها حتى لو كانت تلك الأعمال خارجة عن نطاق اختصاصهم وأساس ذلك المظهر الذي جعل الموظف يبدو للآخرين بأنه يتصرف باعتباره موظفاً عاماً له حق التصرف بصفته هذه في الحالة موضوع المسئولية.
وخلاصة القول أن الدول تتحمل تبعة المسئولية الدولية عن أعمال موظفيها إذا كانت هذه الأعمال مرتبطة بالوظيفة أو تمت تحت ستارها.
* ويثور التساؤل عن تحمل الدولة تابعة للمسئولية الدولة عن تصرفات الأفراد العاديين الذين لا يحملون صفة الموظف العام، وقد استقر الفقه والقضاء الدوليين على أن الدولة تتحمل تبعة المسئولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة التي تصدر عن الأفراد العاديين أياً كانت جنسيتهم ما دامت قد ارتكبت على إقليم الدولة وأساس مسئولية الدولية هنا ينبغي على هدم وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية والتي تقضي باتخاذ التدابير الكفيلة بمراعاة قواعد القانون الدولي وتنفيذها في إقليمها، ومسئولية الدولة هنا مسئولية تقصيرية ناشئة عن سيادة الدولة وما تعترض هذه السيادة مقدرة فعلية على فرض احترام قواعد القانون الدولي على جميع الأفراد المقيمين على إقليمها.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت